فهرس تفسير الطبري للسور

13 - تفسير الطبري سورة الرعد

التالي السابق

تفسير سورة الرعد

( أول تفسير السورة التي يذكر فيها الرعد )

( بسم الله الرحمن الرحيم )

( ربِّ يسِّر )

 

القول في تأويل قوله تعالى : المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ( 1 )

قال أبو جعفر: قد بينا القول في تأويل قوله الر

و ( المر ) ، ونظائرهما من حروف المعجم التي افتتح بها أوائل بعض سور القرآن، فيما مضى، بما فيه الكفاية من إعادتها غير أنا نذكر من الرواية ما جاء خاصًّا به كل سورة افتتح أولها بشيء منها.

فما جاء من الرواية في ذلك في هذه السورة عن ابن عباس من نقل أبي الضحى مسلم بن صبيح وسعيد بن جبير عنه، التفريقُ بين معنى ما ابتدئ به أولها، مع زيادة الميم التي فيها على سائر السور ذوات الر ومعنى ما ابتدئ به أخواتها مع نقصان ذلك منها عنها.

ذكر الرواية بذلك عنه:

حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن، عن هشيم, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( المر ) قال: أنا الله أرى .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك, عن عطاء بن السائب, عن أبي الضحى, عن ابن عباس: قوله: ( المر ) قال: أنا الله أرى .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان, عن مجاهد: ( المر ) : فواتح يفتتح بها كلامه .

وقوله: ( تلك آيات الكتاب ) يقول تعالى ذكره: تلك التي قصصت عليك خبرَها، آيات الكتاب الذي أنـزلته قبل هذا الكتاب الذي أنـزلته إليك إلى من أنـزلته إليه من رسلي قبلك .

وقيل: عنى بذلك: التوراة والإنجيل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( المر تلك آيات الكتاب ) الكتُب التي كانت قبل القرآن .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان, عن مجاهد: ( تلك آيات الكتاب ) قال: التوراة والإنجيل .

وقوله: ( والذي أنـزل إليك من ربك الحق ) [ القرآن ] ، فاعمل بما فيه واعتصم به.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان, عن مجاهد: ( والذي أنـزل إليك من ربك الحق ) قال: القرآن .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( والذي أنـزل إليك من ربك الحق ) : أي: هذا القرآن .

وفي قوله: ( والذي أنـزل إليك ) وجهان من الإعراب:

أحدهما: الرفع، على أنه كلام مبتدأ, فيكون مرفوعا بـ « الحق » و « الحق به » . وعلى هذا الوجه تأويل مجاهد وقتادة الذي ذكرنا قبل عنهما .

والآخر: الخفض على العطف به على ( الكتاب ) , فيكون معنى الكلام حينئذ: تلك آياتُ التوراة والإنجيل والقرآن. ثم يبتدئ ( الحق ) بمعنى: ذلك الحق فيكون رفعه بمضمر من الكلام قد استغنى بدلالة الظاهر عليه منه .

ولو قيل: معنى ذلك: تلك آيات الكتاب الذي أنـزل إليك من ربك الحق وإنما أدخلت الواو في « والذي » , وهو نعت للكتاب, كما أدخلها الشاعر في قوله:

إلَــى المَلِـكِ القَـرْمِ وَابْـنِ الهُمَـامِ وَلَيْــثَ الكَتِيبَــةِ فِــي المُزْدَحَـمْ

فعطف بـ « الواو » , وذلك كله من صفة واحد, كان مذهبًا من التأويل.

ولكن ذلك إذا تُؤُوِّل كذلك فالصواب من القراءة في ( الحق ) الخفض، على أنه نعت لـ ( الذي ) .

وقوله: ( ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) ولكن أكثر الناس من مشركي قومك لا يصدقون بالحقّ الذي أنـزل إليك من ربك, ولا يقرّون بهذا القرآن وما فيه من محكم آيه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ( 2 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله، يا محمد، هو الذي رفع السموات السبع بغير عَمَد ترونها, فجعلها للأرض سقْفًا مسموكًا .

و « العَمَد » جمع « عمود » , وهي السَّواري, وما يعمد به البناء, كما قال النابغة:

وَخَـيِّسِ الجِـنَّ إنِّـي قَـدْ أذِنْـتُ لَهُمْ يَبْنُــون تَدْمُــرَ بِالصُّفَّـاحِ وَالعَمَـدِ

وجمع « العمود: » « عَمَد, » كما جمع الأديم: « أدَم » , ولو جمع بالضم فقيل: « عُمُد » جاز, كما يجمع « الرسول » « رسل » , و « الشَّكور » « شكر » .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( رفع السماوات بغير عمد ترونها ) .

فقال بعضهم: تأويل ذلك: الله الذي رفع السموات بعَمَدٍ لا ترونها .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن هشام قال: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا عمران بن حدير, عن عكرمة قال: قلت لابن عباس: إن فلانًا يقول: إنها على عمد يعنى السماء؟ قال: فقال: اقرأها ( بغير عمَدٍ ترونها ) : أي لا ترونها .

حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدثنا معاذ بن معاذ, عن عمران بن حدير, عن عكرمة, عن ابن عباس, مثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال: ثنا عفان قال: حدثنا حماد قال: حدثنا حميد, عن الحسن بن مسلم, عن مجاهد في قوله: ( بغير عمد ترونها ) ، قال: بعمد لا ترونها .

حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد, عن حميد, عن الحسن بن مسلم, عن مجاهد, في قول الله: ( بغير عمد ترونها ) قال: هي لا ترونها .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( بغير عمد ) يقول: عمد [ لا ترونها ] .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

...... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن الحسن وقتادة قوله: ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) قال قتادة: قال ابن عباس: بعَمَدٍ ولكن لا ترونها .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس, قوله: ( رفع السماوات بغير عمد ترونها ) قال: ما يدريك؟ لعلها بعمد لا ترونها.

ومن تأوَّل ذلك كذلك, قصد مذهب تقديم العرب الجحدَ من آخر الكلام إلى أوله, كقول الشاعر

وَلا أرَاهَـــا تَـــزَالُ ظَالِمَـــةً تُحْــدِثُ لِــي نَكْبَــةً وتَنْكَؤُهَــا

يريد: أراها لا تزال ظالمة, فقدم الجحد عن موضعه من « تزال » , وكما قال الآخر:

إذَا أَعْجَـبَتْكَ الدَّهْـرَ حَـالٌ مِنَ امْرِئٍ فَدَعْــهُ وَوَاكِــلْ حَالَــهُ وَاللَّيَاليَـا

يَجِـئْنَ عَـلَى مَـا كَـانَ مِنْ صَالحٍ بِهِ وَإنْ كَـانَ فِيمـا لا يَـرَى النَّـاسُ آلِيَا

يعني: وإن كان فيما يرى الناس لا يألو .

وقال آخرون، بل هي مرفوعة بغير عمد .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: أخبرنا آدم قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن إياس بن معاوية, في قوله: ( رفع السماوات بغير عمد ترونها ) قال: السماء مقبّبة على الأرض مثل القبة .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( بغير عمد ترونها ) قال: رفعها بغير عمد .

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى: ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) فهي مرفوعة بغير عمد نَراها, كما قال ربنا جل ثناؤه . ولا خبر بغير ذلك, ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه .

وأما قوله: ( ثم استوى على العرش ) فإنه يعني: علا عليه .

وقد بينا معنى الاستواء واختلاف المختلفين فيه، والصحيح من القول فيما قالوا فيه، بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله: ( وسخر الشمس والقمر ) يقول: وأجرى الشمس والقمر في السماء, فسخرهما فيها لمصالح خلقه, وذلَّلَهما لمنافعهم, ليعلموا بجريهما فيها عدد السنين والحساب, ويفصلوا به بين الليل والنهار .

وقوله: ( كل يجري لأجل مسمَّى ) يقول جل ثناؤه: كل ذلك يجري في السماء ( لأجل مسمى ) : أي: لوقت معلوم, وذلك إلى فناء الدنيا وقيام القيامة التي عندها تكوَّر الشمس, ويُخْسف القمر، وتنكدر النجوم.

وحذف ذلك من الكلام، لفهم السامعين من أهل لسان من نـزل بلسانه القرآن معناه, وأن ( كلّ ) لا بدَّ لها من إضافة إلى ما تحيط به .

وبنحو الذي قلنا في قوله: ( لأجل مسمى ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمّى ) قال: الدنيا .

وقوله: ( يدبِّر الأمر ) يقول تعالى ذكره: يقضي الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمورَ الدنيا والآخرة كلها, ويدبِّر ذلك كله وحده, بغير شريك ولا ظهير ولا معين سُبْحانه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( يدبر الأمر ) يقضيه وحده .

......... قال حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, بنحوه .

وقوله: ( يفصل الآيات ) يقول: يفصل لكم ربُّكم آيات كتابه, فيبينها لكم احتجاجًا بها عليكم، أيها الناس ( لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) يقول: لتوقنوا بلقاء الله, والمعاد إليه, فتصدقوا بوعده ووعيده، وتنـزجروا عن عبادة الآلهة والأوثان, وتخلصوا له العبادة إذا أيقنتم ذلك .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ( لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) ، وإن الله تبارك وتعالى إنما أنـزل كتابه وأرسل رسله، لنؤمن بوعده, ونستيقن بلقائه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( 3 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والله الذي مَدَّ الأرض, فبسطها طولا وعرضًا .

وقوله: ( وجعل فيها رواسي ) يقول جل ثناؤه: وجعل في الأرض جبالا ثابتة.

و « الرواسي: » جمع « راسية » ، وهي الثابتة, يقال منه: « أرسيت الوتد في الأرض » : إذا أثبته, كما قال الشاعر:

بــهِ خَــالِدَاتٌ مَـا يَـرِمْنَ وهَـامِدٌ وَأشْــعَثُ أرْسَــتْهُ الوَلِيـدَةُ بِـالفِهْرِ

يعني: أثبتته .

وقوله: ( وأنهارًا ) يقول: وجعل في الأرض أنهارًا من ماء .

وقوله: ( ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ) فـ ( من ) في قوله ( ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ) من صلة ( جعل ) الثاني لا الأول .

ومعنى الكلام: وجعل فيها زوجين اثنين من كل الثمرات . وعنى بـ ( زوجين اثنين ) : من كل ذكر اثنان, ومن كل أنثى اثنان, فذلك أربعة، من الذكور اثنان، ومن الإناث اثنتان في قول بعضهم .

وقد بينا فيما مضى أن العرب تسمي الاثنين: ( زوجين ) , والواحد من الذكور « زوجًا » لأنثاه, وكذلك الأنثى الواحدة « زوجًا » و « زوجة » لذكرها, بما أغمى عن إعادته في هذا الموضع .

ويزيد ذلك إيضاحًا قول الله عز وجل: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى [ سورة النجم: 45 ] فسمى الاثنين الذكر والأنثى ( زوجين ) .

وإنما عنى بقوله: ( زوجين اثنين ) ، نوعين وضربين .

وقوله: ( يغشي الليل النهار ) ، يقول: يجلِّل الليلُ النهارَ فيلبسه ظلمته, والنهارُ الليلَ بضيائه، كما:-

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( يغشي الليل النهار ) أي: يلبس الليل النهار .

وقوله: ( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) ، يقول تعالى ذكره: إن فيما وصفت وذكرت من عجائب خلق الله وعظيم قدرته التي خلق بها هذه الأشياء, لَدلالات وحججًا وعظات, لقوم يتفكرون فيها، فيستدلون ويعتبرون بها, فيعلمون أن العبادة لا تصلح ولا تجوز إلا لمن خلقها ودبَّرها دون غيره من الآلهة والأصنام التي لا تقدر على ضر ولا نفع ولا لشيء غيرها, إلا لمن أنشأ ذلك فأحدثه من غير شيء تبارك وتعالى وأن القدرة التي أبدع بها ذلك، هي القدرة التي لا يتعذَّر عليه إحياء من هلك من خلقه، وإعادة ما فني منه وابتداع ما شاء ابتداعَه بها .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( 4 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره ( وفي الأرض قطع متجاورات ) ، وفي الأرض قطع منها متقاربات متدانيات، يقرب بعضها من بعض بالجوار, وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض, فمنها قِطْعة سَبَخَةٌ لا تنبت شيئًا في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: السَّبَخة والعَذِيَة, والمالح والطيب .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد, قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: سِبَاخٌ وعَذَويّة .

حدثني المثنى قال: ثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد, مثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا سعيد بن سليمان قال: حدثنا إسحاق بن سليمان, عن أبي سنان, عن ابن عباس في قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: العَذِيَة والسَّبخة .

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) يعني: الأرض السبخة, والأرض العذية, يكونان جميعًا متجاورات, يُفضِّل بعضها على بعض في الأكُل .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: ( قطع متجاورات ) العذية والسبخة، متجاورات جميعًا, تنبت هذه, وهذه إلى جنبها لا تُنْبِت .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( قطع متجاورات ) طيِّبها: عذبُها, وخبيثها: السَّباخ .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه .

...... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قُرًى قَرُبت متجاورات بعضها من بعض .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: قُرًى متجاورات .

حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا هشيم, عن أبي إسحاق الكوفي, عن الضحاك, في قوله: ( قطع متجاورات ) قال: الأرض السبخة، تليها الأرض العَذِية .

حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) يعني الأرض السَّبِخة والأرض العَذِيَة, متجاورات بعضها عند بعض .

حدثنا الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا إسرائيل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: الأرض تنبت حُلوًا, والأرض تنبت حامضًا, وهي متجاورة تسقى بماءٍ واحد.

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: يكون هذا حلوًا وهذا حامضًا, وهو يسقى بماء واحد, وهن متجاورات .

حدثني عبد الجبار بن يحيى الرملي قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة, عن ابن شوذب في قوله: ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال: عَذِيَة ومالحة .

وقوله: ( وجنات من أعناب وزرع ونخيل صِنْوان وغير صنوان يسقى بماء واحدٍ ونفضّل بعضها على بعض في الأكُل ) يقول تعالى ذكره: وفي الأرض مع القطع المختلفات المعاني منها, بالملوحة والعذوبة, والخبث والطيب, مع تجاورها وتقارب بعضها من بعض, بساتين من أعناب وزرع ونخيلٍ أيضًا, متقاربةٌ في الخلقة مختلفة في الطعوم والألوان, مع اجتماع جميعها على شرب واحد. فمن طيّبٍ طعمُه منها حسنٍ منظره طيبةٍ رائحته, ومن حامضٍ طعمه ولا رائحة له .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد قال: ثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, في قوله: ( وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان ) قال: مجتمع وغير مجتمع « تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل » ، قال: الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثرى والعنب الأبيض والأسود, وبعضها أكثر حملا من بعض, وبعضه حلو, وبعضه حامض, وبعضه أفضل من بعض .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وجنات ) قال: وما معها .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد

قال المثنى, وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

واختلفت القرأة في قراءة قوله: ( وزرع ونخيل ) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والكوفة: ( وَزَرْعٍ وَنَخِيلٍ ) بالخفض عطفًا بذلك على « الأعناب » , بمعنى: وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ, وجناتٌ من أعناب ومن زرع ونخيل .

وقرأ ذلك بعض قرأة أهل البصرة: ( وَزَرْعٌ ونَخِيلٌ ) بالرفع عطفًا بذلك على « الجنات » , بمعنى: وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجناتٌ من أعناب, وفيها أيضًا زرعٌ ونخيلٌ .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان متقاربتا المعنى, وقرأ بكل واحدةٍ منهما قرأة مشهورون, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وذلك أن « الزرع والنخيل » إذا كانا في البساتين فهما في الأرض, وإذا كانا في الأرض فالأرض التي هما فيها جنة, فسواءٌ وُصِفَا بأنهما في بستانٍ أو في أرضٍ .

وأما قوله: ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) .

فإن « الصنوان: » جمع « صنو » , وهي النخلات يجمعهن أصل واحد, لا يفرَّق فيه بين جميعه واثنيه إلا بالإعراب في النون, وذلك أن تكون نونه في اثنيه مكسورةً بكل حال, وفي جميعه متصرِّفة في وجوه الإعراب, ونظيره « القِنْوان » : واحدها « قِنْوٌ » .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن البراء: ( صنوان ) قال: المجتمع ( وغير صنوان ) : المتفرِّق .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يحيى بن واضح قال: حدثنا الحسين, عن أبي إسحاق, عن البراء قال: ( صنوان ) : هي النخلة التي إلى جنبها نخلاتٌ إلى أصلها, ( وغير صنوان ) : النخلة وحدَها .

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن البراء بن عازب: ( صنوان وغير صنوان ) قال: « الصنوان » : النخلتان أصلهما واحد, ( وغير صنوان ) النخلة والنخلتان المتفرّقتان .

حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول في هذه الآية قال: النخلة تكون لها النخلات ( وغير صنوان ) النخل المتفرّق .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن, ويحيى بن عباد وعفان, واللفظ لفظ أبي قطن قال،حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق, عن البراء, في قوله: ( صنوان وغير صنوان ) قال: « الصنوان » : النخلة إلى جنبها النخلات ( وغير صنوان ) : المتفرق .

حدثنا الحسن قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن البراء في قوله: ( صنوان وغير صنوان ) قال: « الصنوان » ، النخلات الثلاث والأربع والثنتان أصلهن واحد ( وغير صنوان ) ، المتفرّق .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان وشريك, عن أبي إسحاق, عن البراء في قوله: ( صنوان وغير صنوان ) قال: النخلتان يكون أصلهما واحد ( وغير صنوان ) : المتفرّق .

حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: ( صنوان ) يقول: مجتمع .

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) يعني بالصنوان: النخلة يخرج من أصلها النخلات, فيحمل بعضه ولا يحمل بعضه, فيكون أصله واحدا ورءوسه متفرقة .

حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا إسرائيل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: ( صنوان وغير صنوان ) النخيل في أصل واحد وغير صنوان: النخيل المتفرّق .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن سعيد بن جبير: ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) قال: مجتمع, وغير مجتمع .

حدثني المثنى قال: حدثنا النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا أبو إسحاق, عن البراء قال: « الصنوان » : ما كان أصله واحدًا وهو متفرق ( وغير صنوان ) : الذي نبت وحدَه .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( صنوان ) النخلتان وأكثر في أصل واحد ( وغير صنوان ) وحدَها .

حدثنا المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( صنوان ) : النخلتان أو أكثر في أصل واحد, ( وغير صنوان ) واحدة .

...... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع, عن سلمة بن نبيط, عن الضحاك: ( صنوان وغير صنوان ) قال: الصنوان: المجتمع أصله واحد, وغير صنوان: المتفرق أصله .

حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم , عن جويبر, عن الضحاك, في قوله: ( صنوان وغير صنوان ) قال: « الصنوان » : المجتمع الذي أصله واحد ( وغير صنوان ) : المتفرّق .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) أما « الصنوان » : فالنخلتان والثلاث أصولُهن واحدة وفروعهن شتى, ( وغير صنوان ) ، النخلة الواحدة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( صنوان وغير صنوان ) قال: صنوان: النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهنّ واحدٌ .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) قال: « الصنوان » : النخلتان أو الثلاث يكنَّ في أصل واحد, فذلك يعدُّه الناس صنوانًا .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر قال: حدثني رجل: أنه كان بين عمر بن الخطاب وبين العباس قول, فأسرع إليه العباس, فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, ألم تر عباسًا فعل بي وفعل! فأردت أن أجيبه, فذكرتُ مكانه منك فكففت: فقال: يرحمك الله، إنّ عمّ الرجل صِنْوُ أبيه .

حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: ( صنوان ) : النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهن واحد ; قال: فكان بين عمر بن الخطاب وبين العباس رضي الله عنهما قولٌ, فأسرع إليه العباس, فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله ألم تر عباسًا فعل بي وفعل! فأردت أن أجيبه. فذكرتُ مكانه منك فكففت عند ذلك, فقال: يرحمك الله إن عم الرجل صِنْو أبيه .

............... قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن عيينة, عن داود بن شابور, عن مجاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تؤذوني في العباس فإنه بقية آبائي, وإنّ عمّ الرجل صنو أبيه .

حدثني يعقوب قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا حجاج, عن عطاء, وابن أبي مليكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: يا عمر أما علمت أن عم الرجل صِنْوُ أبيه؟.

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: أخبرني القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد: ( صنوان قال: في أصل واحد ثلاث نخلات, كمثل ثلاثةٍ بني أم وأب يتفاضلون في العمل, كما يتفاضل ثمر هذه النخلات الثلاث في أصل واحد قال ابن جريج: قال مجاهد: كمثل صالح بنى آدم وخبيثهم، أبوهم واحد .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا حجاج بن محمد, عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله, عن مجاهد, نحوه .

حدثني القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن أبي بكر بن عبد الله, عن الحسن قال: هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم.

كانت الأرض في يد الرحمن طينةً واحدة, فسطحها وبَطَحها, فصارت الأرض قطعًا متجاورة, فينـزل عليها الماء من السماء, فتخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها. وتخرج نباتها وتحيي مواتها, وتخرج هذه سبَخَها وملحها وخَبَثَها, وكلتاهما تسقى بماء واحد.

فلو كان الماء مالحا, قيل: إنما استسبخت هذه من قبل الماء! كذلك الناس خلقوا من آدم, فتنـزل عليهم من السماء تذكرة, فترقّ قلوب فتخشع وتخضع, وتقسو قلوب فتلهو وتسهو وتجفو .

قال الحسن: والله من جالس القرآن أحدٌ إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان قال الله: وَنُنَـزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا [ سورة الإسراء:82 ] .

وقوله : ( تسقى بماء واحد ) اختلفت القرأء في قوله ( تسقى ) .

فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والعراق من أهل الكوفة والبصرة: ( تُسْقَى ) بالتاء, بمعنى: تسقى الجناتُ والزرع والنخيل . وقد كان بعضهم يقول: إنما قيل: ( تسقى ) ، بالتاء لتأنيث « الأعناب » .

وقرأ ذلك بعض المكيين والكوفيين: ( يُسْقَى ) بالياء .

وقد اختلف أهل العربية في وجه تذكيره إذا قرئ كذلك, وإنما ذلك خبرٌ عن الجنات والأعناب والنخيل والزرع أنها تسقى بماء واحد.

فقال بعض نحويي البصرة: إذا قرئ ذلك بالتاء, فذلك على « الأعناب » كما ذكّر الأنعام في قوله: مِمَّا فِي بُطُونِهِ [ سورة النحل: 66 ] وأنث بعدُ فقال: وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ، [ سورة المؤمنون:22/ سورة غافر:80 ] .

فمن قال: ( يسقى ) بالياء جعل « الأعناب » مما تذكّر وتؤنث, مثل « الأنعام » .

وقال بعض نحويي الكوفة: من قال و ( تسقى ) ذهب إلى تأنيث « الزرع والجنات والنخيل » , ومن ذكَّر ذهب إلى أن ذلك كله يُسْقَى بماء واحد, وأكلُه مختلفٌ حامض وحلو, ففي هذا آية .

قال أبو جعفر: وأعجب القراءتين إليّ أن أقرأ بها, قراءة من قرأ ذلك بالتاء: ( تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ ) على أن معناه: تسقى الجنات والنخل والزرع بماء واحد، لمجيء ( تسقى ) بعد ما قد جرى ذكرها, وهي جِمَاعٌ من غير بني آدم, وليس الوجه الآخر بممتنع على معنى يسقى ذلك بماء واحد: أي جميع ذلك يسقى بماءٍ واحدٍ عذب دون المالح .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( تسقى بماء واحد ) ماء السماء، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحدٌ .

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد: ( تسقى بماء واحد ) قال: ماء السماء .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد, مثله .

حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو قال: أخبرنا هشيم, عن أبي إسحاق الكوفي, عن الضحاك: ( تسقى بماء واحد ) قال: ماء المطر . ‌

حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, قرأه ابن جريج, عن مجاهد: ( تسقى بماء واحد ) قال: ماء السماء, كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحدٌ .

20119...... قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل وحدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, نحوه .

حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة, عن ابن شوذب: ( تسقى بماء واحد ) قال: بماء السماء .

وقوله: ( ونفضّل بعضها على بعض في الأكل ) اختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأه عامة قرأة المكيين والمدنيين والبصريين وبعض الكوفيين: ( وَنُفَضِّلُ ) ، بالنون بمعنى: ونفضّل نحن بعضها على بعض في الأكل .

وقرأته عامة قرأة الكوفيين: ( وَيُفَضِّلُ ) بالياء, ردا على قوله: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ( ويفضل بعضها على بعض ) .

قال أبو جعفر: وهما قراءتان مستفيضتان بمعنى واحد, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. غير أن « الياء » أعجبهما إليّ في القراءة؛ لأنه في سياق كلام ابتداؤه اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ فقراءته بالياء، إذ كان كذلك أولى .

ومعنى الكلام: إن الجنات من الأعناب والزرع والنخيل الصنوان وغير الصنوان, تسقى بماء واحد عذب لا ملح, ويخالف الله بين طعوم ذلك, فيفضّل بعضها على بعض في الطعم, فهذا حلو وهذا حامضٌ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن عطاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال: الفارسيّ والدَّقَل، والحلو والحامض .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير: ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال: الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثرى والعنب الأبيض والأسود, وبعضها أكثر حملا من بعض, وبعضه حلو وبعضه حامض, وبعضه أفضل من بعض .

حدثني المثنى قال: حدثنا عارم أبو النعمان قال: حدثنا حماد بن زيد, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير: ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال: بَرْنيّ وكذا وكذا, وهذا بعضه أفضل من بعض .

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا سفيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, في قوله: ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال: هذا حامض, وهذا حلو, وهذا مُزٌّ .

حدثني محمود بن خداش قال: حدثنا سيف بن محمد بن أخت سفيان الثوري قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال: الدَّقَل والفارسيّ والحلو والحامض.

حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال: حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي قال: حدثنا عبيد الله بن عمر الرقي, عن زيد بن أبي أنيسة, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, في قوله: ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال: الدَّقل والفارسيّ والحلو والحامض.

وقوله: ( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) يقول تعالى ذكره: إن في مخالفة الله عز وجل بين هذا القطع [ من ] الأرض المتجاورات وثمار جناتها وزروعها على ما وصفنا وبينَّا، لدليلا واضحًا وعبرة لقوم يعقلون اختلاف ذلك, أن الذي خالف بينه على هذا النحو الذي خالف بينه, هو المخالف بين خلقه فيما قسم لهم من هداية وضلال وتوفيق وخذلان, فوفّق هذا وخذل هذا, وهدى ذا وأضل ذا, ولو شاء لسوَّى بين جميعهم, كما لو شاء سوَّى بين جميع أكل ثمار الجنة التي تشرب شربًا واحدًا, وتسقى سقيًا [ واحدًا ] ، وهي متفاضلة في الأكل .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 5 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( وإن تعجب ) يا محمد، من هؤلاء المشركين المتَّخذين ما لا يضرُّ ولا ينفع آلهةً يعبدونها من دوني فعجب قولهم ( أئذا كنا ترابا ) وبَلِينا فعُدِمنا ( أئنا لفي خلق جديد ) إنا لمجدَّدٌ إنشاؤنا وإعادتنا خلقًا جديدًا كما كنا قبل وفاتنا!! تكذيبًا منهم بقدرة الله, وجحودًا للثواب والعقاب والبعث بعد الممات، كما:-

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وإن تعجب فعجب ) إن عجبت يا محمد، ( فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ) ، عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت .

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( وإن تعجب فعجب قولهم ) قال: إن تعجب من تكذيبهم, وهم قد رأوا من قدرة الله وأمره وما ضرب لهم من الأمثال, فأراهم من حياة الموتى في الأرض الميتة, إن تعجب من هذه فتعجَّب من قولهم: ( أئذا كنا ترابًا أئنا لفي خلق جديد ) ، أو لا يرون أنا خلقناهم من نطفة؟ فالخلق من نطفة أشدُّ أم الخلق من ترابٍ وعظام؟ .

واختَلَف في وَجْه تكرير الاستفهام في قوله: ( أئنا لفي خلق جديد ) ، بعد الاستفهام الأول في قوله: ( أئذا كنا ترابا ) ، أهلُ العربية.

فقال بعض نحويي البصرة: الأوّل ظرف, والآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام، كما تقول: أيوم الجمعة زيدٌ منطلق؟ قال: ومن أوقع استفهامًا آخر على قوله: ( أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا ) ، جعله ظرفًا لشيء مذكور قبله, كأنهم قيل لهم: « تبعثون » , فقالوا: ( أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا ) ؟ ثم جعل هذا استفهامًا آخر . قال: وهذا بعيدٌ . قال: وإن شئت لم تجعل في قولك: ( أئذا ) استفهامًا, وجعلت الاستفهام في اللفظ على ( أئنا ) ، كأنك قلت: أيوم الجمعة أعبد الله منطلق؟ وأضمرت نفيه. فهذا موضعُ ما ابتدأت فيه بـ ( أئذا ) ، وليس بكثير في الكلام لو قلت: « اليوم إنّ عبد الله منطلق » ، لم يحسن, وهو جائز, وقد قالت العرب: « ما علمت إنَّه لصالح » , تريد: إنه لصالح ما علمت .

وقال غيره: ( أئذا ) جزاء وليست بوقت, وما بعدها جواب لها، إذا لم يكن في الثاني استفهام، والمعنى له, لأنه هو المطلوب, وقال: ألا ترى أنك تقول: « أإن تقم يقوم زيد، ويقم؟ » ، من جزم فلأنه وقع موقع جواب الجزاء, ومن رفع فلأن الاستفهام له، واستشهد بقول الشاعر:

حَـلَفْتُ لَـهُ إنْ تُـدْلِجِ الليـلَ لا يَـزَلْ أَمَــامَكَ بَيْـتٌ مِـنْ بُيُـوتِيَ سَـائِرُ

فجزم جواب اليمين لأنه وقع موقع جواب الجزاء, والوجه الرفع . قال: فهكذا هذه الآية . قال: ومن أدخل الاستفهام ثانية, فلأنه المعتمد عليه, وترك الجزء الأوّل .

وقوله: ( أولئك الذين كفروا بربهم ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين أنكروا البعث وجَحدُوا الثواب والعقاب، وقالوا: ( أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) هم الذين جحدوا قدرة ربِّهم وكذبوا رسوله, وهم الذين في أعناقهم الأغلال يوم القيامة في نار جهنم، فأولئك ( أصحاب النار ) ، يقول: هم سكان النار يوم القيامة ( هم فيها خالدون ) يقول: هم فيها ماكثون أبدًا, لا يموتون فيها, ولا يخرجون منها .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ( 6 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( ويستعجلونك ) يا محمد، مشركو قومك بالبلاء والعقوبة قبل الرخاء والعافية, فيقولون: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [ سورة الأنفال: 32 ] وهم يعلمون ما حَلَّ بمن خلا قبلهم من الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها من عقوبات الله وعظيم بلائه, فمن بين أمة مسخت قردة وأخرى خنازير, ومن بين أمّة أهلكت بالرَّجْفة, وأخرى بالخسف, وذلك هو ( المثلات ) التي قال الله جل ثناؤه . ( وقد خلت من قبلهم المثلات ) .

و ( المثلات ) ، العقوبات المنكِّلات, والواحدة منها: « مَثُلة » بفتح الميم وضم الثاء, ثم تجمع « مَثُلات » ، كما واحدة « الصَّدُقَات » « صَدُقَة » , ثم تجمع « صَدُقَات » . وذكر أن تميمًا من بين العرب تضم الميم والثاء جميعًا من « المُثُلات » , فالواحدة على لغتهم منها: « مُثْلة » , ثم تجمع « مُثُلات » , مثل « غُرْفة » وغُرُفات, والفعل منه: « مَثَلْت به أمْثُلُ مَثْلا » بفتح الميم وتسكين الثاء, فإذا أردت أنك أقصصته من غيره, قلت: « أمثلته من صاحبه أُمْثِلُه إمْثالا وذلك إذا أقصصته منه . »

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وقد خلت من قبلهم المثلات ) ، وقائع الله في الأمم فيمن خلا قبلكم وقوله: ( ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ) ، وهم مشركو العرب استعجلوا بالشرّ قبل الخير, وقالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، [ سورة الأنفال:32 ] .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ) قال: بالعقوبة قبل العافية ( وقد خلت من قبلهم المثلات ) قال: العقوبات .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبى نجيح, عن مجاهد, قوله: ( المثلات ) قال: الأمْثَال .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد

وحدثني المثنى: قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وقد خلت من قبلهم المثلات ) قال: ( المثلات ) ، الذي مَثَل الله به الأممَ من العذاب الذي عذَّبهم، تولَّت المثلات من العذاب, قد خلت من قبلهم, وعرفوا ذلك, وانتهى إليهم ما مَثَلَ الله بهم حين عصَوه وعَصوا رُسُله .

حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا سليم قال: سمعت الشعبي يقول في قوله: ( وقد خلت من قبلهم المثلات ) ، قال: القردة والخنازير هي المثلات .

وقوله: ( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ) ، يقول تعالى ذكره: وإن ربك يا محمد لذو سترٍ على ذنوب من تاب من ذنوبه من الناس, فتاركٌ فضيحته بها في موقف القيامة, وصافحٌ له عن عقابه عليها عاجلا وآجلا ( على ظلمهم ) ، يقول: على فعلهم ما فعلوا من ذلك بغير إذني لهم بفعله ( وإن ربك لشديد العقاب ) ، لمن هلك مُصِرًّا على معاصيه في القيامة، إن لم يعجِّل له ذلك في الدنيا, أو يجمعهما له في الدنيا والآخرة .

قال أبو جعفر: وهذا الكلام، وإن كان ظاهره ظاهرَ خبرٍ, فإنه وعيدٌ من الله وتهديدٌ للمشركين من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم, إن هم لم ينيبوا ويتوبوا من كفرهم قبل حُلول نقمة الله بهم .

حدثني علي بن داود قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: ( وإن ربك لذو مغفرة للناس ) ، يقول: ولكنّ ربَّك .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ( 7 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( ويقول الذين كفروا ) يا محمد، من قومك ( لولا أنـزل عليه آية من ربه ) هلا أنـزل على محمد آية من ربه؟ يعنون علامةً وحجةً له على نبوّته وذلك قولهم: لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ كَنْـزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ [ سورة هود: 12 ] يقول الله له: يا محمد ( إنما أنت منذر ) لهم, تنذرهم بأسَ الله أن يحلّ بهم على شركهم . ( ولكل قوم هاد ) . يقول ولكل قوم إمام يأتمُّون به وهادٍ يتقدمهم, فيهديهم إما إلى خيرٍ وإما إلى شرٍّ .

وأصله من « هادي الفرس » , وهو عنقه الذي يهدي سائر جسده .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في المعنيِّ بالهادي في هذا الموضع.

فقال بعضهم: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ( ويقول الذين كفروا لولا أنـزل عليه آية من ربه ) هذا قول مشركي العرب قال الله: ( إنما أنت منذر ولكلّ قوم هاد ) لكل قوم داعٍ يدعوهم إلى الله .

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع. عن سفيان. عن السدي. عن عكرمة ومنصور, عن أبي الضحى: ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) قالا محمد هو « المنذر » وهو « الهاد » .

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان, عن السدي, عن عكرمة, مثله .

حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا سفيان, عن أبيه, عن عكرمة, مثله .

وقال آخرون: عنى بـ « الهادي » في هذا الموضع: الله .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير: ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) قال: محمد « المنذر » , والله « الهادي » .

حدثنا ابن بشار قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا سفيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير: ( وإنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) قال محمد « المنذر » , والله « الهادي » .

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا الأشجعي, عن سفيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير: ( إنما أنت منذر ) قال: أنت يا محمد منذر, والله « الهادي » .

حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم, عن عبد الملك, عن قيس, عن مجاهد في قوله: ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) ، قال: « المنذر » ، النبي صلى الله عليه وسلم ( ولكل قوم هاد ) قال: الله هادي كل قوم .

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) يقول: أنت يا محمد منذر، وأنا هادي كل قوم .

حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول: ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) ، « المنذر » : محمد صلى الله عليه وسلم, و « الهادي » : الله عز وجل .

وقال آخرون: « الهادي » في هذا الموضع معناه نبيٌّ .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد قال: « المنذر » محمد صلى الله عليه وسلم . ( ولكل قوم هاد ) قال: نبيٌّ .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهدٍ في قوله: ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) قال: نبيٌّ .

............ قال: حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد, عن عبد الملك, عن قيس, عن مجاهد, مثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا أسباط بن محمد, عن عبد الملك, عن قيس, عن مجاهد, في قوله: ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) ، قال: لكل قوم نبي, والمنذر: محمد صلى الله عليه وسلم .

......... قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثني عبد الملك, عن قيس, عن مجاهد, في قول الله: ( ولكل قوم هاد ) قال: نبيّ .

......... قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( ولكل قوم هاد ) يعني: لكل قوم نبيّ .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( ولكل قوم هاد ) قال: نبيّ .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( ولكل قوم هاد ) قال: نبيّ يدعوهم إلى الله .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: ( ولكل قوم هاد ) قال: لكل قوم نبيّ. « الهادي » ، النبي صلى الله عليه وسلم, و « المنذر » أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم . وقرأ: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ [ سورة فاطر: 24 ] ، وقال: نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى [ سورة النجم: 56 ] قال: نبي من الأنبياء .

وقال آخرون، بل عني به: ولكل قوم قائد .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا جابر بن نوح, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح: ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) ، قال: إنما أنت، يا محمد، منذر, ولكل قوم قادة .

......... قال: حدثنا الأشجعي قال: حدثني إسماعيل أو: سفيان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح: ( ولكل قوم هاد ) قال: لكل قوم قادة .

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, عن أبي العالية: ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) قال: « الهادي » : القائد, والقائد: الإمام, والإمام: العمل .

حدثني الحسن قال: حدثنا محمد, وهو ابن يزيد عن إسماعيل, عن يحيى بن رافع, في قوله: ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) قال: قائد .

وقال آخرون: هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي قال: حدثنا الحسن بن الحسين الأنصاري قال: حدثنا معاذ بن مسلم,بيّاع الهرويّ، عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: لما نـزلت ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) ، وضع صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: أنا المنذر ( ولكل قوم هاد ) , وأومأ بيده إلى منكب عليّ, فقال: أنت الهادي يا عليّ, بك يهتدي المهتدون بَعْدي .

وقال آخرون: معناه: لكل قوم داع .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: ( ولكل قوم هاد ) ، قال: داع .

وقد بينت معنى « الهداية » , وأنه الإمام المتبع الذي يقدُم القوم . فإذ كان ذلك كذلك, فجائز أن يكون ذلك هو الله الذي يهدي خلَقه ويتَّبع خلقُه هداه ويأتمون بأمره ونهيه.

وجائز أن يكون نَبِيَّ الله الذي تأتمُّ به أمته.

وجائز أن يكون إمامًا من الأئمة يُؤْتَمُّ به، ويتّبع منهاجَه وطريقته أصحابُه.

وجائزٌ أن يكون داعيًا من الدعاة إلى خيرٍ أو شرٍّ .

وإذ كان ذلك كذلك, فلا قول أولى في ذلك بالصواب من أن يقال كما قال جل ثناؤه: إن محمدًا هو المنذر من أرسل إليه بالإنذار, وإن لكل قوم هاديًا يهديهم فيتّبعونه ويأتمُّون به .

 

القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ( 8 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ منكرين قدرة الله على إعادتهم خلقًا جديدًا بعد فنائهم وبلائهم, ولا ينكرون قدرته على ابتدائهم وتصويرهم في الأرحام، وتدبيرهم وتصريفهم فيها حالا بعد حال فابتدأ الخبر عن ذلك ابتداءً, والمعنى فيه ما وصفت, فقال جل ثناؤه: ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد ) ، يقول: وما تنقص الأرحام من حملها في الأشهر التسعة بإرسالها دم الحيض ( وما تزداد ) في حملها على الأشهر التسعة لتمام ما نقص من الحمل في الأشهر التسعة بإرسالها دم الحيض ( وكل شيء عنده بمقدار ) لا يجاوز شيء من قَدَره عن تقديره, ولا يقصر أمر أراده فَدَبَره عن تدبيره, كما لا يزداد حمل أنثى على ما قُدِّرَ له من الحمل, ولا يُقصِّر عما حُدّ له من القدر.

و « المقدار » , مِفْعال من « القدر » .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب بن ماهان قال: حدثنا القاسم بن مالك, عن داود بن أبي هند, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله: ( يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام ) ، قال: ما رأت المرأة من يوم دمًا على حملها زاد في الحمل يومًا .

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام ) ، يعني السِّقْط ( وما تزداد ) ، يقول: ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تمامًا. وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر، ومنهن من تحمل تسعة أشهر, ومنهن من تزيد في الحمل، ومنهن من تنقص. فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله, وكل ذلك بعلمه .

حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال: حدثنا عبد السلام قال: حدثنا خصيف, عن مجاهد أو سعيد بن جبير في قول الله: ( وما تغيض الأرحام ) قال: غَيْضُها، دون التسعة والزيادة فوق التسعة .

حدثني يعقوب قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا أبو بشر, عن مجاهد, أنه قال: « الغيض » ، ما رأت الحامل من الدم في حملها فهو نقصان من الولد, و « الزيادة » ما زاد على التسعة أشهر, فهو تمام للنقصان وهو زيادة .

حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الصمد قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن مجاهد, في قوله: ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) قال: ما ترى من الدم, وما تزداد على تسعة أشهر .

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن مجاهد, أنه قال: ( يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد ) ، قال: ما زاد على التسعة الأشهر ( وما تغيض الأرحام ) ، قال: الدم تراه المرأة في حملها .

حدثني المثنى حدثنا عمرو بن عون، والحجاج بن المنهال قالا حدثنا هشيم, عن أبي بشر, عن مجاهد, في قوله: ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) قال: الغيض: الحامل ترى الدم في حملها فهو « الغيض » , وهو نقصانٌ من الولد. وما زاد على تسعة أشهر فهو تمام لذلك النقصان, وهي الزيادة .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عبد السلام, عن خصيف, عن مجاهد: ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) قال: إذا رأت دون التسعة، زاد على التسعة مثل أيام الحيض .

حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وما تغيض الأرحام ) قال: خروج الدم ( وما تزداد ) قال: استمساك الدم .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وما تغيض الأرحام ) إراقة المرأة حتى يخِسّ الولد ( وما تزداد ) قال: إن لم تُهْرِق المرأةُ تَمَّ الولد وعَظُم .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا شعبة, عن جعفر, عن مجاهد, في قوله: ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) قال: المرأة ترى الدم، وتحمل أكثر من تسعة أشهر .

حدثنا الحسن قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا أبو بشر, عن سعيد بن جبير, في قوله: ( وما تغيض الأرحام ) ، قال: هي المرأة ترى الدم في حملها .

...... قال: حدثنا شبابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) إهراقُ الدم حتى يخسّ الولد و « تزداد » إن لم تهرق المرأة تَمَّ الولد وعَظُم .

...... قال: حدثنا الحكم بن موسى قال: حدثنا هقل, عن عثمان بن الأسود قال: قلت لمجاهد: امرأتي رأت دمًا, وأرجو أن تكون حاملا! قال أبو جعفر: هكذا هو في الكتاب فقال مجاهد: ذاك غيضُ الأرحام: ( يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار ) ، الولد لا يزال يقع في النقصان ما رأت الدَّم, فإذا انقطعَ الدم وقع في الزيادة, فلا يزال حتى يتمّ, فذلك قوله: ( وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار ) .

...... قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا أبو بشر, عن مجاهد, في قوله: ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) ، قال: « الغيض » : الحامل ترى الدم في حملها, وهو « الغيض » وهو نقصان من الولد. فما زادت على التسعة الأشهر فهي الزيادة, وهو تمامٌ للولادة .

حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا داود, عن عكرمة في هذه الآية: ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام ) ، قال: كلما غاضت بالدم، زاد ذلك في الحمل .

...... قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا داود, عن عكرمة نحوه.

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عباد بن العوّام, عن عاصم, عن عكرمة: ( وما تغيض الأرحام ) قال: غيض الرحم: الدم على الحمل كلما غاض الرحم من الدم يومًا زاد في الحمل يومًا حتى تستكمل وهي طاهرةٌ .

...... قال: حدثنا عباد, عن سعيد, عن يعلى بن مسلم, عن سعيد بن جبير, مثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا الوليد بن صالح قال: حدثنا أبو يزيد, عن عاصم, عن عكرمة في هذه الآية: ( وما تغيض الأرحام ) ، قال: هو الحيض على الحمل ( وما تزداد ) قال: فلها بكل يوم حاضت على حملها يوم تزداده في طهرها حتى تستكمل تسعة أشهر طاهرًا .

...... قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عمران بن حدير, عن عكرمة في قوله: ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) قال: ما رأت الدم في حملها زاد في حملها .

حدثنا عبد الحميد بن بيان قال: أخبرنا إسحاق, عن جويبر, عن الضحاك, في قوله: ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) ما « تغيض » : أقل من تسعة وما تزداد: أكثر من تسعة .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا ابن المبارك, عن الحسن بن يحيى قال: سمعت الضحاك يقول: قد يولد المولود لسنتين. قد كان الضحاك وُلد لسنتين, و « الغيض » : ما دون التسعة ( وما تزداد ) فوق تسعة أشهر .

...... قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن جويبر, عن الضحاك: ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) قال: دون التسعة, وما تزداد: قال: فوق التسعة .

...... قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن جويبر, عن الضَّحاك قال: ولدت لسنتين .

حدثني المثنى قال: حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا ابن المبارك, عن الحسن بن يحيى قال: حدثنا الضحاك: أن أمه حملته سنتين. قال: ( وما تغيض الأرحام ) قال: ما تنقص من التسعة ( وما تزداد ) قال: ما فوق التسعة .

... قال: حدثنا عمرو بن عون ; قال: أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام ) ، قال: كل أنثى من خلق الله .

... قال: حدثنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك ومنصور، عن الحسن قالا « الغيض » ما دون التسعة الأشهر .

... قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن داود بن عبد الرحمن, عن ابن جريج, عن جميلة بنت سعد, عن عائشة قالت: لا يكون الحمل أكثر من سنتين, قدر ما يتحوَّل ظِلُّ مِغْزَل .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا فضيل بن مرزوق, عن عطية العوفي: ( وما تغيض الأرحام ) قال: هو الحمل لتسعة أشهر وما دون التسعة ( وما تزداد ) قال: على التسعة .

... قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه, عن سعيد بن جبير: ( وما تغيض الأرحام ) قال: حيضُ المرأة على ولدها .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) . قال: « الغيض » ، السَّقْط ( وما تزداد ) ، فوق التسعة الأشهر .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن سعيد بن جبير: إذا رأت المرأة الدمَ على الحمل, فهو « الغيض » للولد . يقول: نقصانٌ في غذاء الولد, وهو زيادة في الحمل .

حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد ) قال: كان الحسن يقول: « الغيضوضة » ، أن تضع المرأة لستة أشهر أو لسبعة أشهر, أو لما دون الحدّ قال قتادة: وأما الزيادة, فما زاد على تسعة أشهر .

حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا قيس, عن سالم الأفطس, عن سعيد بن جبير قال: غيض الرحم: أن ترى الدم على حملها. فكل شيء رأت فيه الدم على حملها، ازدادت على حملها مثل ذلك .

....قال حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن قيس بن سعد, عن مجاهد قال: إذا رأت الحاملُ الدمَ كان أعظمَ للولد .

حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) ، « الغيض » : النقصان من الأجل, « والزيادة » : ما زاد على الأجل. وذلك أن النساء لا يلدن لعدّةٍ واحدة, يولد المولود لستة أشهر فيعيش, ويولد لسنتين فيعيش, وفيما بين ذلك . قال: وسمعت الضحاك يقول: ولدت لسنتين, وقد نبتت ثناياي .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وما تغيض الأرحام ) قال: غيض الأرحام: الإهراقة التي تأخذ النساء على الحمل, وإذا جاءت تلك الإهراقة لم يعتدَّ بها من الحمل، ونقص ذلك حملها حتى يرتفع ذلك. وإذا ارتفع استقبلت عِدّةً مستقبلةً تسعة أشهر. وأما ما دامت ترى الدم، فإن الأرحام تغيض وتنقص، والولد يرقّ. فإذا ارتفع ذلك الدم رَبَا الولد واعتدّت حين يرتفع عنها ذلك الدم عدّة الحمل تسعة أشهر, وما كان قبله فلا تعتدُّ به، هو هِرَاقةٌ، يبطل ذلك أجمع أكتع .

وقوله: ( وكل شيء عنده بمقدار ) .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( وكل شيء عنده بمقدار ) إي والله, لقد حفظ عليهم رزقهم وآجالهم, وجعل لهم أجلا معلومًا .

 

القول في تأويل قوله تعالى : عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ( 9 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والله عالم ما غاب عنكم وعن أبصاركم فلم تروه، وما شاهدتموه, فعاينتم بأبصاركم, لا يخفى عليه شيء, لأنهم خلقه وتدبيره « الكبير الذي كل شيء دونه » ، « المتعال » المستعلي على كل شيء بقدرته.

وهو « المتفاعل » من « العلو » مثل « المتقارب » من القرب و « المتداني » من الدنوّ .

 

القول في تأويل قوله تعالى : سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ( 10 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: معتدلٌ عند الله منكم، أيها الناس، الذي أسر القول, والذي جهر به, والذي هو مستخفٍ بالليل في ظلمته بمعصية الله « وسارب بالنهار » ، يقول: وظاهر بالنهار في ضوئه, لا يخفى عليه شيء من ذلك. سواء عنده سِرُّ خلقه وعلانيتهم, لأنه لا يستسرّ عنده شيء ولا يخفى.

يقال منه: « سَرَبَ يَسْرَبُ سُرُوبًا » إذا ظهر, كما قال قيس بن الخطيم:

أَنَّـى سَـرَيْتِ وَكُـنْتِ غَـيْرَ سَـرُوبِ وَتُقَــرِّبُ الأحْــلامُ غَـيْر قَـرِيب

يقول: كيف سريت بالليل [ على ] بُعْد هذا الطريق، ولم تكوني تبرُزين وتظهرين؟

وكان بعضهم يقول: هو السَّالك في سَرْبه: أي في مذهبه ومكانه .

واختلف أهل العلم بكلام العرب في « السّرب » .

فقال بعضهم: « هو آمن في سَرْبه » , بفتح السين.

وقال بعضهم: « هو آمن في سِرْبه » بكسر السين .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ بالليل وسارب بالنهار ) ، يقول: هو صاحبُ ريبة مستخف بالليل. وإذا خرج بالنهار أرَى الناس أنه بريء من الإثم .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: ( وسارب بالنهار ) ، ظاهر .

حدثنا ابن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي, عن عوف, عن أبي رجاء, في قوله: ( سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ بالليل وساربٌ بالنهار ) قال: إن الله أعلم بهم, سواء من أسر القول ومن جهر به, ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا علي بن عاصم, عن عوف, عن أبي رجاء: ( سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) قال: من هو مستخف في بيته ( وسارب بالنهار ) ، ذاهب على وجهه. علمه فيهم واحدٌ .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ) ، يقول: السر والجهر عنده سواء ( ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) أما « المستخفي » ففي بيته, وأما « السارب » : الخارج بالنهار حيثما كان. المستخفي غَيْبَه الذي يغيب فيه والخارجُ، عنده سواء .

... قال: حدثنا الحماني قال: حدثنا شريك, عن خصيف, في قوله: ( مستخف بالليل ) قال: راكب رأسه في المعاصي ( وسارب بالنهار ) قال: ظاهر بالنهار .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ) كل ذلك عنده تبارك وتعالى سواء، السر عنده علانية قوله: ( ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) ، أي: في ظلمة الليل, و « سارب » : أي: ظاهر بالنهار .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك, عن خصيف, عن مجاهد وعكرمة: ( وسارب بالنهار ) قال: ظاهر بالنهار.

و « مَنْ » في قوله: ( من أسرّ القول ومَنْ جهر به ومَنْ هو مستخف بالليل ) رفع الأولى منهن بقوله: « سواء » . والثانية معطوفة على الأولى، والثالثة على الثانية .

 

القول في تأويل قوله تعالى : لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ( 11 )

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: معناه: لله تعالى ذكرهُ معقِّباتٌ قالوا: « الهاء » في قوله: « له » من ذكر اسم الله.

و « المعقبات » التي تعتقب على العبد. وذلك أن ملائكة الليل إذا صعدت بالنهار أعقبتها ملائكة النهار, فإذا انقضى النهار صعدت ملائكة النهار ثم أعقبتها ملائكة الليل. وقالوا: قيل « معقبات » , و « الملائكة » : جمع « ملك » مذكر غير مؤنث, وواحد « الملائكة » « معقِّب » , وجماعتها « مُعَقبة » , ثم جمع جمعه أعني جمع « معقّب » بعد ما جمع « مُعَقّبة » وقيل « معقِّبات » , كما قيل: « سادات سعد » , « ورجالات بني فلان » ، جمع « رجال » .

وقوله: ( من بين يديه ومن خلفه ) ، يعني بقوله: ( من بين يديه ) ، من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار ( ومن خلفه ) ، من وراء ظهره .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة, عن منصور, يعني ابن زاذان, عن الحسن في هذه الآية: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه ) قال: الملائكة .

حدثني المثنى قال: حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري قال: حدثنا علي بن جرير, عن حماد بن سلمة, عن عبد الحميد بن جعفر, عن كنانة العدوي قال: دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟ قال: ملك على يمينك على حسناتك, وهو أمينٌ على الذي على الشمال, فإذا عملتَ حسنة كُتِبت عشرًا, وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين: اكتب! قال: لا لعله يستغفر الله ويتوب! فإذا قال ثلاثًا قال: نعم اكتب أراحنا الله منه, فبئس القرين, ما أقل مراقبته لله, وأقل استحياءَه منّا! يقول الله: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ، [ سورة ق: 18 ] ، وملكان من بين يديك ومن خلفك, يقول الله: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) ، وملك قابض على ناصيتك, فإذا تواضعت لله رفعك, وإذا تجبَّرت على الله قصمك . وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلا الصَّلاة على محمد. وملك قائم على فيك لا يدع الحيّة تدخل في فيك، وملكان على عينيك. فهؤلاء عشرة أملاك على كلّ آدميّ, ينـزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار، [ لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار ] فهؤلاء عشرون ملكًا على كل آدمي, وإبليس بالنهار وولده بالليل.

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه ) الملائكة ( يحفظونه من أمر الله ) .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

... قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم, عن عبد الملك, عن قيس, عن مجاهد, في قوله: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه ) ، قال: مع كل إنسان حَفَظَةٌ يحفظونه من أمر الله .

... قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) ، فالمعقبات هن من أمر الله, وهي الملائكة .

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس: ( يحفظونه من أمر الله ) قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه, فإذا جاء قدره خَلَّوا عنه .

حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) فإذا جاء القدر خَلَّوا عنه .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم في هذه الآية قال: الحَفَظَة .

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن منصور, عن إبراهيم: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) ، قال: ملائكة .

حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا يعلى قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح في قوله: ( له معقبات ) قال: ملائكة الليل، يعقُبُون ملائكة النهار .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه ) هذه ملائكة الليل يتعاقبون فيكم بالليل والنهار. وذكر لنا أنهم يجتمعون عند صلاة العصر وصلاة الصبح وفي قراءة أبيّ بن كعب: ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَرَقِيبٌ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِن أَمْرِ اللهِ ) .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: ( له معقبات من بين يديه ) ، قال: ملائكة يتعاقبونه .

حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه ) قال: الملائكة قال ابن جريج: « معقبات » ، قال: الملائكة تَعَاقَبُ الليلَ والنهار.

وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجتمعون فيكم عند صلاة العصر وصلاة الصبح وقوله: ( يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ) ، قال ابن جريج: مثل قوله: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ، [ سورة ق: 17 ] . قال: الحسنات من بين يديه، والسيئات من خلفه. الذي عن يمينه يكتب الحسنات والذي عن شماله يكتب السيئات .

حدثنا سوّار بن عبد الله قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت ليثًا يحدث، عن مجاهد أنه قال: ما من عبدٍ إلا له ملك موكَّل يحفظه في نومه ويقظته من الجنّ والإنس والهوامّ, فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال: وراءَك! إلا شيئًا يأذن الله فيه فيصيبه .

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي: قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه ) ، قال: يعني الملائكة .

وقال آخرون: بل عني بـ « المعقبات » في هذا الموضع، الحرَس, الذي يتعاقب على الأمير .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه ) قال: ذلك ملك من مُلوك الدنيا له حَرسٌ من دونه حرَس .

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه ) ، يعني: ولىَّ الشيطان، يكون عليه الحرس .

حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة, عن شَرْقيّ: أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه ) قال: هؤلاء الأمراء .

حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا عمرو بن نافع قال: سمعت عكرمة يقول: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه ) قال: المواكب من بين يديه ومن خلفه .

حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) ، قال: هو السلطان المحترس من الله, وهم أهل الشرك .

قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب, قولُ من قال: « الهاء » ، في قوله: ( له معقبات ) من ذكر « مَنْ » التي في قوله: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ « وأن المعقبات من بين يديه ومن خلفه » , هي حرسه وجلاوزته، كما قال ذلك من ذكرنا قوله .

وإنما قلنا: « ذلك أولى التأويلين بالصواب » ، لأن قوله: ( له معقبات ) أقرب إلى قوله: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ منه إلى عالم الغيب, فهي لقربها منه أولى بأن تكون من ذكره, وأن يكون المعنيَّ بذلك هذا, مع دلالة قول الله: ( وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ) على أنهم المعنيُّون بذلك.

وذلك أنه جل ثناؤه ذكر قومًا أهل معصيةٍ له وأهلَ ريبة, يستخفون بالليل ويظهرون بالنهار, ويمتنعون عند أنفسهم بحرس يحرسهم, ومَنْعَة تمنعهم من أهل طاعته أن يحولوا بينهم وبين ما يأتون من معصية الله. ثم أخبر أنّ الله تعالى ذكره إذا أراد بهم سوءًا لم ينفعهم حَرَسهم, ولا يدفع عنهم حفظهم .

وقوله: ( يحفظونه من أمر الله ) اختلف أهل التأويل في تأويل هذا الحرف على نحو اختلافهم في تأويل قوله: ( له معقبات ) .

فمن قال: « المعقبات » هي الملائكة قال: الذين يحفظونه من أمر الله هم أيضًا الملائكة.

ومن قال: « المعقبات » هي الحرس والجلاوزة من بني آدم قال: الذين يحفظونه من أمر الله هم أولئك الحرس .

واختلفوا أيضًا في معنى قوله: ( من أمر الله ) .

فقال بعضهم: حفظهم إيّاه من أمره .

وقال بعضهم: ( يحفظونه من أمر الله ) بأمر الله .

*ذكر من قال: الذين يحفظونه هم الملائكة, ووجَّه قوله: ( بأمر الله ) إلى معنى أن حفظها إيّاه من أمر الله:

حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي عن ابن عباس قوله: ( يحفظونه من أمر الله ) ، يقول: بإذن الله، فالمعقبات: هي من أمر الله, وهي الملائكة.

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير: ( يحفظونه من أمر الله ) ، قال: الملائكة: الحفظة, وحفظهم إياه من أمر الله .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثني عبد الملك, عن ابن عبيد الله, عن مجاهد في قوله: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) ، قال: الحفظة هم من أمر الله .

... قال: حدثنا علي يعني ابن عبد الله بن جعفر قال: حدثنا سفيان, عن عمرو, عن ابن عباس: ( له معقبات من بين يديه ) ، رقباء ( ومن خلفه ) من أمر الله ( يحفظونه ) .

... قال: حدثنا عبد الوهاب, عن سعيد, عن قتادة, عن الجارود, عن ابن عباس: ( له معقبات من بين يديه ) ، رقيب ( ومن خلفه ) .

حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا إسرائيل, عن خصيف, عن مجاهد: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) ، قال: الملائكة من أمر الله .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: ( يحفظونه من أمر الله ) ، قال: الملائكة من أمر الله .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) قال: الحفظة .

*ذكر من قال: عنى بذلك: يحفظونه بأمر الله:

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( يحفظونه من أمر الله ) : أي بأمر الله .

حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ( يحفظونه من أمر الله ) , وفي بعض القراءات ( بِأَمْرِ اللهِ ) .

حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم, عن عبد الملك, عن قيس, عن مجاهد في قوله: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه ) قال: مع كل إنسان حَفَظَة يحفظونه من أمر الله .

*ذكر من قال: تحفظه الحرس من بني آدم من أمر الله:

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ( يحفظونه من أمر الله ) يعني: ولّى الشيطان، يكون عليه الحرس يحفظونه من بين يديه ومن خلفه, يقول الله عز وجل: يحفظونه من أمري, فإني إذا أردت بقوم سوءًا فلا مرد له وما لهم من دونه من والٍ .

حدثني أبو هريرة الضبعي قال: حدثنا أبو قتيبة قال، حدثنا شعبة ، عن شَرْقيّ, عن عكرمة: ( يحفظونه من أمر الله ) قال: الجلاوزة .

وقال آخرون: معنى ذلك: يحفظونه من أمر الله, و « أمر الله » الجن, ومن يبغي أذاه ومكروهه قبل مجيء قضاء الله, فإذا جاء قضاؤه خَلَّوْا بينه وبينه .

ذكر من قال ذلك:

حدثني أبو هريرة الضبعي قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا ورقاء, عن منصور, عن طلحة, عن إبراهيم: ( يحفظونه من أمر الله ) قال: من الجن .

حدثنا سوّار بن عبد الله قال: حدثنا المعتمر قال: سمعت ليثًا يحدث، عن مجاهد أنه قال: ما من عبد إلا له ملك موكّل يحفظه في نومه ويقظته من الجنّ والإنس والهوامّ, فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال: وراءَك إلا شيئًا يأذن الله فيصيبه .

حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش, عن محمد بن زياد الألهاني, عن يزيد بن شريح، عن كعب الأحبار قال: لو تجلَّى لابن آدم كلّ سهلٍ وحزنٍ لرأى على كل شيء من ذلك شياطين. لولا أن الله وكَّل بكم ملائكة يذبُّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذًا لتُخُطِّفتم .

حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية قال: حدثنا عمارة بن أبي حفصة, عن أبي مجلز قال: جاء رجل من مُرادٍ إلى عليّ رضي الله عنه وهو يصلي, فقال: احترس, فإنّ ناسًا من مراد يريدون قتلك! فقال: إنّ مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدَّر, فإذا جاء القدَرُ خلَّيا بينه وبينه, وإن الأجل جُنَّةٌ حصينة .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الوهاب, عن الحسن بن ذكوان, عن أبي غالب, عن أبي أمامة قال: ما من آدمي إلا ومعه ملك موكَّل يذود عنه حتى يسلمه للذي قُدِّر له .

وقال آخرون: معنى ذلك: يحفظون عليه من الله .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج: ( يحفظونه من أمر الله ) ، قال: يحفظون عليه من الله .

قال أبو جعفر: يعني ابن جريج بقوله: « يحفظون عليه » ، الملائكة الموكلة بابن آدم, بحفظ حسناته وسيئاته, وهي « المعقبات » عندنا, تحفظ على ابن آدم حسناته وسيئاته من أمر الله.

قال أبو جعفر: وعلى هذا القول يجب أن يكون معنى قوله: ( من أمر الله ) ، أنّ الحفظة من أمر الله, أو تحفظ بأمر الله ويجب أن تكون « الهاء » التي في قوله: ( يحفظونه ) وُحِّدت وذُكِّرت وهي مراد بها الحسنات والسيئات, لأنها كناية عن ذكر « مَنْ » الذي هو مستخف بالليل وسارب بالنهار وأن يكون « المستخفي بالليل » أقيم ذكره مقام الخبر عن سيئاته وحسناته, كما قيل: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ، [ سورة يوسف: 82 ] .

وكان عبد الرحمن بن زيد يقول في ذلك خلاف هذه الأقوال كلها:-

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ قال: أتى عامر بن الطفيل, وأربد بن ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال عامر: ما تجعل لي إن أنا اتبعتك؟ قال: أنت فارس، أعطيك أعنة الخيل. قال: لا . قال: « فما تبغي؟ قال: لي الشرق ولك الغرب . قال: لا . قال: فلي الوَبَر ولك المَدَر . قال: لا. قال: لأملأنها عليك إذًا خيلا ورجالا. قال: يمنعك الله ذاك وابنا قيلة يريد الأوس والخزرج . قال: فخرجا, فقال عامر لأربد: إن كان الرجل لنا لممكنًا لو قتلناه ما انتطحت فيه عنـزان، ولرضوا بأن نعقله لهم وأحبوا السلم وكرهوا الحرب إذا رأوا أمرًا قد وقع . فقال الآخر: إن شئت فتشاورا, وقال: ارجع وأنا أشغله عنك بالمجادلة, وكن وراءه فاضربه بالسيف ضربةً واحدة. فكانا كذلك: واحدٌ وراء النبي صلى الله عليه وسلم, والآخر قال: اقصص علينا قصصك. قال: ما تقول؟ قال: قرآنك!‍ فجعل يجادله ويستبطئه ، حتى قال: مالك حُشِمت؟ قال: وضعت يدي على قائم سيفي [ فيبست ] , فما قدرتُ على أن أُحْلِي ولا أُمِرُّ ولا أحرّكها . قال: فخرجا، فلما كانا بالحَرة، سمع بذلك سعد بن معاذ وأسيد بن حُضير, فخرجا إليهما, على كل واحد منهما لأمته، ورمحه بيده، وهو متقلد سيفه. فقالا لعامر بن الطفيل: يا أعور [ حسا ] يا أبلخ, أنت الذي يشرط على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لولا أنك في أمانٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رِمْتَ المنـزل حتى نضرب عنقك, ولكن [ لا نستعين ] . وكان أشدّ الرجلين عليه أسيد بن الحضير، [ فقال: من هذا؟ فقالوا: أسيد بن حضير ] ؟ فقال: لو كان أبوه حيًا لم يفعل بي هذا! ثم قال لأربد: اخرج أنت يا أربد إلى ناحية عَدَنَة, وأخرج أنا إلى نجد, فنجمع الرجال فنلتقي عليه . فخرج أربد حتى إذا كان بالرَّقَم، بعث الله سحابة من الصيف فيها صاعقة!‍ فأحرقته . قال: وخرج عامر حتى إذا كان بوادٍ يقال له الجرير, أرسل الله عليه الطاعون, فجعل يصيح: يا آل عامر, أغُدَّة كغدَّة البكر تقتلني! يا آل عامر، أغدةٌ كغدة البكر تقتلني, وموتٌ أيضًا في بيت سلولية ! وهي امرأة من قيس. فذلك قول الله: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ فقرأ حتى بلغ: ( يحفظونه ) تلك المعقبات من أمر الله, هذا مقدّم ومؤخّر لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، تلك المعقبات من أمر الله . وقال لهذين: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) فقرأ حتى بلغ: ( يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) الآية, فقرأ حتى بلغ: وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ . قال وقال لبيد في أخيه أربد, وهو يبكيه: »

أَخْشَــى عَـلَى أَرْبَـدَ الحُـتُوفَ وَلا أَرْهَــبُ نَــوْءَ السِّــمَاكِ وَالأسَـدِ

فَجّــعَنِي الرَّعْـدُ وَالصَّـوَاعِقُ بِـال فَــارِسِ يَــوْمَ الكَرِيهَــةِ النَّجُــدِ

قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله ابن زيد في تأويل هذه الآية، قولٌ بعيد من تأويل الآية، مع خلافِه أقوالَ من ذكرنا قوله من أهل التأويل.

وذلك أنه جعل « الهاء » في قوله: ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ ) من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يجر له في الآية التي قبلها ولا في التي قبل الأخرى ذكرٌ, إلا أن يكون أراد أن يردّها على قوله: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ، ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ ) فإن كان ذلك, فذلك بعيدٌ ، لما بينهما من الآيات بغير ذكر الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وإذا كان ذلك, فكونها عائدة على « مَنْ » التي في قوله: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ أقربُ, لأنه قبلها والخبر بعدها عنه .

فإذا كان ذلك كذلك, فتأويل الكلام: سواء منكم، أيها الناس من أسرّ القول ومن جهر به عند ربكم, ومن هو مستخف بفسقه وريبته في ظلمة الليل, وساربٌ يذهب ويجيء في ضوء النهار ممتنعًا بجنده وحرسه الذين يتعقبونه من أهل طاعة الله أن يحولوا بينه وبين ما يأتي من ذلك, وأن يقيموا حدَّ الله عليه, وذلك قوله: ( يحفظونه من أمر الله ) .

*

وقوله: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) يقول تعالى ذكره: ( إن الله لا يغير ما بقوم ) ، من عافية ونعمة، فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم ( حتى يغيروا ما بأنفسهم ) من ذلك بظلم بعضهم بعضًا، واعتداء بعضهم على بعض, فَتَحلَّ بهم حينئذ عقوبته وتغييره .

وقوله: ( وإذا أراد الله بقوم سوءًا فلا مردّ له ) يقول: وإذا أراد الله بهؤلاء الذين يستخفون بالليل ويسربون بالنهار, لهم جند ومنعة من بين أيديهم ومن خلفهم, يحفظونهم من أمر الله هلاكًا وخزيًا في عاجل الدنيا، ( فلا مردّ له ) يقول: فلا يقدر على ردّ ذلك عنهم أحدٌ غيرُ الله . يقول تعالى ذكره: ( وما لهم من دونه من وال ) يقول: وما لهؤلاء القوم و « الهاء والميم » في « لهم » من ذكر القوم الذين في قوله: ( وإذا أراد الله بقوم سوءًا ) . من دون الله ( من والٍ ) يعني: من والٍ يليهم ويلي أمرهم وعقوبتهم .

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: « السوء » : الهلكة, ويقول: كل جذام وبرص وعَمى وبلاء عظيم فهو « سوء » مضموم الأول, وإذا فتح أوله فهو مصدر: « سُؤْت » ، ومنه قولهم: « رجلُ سَوْءٍ » .

واختلف أهل العربية في معنى قوله: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ .

فقال بعض نحويي أهل البصرة: معنى قوله: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ ومن هو ظاهر بالليل, من قولهم: « خَفَيْتُ الشيء » : إذا أظهرته, وكما قال أمرؤ القيس:

فَــإِنْ تَكْتُمُــوا الــدَّاء لا نَخْفِــه وإنْ تَبْعَثُـــوا الحَــرْبَ لا نَقْعُــدِ

وقال: وقد قرئ أَكَادُ أُخْفِيهَا [ سورة طه:15 ] بمعنى: أظهرها .

وقال في قوله: وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ، « السارب » : هو المتواري, كأنه وجَّهه إلى أنه صار في السَّرَب بالنهار مستخفيًا .

وقال بعض نحويي البصرة والكوفة: إنما معنى ذلك: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ ، أي مستتر بالليل من الاستخفاء وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ : وذاهبٌ بالنهار, من قولهم: « سَرَبت الإبل إلى الرَّعي, وذلك ذهابها إلى المراعي وخروجها إليها . »

وقيل: إن « السُّرُوب » بالعشيّ ، و « السُّروح » بالغداة .

واختلفوا أيضًا في تأنيث « معقبات » , وهي صفة لغير الإناث.

فقال بعض نحويي البصرة: إنما أنثت لكثرة ذلك منها, نحو: « نسّابة » ، و « علامة » , ثم ذكَّر لأن المعنيَّ مذكّر, فقال: « يحفظونه » .

وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هي « ملائكة معقبة » , ثم جمعت « معقبات » , فهو جمع جمع, ثم قيل: « يحفظونه » , لأنه للملائكة .

وقد تقدم قولنا في معنى: « المستخفي بالليل والسارب بالنهار » .

وأما الذي ذكرناه عن نحويي البصريين في ذلك، فقولٌ وإن كان له في كلام العرب وجهٌ، خلافٌ لقول أهل التأويل. وحسبه من الدلالة على فساده، خروجه عن قولِ جميعهم .

وأما « المعقبات » ، فإن « التعقيب » في كلام العرب، العود بعد البدء، والرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه، من قول الله تعالى: وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ، أي: لم يرجع, وكما قال سلامة بن جندل:

وَكَرُّنـا الخَـيْلَ فِـي آثَـارِهِمْ رُجُعًـا كُـسَّ السَّـنَابِكِ مِـنْ بَـدْءٍ وَتَعْقِيـبِ

يعني: في غزوٍ ثانٍ عقَّبُوا، وكما قال طرفة:

وَلَقَـــدْ كُــنْت عَلَيْكُــمْ عَاتِبًــا فَعَقَبْتُـــمْ بِذَنُــوبٍ غَــيْرِ مُــرّ

يعني بقوله: « عقبتم » ، رجعتم.

وأتاها التأنيث عندنا, وهي من صفة الحرس الذي يحرسون المستخفي بالليل والسارب بالنهار, لأنه عني بها « حرس مُعَقبّة » , ثم جمعت « المعقبة » فقيل: « معقبات » فذلك جمع جمع « المعقِّب » ، و « المعقِّب » ، واحد « المعَقِّبة » ، كما قال لبيد:

حَـتَّى تَهَجَّـرَ فِـي الـرّوَاحِ وَهَاجَـهُ طَلَــبَ المُعَقِّــبِ حَقَّــهُ المَظْلُـومُ

و « المعقبات » ، جمعها, ثم قال: « يحفظونه » ، فردّ الخبر إلى تذكير الحرَس والجند .

وأما قوله: ( يحفظونه من أمر الله ) فإن أهل العربية اختلفوا في معناه.

فقال بعض نحويي الكوفة: معناه: له معقبات من أمر الله يحفظونه, وليس من أمره [ يحفظونه ] ، إنما هو تقديم وتأخير . قال: ويكون يحفظونه ذلك الحفظ من أمر الله وبإذنه, كما تقول للرجل: « أجبتك من دعائك إياي, وبدعائك إياي » .

وقال بعض نحويي البصريين، معنى ذلك: يحفظونه عن أمر الله, كما قالوا: « أطعمني من جوع، وعن جوع » و « كساني عن عري، ومن عُرْيٍ » .

وقد دللنا فيما مضى على أن أولى القول بتأويل ذلك أن يكون قوله: ( يحفظونه من أمر الله ) ، من صفة حرس هذا المستخفي بالليل، وهي تحرسه ظنًّا منها أنها تدفع عنه أمرَ الله, فأخبر تعالى ذكره أن حرسه ذلك لا يغني عنه شيئًا إذا جاء أمره, فقال: ( وإذا أراد الله بقوم سوءًا فلا مرد له وما لهم من دونه من والٍ ) .

 

القول في تأويل قوله تعالى : هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ( 12 ) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ( 13 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ ) ، يعني أن الرب هو الذي يري عباده البرق وقوله: ( هو ) كناية اسمه جلّ ثناؤه.

وقد بينا معنى « البرق » ، فيما مضى، وذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله: ( خوفًا ) يقول: خوفًا للمسافر من أذاه . وذلك أن « البرق » ، الماء، في هذا الموضع كما:-

حدثني المثنى قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا موسى بن سالم أبو جهضم, مولى ابن عباس قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجَلْد يسأله عن « البرق » , فقال: « البرق » ، الماء .

وقوله ( وطمعًا ) يقول: وطمعًا للمقيم أن يمطر فينتفع . كما:-

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا ) ، يقول: خوفًا للمسافر في أسفاره, يخاف أذاه ومشقته ( وطمعًا، ) للمقيم، يرجو بركته ومنفعته، ويطمع في رزق الله.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( خوفا وطمعا ) خوفا للمسافر, وطمعا للمقيم .

وقوله: ( وينشئ السحاب الثقال ) : ويثير السحاب الثقال بالمطر ويبدؤه.

يقال منه: أنشأ الله السحاب: إذا أبدأه, ونشأ السحاب: إذا بدأ ينشأ نَشْأً .

و « السحاب » في هذا الموضع، وإن كان في لفظ واحد، فإنها جمعٌ، واحدتها « سحابة » , ولذلك قال: « الثقال » , فنعتها بنعت الجمع, ولو كان جاء: « السحاب » الثقيل كان جائزًا, وكان توحيدًا للفظ السحاب, كما قيل : الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا [ سورة يس:80 ] .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وينشئ السحاب الثقال ) ، قال: الذي فيه الماء .

حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: ( وينشئ السحاب الثقال ) قال: الذي فيه الماء .

وقوله: ( ويسبح الرعد بحمده ) .

قال أبو جعفر: وقد بينا معنى الرعد فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد قال كما:

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا كثير بن هشام قال: حدثنا جعفر قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد الشديد قال: « اللهم لا تقتلنا بغضبك, ولا تهلكنا بعذابك, وعافنا قبل ذلك » .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل, عن أبيه, عن رجل, عن أبي هريرة رفع الحديث: أنه كان إذا سمع الرعد قال: « سبحان من يسبح الرعد بحمده » .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا مسعدة بن اليسع الباهلي, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن علي رضي الله عنه, كان إذا سمع صوت الرعد قال: « سبحان من سَبَّحتَ له » .

... قال: حدثنا إسماعيل بن علية, عن الحكم بن أبان, عن عكرمة, عن ابن عباس, أنه كان إذا سمع الرعد قال: « سبحان الذي سَبَّحتَ له . »

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا يعلى بن الحارث قال: سمعت أبا صخرة يحدث عن الأسود بن يزيد, أنه كان إذا سمع الرعد قال: « سبحان من سبَّحتَ له أو » سبحان الذي يسبح الرعد بحمده, والملائكة من خيفته « . »

...قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا ابن علية, عن ابن طاوس, عن أبيه وعبد الكريم, عن طاوس أنه كان إذا سمع الرعد قال: « سبحان من سبحتَ له . »

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا حجاج, عن ميسرة, عن الأوزاعي قال: كان ابن أبي زكريا يقول: من قال حين يسمع الرعد: « سبحان الله وبحمده, لم تصبه صاعقةٌ. »

ومعنى قوله: ( ويسبح الرعد بحمده ) ، ويعظم اللهَ الرعدُ ويمجِّده, فيثنى عليه بصفاته, وينـزهه مما أضاف إليه أهل الشرك به ومما وصفوه به من اتخاذ الصاحبة والولد, تعالى ربنا وتقدّس .

وقوله: ( من خيفته ) يقول: وتسبح الملائكة من خيفة الله ورَهْبته.

وأما قوله: ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) .

فقد بينا معنى الصاعقة، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته، بما فيه الكفاية من الشواهد, وذكرنا ما فيها من الرواية .

وقد اختلف فيمن أنـزلت هذه الآية.

فقال بعضهم: نـزلت في كافر من الكفّار ذكر الله تعالى وتقدَّس بغير ما ينبغي ذكره به, فأرسل عليه صاعقة أهلكته .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عفان قال: حدثنا أبان بن يزيد قال: حدثنا أبو عمران الجوني, عن عبد الرحمن بن صُحار العبدي: أنه بلغه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى جَبَّار يدعوه, فقال: « أرأيتم ربكم, أذهبٌ هو أم فضةٌ هو أم لؤلؤٌ هو؟ » قال: فبينما هو يجادلهم, إذ بعث الله سحابة فرعدت, فأرسل الله عليه صاعقة فذهبت بقِحْف رأسه فأنـزل الله هذه الآية: ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ) .

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق بن سليمان, عن أبي بكر بن عياش, عن ليث, عن مجاهد قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: أخبرني عن ربّك من أيّ شيء هو, من لؤلؤ أو من ياقوت؟ فجاءت صاعقة فأخذته, فأنـزل الله: ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ) .

حدثني المثنى قال: حدثنا الحماني قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن ليث, عن مجاهد, مثله .

... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا سيف, عن أبي روق, عن أبي أيوب, عن علي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد حدثني من هذا الذي تدعو إليه؟ أياقوت هو, أذهب هو, أم ما هو؟ قال: فنـزلت على السائل الصاعقة فأحرقته, فأنـزل الله: ( ويرسل الصواعق ) الآية .

حدثنا محمد بن مرزوق قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثني علي بن أبي سارة الشيباني قال: حدثنا ثابت البناني, عن أنس بن مالك قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مرةً رجلا إلى رجل من فراعنة العرب, أن ادْعُه لي, فقال: يا رسول الله, إنه أعتى من ذلك!‍ قال: اذهب إليه فادعه. قال: فأتاه فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك! فقال: مَنْ رسول الله؟ وما الله؟ أمن ذهب هو, أم من فضة, أم من نحاس؟ قال: فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره, فقال: ارجع إليه فادعه « قال: فأتاه فأعاد عليه وردَّ عليه مثل الجواب الأوّل. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره, فقال: ارجع إليه فادعه ! قال: فرجع إليه . فبينما هما يتراجعان الكلام بينهما, إذ بعث الله سحابة بحيالِ رأسه فرَعَدت, فوقعت منها صاعقة فذهبت بقِحْفِ رأسه, فأنـزل الله: ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ) . »

وقال آخرون: نـزلت في رجل من الكفار أنكر القرآن وكذب النبيّ صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا أنكر القرآن وكذّب النبيَّ صلى الله عليه وسلم, فأرسل الله عليه صاعقة فأهلكته, فأنـزل الله عز وجل فيه: ( وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ) .

وقال آخرون: نـزلت في أربد أخي لبيد بن ربيعة, وكان همّ بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعامر بن الطفيل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: نـزلت يعني قوله: ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) في أربد أخي لبيد بن ربيعة, لأنه قدم أربدُ وعامرُ بن الطفيل بن مالك بن جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم, فقال عامر: يا محمد أأسلم وأكون الخليفة من بعدك؟ قال: لا!‍‍‍ قال: فأكون على أهل الوَبَر وأنتَ على أهل المدَرِ؟ قال: لا! قال: فما ذاك؟ قال: « أعطيك أعنة الخيل تقاتل عليها, فإنك رجل فارس. قال: أوليست أعِنّة الخيل بيدي؟ أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا من بني عامر ! قال لأربد: إمّا أن تكفينيه وأضربه بالسيف, وإما أن أكفيكه وتضربه بالسيف. »

قال أربد: اكفنيه وأضربه. فقال ابن الطفيل: يا محمد إن لي إليك حاجة. قال: ادْنُ! فلم يزل يدنو ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « ادن » حتى وضع يديه على ركبتيه وحَنَى عليه, واستلّ أربد السيف, فاستلَّ منه قليلا فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بَريقه تعوّذ بآية كان يتعوّذ بها, فيبِسَت يدُ أربد على السيف, فبعث الله عليه صاعقة فأحرقته, فذلك قول أخيه:

أَخْشَــى عَـلَى أَرْبَـدَ الحُـتُوف وَلا أَرْهَــبُ نَــوْءَ السِّــمَاك وَالأسَـدِ

فَجَّــعنِي الْـبَرْقُ والصّـوَاعِقُ بـال فَــارِس يَــوْمَ الكَرِيهَــةِ النَّجُــدِ

وقد ذكرت قبل خبر عبد الرحمن بن زيد بنحو هذه القصة .

وقوله: ( وهم يجادلون في الله ) ، يقول: وهؤلاء الذين أصابهم الله بالصواعق أصابهم في حال خُصومتهم في الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم .

وقوله: ( وهو شديد المحال ) يقول تعالى ذكره: والله شديدةٌ مماحلته في عقوبة من طغى عليه وعَتَا وتمادى في كفره .

و « المحال » : مصدر من قول القائل: ماحلت فلانًا فأنا أماحله مماحلةً ومِحَالا و « فعلت » منه: « مَحَلت أمحَلُ محْلا إذا عرّض رجلٌ رجلا لما يهلكه ; ومنه قوله: » وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ « ، ومنه قول أعشى بني ثعلبة: »

فَـرْعُ نَبْـعِ يَهْـتَزُّ فِـي غُصُـنِ المَجْ دِ غَزِيــرُ النّــدَى شَـديدُ المِحَـالِ

هكذا كان ينشده معمر بن المثنى فيما حُدِّثت عن علي بن المغيرة عنه . وأما الرواة بعدُ فإنهم ينشدونه:

فَـرْعُ فَـرْعٍ يَهْـتَزُّ فِـي غُصُنِ المَجْ دِ كِثــيرُ النَّــدَى عَظِيـمُ المِحَـال

وفسّر ذلك معمر بن المثنى, وزعم أنه عنى به العقوبة والمكر والنَّكال ; ومنه قول الآخر:

وَلَبْسٍ بَيْــــنَ أَقْـــوَاٍم فَكُـــلٌ أَعَــدَّ لَــهُ الشَّــغَازِبَ وَالمِحَـالا

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا سيف, عن أبي روق, عن أبي أيوب, عن علي رضي الله عنه: ( وهو شديد المحال ) قال: شديد الأخذ .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد: ( وهو شديد المحال ) قال: شديد القوة .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ( وهو شديد المحال ) أي القوة والحيلة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: ( شديد المحال ) يعني: الهلاك قال: إذا محل فهو شديد وقال قتادة: شديد الحيلة.

حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا رجل, عن عكرمة: ( وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ) ، قال: جدال أربد ( وهو شديد المحال ) قال: ما أصاب أربد من الصاعقة .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج: ( وهو شديد المحال ) قال: قال ابن عباس: شديد الحَوْل .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وهو شديد المحال ) قال: شديد القوة، « المحال » : القوة .

قال أبو جعفر: والقول الذي ذكرناه عن قتادة في تأويل « المحال » أنه الحيلة, والقول الذي ذكره ابن جريج عن ابن عباس يدلان على أنهما كانا يقرآن : « ( وهُوَ شَدِيدُ المَحَالِ ) بفتح الميم, لأن الحيلة لا يأتي مصدرها » مِحَالا « بكسر الميم, ولكن قد يأتي على تقدير » المفعلة « منها, فيكون محالة, ومن ذلك قولهم: » المرء يعجزُ لا مَحالة، و « المحالة » في هذا الموضع، « المفعلة » من الحيلة، فأما بكسر الميم, فلا تكون إلا مصدرًا, من « ماحلت فلانًا أماحله محالا » ، و « المماحلة » بعيدة المعنى من « الحيلة » .

قال أبو جعفر: ولا أعلم أحدًا قرأه بفتح الميم. فإذا كان ذلك كذلك, فالذي هو أولى بتأويل ذلك ما قلنا من القول .

 

القول في تأويل قوله تعالى : لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ ( 14 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لله من خلقه الدعوة الحق, و « الدعوة » هي « الحق » كما أضيفت الدار إلى الآخرة في قوله: وَلَدَارُ الآخِرَةِ [ سورة يوسف: 109 ] ، وقد بينا ذلك فيما مضى.

وإنما عنى بالدعوة الحق، توحيد الله وشهادةَ أن لا إله إلا الله .

وبنحو الذي قلنا تأوله أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس: ( دعوة الحق ) ، قال: لا إله إلا الله .

حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: ( له دعوة الحق ) قال: شهادة أن لا إله إلا الله .

... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا سيف, عن أبي روق, عن أبي أيوب, عن علي رضي الله عنه: ( له دعوة الحق ) قال: التوحيد .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( له دعوة الحق ) قال: لا إله إلا الله .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس, في قوله: ( له دعوة الحق ) قال: لا إله إلا الله .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: ( له دعوة الحق ) : لا إله إلا الله ليست تنبغي لأحد غيره, لا ينبغي أن يقال: فلان إله بني فلان .

وقوله: ( والذين يدعون من دونه ) يقول تعالى ذكره: والآلهة التي يَدْعونها المشركون أربابًا وآلهة .

وقوله ( من دونه ) يقول: من دون الله.

وإنما عنى بقوله: ( من دونه ) الآلهة أنها مقصِّرة عنه, وأنَّها لا تكون إلهًا, ولا يجوز أن يكون إلهًا إلا الله الواحد القهار، ومنه قول الشاعر:

أتُوعِـــدُنِي وَرَاء بَنِــي رِيَــاحٍ? كَــذَبْتَ لَتَقْصُــرَنّ يَــدَاكَ دُونِـي

يعني: لتقصرنَّ يداك عني .

وقوله: ( لا يستجيبون لهم بشيء ) يقول: لا تجيب هذه الآلهة التي يدعوها هؤلاء المشركون آلهةً بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضرٍّ ( إلا كباسط كفيه إلى الماء ) ، يقول: لا ينفع داعي الآلهة دعاؤه إياها إلا كما ينفع باسط كفيه إلى الماء بسطُه إياهما إليه من غير أن يرفعه إليه في إناء, ولكن ليرتفع إليه بدعائه إياه وإشارته إليه وقبضه عليه .

والعرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقابض على الماء، قال بعضهم:

فــإنِّي وإيَّــاكُمْ وَشَــوْقًا إلَيْكُــمُ كَقَــابِضِ مَــاءٍ لَـمْ تَسِـقْهُ أَنَامِلُـه

يعني بذلك: أنه ليس في يده من ذلك إلا كما في يد القابض على الماء, لأن القابض على الماء لا شيء في يده . وقال آخر:

فَـأَصْبَحْتُ مِمَّـا كـانَ بَيْنِـي وبَيْنهَـا مِـنَ الـوُدِّ مِثْـلَ القَـابِضِ المَاءَ بِاليَد

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا سيف, عن أبي روق, عن أبي أيوب, عن علي رضي الله عنه, في قوله: ( إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ) قال: كالرجل العطشان يمد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( كباسط كفيه إلى الماء ) يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده, ولا يأتيه أبدًا .

... قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج قال: أخبرني الأعرج, عن مجاهد: ( ليبلغ فاه ) يدعوه ليأتيه وما هو بآتيه, كذلك لا يستجيب من هو دونه .

حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( كباسط كفيه إلى الماء ) يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده, فلا يأتيه أبدًا .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد

... قال: وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج. عن ابن جريج, عن مجاهد مثل حديث الحسن عن حجاج قال ابن جريج: وقال الأعرج عن مجاهد: ( ليبلغ فاه ) قال: يدعوه لأن يأتيه وما هو بآتيه, فكذلك لا يستجيب مَنْ دونه .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ) وليس ببالغه حتى يتمزَّع عنقه ويهلك عطشًا قال الله تعالى: ( وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) هذا مثل ضربه الله ; أي هذا الذي يدعو من دون الله هذا الوثنَ وهذا الحجر لا يستجيب له بشيء أبدًا ولا يسُوق إليه خيرًا ولا يدفع عنه سوءًا حتى يأتيه الموت, كمثل هذا الذي بسط ذارعيه إلى الماء ليبلغ فاه ولا يبلغ فاه ولا يصل إليه ذلك حتى يموت عطشًا .

وقال آخرون: معنى ذلك: والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليتناول خياله فيه, وما هو ببالغ ذلك .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: ( كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه ) ، فقال: هذا مثل المشرك مع الله غيرَهُ, فمثله كمثل الرَّجل العطشان الذي ينظر إلى خياله في الماء من بعيد, فهو يريد أن يتناوله ولا يقدر عليه .

وقال آخرون في ذلك ما:

حدثني به محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء ) إلى: ( وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) يقول: مثل الأوثان والذين يعبدون من دون الله، كمثل رجل قد بلغه العطش حتى كَرَبه الموت وكفاه في الماء قد وضعهما لا يبلغان فاه, يقول الله: لا تستجيب الآلهة ولا تنفع الذين يعبدونها حتى يبلغ كفّا هذا فاه, وما هما ببالغتين فاه أبدًا .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ( والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ) قال: لا ينفعونهم بشيء إلا كما ينفع هذا بكفيه, يعني بَسْطَهما إلى ما لا ينالُ أبدًا .

وقال آخرون: في ذلك ما:

حدثنا به محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه ) وليس الماء ببالغ فاه ما قام باسطًا كفيه لا يقبضهما ( وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) . قال: هذا مثلٌ ضربه الله لمن اتخذ من دون الله إلهًا أنه غير نافعه, ولا يدفع عنه سوءًا حتى يموت على ذلك .

وقوله: ( وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) يقول: وما دعاء من كفر بالله ما يدعو من الأوثان والآلهة ( إلا في ضلال ) ، يقول: إلا في غير استقامة ولا هدًى, لأنه يشرك بالله .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ( 15 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فإن امتنع هؤلاء الذين يدعون من دون الله الأوثان والأصنام لله شركاء من إفراد الطاعة والإخلاص بالعبادة له فلله يسجد من في السموات من الملائكة الكرام ومن في الأرض من المؤمنين به طوعًا, فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كَرْهًا حين يُكْرَهون على السُّجود . كما:-

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا ) ، فأما المؤمن فيسجد طائعًا, وأما الكافر فيسجد كارهًا .

حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان قال: كان ربيع بن خُثيم إذا تلا هذه الآية: ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا ) قال: بلى يا رَبَّاه .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا ) قال: من دخل طائعًا، هذا طوعًا ( وكرهًا ) من لم يدخل إلا بالسَّيف .

وقوله: ( وظلالهم بالغدوّ والآصال ) يقول: ويسجد أيضًا ظلالُ كل من سجد طوعًا وكرهًا بالغُدُوات والعَشَايا. وذلك أن ظلَّ كلٍّ شخص فإنه يفيء بالعشيّ، كما قال جل ثناؤه أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ، [ سورة النحل:48 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وظلالهم بالغدوّ والآصال ) ، يعني: حين يفيء ظلُّ أحدهم عن يمينه أو شماله .

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن الزبير, عن سفيان قال في تفسير مجاهد: ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدوّ والآصال ) قال: ظل المؤمن يسجد طوعًا وهو طائع, وظلُّ الكافر يسجد طوعًا وهو كاره .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ( وظلالهم بالغدوّ والآصال ) قال: ذُكر أن ظلال الأشياء كلها تسجد له, وقرأ: سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ [ سورة النحل:48 ] . قال: تلك الظلال تسجد لله .

و « الآصال » : جمع أصُلٍ, و « الأصُل » : جمع « أصيلٍ » ، و « الأصيل » : هو العشيُّ, وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس، قال أبو ذؤيب:

لَعَمْـرِي لأَنْـتَ البَيْـتُ أُكْـرِمَ أَهْلَـهُ وَأَقْعُــدُ فِــي أَفْيَائِــهِ بِالأصَـائِلِ

 

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله :مَنْ رَبُّ السموات والأرض ومدبِّرها, فإنهم سيقولون الله . وأمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يقول: « الله » , فقال له: قل، يا محمد: ربُّها، الذي خلقها وأنشأها, هو الذي لا تصلح العبادة إلا له, وهو الله . ثم قال: فإذا أجابوك بذلك فقل لهم: أفاتخذتم من دون رب السموات والأرض أولياء لا تملك لأنفسها نفعًا تجلبه إلى نفسها, ولا ضرًّا تدفعه عنها, وهي إذ لم تملك ذلك لأنفسها, فمِنْ مِلْكه لغيرها أبعدُ فعبدتموها, وتركتم عبادة من بيده النفع والضر والحياة والموت وتدبير الأشياء كلها . ثم ضرب لهم جل ثناؤه مثلا فقال: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ( 16 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عَبدُوا من دون الله الذي بيده نفعهم وضرهم ما لا ينفع ولا يضرُّ: ( هل يستوي الأعمى ) الذي لا يُبصر شيئًا ولا يهتدي لمحجة يسلكها إلا بأن يُهدى و « البصير » الذي يهدي الأعمى لمحجة الطريق الذي لا يُبصر؟ إنهما لا شك لغير مستويين. يقول: فكذلك لا يستوي المؤمن الذي يُبصر الحق فيتبعه ويعرف الهدى فيسلكه، وأنتم أيها المشركون الذين لا تعرفون حقا ولا تبصرون رَشَدًا .

وقوله: ( أم هل تستوي الظلمات والنور ) ، يقول تعالى ذكره: وهل تستوي الظلماتُ التي لا تُرَى فيها المحجة فتُسْلَك ولا يرى فيها السبيل فيُرْكَب والنور الذي تبصر به الأشياء ويجلو ضوءه الظّلام؟ يقول: إن هذين لا شك لغير مستويين, فكذلك الكفر بالله, إنما صاحبه منه في حَيرة يضرب أبدًا في غمرة لا يرجع منه إلى حقيقة, والإيمان بالله صاحبه منه في ضياء يعمل على علم بربه، ومعرفةٍ منه بأن له مثيبًا يثيبه على إحسانه ومعاقبًا يعاقبه على إساءته ورازقًا يرزقه ونافعًا ينفعه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور ) ، أما ( الأعمى والبصير ) فالكافر والمؤمن وأما ( الظلمات والنور ) فالهدى والضلالة .

وقوله: ( أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أخَلَق أوثانُكم التي اتخذتموها أولياء من دون الله خلقًا كخلق الله، فاشتبه عليكم أمرُها فيما خَلقت وخَلَق الله فجعلتموها له شركاء من أجل ذلك, أم إنما بكم الجهل والذهابُ عن الصواب؟ فإنه لا يشكل على ذي عقل أنّ عبادة ما لا يضرّ ولا ينفع من الفعل جهلٌ, وأن العبادة إنما تصلح للذي يُرْجَى نفعه وُيخْشَى ضَرَّه, كما أن ذلك غير مشكل خطؤه وجهلُ فاعله, كذلك لا يشكل جهل من أشرك في عبادة من يرزقه ويكفله ويَمُونه، من لا يقدِرُ له على ضررّ ولا نفع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه ) حملهم ذلك على أن شكُّوا في الأوثان .

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: ( أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم ) ، خلقوا كخلقه, فحملهم ذلك على أن شكُّوا في الأوثان .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

... قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن كثير: سمعت مجاهدًا يقول: ( أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم ) ضُرِبت مثلا .

وقوله: ( قل الله خالق كل شيء ) ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين إذا أقرُّوا لك أن أوثانهم التي أشركوها في عبادة الله لا تخلق شيئًا, فاللهُ خالقكم وخالق أوثانكم وخالق كل شيء, فما وجه إشراككم ما لا يخلق ولا يضرّ؟

وقوله: ( وهو الواحد القهار ) ، يقول: وهو الفرد الذي لا ثاني له ( القهار ) ، الذي يستحق الألوهة والعبادة, لا الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع .

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ ( 17 )

قال أبو جعفر: وهذا مثل ضربه الله للحق والباطل، والإيمان به والكفر.

يقول تعالى ذكره: مثل الحق في ثباته والباطل في اضمحلاله، مثل ماء أنـزله الله من السماء إلى الأرض ( فسالت أوديةٌ بقدرها ) ، يقول: فاحتملته الأودية بملئها، الكبير بكبره، والصغير بصغره ( فاحتمل السيل زبدًا رابيًا ) ، يقول: فاحتمل السيل الذي حدث عن ذلك الماء الذي أنـزله الله من السماء، زبدًا عاليًا فوق السيل .

فهذا أحدُ مثلي الحقّ والباطل, فالحق هو الماءُ الباقي الذي أنـزله الله من السماء, والزبد الذي لا ينتفع به هو الباطل .

والمثل الآخر: ( ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية ) يقول جل ثناؤه: ومثلٌ آخر للحقّ والباطل, مثل فضة أو ذهب يوقد عليها الناس في النار طلب حلية يتخذونها أو متاع, وذلك من النحاس والرصاص والحديد, يوقد عليه ليتخذ منه متاع ينتفع به، ( زبد مثله ) ، يقول تعالى ذكره: ومما يوقدون عليه من هذه الأشياء زبد مثله, يعني: مثل زبد السَّيل لا ينتفع به ويذهب باطلا كما لا ينتفع بزبد السَّيل ويذهب باطلا .

ورفع « الزبد » بقوله: ( ومما يوقدون عليه في النار ) .

ومعنى الكلام: ومما يوقدون عليه في النار زبدٌ مثلُ زبد السيل في بطول زبده, وبقاء خالص الذهب والفضة .

يقول الله تعالى: ( كذلك يضرب الله الحق والباطل ) ، يقول: كما مثَّل الله مثلَ الإيمان والكفر، في بُطُول الكفر وخيبة صاحبه عند مجازاة الله، بالباقي النافع من ماء السيل وخالص الذهب والفضة, كذلك يمثل الله الحق والباطل ( فأما الزبد فيذهب جُفَاء ) يقول: فأما الزبد الذي علا السيل والذهب والفضة والنحاس والرصاص عند الوقود عليها, فيذهب بدفع الرياح وقذف الماء به، وتعلُّقه بالأشجار وجوانب الوادي ( وأما ما ينفع الناس ) من الماء والذهب والفضة والرصاص والنحاس, فالماء يمكثُ في الأرض فتشربه, والذهب والفضة تمكث للناس ( كذلك يضرب الله الأمثال ) يقول: كما مثَّل هذا المثل للإيمان والكفر, كذلك يمثل الأمثال .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: ( أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ) فهذا مثل ضربه الله، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكّها, فأما الشك فلا ينفع معه العمل, وأما اليقين فينفع الله به أهله, وهو قوله: ( فأما الزبد فيذهب جفاء ) ، وهو الشك ( وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) ، وهو اليقين, كما يُجْعل الحَلْيُ في النار فيؤخذ خالصُه ويترك خَبَثُه في النار, فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك .

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدًا رابيًا ) ، يقول: احتمل السيل ما في الوادي من عود ودِمْنة، ( ومما يوقدون عليه في النار ) فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس والحديد, وللنحاس والحديد خَبَث, فجعل الله مثل خبثه كزبد الماء . فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة, وأما ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت . فجعل ذلك مثل العمل الصالح يبقى لأهله, والعمل السيءُ يضمحل عن أهله, كما يذهب هذا الزبد, فكذلك الهدى والحق جاء من عند الله, فمن عمل بالحق كان له، وبقي كما يبقى ما ينفع الناس في الأرض. وكذلك الحديد لا يستطاع أن تجعل منه سكين ولا سيف حتى يدخل في النّار فتأكل خبَثَه, فيخرج جيّده فينتفع به.

فكذلك يضمحل الباطل إذا كان يوم القيامة، وأقيم الناس, وعرضت الأعمال, فيزيغ الباطل ويهلك, وينتفع أهل الحق بالحق, ثم قال: ( ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حِلْية أو متاع زبدٌ مثله ) .

حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: ( أنـزل من السماء ماء فسالت أودية ) إلى: ( أو متاع زبد مثله ) ، فقال: ابتغاء حلية الذهب والفضة, أو متاع الصُّفْر والحديد . قال: كما أوقد على الذهب والفضة والصُّفْر والحديد فخلص خالصه. قال: ( كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) ، كذلك بقاء الحق لأهله فانتفعوا به .

حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدًا يقول: ( أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ) ، قال: ما أطاقت ملأها ( فاحتمل السيل زبدًا رابيًا ) قال: انقضى الكلام, ثم استقبل فقال: ( ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله ) قال: المتاع: الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه ( زبد مثله ) قال: خَبَثُ ذلك مثل زَبَد السيل . قال: ( وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) ، وأما الزبد فيذهب جفاء، قال: فذلك مثل الحق والباطل .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد: أنه سمعه يقول: فذكر نحوه وزاد فيه، قال: قال ابن جريج: قال مجاهد قوله: ( فأما الزبد فيذهب جفاء ) قال: جمودًا في الأرض, ( وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) ، يعني الماء. وهما مثلان: مثل الحق والباطل .

حدثنا الحسن قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: ( زبدًا رابيًا ) السيل مثل خَبَث الحديد والحلية ( فيذهب جفاء ) جمودًا في الأرض ( ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله ) ، الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه . وقوله: ( وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) ، إنما هما مثلان للحق والباطل .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد

... قال، وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد يزيد أحدهما على صاحبه في قوله: ( فسالت أودية بقدرها ) قال: بملئها ( فاحتمل السيل زبدًا رابيًا ) ، قال: الزبد: السيل ( ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله ) ، قال: خبث الحديد والحلية ( فأما الزبد فيذهب جفاء ) قال: جمودًا في الأرض ( وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) قال: الماء وهما مثلان للحق والباطل .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ) ، الصغير بصغره، والكبير بكبره ( فاحتمل السيل زبدًا رابيًا ) أي عاليًا ( ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء ) و « الجفاء » : ما يتعلق بالشجر ( وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) . هذه ثلاثة أمثال ضربَها الله في مثلٍ واحد. يقول: كما اضمحلّ هذا الزبد فصار جُفاءً لا ينتفع به ولا تُرْجى بركته, كذلك يضمحلّ الباطل عن أهله كما اضمحل هذا الزبد, وكما مكث هذا الماء في الأرض, فأمرعت هذه الأرض وأخرجت نباتها, كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي هذا الماء في الأرض, فأخرج الله به ما أخرج من النبات قوله: ( ومما يوقدون عليه في النار ) الآية, كما يبقى خالص الذهب والفضة حين أدخل النار وذهب خَبَثه, كذلك يبقى الحق لأهله قوله: ( أو متاع زبد مثله ) ، يقول: هذا الحديد والصُّفْر الذي ينتفع به فيه منافع. يقول: كما يبقى خالص هذا الحديد وهذا الصُّفر حين أدخل النار وذهب خَبَثه, كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي خالصهما .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( فسالت أودية بقدرها ) ، الكبير بقدره، والصغير بقدره ( زبدًا رابيًا ) قال: ربا فوق الماء الزبد « ومما يوقدون عليه في النار » قال: هو الذهب إذا أدخل النار بقي صَفْوه ونُفِيَ ما كان من كَدَره. وهذا مثل ضربه الله . للحق والباطل ( فأما الزبد فيذهب جفاء ) ، يتعلق بالشجر فلا يكون شيئًا. هذا مثل الباطل ( وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) ، وهذا يخرج النبات. وهو مثل الحق ( أو متاع زبد مثله ) قال: « المتاع » ، الصُّفْر والحديد .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف قال: بلغني في قوله: ( أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ) قال: إنما هو مثل ضربه الله للحق والباطل ( فسالت أودية بقدرها ) الصغير على قدره, والكبير على قدره, وما بينهما على قدره ( فاحتمل السيل زبدًا رابيًا ) يقول: عظيمًا, وحيث استقرَّ الماءُ يذهب الزبد جفاءً فتطير به الريح فلا يكون شيئًا, ويبقى صريح الماء الذي ينفع الناس، منه شرابهم ونباتهم ومنفعتهم ( أو متاع زبد مثله ) ، ومثل الزبد كلّ شيء يوقد عليه في النار الذهب والفضة والنحاس والحديد, فيذهب خَبَثُه ويبقى ما ينفع في أيديهم, والخبث والزَّبد مثل الباطل, والذي ينفع الناس مما تحصَّل في أيديهم مما ينفعهم المال الذي في أيديهم .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: « ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله » قال: هذا مثل ضربه الله للحق والباطل . فقرأ: ( أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدًا رابيًا ) هذا الزبد لا ينفع ( أو متاع زبد مثله ) ، هذا لا ينفع أيضًا قال: وبقي الماءُ في الأرض فنفع الناس, وبقي الحَلْيُ الذي صلح من هذا, فانتفع الناس به ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ) ، وقال: هذا مثل ضربه الله للحق والباطل .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: ( أودية بقدرها ) قال: الصغير بصغره, والكبير بكبره .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا طلحة بن عمرو, عن عطاء: ضرب الله مثلا للحق والباطل, فضرب مثل الحق كمثل السيل الذي يمكث في الأرض, وضرب مثل الباطل كمثل الزبد الذي لا ينفع الناس .

وعنى بقوله: ( رابيًا ) ، عاليًا منتفخًا, من قولهم: رَبَا الشيء يَرْبُو رُبُوًا فهو رابٍ, ومنه قيل للنَّشْز من الأرض كهيئة الأكمة: « رابية » ، ومنه قول الله تعالى: اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ . [ سورة الحج5/سورة فصلت39 ] .

وقيل للنحاس والرصاص والحديد في هذا الموضع « المتاع » ، لأنه يستمتع به, وكل ما يتمتع به الناس فهو « متاع » ،

كما قال الشاعر:

تَمَتَّــعْ يــا مُشَــعَّثُ إنَّ شَــيْئًا سَــبَقْتَ بِـهِ المَمَـاتَ هُـوَ المَتَـاعُ

وأما الجفاء فإني:

حدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال أبو عمرو بن العلاء: يقال: قد أجفأت القِدْرُ, وذلك إذا غلت فانصبَّ زَبدها, أو سَكنَت فلا يبقى منه شيءٌ .

وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة، أن معنى قوله: ( فيذهب جفاء ) تنشِفهُ الأرض, وقال: يقال: جفا الوادي وأجفى في معنى نشف, « وانجفى الوادي »

، إذا جاء بذلك الغثاء, « وغَثَى الوادي فهو يَغْثَى غَثْيًا وغَثَيَانًا » وذكر عن العرب أنها تقول: « جفأتُ القدر أجفؤها » ، إذا أخرجتَ جُفَاءها, وهو الزبد الذي يعلوها و « أجفأتها إجفاء » لغة . قال: وقالوا: « جفأت الرجل جَفْأً » : صرعته .

وقيل: ( فيذهب جفاء ) بمعنى « جفأ » , لأنه مصدر من قول القائل: « جفأ الوادي غُثاءه, فخرج مخرج الاسم، وهو مصدر, كذلك تفعل العرب في مصدر كلّ ما كان من فعل شيء اجتمع بعضُه إلى بعض كـ » القُمَاش والدُّقاق والحُطام والغُثَاء « , تخرجه على مذهب الاسم, كما فعلت ذلك في قولهم: » أعطيتُه عَطاء « , بمعنى الإعطاء, ولو أريد من » القماش « ، المصدر على الصحة لقيل: » قد قمشه قَمْشًا « . »

 

القول في تأويل قوله تعالى : لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ( 18 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أما الذين استجابوا لله فآمنوا به حين دعاهم إلى الإيمان به، وأطاعوه فاتبعوا رسوله وصدّقوه فيما جاءهم به من عند الله, فإن لهم الحسنى, وهي الجنة، كذلك:-

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( للذين استجابوا لربهم الحسنى ) وهي الجنة .

وقوله: ( والذين لم يستجيبوا له لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه لافتدوا به ) ، يقول تعالى ذكره: وأما الذين لم يستجيبوا لله حين دعاهم إلى توحيده والإقرار بربوبيته، ولم يطيعوه فيما أمرهم به, ولم يتبعوا رسوله فيصدقوه فيما جاءهم به من عند ربهم, فلو أن لهم ما في الأرض جميعًا من شيء ومثله معه ملكًا لهم، ثم قُبِل مثل ذلك منهم، وقبل منهم بدلا من العذاب الذي أعدّه الله لهم في نار جهنم وعوضًا، لافتدوا به أنفسهم منه, يقول الله: ( أولئك لهم سوء الحساب ) ، يقول: هؤلاء الذين لم يستجيبوا لله لهم سوء الحساب، يقول: لهم عند الله أن يأخذهم بذنوبهم كلها, فلا يغفر لهم منها شيئا, ولكن يعذبهم على جميعها . كما:-

حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا عون, عن فرقد السبخي قال: قال لنا شهر بن حوشب: ( سوء الحساب ) أن لا يتجاوز لهم عن شيء .

حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية قال: حدثني الحجاج بن أبي عثمان قال: حدثني فرقد السبخي قال: قال إبراهيم النخعي: يا فرقد أتدري ما « سوء الحساب » ؟ قلت: لا ! قال: هو أن يحاسب الرّجل بذنبه كله لا يغفر له منه شيء .

وقوله: ( ومأواهم جهنم ) يقول: ومسكنهم الذي يسكنونه يوم القيامة جهنم ( وبئس المهاد ) ، يقول: وبئس الفراش والوطاءُ جهنمُ التي هي مأواهم يوم القيامة .

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ( 19 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أهذا الذي يعلم أنّ الذي أنـزله الله عليك، يا محمد، حق فيؤمن به ويصدق ويعمل بما فيه, كالذي هو أعمى فلا يعرف موقع حُجَة الله عليه به ولا يعلم ما ألزمه الله من فَرَائصه؟

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا إسحاق قال: حدثنا هشام, عن عمرو, عن سعيد, عن قتادة في قوله: ( أفمن يعلم أنما أنـزل إليك من ربك الحق ) ، قال: هؤلاء قوم انتفعُوا بما سمعوا من كتاب الله وعقلوه ووَعَوْه، قال الله: ( كمن هو أعمى ) ، قال: عن الخير فلا يبصره .

وقوله: ( إنما يتذكر أولو الألباب ) يقول: إنما يتعظ بآيات الله ويعتبر بها ذوو العقول، وهي « الألباب » واحدها « لُبٌّ » .

 

القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ( 20 ) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ( 21 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنما يتعظ ويعتبر بآيات الله أولو الألباب، الذين يوفون بوصية الله التي أوصاهم بها ( ولا ينقضون الميثاق ) ، ولا يخالفون العهد الذي عاهدوا الله عليه إلى خلافه, فيعملوا بغير ما أمرهم به، ويخالفوا إلى ما نهى عنه .

وقد بينا معنى « العهد » و « الميثاق » فيما مضى بشواهده, فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا هشام, عن عمرو, عن سعيد, عن قتادة قال: ( إنما يتذكر أولو الألباب ) ، فبيَّن من هم, فقال: ( الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ) ، فعليكم بوفاء العهد, ولا تنقضوا هذا الميثاق, فإن الله تعالى قد نهى وقدَّم فيه أشد التَّقْدمة, فذكره في بضع وعشرين موضعًا نصيحةً لكم وتقدِمَةً إليكم، وحجة عليكم, وإنما يعظُمُ الأمر بما عظَّمه الله به عند أهل الفهم والعقل, فعظِّموا ما عظم الله. قال قتادة: وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: « لا إيمان لمن لا أمانة له, ولا دين لمن لا عهد له » .

وقوله: ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ) ، يقول تعالى ذكره: والذين يصلون الرَّحم التي أمرهم الله بوصلها فلا يقطعونها ( ويخشون ربهم ) ، يقول: ويخافون الله في قطْعها أن يقطعوها, فيعاقبهم على قطعها وعلى خلافهم أمرَه فيها .

وقوله: ( ويخافون سوء الحساب ) ، يقول: ويحذرون مناقشة الله إياهم في الحساب, ثم لا يصفح لهم عن ذنب, فهم لرهبتهم ذلك جادُّون في طاعته، محافظون على حدوده . كما:-

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عفان قال: حدثنا جعفر بن سليمان, عن عمرو بن مالك, عن أبي الجوزاء في قوله: ( الذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) قال: المقايسةُ بالأعمال .

... قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد, عن فرقد, عن إبراهيم قال: ( سوء الحساب ) أن يحاسب من لا يغفر له .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ( ويخافون سوء الحساب ) ، قال، فقال: وما ( سوء الحساب ) ؟ قال: الذي لا جَوَاز فيه .

حدثني ابن سمان القزاز قال، حدثنا أبو عاصم, عن الحجاج, عن فرقد قال: قال لي إبراهيم: تدري ما ( سوء الحساب ) ؟ قلت: لا أدري قال: يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفرُ له منه شيء .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ( 22 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين صبروا على الوفاء بعهد الله، وترك نقض الميثاق وصلة الرحم ( ابتغاء وجه ربهم ) ، ويعني بقوله: ( ابتغاء وجه ربهم ) ، طلب تعظيم الله, وتنـزيهًا له أن يُخالَفَ في أمره أو يأتي أمرًا كره إتيانه فيعصيه به ( وأقاموا الصلاة ) ، يقول: وأدُّوا الصلاة المفروضة بحدودها في أوقاتها ( وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية ) يقول: وأدَّوا من أموالهم زكاتها المفروضة وأنفقوا منها في السبل التي أمرهم الله بالنفقة فيها ( سرًّا ) في خفاء « وعلانية » في الظاهر . كما:-

حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: ( وأقاموا الصلاة ) يعني الصلوات الخمس ( وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية ) . يقول الزكاة .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد « الصبر » ، الإقامة. قال، وقال « الصبر » في هاتين, فصبرٌ لله على ما أحبَّ وإن ثقل على الأنفس والأبدان, وصبرٌ عمَّا يكره وإن نازعت إليه الأهواء. فمن كان هكذا فهو من الصابرين . وقرأ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ . [ سورة الرعد:24 ]

وقوله: ( ويدرءون بالحسنة السيئة ) ، يقول: ويدفعون إساءة من أساء إليهم من الناس, بالإحسان إليهم. كما:-

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: ( ويدرءون بالحسنة السيئة ) ، قال: يدفعون الشر بالخير, لا يكافئون الشرّ بالشر، ولكن يدفعونه بالخير .

وقوله: ( أولئك لهم عقبى الدار ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا صفتهم، هم الذين ( لهم عقبى الدار ) , يقول: هم الذين أعقبهم الله دارَ الجنان، من دارهم التي لو لم يكونوا مؤمنين كانت لهم في النار, فأعقبهم الله من تلك هذه .

وقد قيل: معنى ذلك: أولئك الذين لهم عقِيبَ طاعتهم ربَّهم في الدنيا، دارُ الجنان .

 

القول في تأويل قوله تعالى : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ( 23 ) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ( 24 )

قال أبو جعفر: يقول ( جنات عدن ) ، ترجمة عن ( عقبى الدار ) كما يقال: « نعم الرجل عبد الله » , فعبد الله هو الرجل المقول له: « نعم الرجل » , وتأويل الكلام: أولئك لهم عَقيِبَ طاعتهم ربِّهم الدارُ التي هي جَنَّات عدْنٍ .

وقد بينا معنى قوله: ( عدن ) , وأنه بمعنى الإقامة التي لا ظَعْنَ معها .

وقوله: ( ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ) ، يقول تعالى ذكره: جنات عدن يدخلها هؤلاء الذين وصف صفتهم وهم الذين يوفون بعهد الله, والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم, والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم, وأقاموا الصلاة, وفعلوا الأفعال التي ذكرها جل ثناؤه في هذه الآيات الثلاث ( ومن صلح من آبائهم وأزواجهم ) ، وهي نساؤهم وأهلوهم و « ذرّيّاتهم » . . و « صلاحهم » إيمانهم بالله واتباعهم أمره وأمر رسوله عليه السلام . كما:-

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( ومن صلح من آبائهم ) قال: من آمن في الدنيا .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد

وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله: ( ومن صلح من آبائهم ) قال: من آمن من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم .

وقوله: ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم ) ، يقول: تعالى ذكره: وتدخل الملائكة على هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه صفتهم في هذه الآيات الثلاث في جنات عدن, من كل باب منها, يقولون لهم: ( سلام عليكم بما صبرتم ) على طاعة ربكم في الدنيا ( فنعم عقبى الدار ) .

وذكر أن لجنات عدن خمسة آلاف باب .

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا علي بن جرير قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن يعلى بن عطاء, عن نافع بن عاصم, عن عبد الله بن عمرو قال: إن في الجنة قصرًا يقال له « عدن » , حوله البروج والمروج, فيه خمسة آلاف باب, على كل باب خمسة آلاف حِبَرة, لا يدخله إلا نبيٌ أو صديق أو شهيدٌ .

... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء, عن جويبر, عن الضحاك, في قوله: ( جنات عدن ) قال: مدينة الجنة, فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى, والناسُ حولهم بعدد الجنات حوْلها .

وحذف من قوله: ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ) ، « يقولون » ، اكتفاءً بدلالة الكلام عليه, كما حذف ذلك من قوله: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا . [ سورة السجدة:12 ]

حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن بقية بن الوليد قال: حدثني أرطاة بن المنذر قال: سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال له « أبو الحجاج » , يقول: جلست إلى أبي أمامة فقال: إن المؤمن ليكون متّكئًا على أريكته إذا دخل الجنة, وعنده سِمَاطان من خَدَمٍ, وعند طرف السِّماطين بابٌ مبوَّبٌ، فيقبل المَلَك يستأذن؛ فيقول أقصى الخدم للذي يليه: « ملك يستأذن » ، ويقول الذي يليه للذي يليه: ملك يستأذن حتى يبلغ المؤمن فيقول: ائذنوا. فيقول: أقربهم إلى المؤمن ائذنوا. ويقول الذي يليه للذي يليه: ائذنوا. فكذلك حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب, فيفتح له, فيدخل فيسلّم ثم ينصرف .

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن إبراهيم بن محمد, عن سُهَيْل بن أبي صالح, عن محمد بن إبراهيم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول: « السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار » , وأبو بكر وعمر وعثمان .

وأما قوله: ( سلام عليكم بما صبرتم ) فإن أهل التأويل قالوا في ذلك نحو قولنا فيه .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرزاق, عن جعفر بن سليمان, عن أبي عمران الجوني أنه تلا هذه الآية: ( سلام عليكم بما صبرتم ) قال: على دينكم .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: ( سلام عليكم بما صبرتم ) قال: حين صبروا بما يحبه الله فقدّموه . وقرأ: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ، حتى بلغ: وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا [ سورة الإنسان:12- 22 ] وصبروا عما كره الله وحرم عليهم, وصبروا على ما ثقل عليهم وأحبه الله, فسلم عليهم بذلك . وقرأ: ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) .

وأما قوله: ( فنعم عقبى الدار ) فإن معناه إن شاء الله كما:-

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال حدثنا عبد الرزاق, عن جعفر, عن أبي عمران الجوني في قولهم ( فنعم عقبى الدار ) قال: الجنة من النار .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ( 25 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره و أما الذين ينقضون عهد الله , ونقضهم ذلك، خلافهم أمر الله, وعملهم بمعصيته ( من بعد ميثاقه ) ، يقول: من بعد ما وثّقوا على أنفسهم لله أن يعملوا بما عهد إليهم ( ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) ، يقول: ويقطعون الرحم التي أمرهم الله بوصلها ( ويفسدون في الأرض ) ، فسادهم فيها: عملهم بمعاصي الله ( أولئك لهم اللعنة ) ، يقول: فهؤلاء لهم اللعنة, وهي البعد من رحمته، والإقصاء من جِنانه ( ولهم سوء الدار ) يقول: ولهم ما يسوءهم في الدار الآخرة .

حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله, لأن الله يقول: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ [ سورة الحج:31 ] ، ونقض العهد، وقطيعة الرحم, لأن الله تعالى يقول: ( أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) ، يعني: سوء العاقبة .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال : قال ابن جريج, في قوله: ( ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) ، قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا لم تمش إلى ذي رحمك برجلك ولم تعطه من مالك فقد قطعته » .

حدثني محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرة, عن مصعب بن سعد قال: سألت أبي عن هذه الآية: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [ سورة الكهف:103 ، 104 ] ، أهم الحرورية؟ قال: لا ولكن الحرورية ( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) ، فكان سعدٌ يسميهم الفاسقين .

حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرة قال: سمعت مصعب بن سعد قال: كنت أمسك على سعدٍ المصحف, فأتى على هذه الآية, ثم ذكر نحو حديث محمد بن جعفر .

 

القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ ( 26 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله يوسّع على من يَشاء من خلقه في رزقه, فيبسط له منه لأن منهم من لا يُصْلحه إلا ذلك ( ويقدر ) ، يقول: ويقتِّر على من يشاء منهم في رزقه وعيشه, فيضيّقه عليه, لأنه لا يصلحه إلا الإقتار ( وفرحوا بالحياة الدنيا ) ، يقول تعالى ذكره: وفرح هؤلاء الذين بُسِط لهم في الدنيا من الرزق على كفرهم بالله ومعصيتهم إياه بما بسط لهم فيها، وجهلوا ما عند الله لأهل طاعته والإيمان به في الآخرة من الكرامة والنعيم .

ثم أخبر جلّ ثناؤه عن قدر ذلك في الدنيا فيما لأهل الإيمان به عنده في الآخرة وأعلم عباده قِلّته, فقال: ( وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) ، يقول: وما جميع ما أعطى هؤلاء في الدنيا من السَّعة وبُسِط لهم فيها من الرزق ورغد العيش، فيما عند الله لأهل طاعته في الآخرة ( إلا متاع ) قليل، وشيء حقير ذاهب . كما:-

حدثنا الحسن بن محمد، قال، حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( إلا متاع ) قال: قليلٌ ذاهب .

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد

... قال: وحدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) ، قال: قليلٌ ذاهب .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن الأعمش, عن بكير بن الأخنس, عن عبد الرحمن بن سابط في قوله: ( وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاعٌ ) قال: كزاد الرّاعي يُزوِّده أهله: الكفِّ من التمر, أو الشيء من الدقيق, أو الشيء يشرَبُ عليه اللبن .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ( 27 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويقول لك يا محمد، مشركو قومك: هلا أنـزل عليك آية من ربك, إمّا ملك يكون معك نذيرًا, أو يُلْقَى إليك كنـز؟ فقل: إن الله يضل منكم من يشاء أيها القوم، فيخذله عن تصديقي والإيمان بما جئته به من عند ربي ( ويَهدي إليه من أناب ) , فرجع إلى التوبة من كفره والإيمان به, فيوفقه لاتباعي وتصديقي على ما جئته به من عند ربه، وليس ضلالُ من يضلّ منكم بأن لم ينـزل علي آية من ربّي ولا هداية من يهتدي منكم بأنَّها أنـزلت عليّ, وإنما ذلك بيَدِ الله, يوفّق من يشاء منكم للإيمان ويخذل من يشاء منكم فلا يؤمن .

وقد بينت معنى « الإنابة » ، في غير موضع من كتابنا هذا بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( ويهدي إليه من أناب ) : أي من تاب وأقبل .

 

القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ( 28 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ بالتوبة الذين آمنوا .

و ( الذين آمنوا ) في موضع نصب، ردٌّ على « مَنْ » , لأن « الذين آمنوا » ، هم « من أناب » ، ترجم بها عنها .

وقوله: وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ، يقول: وتسكن قلوبهم وتستأنس بذكر الله، كما:-

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ يقول: سكنت إلى ذكر الله واستأنست به .

وقوله: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ، يقول: ألا بذكر الله تسكن وتستأنس قلوبُ المؤمنين .

وقيل: إنه عنى بذلك قلوب المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ لمحمد وأصحابه .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل

وحدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ قال: لمحمد وأصحابه .

... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا أحمد بن يونس قال، حدثنا سفيان بن عيينة في قوله: وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

 

القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ( 29 )

وقوله: ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ، الصالحات من الأعمال, وذلك العمل بما أمرهم ربهم ( طوبى لهم ) .

و « طوبى » في موضع رفع بـ « لهم » .

وكان بعض أهل البصرة والكوفة يقول: ذلك رفع, كما يقال في الكلام: « ويلٌ لعمرو » .

قال أبو جعفر: وإنما أوثر الرفع في ( طوبى ) لحسن الإضافة فيه بغير « لام » , وذلك أنه يقال فيه « طوباك » , كما يقال: « ويلك » ، و « ويبك » , ولولا حسن الإضافة فيه بغير لام، لكان النصب فيه أحسنَ وأفصح, كما النصب في قولهم: « تعسًا لزيد، وبعدًا له وسُحقًا » أحسن, إذ كانت الإضافة فيها بغير لام لا تحسن .

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( طوبى لهم ) .

فقال بعضهم: معناه: نِعْم ما لهم .

ذكر من قال ذلك:

حدثني جعفر بن محمد البروري من أهل الكوفة قال: حدثنا أبو زكريا الكلبي, عن عمر بن نافع قال: سئل عكرمة عن « طوبى لهم » قال: نعم ما لهم .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عمرو بن نافع, عن عكرمة في قوله: ( طوبى لهم ) قال: نعم ما لهم .

حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثني عمرو بن نافع قال: سمعت عكرمة, في قوله: ( طوبى لهم ) قال: نِعْم مَا لهم .

وقال آخرون: معناه: غبطة لهم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو هشام قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: ( طوبى لهم ) قال: غبطةٌ لهم .

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء, عن جويبر, عن الضحاك, مثله .

... قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك, مثله .

وقال آخرون: معناه: فرحٌ وقُرَّةُ عين .

ذكر من قال ذلك:

حدثني علي بن داود والمثنى بن إبراهيم قالا حدثنا عبد الله قال . حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: ( طوبى لهم ) ، يقول: فرحٌ وقُرَّة عين .

وقال آخرون: معناه: حُسْنَى لهم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( طوبى لهم ) ، يقول: حسنى لهم, وهي كلمة من كلام العرب .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة . ( طوبى لهم ) ، هذه كلمة عربية, يقول الرجل: طوبى لك: أي أصبتَ خيرًا .

وقال آخرون: معناه: خير لهم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم قال: خير لهم .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم, في قوله: ( طوبى لهم ) ، قال: الخير والكرامة التي أعطاهم الله .

وقال آخرون: ( طوبى لهم ) ، اسم من أسماء الجنة, ومعنى الكلام، الجنة لهُم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( طوبى لهم ) قال: اسم الجنة، بالحبشية .

حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( طوبى لهم ) ، قال: اسم أرض الجنة، بالحبشية .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن مشجوج في قوله: ( طوبى لهم ) قال: ( طوبى ) : اسم الجنة بالهندية .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا داود بن مهران قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن مشجوج قال: اسم الجنة بالهندية: ( طوبى ) .

حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان, عن السدي, عن عكرمة: ( طوبى لهم ) قال: الجنة .

... قال: حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: ( طوبى لهم ) قال: الجنة .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله .

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثنى عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ) قال: لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال: ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ) ، وذلك حين أعجبته .

حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك, عن ليث, عن مجاهد: ( طوبى لهم ) ، قال الجنة .

وقال آخرون: ( طوبى لهم ) : شجرة في الجنة .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا قرة بن خالد, عن موسى بن سالم قال: قال ابن عباس: ( طوبى لهم ) ، شجرة في الجنة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الأشعث بن عبد الله, عن شهر بن حوشب, عن أبي هريرة: ( طوبى لهم ) : شجرة في الجنة يقول لها: « تَفَتَّقي لعبدي عما شاء » ! فتتفتق له عن الخيل بسروجها ولُجُمها, وعن الإبل بأزمّتها, وعما شاء من الكسوة .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن شهر بن حوشب قال: ( طوبى ) : شجرة في الجنة, كل شجر الجنة منها, أغصانُها من وراء سور الجنة .

حدثني المثنى قال: حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا ابن المبارك, عن معمر, عن الأشعث بن عبد الله, عن شهر بن حوشب, عن أبي هريرة قال: في الجنة شجرة يقال لها ( طوبى ) , يقول اللهُ لها: تفَتَّقِي فذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى, عن ابن ثور .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الجبار قال: حدثنا مروان، قال: أخبرنا العلاء, عن شمر بن عطية, في قوله: ( طوبى لهم ) قال: هي شجرة في الجنة يقال لها ( طوبى ) .

حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان, عن منصور, عن حسان أبي الأشرس, عن مغيث بن سُمَيّ قال: ( طوبى ) : شجرة في الجنة, ليس في الجنة دارٌ إلا فيها غصن منها, فيجيء الطائر فيقع، فيدعوه, فيأكل من أحد جنبيه قَدِيدًا ومن الآخر شِوَاء, ثم يقول: « طِرْ » ، فيطير .

... قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية, عن بعض أهل الشأم قال: إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها على راحتيه, ثم دملجها بين كفيه, ثم غرسها وسط أهل الجنة, ثم قال لها: امتدّي حتى تبلغي مَرْضاتي « . ففعلت, فلما استوت تفجَّرت من أصولها أنهار الجنة, وهي » طوبى « . »

حدثنا الفضل بن الصباح قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال: حدثني عبد الصمد بن معقل, أنه سمع وهبًا يقول: إن في الجنة شجرة يقال لها: « طوبى » , يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها ; زهرها رِيَاط, وورقها بُرود وقضبانها عنبر, وبطحاؤها ياقوت, وترابها كافور, ووَحَلها مسك, يخرج من أصلها أنهارُ الخمر واللبن والعسل, وهي مجلسٌ لأهل الجنة . فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربِّهم, يقودون نُجُبًا مزمومة بسلاسل من ذهب, وجوهها كالمصابيح من حسنها, وبَرَها كخَزّ المِرْعِزَّى من لينه, عليها رحالٌ ألواحها من ياقوت, ودفوفها من ذهب, وثيابها من سندس وإستبرق, فينيخونها ويقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلِّموا عليه . قال: فيركبونها، قال: فهي أسرع من الطائر, وأوطأ من الفراش نُجُبًا من غير مَهنَة, يسير الرَّجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه, لا تصيب أذُنُ راحلة منها أذُنَ صاحبتها, ولا بَرْكُ راحلة بركَ صاحبتها, حتى إن الشجرة لتتنحَّى عن طرُقهم لئلا تفرُق بين الرجل وأخيه . قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم, فيُسْفِر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه, فإذا رأوه قالوا: اللهم أنت السلام ومنك السلام, وحُقَّ لك الجلال والإكرام « . قال: فيقول تبارك وتعالى عند ذلك: » أنا السلام, ومنى السلام, وعليكم حقّت رحمتي ومحبتي, مرحبًا بعبادي الذين خَشُوني بغَيْبٍ وأطاعوا أمري « .قال: فيقولون: » ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدرك حق قدرك, فأذن لنا بالسجود قدَّامك « قال: فيقول الله: إنها ليست بدار نَصَب ولا عبادة, ولكنها دارُ مُلْك ونعيم, وإني قد رفعت عنكم نَصَب العبادة, فسلوني ما شئتم, فإن لكل رجل منكم أمنيّته » . فيسألونه، حتى إن أقصرهم أمنيةً ليقول: ربِّ، تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها, رب فآتني كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا « فيقول الله: لقد قصّرت بك اليوم أمنيتُك, ولقد سألت دون منـزلتك, هذا لك مني, وسأتحفك بمنـزلتي, لأنه ليس في عطائي نكَد ولا تَصْريدٌ » . قال: ثم يقول: « اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم، ولم يخطر لهم على بال » . قال: فيعرضون عليهم حتى يَقْضُوهم أمانيهم التي في أنفسهم, فيكون فيما يعرضون عليهم بَرَاذين مقرَّنة, على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة, على كل سرير منها قبة من ذهب مُفْرَغة, في كل قبة منها فُرُش من فُرُش الجنة مُظَاهَرة, في كل قبة منها جاريتان من الحور العين, على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة, ليس في الجنة لونٌ إلا وهو فيهما, ولا ريح طيبة إلا قد عَبِقتَا به, ينفذ ضوء وجوههما غِلَظ القبة, حتى يظن من يراهما أنهما من دُون القُبة, يرى مخهما من فوق سوقهما كالسِّلك الأبيض من ياقوتة حمراء, يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة، أو أفضل, ويرى هولُهما مثل ذلك. ثم يدخل إليهما فيحييانه ويقبّلانه ويعانقانه, ويقولان له: « والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك » ، ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفًّا في الجنة، حتى ينتهي كل رجُل منهم إلى منـزلته التي أعدّت له .

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا علي بن جرير, عن حماد قال: شجرة في الجنة في دار كل مؤمن غصن منها .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن حسان بن أبي الأشرس, عن مغيث بن سمي قال: « طوبى » ، شجرة في الجنة، لو أن رجلا ركب قلوصًا جَذَعا أو جَذَعَة, ثم دار بها، لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هَرمًا . وما من أهل الجنة منـزل إلا فيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدلٍّ عليهم, فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلّى إليهم فيأكلون منه ما شاؤوا, ويجيء الطير فيأكلون منه قديدًا وشواءً ما شاءوا, ثم يطير .

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بنحو ما قال من قال هي شجرة .

*ذكر الرواية بذلك:

حدثني سليمان بن داود القومسي قال، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: حدثنا معاوية بن سلام, عن زيد: أنه سمع أبا سَلام قال: حدثنا عامر بن زيد البكالي: أنه سمع عتبة بن عبد السلمِيّ يقول: جاء أعرابيٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, في الجنة فاكهة؟ قال: نعم, فيها شجرة تدعى « طوبى » , هي تطابق الفردوس . قال: أيّ شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئًا من شجر أرضك, ولكن أتيتَ الشام؟ فقال: لا يا رسول الله. فقال: فإنها تشبه شجرة تدعى الجَوْزة, تنبت على ساق واحدة، ثم ينتشر أعلاها. قال: ما عِظَم أصلها؟ قال: لو ارتحلتَ جَذَعةً من إبل أهلك، ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر تَرْقُوتَاهَا هَرَمًا .

حدثنا الحسن بن شبيب قال: حدثنا محمد بن زياد الجزريّ, عن فرات بن أبي الفرات, عن معاوية بن قرة, عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( طوبى لهم وحسن مآب ) : ، شجرة غرسها الله بيده, ونفخ فيها من روحه، نبتتْ بالحَلْيِ والحُلل, وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث, أن درّاجًا حدّثه أن أبا الهيثم حدثه, عن أبي سعيد الخدري, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قال له: يا رسول الله، ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة, ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها .

قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويل الذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرواية به, يجب أن يكون القولُ في رفع قوله: ( طوبى لهم ) خلافُ القول الذي حكيناه عن أهل العربية فيه . وذلك أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن « طوبى » اسم شجرة في الجنة, فإذْ كان كذلك، فهو اسم لمعرفة كزيد وعمرو . وإذا كان ذلك كذلك, لم يكن في قوله: ( وحسن مآب ) إلا الرفع، عطفًا به على « طوبى » .

وأما قوله: ( وحسن مآب ) ، فإنه يقول: وحسن منقلب ; كما:-

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك: ( وحسن مآب ) ، قال: حسن منقلب .

 

القول في تأويل قوله تعالى : كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ( 30 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هكذا أرسلناك يا محمد في جماعة من الناس يعني إلى جماعةٍ قد خلت من قبلها جماعات على مثل الذي هم عليه, فمضت ( لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك ) ، يقول: لتبلغهم ما أرسَلْتك به إليهم من وحيي الذي أوحيته إليك ( وهم يكفرون بالرحمن ) ، يقول: وهم يجحدون وحدانيّة الله, ويكذّبون بها ( قل هو ربي ) ، يقول: إنْ كفر هؤلاء الذين أرسلتُك إليهم، يا محمد بالرحمن, فقل أنت: الله ربّي ( لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب ) ، يقول: وإليه مرجعي وأوبتي .

وهو مصدر من قول القائل: « تبت مَتَابًا وتوبةً . »

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( وهم يكفرون بالرحمن ) . ذكر لنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الحديبية حين صالح قريشًا كتب: « هذا ما صالح عليه محمدٌ رسول الله . فقال مشركو قريش: لئن كنت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ثم قاتلناك لقد ظلمناك! ولكن اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله . فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعنا يا رسول الله نقاتلهم ! فقال: لا ولكن اكتبوا كما يريدون إنّي محمد بن عبد الله. فلما كتب الكاتب: » بسم الله الرحمن الرحيم « ، قالت قريش: أما » الرحمن « فلا نعرفه ; وكان أهل الجاهلية يكتبون: » باسمك اللهم « , فقال أصحابه: يا رسول الله، دعنا نقاتلهم ! قال: لا ولكن اكتبوا كما يريدون » .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنى حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قال قوله: ( كذلك أرسلناك في أمة قد خلت ) الآية، قال: هذا لمّا كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا في الحديبية، كتب: « بسم الله الرحمن الرحيم » ، قالوا: لا تكتب « الرحمن » , وما ندري ما « الرحمن » , ولا تكتب إلا « باسمك اللهم » .قال الله: ( وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو ) ، الآية .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.

فقال بعضهم: معناه: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ ، ( ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال ) ، أي: يكفرون بالله ولو سَيَّر لهم الجبال بهذا القرآن .وقالوا: هو من المؤخر الذي معناه التقديم . وجعلوا جواب « لو » مقدَّمًا قبلها, وذلك أن الكلام على معنى قيلهم: ولو أنّ هذا القرآن سُيَرت به الجبال أو قطعت به الأرض, لكفروا بالرحمن .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( ولو أن قرآنا سُيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) قال: هم المشركون من قريش، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو وسعت لنا أودية مكَّة, وسيَّرت جبَالها, فاحترثناها, وأحييت من مات منَّا, وقُطّع به الأرض, أو كلم به الموتى ! فقال الله تعالى: ( ولو أن قرآنا سُيّرت به الجبال أو قُطّعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعًا ) .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) ، قول كفار قريش لمحمد: سيِّر جبالنا تتسع لنا أرضُنا فإنها ضيِّقة, أو قرب لنا الشأم فإنا نَتَّجر إليها, أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم ! فقال الله تعالى ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, نحوه قال ابن جريج: وقال عبد الله بن كثير قالوا: لو فَسَحت عنّا الجبال, أو أجريت لنا الأنهار, أو كلمتَ به الموتى! فنـزل ذلك قال ابن جريج: وقال ابن عباس: قالوا: سيِّر بالقرآن الجبالَ, قطّع بالقرآن الأرض, أخرج به موتانا .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن كثير: قالوا: لو فسحت عنا الجبال، أو أجريت لنا الأنهار، أو كلمت به الموتى ! فنـزل: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا .

وقال آخرون: بل معناه: ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) كلامٌ مبتدأ منقطع عن قوله: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ . قال: وجوابُ « لو » محذوف اسْتغنيَ بمعرفة السامعين المرادَ من الكلام عن ذكر جوابها . قالوا: والعرب تفعل ذلك كثيرًا, ومنه قول امرئ القيس:

فَلَــوْ أَنَّهَــا نَفْسٌ تَمُـوتُ سَـرِيحَةً وَلكِنَّهَـــا نَفْسٌ تَقَطَّـــعُ أَنْفُسَــا

وهو آخر بيت في القصيدة, فترك الجواب اكتفاءً بمعرفة سامعه مرادَه, وكما قال الآخر:

فَأُقْسِــمُ لَـوْ شَـيْءٌ أَتَانَـا رَسُـولُهُ سِـوَاكَ وَلكِـنْ لَـمْ نَجِـدْ لَـكَ مَدْفَعَا

*ذكر من قال نحو معنى ذلك:

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال. حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) ، ذكر لنا أن قريشًا قالوا: إن سَرَّك يا محمد، اتباعك أو: أن نتبعك فسيّر لنا جبال تِهَامة, أو زد لنا في حَرَمنا حتى نتَّخذ قَطَائع نخترف فيها, أو أحِي لنا فلانًا وفلانًا ! ناسًا ماتوا في الجاهلية . فأنـزل الله: ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) ، يقول: لو فعل هذا بقرآنٍ قبل قرآنكم لفُعِل بقرآنكم .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: أن كفّار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أذهب عنا جبال تِهَامة حتى نتّخذها زرعًا فتكون لنا أرضين, أو أحي لنا فلانًا وفلانًا يخبروننا: حقٌّ ما تقول ! فقال الله: ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعًا ) ، يقول: لو كان فَعل ذلك بشيء من الكتب فيما مضى كان ذلك .

حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال ) ، الآية، قال: قال كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: سيّر لنا الجبالَ كما سُخِّرت لداود, أو قَطِّع لنا الأرض كما قُطعت لسليمان، فاغتدى بها شهرًا وراح بها شهرًا, أو كلم لنا الموتَى كما كان عيسى يكلمهم، يقول: لم أنـزل بهذا كتابًا, ولكن كان شيئًا أعطيته أنبيائي ورسلي .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ( ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال ) ، الآية، قال: قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقًا فسيِّر عنا هذه الجبال واجعلها حروثًا كهيئة أرض الشام ومصر والبُلْدان, أو ابعث موتانَا فأخبرهم فإنهم قد ماتوا على الذي نحن عليه ! فقال الله : ( ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) ، لم يصنع ذلك بقرآن قط ولا كتاب, فيصنع ذلك بهذا القرآن .

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا

قال أبو جعفر: اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله ( أفلم ييأس ) .

فكان بعض أهل البصرة يزعم أن معناه: ألم يعلمْ ويتبيَّن ويستشهد لقيله ذلك ببيت سُحَيْم بن وَثيلٍ الرِّياحيّ:

أَقُــولُ لَهُـمْ بالشِّـعْبِ إِذْ يَأْسِـرُونَنِي أَلَـمْ تَيْأَسُـوا أَنِّـي ابْـنُ فَارِسِ زَهْدَمِ

ويروى: « يَيْسِرُونَني » , فمن رواه: « ييسرونني » فإنه أراد: يقتسمونني، من « الميسر » , كما يقسم الجزور . ومن رواه: « يأسرونني » , فإنه أراد الأسر، وقال: عنى بقوله: « ألم تيأسوا » ، ألم تعلموا . وأنشدوا أيضًا في ذلك:

أَلَـمْ يَيْـأَسِ الأقْـوَامُ أَنِّـي أَنَـا ابْنُـهُ وَإِنْ كُـنْتُ عَـنْ أَرْضِ العَشِـيرَةِ نَائِيَا

وفسروا قوله: « ألم ييأس » : ألم يعلَم ويتبيَّن؟

وذكر عن ابن الكلبي أن ذلك لغة لحيّ من النَّخَع يقال لهم: وَهْبيل, تقول: ألم تيأس, كذا بمعنى: ألم تعلمه؟

وذكر عن القاسم ابن معن أنّها لغة هَوازن, وأنهم يقولون: « يئستْ كذا » ، علمتُ.

وأما بعض الكوفيين فكان ينكر ذلك, ويزعم أنه لم يسمع أحدًا من العرب يقول: « يئست » بمعنى: « علمت » . ويقول هو في المعنى وإن لم يكن مسموعًا: « يئست » بمعنى: علمت يتوجَّهُ إلى ذلك إذ أنه قد أوقع إلى المؤمنين, أنه لو شاء لهدى الناس جميعا, فقال: « أفلم ييأسوا علما » , يقول: يؤيسهم العلم, فكأن فيه العلم مضمرًا, كما يقال: قد يئست منك أن لا تفلح علمًا, كأنه قيل: علمتُه علمًا قال: وقول الشاعر:

حَــتَّى إِذَا يَئِـسَ الرُّمَـاةُ وَأَرْسُـلوا غُضْفًــا دَوَاجِـنَ قَـافِلا أَعْصَامُهَـا

معناه: حتى إذا يئسوا من كل شيء مما يمكن، إلا الذي ظهر لهم، أرسلوا, فهو في معنى: حتى إذا علموا أن ليس وجه إلا الذي رأوا وانتهى علمهم, فكان ما سواه يأسا .

وأما أهل التأويل فإنهم تأولوا ذلك بمعنى: أفلم يعلَم ويتبيَّن .

ذكر من قال ذلك

حدثني يعقوب قال: حدثنا هشيم, عن أبي إسحاق الكوفي, عن [ مولى مولى بحير ] أن عليًّا رضي الله عنه كان يقرأ: « أَفَلَمْ يَتَبيَّنِ الَّذِينَ آمنُوا » .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الوهاب, عن هارون, عن حنظلة, عن شهر بن حوشب, عن ابن عباس: ( أفلم ييأس ) يقول: أفلم يتبيّن .

حدثنا أحمد بن يوسف قال: حدثنا القاسم قال: حدثنا يزيد, عن جرير بن حازم, عن الزبير بن الخِرِّيت أو يعلى بن حكيم, عن عكرمة, عن ابن عباس, أنه كان يقرؤها: « أَفَلَمْ يَتَبيَّنِ الَّذِينَ آمنُوا » ؛ قال: كتب الكاتب الأخرى وهو ناعسٌ .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا حجاج بن محمد, عن ابن جُرَيْج قال في القراءة الأولى . زعم ابن كثير وغيره: « أفلم يتَبيَّن » .

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ( أفلم ييأس الذين آمنوا ) يقول: ألم يتبين .

حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح, عن علي, عن ابن عباس قوله: ( أفلم ييأس الذين آمنوا ) ، يقول: يعلم .

حدثنا عمران بن موسى قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا ليث, عن مجاهد, في قوله: ( أفلم ييأس الذين آمنوا ) قال: أفلم يتبين .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: ( أفلم ييأس الذين آمنوا ) قال: ألم يتبين الذين آمنوا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( أفلم ييأس الذين آمنوا ) قال: ألم يعلم الذين آمنوا .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: ( أفلم ييأس الذين آمنوا ) قال: ألم يعلم الذين آمنوا .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قاله أهل التأويل: إن تأويل ذلك: « أفلم يتبين ويعلم » ، لإجماع أهل التأويل على ذلك، والأبيات التي أنشدناها فيه .

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذاً: ولو أنّ قرآنًا سوى هذا القرآن كان سُيّرت به الجبال، لسُيّر بهذا القرآن, أو قُطَعت به الأرض لُقطعت بهذا, أو كُلِّم به الموتى، لكُلِّم بهذا, ولكن لم يُفْعل ذلك بقرآن قبل هذا القرآن فيُفْعل بهذا بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا ، يقول ذلك: كله إليه وبيده, يهدى من يشاءُ إلى الإيمان فيوفِّقَه له، ويُضِل من يشاء فيخذله, أفلم يتبيَّن الذين آمنوا بالله ورسوله إذْ طمِعوا في إجابتي من سأل نبيَّهم ما سأله من تسيير الجبال عنهم، وتقريب أرض الشأم عليهم، وإحياء موتاهم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا إلى الإيمان به من غير إيجاد آية، ولا إحداث شيء مما سألوا إحداثه؟ يقول تعالى ذكره: فما معنى محبتهم ذلك، مع علمهم بأن الهداية والإهلاك إليّ وبيدي، أنـزلت آيةً أو لم أنـزلها ; أهدي من أشاءُ بغير إنـزال آية, وأضلّ من أردتُ مع إنـزالها .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ( 31 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( ولا يزال ) يا محمد ( الذين كفروا ) ، من قومك ( تصيبهم بما صنعوا ) من كفرهم بالله، وتكذيبهم إياك، وإخراجهم لك من بين أظهرهم ( قارعة ) , وهي ما يقرعهم من البلاء والعذاب والنِّقم, بالقتل أحيانًا, وبالحروب أحيانًا, والقحط أحيانًا ( أو تحل ) ، أنت يا محمد, يقول: أو تنـزل أنت ( قريبًا من دارهم ) بجيشك وأصحابك ( حتى يأتي وعدُ الله ) الذي وعدك فيهم, وذلك ظهورُك عليهم وفتحُك أرضَهمْ، وقهرْك إياهم بالسيف ( إن الله لا يخلف الميعاد ) ، يقول: إن الله منجزك، يا محمد ما وعدك من الظهور عليهم, لأنه لا يخلف وعده .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

[ حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا ] أبو داود قال: حدثنا المسعوديّ, عن قتادة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ) قال: سَرِيَّة ( أو تحل قريبًا من دارهم ) ، قال: محمد ( حتى يأتي وعد الله ) ، قال: فتح مكة .

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن المسعودي, عن قتادة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس، بنحوه غير أنه لم يذكر « سريّة » .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا أبو قطن قال: حدثنا المسعودي, عن قتادة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, تلا هذه الآية: ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ) ، قال: « القارعة » : السريّة، ( أو تحلّ قريبًا من دارهم ) ، قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم ( حتى يأتي وعد الله ) ، قال: فتح مكة .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو غسان قال: حدثنا زهير, أن خصيفًا حدثهم, عن عكرمة, في قوله: ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبًا من دارهم ) ، قال: نـزلت بالمدينة في سرايَا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ( أو تحل ) ، أنت يا محمد ( قريبًا من دارهم ) .

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن النضر بن عربيّ, عن عكرمة: ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ) ، قال: سرية ( أو تحلّ قريبًا من دارهم ) ، قال: أنت يا محمد .

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ) ، يقول: عذابٌ من السماء ينـزل عليهم ( أو تحلّ قريبًا من دارهم ) ، يعني: نـزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وقتالَه إياهم .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: ( تصيبهم بما صنعوا قارعة ) ، تصاب منهم سَرِيَّة, أو تصاب منهم مصيبة أو يحل محمد قريبًا من دارهم وقوله: ( حتى يأتي وعد الله ) قال: الفتح .

حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد بن زيد, عن عبد الله بن أبي نجيح: ( أو تحل قريبًا من دارهم ) ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد نحو حديث الحسن, عن شبابة .

حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا قيس, عن خصيف, عن عكرمة, عن ابن عباس: قال: ( قارعة ) ، قال: السرايا .

... قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الغفار, عن منصور, عن مجاهد: ( قارعة ) قال: مصيبة من محمد ( أو تحلّ قريبًا من دارهم ) ، قال: أنت يا محمد ( حتى يأتي وعد الله ) ، قال: الفتح .

... قال: حدثنا إسرائيل, عن خصيف, عن مجاهد: ( قارعة ) ، قال: كتيبةً .

... قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا عمرو بن ثابت, عن أبيه, عن سعيد بن جبير: ( تصيبهم بما صنعوا قارعة ) ، قال: سرية ( أو تحل قريبًا من دارهم ) ، قال: أنت يا محمد .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ) أي بأعمالهم أعمال السوء وقوله: ( أو تحل قريبًا من دارهم ) ، أنت يا محمد ( حتى يأتي وعد الله ) ، ووعدُ الله: فتحُ مكة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( قارعة ) ، قال: وَقِيعة ( أو تحلّ قريبًا من دارهم ) ، قال: يعني النبي صلى الله عليه وسلم, يقول: أو تحل أنتَ قريبًا من دارهم .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا محمد بن طلحة, عن طلحة, عن مجاهد: ( تصيبهم بما صنعوا قارعة ) ، قال: سريّة .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد: ( تصيبهم بما صنعوا قارعة ) ، قال: السرايا، كان يبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم ( أو تحل قريبًا من دارهم ) ، أنت يا محمد ( حتى يأتي وعد الله ) ، قال: فتح مكة .

... قال، حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل, عن بعض أصحابه, عن مجاهد: ( تصيبهم بما صنعوا قارعة ) ، قال: كتيبة .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد, في قوله: ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ) ، قال: قارعة من العذاب .

وقال آخرون: معنى قوله: ( أو تحلّ قريبًا من دارهم ) ، تحل القارعةُ قريبًا من دارهم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة قال: قال الحسن: ( أو تحل قريبًا من دارهم ) ، قال: ( أو تحل القارعة قريبا من دارهم ) .

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن قال،: ( أو تحل قريبًا من دارهم ) ، قال: أو تحل القارعة .

وقال آخرون في قوله: ( حتى يأتي وعد الله ) ، هو: يوم القيامة .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا مُعلَّى بن أسَد قال: حدثنا إسماعيل بن حكيم, عن رجل قد سماه عن الحسن, في قوله: ( حتى يأتي وعد الله ) قال: يوم القيامة .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ( 32 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد إن يستهزئ هؤلاء المشركون من قومك ويطلبوا منك الآيات تكذيبًا منهم ما جئتهم به, فاصبر على أذاهم لك وامض لأمر ربك في إنذارهم، والإعذار إليهم, فلقد استهزأت أممٌ من قبلك قد خَلَت فمضتْ بُرسلِي, فأطلتُ لهم في المَهَل، ومددت لهم في الأجَل, ثم أحللتُ بهم عذابي ونقمتي حين تمادَوْا في غيِّهم وضَلالهم, فانظر كيف كان عقابي إياهم حين عاقبتهم, ألم أذقهم أليم العذاب، وأجعلهم عبرةً لأولي الألباب؟

و « الإملاء » في كلام العرب ، الإطالة, يقال منه: « أمْليَتُ لفلان » ، إذا أطلت له في المَهَل, ومنه: « المُلاوة من الدهر » , ومنه قولهم: « تَمَلَّيْتُ حبيبًا, ولذلك قيل لليل والنهار: » المَلَوَان « لطولهما, كما قال ابن مُقبل: »

أَلا يَــا دِيَــارَ الْحَــيِّ بِالسَّـبُعَانِ أَلَــحَّ عَلَيْهَــا بِــالْبِلَى المَلَــوَانِ

وقيل للخَرْقِ الواسع من الأرض: « مَلا » , كما قال الشاعر:

فَــأَخْضَلَ مِنْهَـا كُـلَّ بَـالٍ وَعَيِّـنٍ وَجِــيفُ الرَّوَايَـا بِـالمَلا المُتَبـاطِنِ

لطول ما بين طرفيه وامتداده .

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ( 33 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أفَالرَّبُ الذي هو دائمٌ لا يَبيدُ ولا يَهْلِك ، قائم بحفظ أرزاق جميع الخَلْق, متضمنٌ لها, عالمٌ بهم وبما يكسبُونه من الأعمال, رقيبٌ عليهم, لا يَعْزُب عنه شيء أينما كانوا، كَمن هو هالك بائِدٌ لا يَسمَع ولا يُبصر ولا يفهم شيئًا, ولا يدفع عن نفسه ولا عَمَّن يعبده ضُرًّا, ولا يَجْلب إليهما نفعًا؟ كلاهما سَواءٌ؟

وحذف الجواب في ذلك فلم يَقُل، وقد قيل ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) : ككذا وكذا, اكتفاءً بعلم السامع بما ذَكَر عما ترك ذِكْره . وذلك أنه لما قال جل ثناؤه: ( وَجعلُوا لله شُرَكاء ) ، عُلِمَ أن معنى الكلام: كشركائهم التي اتخذوها آلهةً. كما قال الشاعر:

تَخَـــيَّرِي خُـــيِّرْتِ أُمَّ عَـــالِ بَيْـــنَ قَصِــيرٍ شِــبْرُهُ تِنْبَــالِ

أَذَاكَ أَمْ مُنْخَــــرِقُ السِّــــرْبَالِ وَلا يَـــزَالُ آخِــــرَ اللَّيـــالِي

مُتْلِــفَ مَـالٍ وَمُفِيدَ مَــالِ

ولم يقل وقد قال: « شَبْرُهُ تِنْبَال » , وبين كذا وكذا, اكتفاء منه بقوله: « أذاكَ أم منخرق السربال » , ودلالة الخبر عن المنخرق السربال على مراده في ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد , عن قتادة, قوله: ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) ، ذلكم ربكم تبارك وتعالى, قائمٌ على بني آدمَ بأرزاقهم وآجالهم, وحَفظ عليهم والله أعمالهم .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( أفمَن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) ، قال: الله قائم على كل نفس.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال: حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) ، يعني بذلك نفسه, يقول: هو معكم أينما كنتم, فلا يعمل عامل إلا والله حاضِرُه . ويقال: هم الملائكة الذين وُكِلوا ببني آدم .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج: ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) ، وعلى رزقهم وعلى طعامهم, فأنا على ذلك قائم، وهم عبيدي، ثم جعلوا لي شُركاء .

حدثت عن الحُسَين بن فرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) ، فهو الله قائم على كل نفس بَرّ وفاجر, يرزقهم ويَكلؤُهم, ثم يشرك به منهم من أشرك .

وقوله: ( وجَعَلوا لله شركاءَ قُلْ سَموهم أم تنَبِّئونه بما لا يعلم في الأرض أمْ بظاهر من القول ) ، يقول تعالى ذكره: أنا القائم بأرزاق هؤلاء المشركين, والمدبِّرُ أمورهم, والحافظُ عليهم أعمالَهُمْ, وجعلوا لي شركاء من خلقي يعبدُونها دوني, قل لهم يا محمد: سمّوا هؤلاء الذين أشركتموهم في عبادة الله, فإنهم إن قالوا: آلهة فقد كذبوا, لأنه لا إله إلا الواحد القهار لا شريك له ( أم تُنَبِّؤونُه بما لا يعلم في الأرضُ ) ، يقول: أتخبرونه بأن في الأرض إلهًا, ولا إله غيرُه في الأرض ولا في السماء؟

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وجعلوا لله شركاء قل سمُّوهم ) ، ولو سمَّوْهم آلهةً لكذبَوا وقالوا في ذلك غير الحق، لأن الله واحدٌ ليس له شريك. قال الله: ( أم تُنَبؤونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول ) يقول: لا يعلم الله في الأرض إلها غيره .

حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: ( وجَعلوا لله شركاء قل سموهم ) ، والله خلقهم .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج: ( وجعلوا لله شركاء قل سموهم ) ، ولو سَمَّوهم كذبوا وقالوا في ذلك مَا لا يعلم الله، مَا من إله غير الله، فذلك قوله: ( أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض ) .

وقوله: ( أم بظاهر من القول ) ، مسموع, وهو في الحقيقة باطلٌ لا صحة له .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم قالوا: ( أم بظاهر ) , معناه: أم بباطل, فأتوا بالمعنى الذي تدل عليه الكلمة دون البيان عن حَقيقة تأويلها .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء, عن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: ( بظاهر من القول ) ، بظنٍّ .

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن قتادة قوله: ( أم بظاهر من القول ) ، والظاهر من القول: هو الباطل .

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( أم بظاهر من القول ) ، يقول: أم بباطل من القول وكذب, ولو قالوا قالُوا الباطلَ والكذبَ .

وقوله: ( بل زُيِّن للذين كفروا مكرهم ) ، يقول تعالى ذكره: ما لله من شريك في السموات ولا في الأرض, ولكن زُيِّن للمشركين الذي يدعون من دونه إلهًا، مَكْرُهم, وذلك افتراؤهُم وكذبهم على الله .

وكان مجاهد يقول: معنى « المكر » ، ههنا: القول, كأنه قال: يعني قَوْلُهم بالشرك بالله .

حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: ( بل زين للذين كفروا مكرهم ) ، قال: قولهم .

حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد، مثله .

وأما قوله: ( وصدوا عن السبيل ) ، فإن القَرَأة اختلفت في قراءته.

فقرأته عامة قَرَأة الكوفيين: ( وَصُدُّوا عن السَّبِيلِ ) ، بضم « الصاد » , بمعنى: وصدَّهم الله عن سبيله لكفرهم به, ثم جُعلت « الصاد » مضمومة إذ لم يُسَمَّ فاعله .

وأما عامة قرأة الحجاز والبصرة, فقرأوه بفتح « الصاد » ، على معنى أن المشركين هم الذين صَدُّوا الناس عن سبيل الله .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمةٌ من القرأة, متقاربتا المعنى، وذلك أن المشركين بالله كانوا مصدودين عن الإيمان به, وهم مع ذلك كانوا يعبدون غيرهم, كما وصفهم الله به بقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ . [ الأنفال: 36 ]

وقوله ( ومن يُضْلل الله فمَا لهُ من هادٍ ) ، يقول تعالى ذكره: ومن أضلَّه الله عن إصابة الحق والهدى بخذلانه إياه, فما له أحدٌ يهديه لإصابتهما، لأن ذلك لا يُنَال إلا بتوفيق الله ومعونته, وذلك بيد الله وإليه دُون كل أحد سواه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ( 34 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، لهؤلاء الكفار الذين وَصَف صفَتَهم في هذه السورة، عذابٌ في الحياة الدنيا بالقتل والإسار والآفاتِ التي يُصيبهم الله بها ( ولعذاب الآخرة أشق ) ، يقول: ولتعذيبُ الله إياهم في الدار الآخرة أشدُّ من تعذيبه إيَّاهم في الدنيا.

« وأشقّ » إنما هو « أفعلُ » من المشقَّة .

وقوله: ( وما لهم من الله من وَاقٍ ) ، يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء الكفار من أحدٍ يقيهم من عذاب الله إذا عذَّبهم, لا حَمِيمٌ ولا وليٌّ ولا نصيرٌ, لأنه جل جلاله لا يعادُّه أحدٌ فيقهره، فيتخَلَّصَه من عذابه بالقهر, ولا يشفع عنده أحدٌ إلا بإذنه، وليس يأذن لأحد في الشفاعة لمن كفر به فمات على كفره قبل التَّوبة منه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ( 35 )

قال أبو جعفر: اختلف أهلُ العلم بكلام العرب في مُرَافع « المثل » ,

فقال بعض نحويي الكوفيين: الرافع للمثل قوله: ( تجري من تحتها الأنهار ) ، في المعنى, وقال: هو كما تقول: « حِلْيَةُ فلان، أسمرُ كذا وكذا » فليس « الأسمر » بمرفوع بالحلية, إنما هو ابتداءٌ، أي هو أسمر هو كذا . قال: ولو دخل « أنّ » في مثل هذا كان صوابًا . قال: ومِثْلُه في الكلام: « مَثَلُك أنَّك كذا وأنك كذا » ، وقوله: فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا [ سورة عبس: 24 ، 25 ] مَنْ وجَّه، مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا ، ومن قال: أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ ، أظهر الاسم لأنه مردودٌ على « الطعام » بالخفض, ومستأنف, أي: طَعامُهُ أنَّا صببنا ثم فعلنا . وقال: معنى قوله: ( مثل الجنة ) ، صفات الجنّة .

وقال بعض نحويي البصريين: معنى ذلك: صفةُ الجنة قال: ومنه قول الله تعالى: وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى [ سورة الروم:27 ] ، معناه: ولله الصِفة العُليَا . قال: فمعنى الكلام في قوله: ( مثلُ الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتِها الأنهار ) ، أو فيها أنهار, كأنه قال: وَصْف الجنة صفة تجري من تحتها الأنهار, أو صفة فيها أنهار ، والله أعلم .

قال: ووجه آخر كأنه إذا قيل: ( مَثَلُ الجنة ) , قيل: الجنَّة التي وُعِدَ المتقون . قال . وكذلك قوله: وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [ سورة النمل:30 ] ، كأنه قال: بالله الرحمن الرحيم, والله أعلم .

قال: وقوله: عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [ سورة الزمر:56 ] ، في ذات الله, كأنه عندَنا قيل: في الله .

قال: وكذلك قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [ سورة الشورى:11 ] ، إنما المعنى: ليس كشيء, وليس مثله شيء, لأنه لا مثْلَ له . قال: وليس هذا كقولك للرجل: « ليس كمثلك أحدٌ » , لأنه يجوز أن يكون له مثلٌ, والله لا يجوز ذلك عليه . قال: ومثلُه قول لَبيد:

إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُمَا

قال: وفُسِّر لنا أنه أراد: السلام عليكما:

قال أوس بن حجر:

وَقَتْــلَى كِــرَامٍ كَمِثْــلِ الجُـذُوعِ تَغَشَّــــاهُمُ سَـــبَلُ مُنْهِمـــرْ

قال: والمعنى عندنا: كالجذوع, لأنه لم يرد أن يجعل للجذوع مَثَلا ثمّ يشبه القتلى به . قال: ومثله قول أمية:

زُحَـلٌ وَثَـوْرٌ تَحْـتَ رِجْـلِ يَمِينِـهِ وَالنَّسْــرُ لِلأخْـرَى وَلَيْـثٌ مُرْصِـدُ

قال فقال: « تحت رجل يمينه » كأنه قال: تَحْتَ رِجله، أو تحت رِجله اليُمْنَى. قال: وقول لَبيد:

أَضَـــلَّ صِـــوَارَهُ وَتَضَيَّفَتْــهُ نَطُــوفٌ أَمْرُهَــا بِيَــدِ الشَّـمَالِ

كأنه قال: أمرها بالشمال، وإلى الشمال ; وقول لَبيد أيضًا:

حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِر

فكأنه قال: حتى وَقَعت في كافر .

وقال آخر منهم: هو من المكفوف عن خبَره. قال: والعرب تفعل ذلك . قال: وله معنى آخر: لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى ، مَثَلُ الجنة، موصولٌ، صفةٌ لها على الكلام الأوَل .

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال ذَكر المَثَل, فقال ( مثل الجنة ) , والمراد الجنة, ثم وُصِفت الجنة بصفتها, وذلك أن مَثَلَها إنما هو صِفتَهُا وليست صفتها شيئًا غيرها . وإذْ كان ذلك كذلك, ثم ذكر « المثل » , فقيل: ( مثل الجنة ) , ومثلها صفَتُها وصفة الجنّة, فكان وصفها كوصف « المَثَل » , وكان كأنَّ الكلام جرى بذكر الجنة, فقيل: الجنةُ تجري من تحتها الأنهار, كما قال الشاعر:

أَرَى مَــرَّ السِّــنِينَ أَخَــذْنَ مِنِّـي كَمَــا أَخَـذَ السِّـرَارُ مِـنَ الْهِـلالِ

فذكر « المرّ » ، ورَجَع في الخبر إلى « السنين » .

وقوله: ( أكلها دائمٌ وظلها ) ، يعني: ما يؤكل فيها، يقول: هو دائم لأهلها, لا ينقطع عنهم, ولا يزول ولا يبيد, ولكنه ثابتٌ إلى غير نهاية ( وظلها ) ، يقول: وظلها أيضًا دائم, لأنه لا شمس فيها.

( تلك عقبى الذين اتقَوْا ) ، يقول: هذه الجنة التي وصف جل ثناؤه، عاقبة الذين اتَّقَوا الله, فاجتنبوا مَعَاصيه وأدَّوْا فرائضه .

وقوله: ( وعُقْبَى الكافرين النار ) ، يقول: وعاقبةُ الكافرين بالله النارُ .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ( 36 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين أنـزلنا إليهم الكتاب ممَّن آمن بك واتبعك، يا محمد، ( يفرحون بما أنـزل إليك ) منه ( ومن الأحْزاب من ينكر بعضه ) ، يقول: ومن أهل الملل المتحزِّبين عليك, وهم أهل أدْيان شَتَّى, من ينكر بعضَ ما أنـزل إليك. فقل لهم: ( إنَّما أمرتُ ) ، أيها القوم ( أن أعبد الله ) وحده دون ما سواه ( ولا أشرك به ) ، فأجعل له شريكًا في عبادتي, فأعبدَ معه الآلهةَ والأصنامَ, بل أخلِص له الدين حَنِيفًا مسلمًا ( إليه أدعو ) ، يقول: إلى طاعته وإخلاص العبادة له أدعو الناسَ ( وإليه مآب ) ، يقول: وإليه مصيري

وهو « مَفْعَل » ، من قول القائل: « آبَ يَؤُوب أوْبًا ومَآبًا » .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنـزل إليك ) ، أولئك أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم, فرحوا بكتاب الله وبرسوله وصدَّقُوا به

قوله: ( ومن الأحزاب من ينكر بعضه ) ، يعني اليهودَ والنصارى .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: ( ومن الأحزاب من ينكر بعضه ) ، قال: من أهل الكتاب .

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد، مثله .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله: ( والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنـزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه ) ، من أهل الكتاب، و « الأحزاب » أهل الكتب يقرّبهم تحزُّبهم . قوله: وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ [ سورة الأحزاب:20 ] قال: لتحزبهم على النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن جريج, وقال عن مجاهد: ( ينكِرُ بعضه ) ، قال: بعض القرآنِ .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( وإليه مآب ) : ، وإليه مَصِيرُ كلّ عبْدٍ .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنـزل إليك ) ، قال: هذا مَنْ آمنَ برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فيفرحون بذلك . وقرأ: وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ [ سورة يونس:40 ] . وفي قوله: ( ومن الأحزاب من ينكر بعضه ) ، قال: « الأحزاب » : الأممُ، اليهودُ والنصارى والمجوس منهم من آمنَ به, ومنهم من أنكره .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ ( 37 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكما أنـزلنا عليك الكتاب، يا محمد, فأنكرهُ بعض الأحزاب, كذلك أيضًا أنـزلنا الحكم والدين حُكْمًا عربيًا وجعل ذلك ( عربيًا ) , ووصفه به لأنه أنـزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم وهو عربيٌّ, فنسب الدين إليه، إذ كان عليه أنـزل, فكذَّب به الأحزابُ . ثم نهاه جل ثناؤه عن ترك ما أنـزل إليه واتباع الأحزاب, وتهدَّده على ذلك إنْ فعله فقال: ( ولئن اتبعت ) يا محمد ( أهواءهم ) , أهوَاء هؤُلاء الأحزاب ورضَاهم ومحبتَهم وانتقلت من دينك إلى دينهم, ما لك من يَقيك من عَذاب الله إنْ عذّبك على اتباعك أهواءَهم, وما لك من ناصر ينصرك فيستنقذك من الله إن هو عاقبك, يقول: فاحذر أن تتّبع أهَواءهم .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ( 38 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( ولقد أرسلنا ) ، يا محمد ( رسلا من قبلك ) إلى أمم قَدْ خَلَتْ من قبلِ أمتك، فجعلناهم بَشرًا مثلَك, لهم أزواج ينكحون, وذريةٌ أنْسَلوهم, ولم نجعلهم ملائكةً لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون, فنجعلَ الرسولَ إلى قومك من الملائكة مثلهم, ولكن أرسلنا إليهم بشرًا مثلهم, كما أرسلنا إلى من قبلهم من سائر الأمم بشرًا مثلهم ( وما كان لرسول أن يأتيَ بآية إلا بإذن الله ) يقول تعالى ذكره: وما يقدِر رسولٌ أرسله الله إلى خلقه أنْ يأتي أمَّتَه بآية وعلامة، من تسيير الجبال، ونقل بَلْدةٍ من مكان إلى مكان آخر، وإحياء الموتى ونحوها من الآيات ( إلا بإذن الله ) ، يقول: إلا بأمر الله الجبالَ بالسير، والأرضَ بالانتقال, والميتَ بأن يحيَا ( لكل أجل كتاب ) ، يقول: لكلِّ أجلِ أمرٍ قضاه الله، كتابٌ قد كتَبَه فهو عنده .

وقد قيل: معناه: لكل كتابٍ أنـزله الله من السماء أجَلٌ .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق بن يوسف, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: ( لكلّ أجل كتاب ) ، يقول: لكل كتاب ينـزل من السماء أجل, فيمحُو الله من ذلك ما يشاءُ ويُثْبت, وعنده أمُّ الكتاب .

قال أبو جعفر: وهذا على هذا القول نظيرُ قول الله: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ سورة ق:19 ] ، وكان أبو بكر رحمه الله يقرؤه ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ ) ، وذلك أن سَكْرة الموت تأتي بالحق والحق يأتي بها, فكذلك الأجل له كتاب وللكتاب أجَلٌ .

 

القول في تأويل قوله تعالى : يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ( 39 )

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: يمحو الله ما يشاء من أمور عبادِه, فيغيّره, إلا الشقاء والسعادة، فإنهما لا يُغَيَّران .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا بحر بن عيسى, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) ، قال: يدبّر الله أمرَ العباد فيمحو ما يشاءُ, إلا الشقاء والسعادة [ والحياة ] والموت .

حدثنا ابن بشار قال: حدثنا... ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) ، قال: كل شيء غير السعادة والشقاء, فإنهما قد فُرِغ منهما .

حدثني علي بن سهل قال: حدثنا يزيد وحدثنا أحمد قال حدثنا أبو أحمد عن سفيان, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس يقول: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) ، قال: إلا الشقاء والسعادة, والموت والحياة .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دُكَيْن وقَبِيصة قالا حدثنا سفيان, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, مثله .

حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قوله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) ، قال: قال ابن عباس: إلا الحياة والموت, والشقاء والسعادة .

حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم عن ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده الكتاب ) ، قال: يقدِّر الله أمر السَّنَة في ليلة القَدْر, إلا الشقاوة والسَّعادة والموت والحياة .

حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد في قوله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) ، قال: إلا الحياة والموت والسعادة والشقاوة فإنَّهما لا يتغيَّران .

حدثنا عمرو قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا معاذ بن عقبة, عن منصور, عن مجاهد. مثله .

حدثنا ابن بشار قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله .

... قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن منصور قال: قلت لمجاهد « إن كنت كتبتني سعيدًا فأثبتني, وإن كنت كتَبتَني شقيًّا فامحني » قال: الشقاء والسعادة قد فُرغ منهما .

حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد قال، حدثنا سعيد بن سليمان قال: حدثنا شريك, عن منصور, عن مجاهد: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) ، قال: ينـزل الله كل شيء في السَّنَة في ليلة القَدر, فيمحو ما يشاءُ من الآجال والأرزاق والمقادير, إلا الشقاء والسعادة, فإنهما ثابتان .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن منصور قال: سألت مجاهدًا فقلت: أرأيت دعاءَ أحدنا يقول: « اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم, وإن كان في الأشقياء فامحه واجعله في السعداء » ، فقال: حَسنٌ . ثم أتيته بعد ذلك بحَوْلٍ أو أكثر من ذلك, فسألته عن ذلك, فقال: إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [ سورة الدخان:3 ، 4 ] قال: يُقْضى في ليلة القدر ما يكون في السَّنة من رزق أو مصيبة, ثم يقدِّم ما يشاء ويؤخر ما يشاء . فأما كتاب الشقاء والسعادة فهو ثابتٌ لا يُغَيَّر .

وقال آخرون: معنى ذلك: أنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت من كتابٍ سوى أمّ الكتاب الذي لا يُغَيَّرُ منه شيء .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد, عن سليمان التَّيمي, عن عكرمة, عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) ، قال: كتابان: كتابٌ يمحو منه ما يشاء ويثبت, وعنده أمّ الكتاب .

حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا سهل بن يوسف قال: حدثنا سليمان التيمي, عن عكرمة, في قوله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) ، قال: الكتابُ كتابان, كتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت, وعنده أم الكتاب .

... قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن سليمان التيمي, عن عكرمة, عن ابن عباس بمثله .

20475م- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه, عن عكرمة قال: الكتاب كتابان، ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) .

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يمحو كل ما يشاء, ويثبت كل ما أراد .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثام, عن الأعمش, عن شقيق أنه كان يقول: « اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء, فامحنَا واكتبنا سعداء, وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا, فإنك تمحو ما تشاءُ وتثبت وعندَك أمّ الكتاب » .

حدثنا عمرو قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش, عن أبي وائل قال: كان مما يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلمات: « اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء, وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا, فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب » .

... قال، حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثنا أبي, عن أبي حكيمة, عن أبي عثمان النَّهْديّ, أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت ويبكي: اللهم إن كنت كتبت علي شِقْوة أو ذنبًا فامحه, فإنك تمحو ما تشاء وتثبت . وعندك أم الكتاب, فاجعله سعادةً ومغفرةً .

... حدثنا معتمر, عن أبيه, عن أبي حكيمة, عن أبي عثمان قال: وأحسِبْني قد سمعتُه من أبي عثمان, مثله .

... قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة بن خالد, عن عصمة أبي حكيمة, عن أبي عثمان النهدي, عن عمر رحمه الله, مثله .

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد قال، حدثنا أبو حكيمة قال: سمعت أبَا عُثْمان النَّهدي قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول، وهو يطوف بالكعبة: اللهم إن كنت كتبتَني في أهل السعادة فأثبتني فيها, وإن كنت كتبت عليَّ الذّنب والشِّقوة فامحُني وأثبتني في أهل السّعادة, فإنك تمحو ما تشاء وتثبت, وعندك أمّ الكتاب .

... قال: حدثنا الحجاج بن المنهال قال: حدثنا حماد, عن خالد الحذاء, عن أبي قلابة, عن ابن مسعود, أنه كان يقول: اللهم إن كنت كتبتني في [ أهل ] الشقاء فامحني وأثبتني في أهل السعادة .

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) ، يقول: هو الرجل يعمل الزمانَ بطاعة الله, ثم يعود لمعصية الله، فيموت على ضلاله, فهو الذي يمحو والذي يثبتُ: الرجلُ يعمل بمعصية الله, وقد كان سبق له خير حتى يموت, وهو في طاعة الله, فهو الذي يثبت .

حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك, عن هلال بن حميد, عن عبد الله بن عُكَيْم, عن عبد الله, أنه كان يقول: اللهم إن كُنْت كتبتني في السعداء فأثبتني في السعداء, فإنك تمحو ما تشاء وتثبت, وعندك أم الكتاب .

حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد, عن أبي حمزة, عن إبراهيم, أن كعبًا قال لعمر رحمة الله عليه: يا أمير المؤمنين, لولا آية في كتاب الله لأنبأتك ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة قال: وما هي؟ قال: قولُ الله: ( يمحو الله ما يشاءُ ويثبت وعندَهُ أم الكتاب ) .

حدثت من الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ، الآية يقول: ( يمحو الله ما يشاء ) ، يقول: أنسخُ ما شئت, وأصْنعُ من الأفعال ما شئت, إن شئتُ زدتُ فيها, وإن شئت نقصت .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عفان قال: حدثنا همام قال: حدثنا الكلبي قال: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) ، قال: يَمْحي من الرزق ويزيد فيه, ويمحي من الأجل ويزيد فيه . قلت: من حدّثك! قال: أبو صالح, عن جابر بن عبد الله بن رئاب الأنصاري, عن النبي صلى الله عليه وسلم . فقدم الكلبيّ بعدُ, فسئل عن هذه الآية: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) ، قال: يكتب القول كُلُّه, حتى إذا كان يوم الخميسِ طُرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عليه عقاب, مثل قولك: أكلت, شربت, دخلت, خرجت, ذلك ونحوه من الكلام, وهو صادق, ويثبت ما كان فيه الثواب وعليه العقاب .

حدثنا الحسن قال: حدثنا عبد الوهاب قال: سمعت الكلبي, عن أبي صالح نحوه, ولم يجاوز أبا صالح .

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنّ الله ينسخ ما يشاء من أحكام كِتَابه, ويثبت ما يشاء منها فلا ينسَخُه .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: ( يمحو الله ما يشاء ) ، قال: من القرآن . يقول: يبدل الله ما يشاء فينسخه, ويثبت ما يشاء فلا يبدله ( وعنده أم الكتاب ) ، يقول: وجملة ذلك عنده في أمّ الكتاب، الناسخ والمنسوخ, وما يبدل وما يثبت, كلُّ ذلك في كتاب .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) ، هي مثل قوله: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [ سورة البقرة:106 ] ، وقوله: ( وعنده أم الكتاب ) : أي جُملة الكتاب وأصله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) ما يشاء, وهو الحكيم ( وعنده أمّ الكتاب ) ، وأصله .

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: ( يمحو الله ما يشاء ) ، بما ينـزل على الأنبياء, ( ويثبت ) ما يشاء مما ينـزل على الأنبياء، قال: ( وعنده أم الكتاب ) ، لا يغيَّر ولا يبدَّل .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال: قال ابن جريج: ( يمحو الله ما يشاء ) ، قال: ينسخ . قال: ( وعند أم الكتاب ) ، قال: الذِكْرُ .

وقال آخرون: معنى ذلك أنه يمحو من قد حان أجله, ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي, عن عوف, عن الحسن في قوله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) ، يقول: يمحو من جاء أجله فذهب, والمثبت الذي هو حيٌّ يجري إلى أجله .

حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا عوف قال: سمعت الحسن يقول: ( يمحو الله ما يشاء ) ، قال: من جاء أجله ( ويثبت ) ، قال: من لم يجئ أجله إلى أجله .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا هوذة قال: حدثنا عوف, عن الحسن, نحو حديث ابن بشار .

... قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن في قوله: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ، قال: آجال بني آدم في كتاب، ( يمحو الله ما يشاء ) من أجله ( ويثبت وعنده أم الكتاب ) .

... قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قول الله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) ، قالت قريش حين أنـزل: وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ [ سورة الرعد:38 ] : ما نراك، يا محمد تملك من شيء, ولقد فُرِغ من الأمر! فأنـزلت هذه الآية تخويفًا ووعيدًا لهم: إنا إن شئنا أحدَثْنا له من أمرنا ما شئنا, ونُحْدِث في كل رمضان, فنمحو ونثبتُ ما نشاء من أرزاق الناس وَمصَائبهم, وما نعطيهم, وما نقسم لهم .

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد نحوه .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, نحوه .

وقال آخرون: معنى ذلك: ويغفر ما يشاء من ذنوب عباده, ويترك ما يشاء فلا يغفر .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن سعيد في قوله ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) ، قال: يثبت في البطن الشَّقاء والسعادة وكلَّ شيء, فيغفر منه ما يشاء ويُؤخّر ما يشاء .

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التي ذكرت في ذلك بتأويل الآية وأشبهُها بالصّواب, القولُ الذي ذكرناه عن الحسن ومجاهد، وذلك أن الله تعالى ذكره توعَّد المشركين الذين سألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الآياتِ بالعقوبة، وتهدَّدهم بها، وقال لهم: وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ، يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلا مُثْبَتًا في كتاب، هم مؤخَّرون إلى وقت مجيء ذلك الأجل. ثم قال لهم: فإذا جاء ذلك الأجل، يجيء الله بما شَاء ممن قد دَنا أجله وانقطع رزقه، أو حان هلاكه أو اتضاعه من رفعة أو هلاك مالٍ, فيقضي ذلك في خلقه, فذلك مَحْوُه، ويثبت ما شاء ممن بقي أجله ورزقه وأكله, فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه .

وبهذا المعنى جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ما:-

حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: حدثنا الليث بن سعد, عن زيادة بن محمد, عن محمد بن كعب القُرَظي, عن فَضالة بن عُبَيْد, عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله يَفتح الذِّكر في ثلاث ساعات يَبْقَيْن من الليل, في الساعة أولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظُرُ فيه أحد غَيره, فيمحو ما يشاء ويثبتُ » . ثم ذكر ما في الساعتين الأخريين .

حدثنا موسى بن سهل الرمليّ قال: حدثنا آدم قال، حدثنا الليث قال: حدثنا زيادة بن محمد, عن محمد بن كعب القرظي, عن فضالة بن عبيد, عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله ينـزل في ثلاث ساعات يَبْقَين من الليل, يفتح الذكر في الساعة الأولى الذي لم يره أحد غيره, يمحو ما يشَاء ويثبت ما يشاء » .

حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عباس قال: إن لله لوحًا محفوظًا مسيرةَ خمسمِائة عام, من دُرَّة بيضاء لَها دَفَّتَان من ياقوت, والدَّفتان لَوْحان لله, كل يوم ثلاثمائة وستون لحظةً, يمحو ما يشَاء ويثبت وعنده أم الكتاب .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه قال: حدثني رجل, عن أبيه, عن قيس بن عباد, أنه قال: العاشر من رجب هو يوم يمحو الله فيه ما يشاء .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ( 39 )

قال أبو جعفر: اختلفَ أهل التأويل في تأويل قوله: ( وعنده أم الكتاب ) ، فقال بعضهم: معناه: وعنده الحلال والحرام .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن عقبة قال، حدثنا مالك بن دينار قال: سألت الحسن: قلت: ( أمُّ الكتاب ) ، قال: الحلال والحرام قال: قلت له: فما ( الحمد لله رب العالمين ) قال: هذه أمُّ القرآن .

وقال آخرون: معناه: وعنده جملة الكتاب وأصله .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( وعنده أم الكتاب ) ، قال: جملة الكتاب وأصله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله .

حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وعنده أم الكتاب ) ، قال: كتابٌ عند رب العالمين .

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق بن يوسف, عن جويبر عن الضحاك: ( وعنده أم الكتاب ) ، قال: جملة الكتاب وعلمه . يعني بذلك ما يَنْسَخ منه وما يُثْبت .

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: ( وعنده أم الكتاب ) يقول: وجملة ذلك عنده في أمّ الكتاب: الناسخُ والمنسوخ, وما يبدّل, وما يثبت, كلُّ ذلك في كتاب .

وقال آخرون في ذلك, ما:

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا معتمر بن سليمان, عن أبيه, عن سيَّار, عن ابن عباس, أنه سأل كعبًا عن « أم الكتاب » قال: علم الله ما هو خَالقٌ وما خَلْقُه عاملون, فقال لعلمه: كُنْ كتابًا، فكان كتابًا .

وقال آخرون: هو الذكر .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال أبو جعفر: لا أدري فيه ابن جريج أم لا قال: قال ابن عباس: ( وعنده أم الكتاب ) قال: الذكر .

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قولُ من قال: « وعنده أصل الكتاب وجملته » ، وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه يمحُو ما يشاء ويثبت ما يشاء, ثم عقَّب ذلك بقوله: ( وعنده أم الكتاب ) ، فكان بيِّنًا أن معناه. وعنده أصل المثبّت منه والمَمحوّ, وجملتُه في كتاب لديه .

قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: وَيُثْبِتُ فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والكوفة: « وَيُثَبِّتُ » بتشديد « الباء » بمعنى: ويتركه ويقرُّه على حاله, فلا يمحوه.

وقرأه بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين: وَيُثْبِتُ بالتخفيف, بمعنى: يكتب.

وقد بيَّنَّا قبلُ أن معنى ذلك عندنا: إقرارُه مكتوبًا وتركُ محْوه على ما قد بيَّنَّا, فإذا كان ذلك كذلك فالتثبيتُ به أولى, والتشديدُ أصْوبُ من التخفيف, وإن كان التخفيف قد يحتمل توجيهه في المعنى إلى التشديد، والتشديد إلى التخفيف, لتقارب معنييهما .

وأما « المحو » , فإن للعرب فيه لغتين: فأما مُضَر فإنها تقول: « محوت الكتَابَ أمحُوه مَحْوًا » وبه التنـزيل « ومحوته أمْحَاه مَحْوًا » .

وذُكِر عن بعض قبائل ربيعة: أنها تقول: « مَحَيْتُ أمْحَى » .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ( 40 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإما نرينك، يا محمد في حياتك بعضَ الذي نعدُ هؤلاء المشركين بالله من العقاب على كفرهم أو نتوفيَنَّكَ قبل أن نُريَك ذلك, فإنما عليك أن تنتهِيَ إلى طاعة ربك فيما أمرك به من تبليغهم رسالتَه, لا طلبَ صلاحِهم ولا فسادهِم, وعلينا محاسبتهم، فمجازاتهم بأعمالهم, إن خيرًا فخيرٌ وإن شرًّا فشرٌّ .

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( 41 )

قال أبو جعفر: اختلف أهلُ التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: معناه: أولم ير هؤلاء المشركون مِنْ أهل مكة الذين يسألون محمدًا الآيات, أنا نأتي الأرض فنفتَحُها له أرضًا بعد أرض حَوَالَيْ أرضهم؟ أفلا يخافون أن نفتح لَهُ أرضَهم كما فتحنا له غيرها؟

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا هشيم, عن حصين, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله: ( أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال: أولم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض؟

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، يعني بذلك: ما فتح الله على محمد. يقول: فذلك نُقْصَانها .

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن سلمة بن نبيط, عن الضحاك قال: ما تغلَّبتَ عليه من أرضِ العدوّ .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر قال: كان الحسن يقول في قوله: ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، هو ظهور المسلمين على المشركين .

حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ قال: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، يعنى أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يُنْتَقَصُ له ما حوله من الأرَضِين, ينظرون إلى ذلك فلا يعتبرون قال الله في « سورة الأنبياء » : نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ [ سورة الأنبياء:44 ] ، بل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم الغالبون .

وقال آخرون: بل معناه: أولم يروا أنا نأتي الأرض فنخرِّبها, أو لا يَخَافون أن نفعل بهم وبأرضهم مثل ذلك فنهلكهم ونخرِّب أرضهم؟

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا علي بن عاصم, عن حصين بن عبد الرحمن, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله: ( أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال: أولم يروا إلى القرية تخربُ حتى يكون العُمْران في ناحية؟

... قال: حدثنا حجاج بن محمد, عن ابن جريج, عن الأعرج, أنه سمع مجاهدًا يقول: ( نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال: خرابُها .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن الأعرج, عن مجاهد مثله قال: وقال ابن جريج: خرابُها وهلاك الناس .

حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي جعفر الفرَّاء, عن عكرمة قوله: ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال: نخرِّب من أطرافها .

وقال آخرون: بل معناه: ننقص من بَرَكتها وثَمرتها وأهلِها بالموت .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: ( ننقصها من أطرافها ) يقول: نقصان أهلِها وبركتها .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد, في قوله: ( ننقصها من أطرافها ) ، قال: في الأنفس وفي الثمرات, وفي خراب الأرض .

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن طلحة القناد, عمن سمع الشعبي قال: لو كانت الأرض تُنْقَص لضَاق عليك حُشَّك, ولكن تُنْقَص الأنفُس والثَّمرات .

وقال آخرون: معناه: أنا نأتي الأرض ننقصها من أهلها, فنتطرَّفهم بأخذهم بالموت .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( ننقصها من أطرافها ) ، قال: موت أهلها .

حدثنا ابن بشار قال: حدثنا يحيى, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد: ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال: الموت .

حدثني المثنى قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هارون النحوي قال: حدثنا الزبير بن الخِرِّيت عن عكرمة, في قوله: ( ننقصها من أطرافها ) ، قال: هو الموت . ثم قال: لو كانت الأرض تنقص لم نجد مكانًا نجلسُ فيه .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال: كان عكرمة يقول: هو قَبْضُ الناس .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قال: سئل عكرمة عن نقص الأرض قال: قبضُ الناس .

حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا جرير بن حازم, عن يعلى بن حكيم, عن عكرمة في قوله: ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال: لو كان كما يقولون لما وجَد أحدكم جُبًّا يخرَأ فيه .

حدثنا الفضل بن الصباح قال: حدثنا إسماعيل بن علية, عن أبي رجاء قال: سئل عكرمة وأنا أسمع عن هذه الآية: ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، قال: الموت .

وقال آخرون: ( ننقُصها من أطرافها ) بذهاب فُقَهائها وخِيارها .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا طلحة بن عمرو, عن عطاء, عن ابن عباس قال: ذهابُ علمائها وفقهائِها وخيار أهلِها .

قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عبد الوهاب, عن مجاهد قال: موتُ العلماء .

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قولُ من قال: ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) ، بظهور المسلمين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عليها وقَهْرِهم أهلها, أفلا يعتبرون بذلك فيخافون ظُهورَهم على أرْضِهم وقَهْرَهم إياهم؟ وذلك أن الله توعَّد الذين سألوا رسولَه الآيات من مشركي قومه بقوله: وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ، ثم وبَّخهم تعالى ذكره بسوء اعتبارهم ما يعاينون من فعل الله بضُرَبائهم من الكفار, وهم مع ذلك يسألون الآيات, فقال: ( أولم يرَوْا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) بقهر أهلها, والغلبة عليها من أطرافها وجوانبها, وهم لا يعتبرون بما يَرَوْن من ذلك .

وأما قوله: ( والله يحكُم لا مُعَقّب لحكمه ) ، يقول: والله هو الذي يحكم فيَنْفُذُ حكمُه, ويَقْضي فيَمْضِي قضاؤه, وإذا جاء هؤلاء المشركين بالله من أهل مكة حُكْم الله وقضاؤُه لم يستطيعوا رَدَّهَ . ويعني بقوله: ( لا معقّب لحكمه ) : لا راد لحكمه,

« والمعقب » ، في كلام العرب، هو الذي يكرُّ على الشيء.

وقوله: ( وهو سريع الحساب ) ، يقول: والله سريع الحساب يُحْصي أعمال هؤلاء المشركين، لا يخفى عليه شيء، وهو من وراءِ جزائهم عليها .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ( 42 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قد مكر الذين من قَبْل هؤلاء المشركين من قُرَيشٍ من الأمم التي سلفت بأنبياء الله ورُسله ( فلله المكر جميعًا ) ، يقول: فلله أسبابُ المكر جميعًا, وبيده وإليه, لا يضرُّ مكرُ من مَكَر منهم أحدًا إلا من أراد ضرَّه به, يقول: فلم يضرَّ الماكرون بمكرهم إلا من شاء الله أن يضرَّه ذلك, وإنما ضرُّوا به أنفسهم لأنهم أسخطوا ربَّهم بذلك على أنفسهم حتى أهلكهم, ونجَّى رُسُلَه: يقول: فكذلك هؤلاء المشركون من قريش يمكرون بك، يا محمد, والله منَجّيك من مكرهم, ومُلْحِقٌ ضُرَّ مكرهم بهم دونك .

وقوله: ( يعلم ما تكسب كلّ نفس ) ، يقول: يعلم ربك، يا محمد ما يعمل هؤلاء المشركون من قومك، وما يسعون فيه من المكر بك, ويعلم جميعَ أعمال الخلق كلهم, لا يخفى عليه شيء منها ( وسيعلَم الكفار لمن عقبى الدار ) ، يقول: وسيعلمون إذا قَدموا على ربهم يوم القيامة لمن عاقبة الدار الآخرة حين يدخلون النار, ويدخلُ المؤمنون بالله ورسوله الجَنَّة.

قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة ذلك:

فقرأته قرأة المدينة وبعضُ البَصْرة: « وَسَيَعْلَمُ الكَافِرُ » على التوحيد .

وأما قرأة الكوفة فإنهم قرءوه: ( وَسَيَعْلَمُ الكُفَّار ) ، على الجمع .

قال أبو جعفر: والصوابُ من القراءة في ذلك، القراءةُ على الجميع: ( وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ ) لأن الخبر جرى قبل ذلك عن جماعتهم, وأتبع بعَده الخبر عنهم, وذلك قوله: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ وبعده قوله: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا . وقد ذُكر أنها في قراءة ابن مسعود: « وَسَيَعْلَمُ الكَافِرُونَ » , وفى قراءة أبيّ: ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) وذلك كله دليلٌ على صحة ما اخترنا من القراءة في ذلك .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ( 43 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره ويقول الذين كفروا بالله من قومك يا محمد لست مرسلا! تكذيبا منهم لك, وجحودًا لنبوّتك، فقل لهم إذا قالوا ذلك: ( كفى بالله ) ، يقول: قل حَسْبي الله ( شهيدًا ) , يعني شاهدًا ( بيني وبينكم ) ، عليّ وعليكم، بصدقي وكذبكم ( ومن عنده علمُ الكتاب )

فـ « مَنْ » إذا قرئ كذلك في موضع خفضٍ عطفًا به على اسم الله, وكذلك قرأته قرَأَة الأمصار بمعنى: والذين عندهم علم الكتاب أي الكتب التي نـزلت قبلَ القرآن كالتوراة والإنجيل . وعلى هذه القراءة فسَّر ذلك المفسِّرون .

*ذكر الرواية بذلك:

حدثني علي بن سعيد الكنْدي قال: حدثنا أبو مُحيَّاة يحيى بن يعلى, عن عبد الملك بن عمير, عن ابن أخي عبد الله بن سلام قال: قال عبد الله بن سَلام: نـزلت فيَّ: ( كفى بالله شهيدًا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) .

حدثنا الحسين بن علي الصُّدائي قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال، حدثنا شعيب بن صفوان قال: حدثنا عبد الملك بن عمير, أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: قال عبد الله بن سلام: أنـزل فيّ: ( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) .

حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( قل كفى بالله شهيدًا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) ، فالذين عندهم علم الكتاب: هم أهل الكتاب من اليهود والنَّصارَى .

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا الأشجعي, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد: ( ومن عنده علم الكتاب ) قال: هو عبد الله بن سلام .

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح, في قوله: ( ومن عنده علم الكتاب ) قال: رجل من الإنس, ولم يُسمّه .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: ( ومن عنده علم الكتاب ) ، هو عبد الله بن سلام .

... قال: حدثنا يحيى بن عباد قال: حدثنا شعبة, عن الحكم, عن مجاهد: ( ومن عنده علم الكتاب ) .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا ) ، قال: قول مشركي قريش: ( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) ، أناس من أهل الكتاب كانوا يشهدون بالحقّ ويقرُّون به, ويعلمون أن محمدًا رسول الله, كما يُحدَّث أن منهم عبد الله بن سَلام .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن قتادة: ( ومن عنده علم الكتاب ) قال: كان منهم عبدُ الله بن سَلام, وسَلْمَان الفارسي, وتميمٌ الدَّاريّ .

حدثنا الحسن قال: حدثنا عبد الوهاب, عن سعيد, عن قتادة: ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) قال هو عبد الله بن سَلام .

وقد ذُكر عن جماعة من المتقدِّمين أنهم كانوا يقرأونَه: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » ، بمعنى: مِنْ عِند الله عُلِمَ الكتاب .

*ذكر من ذكر ذلك عنه:

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, عن هارون, عن جعفر بن أبي وحشية, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » ، يقول: مِنْ عند الله عُلِمَ الكتاب .

حدثني محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر, عن شعبة, عن الحكم, عن مجاهد: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » قال: من عند الله .

... قال: حدثنا ابن أبي عدي, عن شعبة, عن الحكم, عن مجاهد: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » قال: من عند الله عُلِمَ الكتاب وقد حدثنا هذا الحديثَ الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا شعبة, عن الحكم, عن مجاهد: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » قال: هو الله هكذا قرأ الحسن: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » .

... قال: حدثنا شعبة, عن منصور بن زاذان, عن الحسن, مثله .

قال: حدثنا علي يعني ابن الجعد قال: حدثنا شعبة, عن منصور بن زاذان, عن الحسن: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » قال: الله قال شعبة: فذكرت ذلك للحكم, فقال: قال مجاهد, مثله .

حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة قال: سمعت منصور بن زاذان يحدث عن الحسن, أنه قال في هذه الآية: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » ، قال: من عند الله .

... قال: حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا هوذة قال: حدثنا عوف, عن الحسن: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » ، قال: مِنْ عند الله عُلِم الكتاب .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » قال: من عند الله عِلْمُ الكِتَابِ هكذا قال ابن عبد الأعلى .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قال: كان الحسن يقرؤها: « قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » ، يقول: مِنْ عِنْد الله عُلِمَ الكتابُ وجملته قال أبو جعفر: هكذا حدثنا به بشر: « عُلِمَ الكتابُ » وأنا أحسِبَه وَهِم فيه, وأنه: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » ، لأن قوله « وجملته » ، اسم لا يُعْطف باسم على فعل ماضٍ .

حدثنا الحسن قال: حدثنا عبد الوهاب, عن هارون: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » ، يقول: مِنْ عند الله عُلِم الكتاب .

حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج بن المنهال قال: حدثنا أبو عوانة, عن أبي بشر قال: قلت لسعيد بن جبير: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » أهو عبد الله بن سَلام؟ قال: هذه السورة مكية, فكيف يكون عبد الله بن سلام! قال: وكان يقرؤها: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » يقول: مِنْ عند الله .

حدثنا الحسن قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا أبو عوانة, عن أبي بشر قال: سألت سعيد بن جبير, عن قول الله ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) أهو عبد الله بن سلام؟ قال: فكيف وهذه السورة مكية؟ وكان سعيد يقرؤها: « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » .

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني عباد, عن عوف, عن الحسن وجُوَيبر, عن الضحاك بن مزاحم قالا « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » ، قال: من عند الله .

قال أبو جعفر: وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرٌ بتصحيح هذه القراءة وهذا التأويل, غير أنّ في إسناده نظرًا, وذلك ما:-

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني عباد بن العوّام, عن هارون الأعور, عن الزهري, عن سالم بن عبد الله, عن أبيه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ « وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ » ، عند الله عُلِم الكتاب .

قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ ليس له أصلٌ عند الثِّقات من أصحاب الزهريّ . فإذْ كان ذلك كذلك وكانت قراء الأمصار من أهل الحجاز والشأم والعراق على القراءة الأخرى, وهي: ( ومن عنده علم الكتاب ) ، كان التأويل الذي على المعنى الذي عليه قرأة الأمصار أولى بالصواب ممّا خالفه , إذ كانت القراءة بما هم عليه مجمعون أحقَّ بالصواب .

« آخر تفسير سورة الرعد »

 

أعلى