فهرس تفسير الطبري للسور

12 - تفسير الطبري سورة يوسف

التالي السابق

تفسير سورة يوسف

( تفسير السورة التي يذكر فيها يوسف صلى الله عليه وسلم )

( بسم الله الرحمن الرحيم )

( ربِّ يسّر )

 

القول في تأويل قوله تعالى : الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ( 1 )

قال أبو جعفر محمد بن جرير: قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله: ( الر تلك آيات الكتاب ) ، والقول الذي نختاره في تأويل ذلك فيما مضى، بما أغنى عن إعادته ههنا.

وأما قوله: ( تلك آيات الكتاب المبين ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.

فقال بعضهم: معناه: ( تلك آيات الكتاب المبين ) : بَيَّن حلاله وحرامه ، ورشده وهُداه .

ذكر من قال ذلك:

18768 حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، قال: حدثنا الوليد بن سلمة الفلسطيني ، قال: أخبرني عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، في قول الله تعالى: ( الر تلك آيات الكتاب المبين ) ، قال: بيَّن حلاله وحرامه.

18769 حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله: ( الر تلك آيات الكتاب المبين ) ، إي والله، لمبينٌ، بيَّن الله هداه ورشده.

18770 حدثنا الحسن بن يحيى ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله: ( الر تلك آيات الكتاب المبين ) ، قال: بين الله رشده وهداه.

وقال آخرون في ذلك ما:

18771 حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، قال: حدثنا الوليد بن سلمة ، قال: حدثنا ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن معاذ أنه قال في قول الله عز وجل: ( الكتاب المبين ) قال بيَّن الحروف التي سقطت عن ألسن الأعاجم وهي ستة أحرف.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: معناه: هذه آيات الكتاب المبين ، لمن تلاه وتدبَّر ما فيه من حلاله وحرامه ونهيه وسائر ما حواه من صنوف معانيه ; لأن الله جل ثناؤه أخبر أنه « مبين » ، ولم يخصَّ إبانته عن بعض ما فيه دون جميعه ، فذلك على جميعه ، إذ كان جميعه مبينًا عمَّا فيه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ( 2 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنا أنـزلنا هذا الكتاب المبين، قرآنًا عربيًّا على العرب ، لأن لسانهم وكلامهم عربي ، فأنـزلنا هذا الكتاب بلسانهم ليعقلوه ويفقهوا منه ، وذلك قوله: ( لعلكم تعقلون ) .

 

القول في تأويل قوله تعالى : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ( 3 )

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: « نحن نقص عليك » يا محمد، « أحسن القصص » بوحينا إليك هذا القرآن ، فنخبرك فيه عن الأخبار الماضية، وأنباء الأمم السالفة والكتب التي أنـزلناها في العصور الخالية ( وإن كنت من قبله لمن الغافلين ) ، يقول تعالى ذكره: وإن كنت يا محمد من قبل أن نوحيه إليك لمن الغافلين عن ذلك ، لا تعلمه ولا شيئا منه، كما:

18772 حدثنا بشر ، قال: حدثنا يزيد ، قال: حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( نحن نقص عليك أحسن القصص ) من الكتب الماضية وأمور الله السالفة في الأمم ( وإن كنت من قبله لمن الغافلين ) .

وذكر أن هذه الآية نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسألة أصحابه إياه أن يقصَّ عليهم .

*ذكر الرواية بذلك:

18773 حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال: حدثنا حكام الرازي ، عن أيوب ، عن عمرو الملائي ، عن ابن عباس ، قال: قالوا: يا رسول الله ، لو قصصت علينا؟ قال: فنـزلت: ( نحن نقص عليك أحسن القصص ) .

18774 حدثنا ابن حميد ، قال: حدثنا حكام ، عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن ، عن عمرو بن قيس ، قال: قالوا: يا نبي الله ، فذكر مثله .

18775 حدثنا ابن وكيع ، قال: حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن عون بن عبد الله ، قال: ملَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملّةً ، فقالوا: يا رسول الله حدثنا ! فأنـزل الله عز وجل: اللَّهُ نَـزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ [ سورة الزمر:23 ] . ثم ملوا ملَّةً أخرى فقالوا: يا رسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن ! يعنون القصَص، فأنـزل الله: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ، فأرادوا الحديث فدَّلهم على أحسن الحديث ، وأرادوا القصصَ فدلهم على أحسن القصص .

18776 حدثنا محمد بن سعيد العطار ، قال: حدثنا عمرو بن محمد ، قال: أخبرنا خلاد الصفار ، عن عمرو بن قيس ، [ عن عمرو بن مرة ] ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد ، قال: أنـزل على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ، قال: فتلاه عليهم زمانًا ، فقالوا: يا رسول الله ، لو قصصت علينا ! فأنـزل الله: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ، إلى قوله: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ، الآية . قال: ثم تلاه عليهم زمانًا ، فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا ! فأنـزل الله تعالى اللَّهُ نَـزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا [ سورة الزمر:23 ] ، قال خلاد: وزاد فيه رجل آخر ، قالوا: يا رسول الله أو قال أبو يحيى: ذهبت من كتابي كلمة فأنـزل الله: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [ سورة الحديد:16 ] .

 

القول في تأويل قوله تعالى : إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ( 4 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإن كنت يا محمد، لمن الغافلين عن نبأ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم إذ قال لأبيه يعقوب بن إسحاق: ( يا أبت إني رأيت أحدَ عشر كوكبًا ) ; يقول: إني رأيت في منامي أحد عشر كوكبًا .

وقيل: إن رؤيا الأنبياء كانت وحيًا .

18778 حدثنا ابن بشار ، قال: حدثنا أبو أحمد ، قال: حدثنا سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله: ( إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) ، قال: كانت رؤيا الأنبياء وحيًا.

18779 وحدثنا ابن وكيع ، قال: حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس: ( إني رأيت أحد عشر كوكبًا ) ، قال: كانت الرؤيا فيهم وحيًا.

وذكر أن الأحد العشر الكوكب التي رآها في منامه ساجدةً مع الشمس والقمر ، ما:

حدثني علي بن سعيد الكندي ، قال: حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن جابر ، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ من يهود يقال له « بستانة اليهودي » ، فقال له: يا محمد، أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدةً له ، ما أسماؤها؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يجبه بشيء ، ونـزل عليه جبرئيل وأخبره بأسمائها .

قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ، فقال: هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟ قال: نعم! فقال: جربان والطارق ، والذيال ، وذو الكنفات ، وقابس ، ووثاب وعمودان ، والفليق ، والمصبح ، والضَّروح ، وذو الفرغ ، والضياء ، والنور « . فقال اليهودي: والله إنها لأسماؤها! »

وقوله: ( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) يقول: والشمس والقمر رأيتهم في منامي سجودا .

وقال « ساجدين » والكواكب والشمس والقمر إنما يخبر عنها ب « فاعلة » و « فاعلات » لا بالواو والنون ، [ لأن الواو والنون ] إنما هي علامة جمع أسماء ذكور بني آدم، أو الجن، أو الملائكة . وإنما قيل ذلك كذلك ، لأن « السجود » من أفعال من يُجمع أسماء ذكورهم بالياء والنون ، أو الواو والنون ، فأخرج جمع أسمائها مخرج جمع أسماء من يفعل ذلك ، كما قيل: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ، [ سورة النمل : 18 ] .

وقال: « رأيتهم » وقد قيل « : إني رأيت أحد عشر كوكبًا » ، فكرر الفعل ، وذلك على لغة من قال: « كلمت أخاك كلمته » ، توكيدًا للفعل بالتكرير .

وقد قيل: إن الكواكب الأحد عشر كانت إخوته ، والشمس والقمر أبويه .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال: حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : « إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا ) إخوته، أحد عشر كوكبًا » وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ « ، يعني بذلك: أبويه »

حدثني الحارث ، قال: حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شريك ، عن السدي ، في قوله : « إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر » ... الآية ، قال: رأى أبويه وإخوته سجودا له فإذا قيل له: عمن؟ قال إن كان حقًّا ، فإن ابن عباس فسرَّه.

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله « أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين » قال: الكواكب: إخوته ، والشمس والقمر: أبواه.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين ، قال: حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله: « إني رأيت أحد عشر كوكبًا » إخوته « والشمس » ، أمه « والقمر » أبوه.

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد ، قال، قال سفيان: كان أبويه وإخوته

حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال: سمعت أبا معاذ ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان ، قال: سمعت الضحاك ، قوله: « إني رأيت أحد عشر كوكبًا » هم إخوة يوسف « والشمس والقمر » ، هما أبواه.

حدثني يونس ، قال، أخبرنا ابن وهب ، قال، قال ابن زيد ، في قوله : « يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا » الآية ، قال: أبواه وإخوته . قال: فنعاه إخوته، وكانوا أنبياء ، فقالوا: ما رضي أن يسجد له إخوته حتى سجد له أبواه! حين بلغهم.

وروي عن ابن عباس أنه قال « : الكواكب » إخوته ، « والشمس والقمر » ، أبوه وخالته من وجه غير محمودٍ ، فكرهت ذكره.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( 5 )

قال أبو جعفر : يقول جل ذكره قال: يعقوب لابنه يوسف: « يا بنيّ لا تقصص رؤياك » ، هذه، « على إخوتك » ، فيحسدوك « فيكيدوا لك كيدًا » ، يقول: فيبغوك الغوائل، ويناصبوك العداوة ، ويطيعوا فيك الشيطان . ( إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) ، يقول: إن الشيطان لآدم وبنيه عدو ، قد أبان لهم عداوته وأظهرها . يقول: فاحذر الشيطان أن يغريَ إخوتك بك بالحسد منهم لك، إن أنت قصصت عليهم رؤياك .

وإنما قال يعقوب ذلك ، لأنه قد كان تبين له من أخوته قبلَ ذلك حسدًا، كما:-

حدثنا ابن وكيع ، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن أسباط ، عن السدي ، قال: نـزل يعقوب الشأم ، فكان همُّه يوسف وأخاه ، فحسده إخوته لما رأوا حبَّ أبيه له. ورأى يوسف في المنام كأن أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رآهم له ساجدين ، فحدث بها أباه فقال: ( يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا ) ، الآية.

واختلف أهل العربية في وجه دخول « اللام » في قوله ( فيكيدوا لك كيدا ) .

فقال بعض نحويي البصرة: معناه: فيتخذوا لك كيدا وليست مثل: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [ سورة يوسف : 43 ] تلك أرادوا أن يوصل الفعل إليها باللام، كما يوصل بالباء ، كما تقول: « قدمت له طعامًا » ، تريد قدّمت إليه، وقال: يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ، [ سورة يوسف : 48 ] ومثله قوله: قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ [ سورة يونس : 35 ] قال: وإن شئت كان: ( فيكيدوا لك كيدا ) ، في معنى: « فيكيدوك » ، وتجعل اللام مثل: لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ [ سورة الأعراف : 154 ] وقد قال لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ إنما هو بمكان: « ربَّهم يرهبون » .

وقال بعضهم: أدخلت اللام في ذلك ، كما تدخل في قولهم: « حمدت لك » و « شكرت لك » ، و « حمدتك » و « شكرتك » . وقال: هذه لام جلبها الفعل ، فكذلك قوله: ( فيكيدوا لك كيدا ) تقول: فيكيدوك ، أو: يكيدوا لك، فيقصدوك ، ويقصدوا لك ، قال: « وكيدًا » : توكيدٌ .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( 6 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل يعقوب لابنه يوسف، لما قصّ عليه رؤياه: ( وكذلك يجتبيك ربك ) وهكذا يجتبيك ربك . يقول: كما أراك ربك الكواكب والشمسَ والقمرَ لك سجودًا ، فكذلك يصطفيك ربك، كما:-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو العنقزي ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عكرمة: ( وكذلك يجتبيك ربك ) ، قال: يصطفيك.

حدثنا بشر ، قال: حدثنا يزيد ، قال: حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ) ، فاجتباه واصطفاه وعلّمه من عَبْر الأحاديث ، وهو « تأويل الأحاديث » .

وقوله: ( ويعلمك من تأويل الأحاديث ) يقول: ويعلمك ربك من علم ما يؤول إليه أحاديثُ الناس، عما يرونه في منامهم. وذلك تعبير الرؤيا .

حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: ( ويعلمك من تأويل الأحاديث ) قال: عبارة الرؤيا.

حدثني يونس ، قال، أخبرنا ابن وهب ، قال، قال ابن زيد ، في قوله: ( ويعلمك من تأويل الأحاديث ) ، قال: تأويل الكلام: العلم والكلام.

وكان يوسف أعبرَ الناس، وقرأ: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا . [ سورة يوسف : 22 ] .

وقوله: ( ويتم نعمته عليك ) باجتبائه إياك، واخيتاره، وتعليمه إياك تأويل الأحاديث ( وعلى آل يعقوب ) يقول: وعلى أهل دين يعقوب، وملته من ذريته وغيرهم ( كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق ) ، باتخاذه هذا خليلا وتنجيته من النار ، وفدية هذا بذبح عظيم، كالذي:-

حدثنا القاسم ، قال: حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، أخبرنا أبو إسحاق ، عن عكرمة ، في قوله: ( ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق ) قال: فنعمته على إبراهيم أن نجاه من النار ، وعلى إسحاق أنْ نجَّاه من الذَّبح.

وقوله: ( إن ربك عليم حكيم ) يقول: ( إن ربك عليم ) بمواضع الفضل ، ومَنْ هو أهلٌ للاجتباء والنعمة « حكيم » في تدبيره خلقه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ( 7 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ( لقد كان في يوسف وإخوته ) الأحد عشر ( آيات ) يعني عبر وذكر ( للسائلين ) يعني السائلين عن أخبارهم وقصصهم . وإنما أراد جل ثناؤه بذلك نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم.

وذلك أنه يقال: إن الله تبارك وتعالى إنما أنـزل هذه السورة على نبيه، يعلمه فيها ما لقي يوسف من أَدانيه وإخوته من الحسد ، مع تكرمة الله إيَّاه ، تسليةً له بذلك مما يلقى من أدانيه وأقاربه من مشركي قريش . كذلك كان ابن إسحاق يقول:

حدثنا ابن حميد ، قال: حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال: إنما قصّ الله تبارك وتعالى على محمد خبر يوسف، وبَغْي إخوته عليه وحسدهم إياه، حين ذكر رؤياه، لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بغي قومه وحسده حين أكرمه الله عز وجل بنبوته، ليأتسي به.

واختلفت القراء في قراءة قوله: ( آيات للسائلين ) . فقرأته عامة قراء الأمصار « آياتٌ » على الجماع .

وروي عن مجاهد وابن كثير أنهما قرآ ذلك على التوحيد .

والذي هو أولى القراءتين بالصواب، قراءةُ من قرأ ذلك على الجماع ، لإجماع الحجة من القراء عليه.

 

القول في تأويل قوله تعالى : إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 8 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: لقد كان في يوسف وإخوته آيات لمن سأل عن شأنهم حين قال إخوة يوسف ( ليوسف وأخوه ) من أمه ( أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة ) ، يقولون: ونحن جماعة ذوُو عدد، أحد عشر رجلا .

و « العصبة » من الناس، هم عشرة فصاعدًا ، قيل: إلى خمسة عشرَ ، ليس لها واحد من لفظها ، كالنَّفر والرهط.

( إن أبانا لفي ضلال مبين ) ، يعنون: إنّ أبانا يعقوب لفي خطأ من فعله، في إيثاره يوسف وأخاه من أمه علينا بالمحبة ويعني ب « المبين » : أنه خطأٌ يبينُ عن نفسه أنه خطأ لمن تأمله ونظر إليه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع ، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن أسباط ، عن السدي: ( إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ) ، قال: يعنون بنيامين . قال: وكانوا عشرة.

.... قال: حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي: ( إن أبانا لفي ضلال مبين ) ، قال: في ضلال من أمرنا.

حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد ، في قوله: ( ونحن عصبة ) ، قال: « العصبة » ، الجماعة .

 

القول في تأويل قوله تعالى : اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ( 9 )

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف بعضهم لبعض: اقتلوا يوسف أو اطرحوه في أرض من الأرض ، يعنون مكانا من الأرض ( يخلُ لكم وجه أبيكم ) يعنون: يخلُ لكم وجه أبيكم من شغله بيوسف ، فإنه قد شغله عنّا، وصرف وَجهه عنَّا إليه ( وتكونوا من بعده قومًا صالحين ) ، يعنون أنهم يتوبون من قتلهم يوسف، وذنبهم الذي يركبونه فيه ، فيكونون بتوبتهم من قتله من بعد هلاك يوسف قومًا صالحين .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع ، قال: حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي: ( اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قومًا صالحين ) ، قال: تتوبون مما صنعتم ، أو: من صنيعكم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ( 10 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: قال قائل من إخوة يوسف: ( لا تقتلوا يوسف ) .

وقيل: إن قائل ذلك « روبيل » ، كان ابن خالة يوسف.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال: حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( لا تقتلوا يوسف ) ذكر لنا أنه روبيل، كان أكبر القوم ، وهو ابن خالة يوسف ، فنهاهم عن قتله.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( اقتلوا يوسف ) ، إلى قوله: ( إن كنتم فاعلين ) ، قال: ذكر لي، والله أعلم، أن الذي قال ذلك منهم « روبيل » ، الأكبر من بني يعقوب ، وكان أقصدهم فيه رأيًا.

حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق ، قال، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله: ( لا تقتلوا يوسف ) قال: كان أكبر إخوته ، وكان ابن خالة يوسف ، فنهاهم عن قَتْله .

وقيل: كان قائل ذلك منهم « شمعون » .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله: ( قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف ) قال: هو شمعون.

وقوله: ( وألقوه في غيابة الجب ) يقول وألقوه في قَعْرِ الجبّ، حيث يَغيبُ خبره .

واختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قراء أهل المدينة: « غيَابَاتِ الجُبِّ » على الجماع .

وقرأ ذلك عامة قراء سائر الأمصار: ( غَيابَةِ الجُبِّ ) بتوحيد « الغيابة » .

قال أبو جعفر : وقراءة ذلك بالتوحيد أحبُّ إليّ .

و « الجبّ » : بئر .

وقيل: إنه اسم بئر ببيت المقدس .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: في: ( غيابة الجب ) ، يقول: بئر ببيت المقدس.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله: ( غيابة الجب ) قال: بئر ببيت المقدس.

والغيابة: كل شيء غيب شيئًا فهو « غيابة » و « الجب » ، البئر غير المطويَّة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر ، عن قتادة في : ( غيابة الجب ) ، في بعض نواحيها: في أسفلها.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( وألقوه في غيابة الجب ) ، يقول: في بعض نواحيها.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: ( وألقوه في غيابة الجب ) قال: قالها كبيرهم الذي تخلَّف . قال: و « الجب » ، بئر بالشأم.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي ، قال: حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس: ( وألقوه في غيابة الجب ) يعني: الركيَّة.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ ، قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول: « الجبّ » : البئر.

وقوله: ( يلتقطه بعض السيارة ) يقول: يأخذه بعض مارّة الطريق من المسافرين ( إن كنتم فاعلين ) ، يقول: إن كنتم فاعلين ما أقول لكم . فذكر أنه التقطه بعض الأعراب .

حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: ( يلتقطه بعض السيارة ) ، قال: التقطه ناس من الأعراب.

وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ: « تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ » بالتاء .

حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال حدثنا القاسم ، قال، حدثني حجاج ، عن هارون ، عن مطر الورّاق ، عن الحسن .

وكانّ الحسن ذهب في تأنيثه « بعض السيارة » إلى أنَّ فعلَ بعضها فعلُها.

والعرب تفعل ذلك في خبر كان عن مُضافٍ إلى مؤنث، يكون الخبرُ عن بعضه خبرًا عن جميعه ، وذلك كقول الشاعر:

أرَى مَــرَّ السِّــنِينَ أخَــذْنَ مِنِّـي كَمَــا أخَـذَ السِّـرَارُ مِـنَ الهِـلالِ

فقال: « أخذن مني » ، وقد ابتدأ الخبر عن « المرّ » ، إذ كان الخبر عن « المرّ » ، خبرًا عن « السنين » ، وكما قال الآخر:

إذَا مَــاتَ مِنْهُــمْ سَـيِّدٌ قَـامَ سَـيِّدٌ فَـدَانَتْ لَـهُ أهْـلُ القُـرَى والكَنـائِسِ

فقال: « دانت له » ، والخبر عن أهل القرى ، لأن الخبر عنهم كالخبر عن القرى . ومن قال ذلك لم يقل: « فدانت له غلام هند » ، لأن « الغلام » لو ألقي من الكلام لم تدلَّ « هند » عليه ، كما يدل الخبر عن « القرية » على أهلها .

وذلك أنه لو قيل « : فدانت له القرى » ، كان معلومًا أنه خبر عن أهلها. وكذلك « بعض السيارة » ، لو ألقي البعض ، فقيل: تلتقطه السيارة ، علم أنه خبر عن البعض أو الكل ، ودلّ عليه الخبر عن « السيارة » .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ( 11 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف، إذ تآمروا بينهم ، وأجمعوا على الفرقة بينه وبين والده يعقوب، لوالدهم يعقوب: ( يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف ) فتتركه معنا إذا نحن خرجنا خارج المدينة إلى الصحراء ( وإنا له ناصحون ) ، نحوطه ونكلؤه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ( 12 )

قال أبو جعفر : واختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قراء أهل المدينة: « يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ » ، بكسر العين من « يرتع » ، وبالياء في « يرتع ويلعب » ، على معنى: « يفتعل » ، من « الرعي » : « ارتعيت فأنا أرتعي » ، كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلي: أرسله معنا غدًا يرتَع الإبل ويلعب، ( وإنّا له لحافظون ) .

وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة: « أرْسِلهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ » ، بالياء في الحرفين جميعًا، وتسكين العين ، من قولهم: « رتع فلانٌ في ماله » ، إذا لَهَا فيه ونَعِم وأنفقه في شهواته. ومن ذلك قولهم في مثل من الأمثال: « القَيْدُ والرَّتَعَة » ، ومنه قول القطامي:

أكُفْــرًا بَعْــدَ رَدِّ المَــوْتِ عَنِّـي وَبَعْــدَ عَطَــائِكَ المِئَــةَ الرِّتَاعَـا

وقرأ بعض أهل البصرة: « تَرْتَعْ » بالنون « ونَلْعَبْ » بالنون فيهما جميعًا ، وسكون العين من « نرتع » .

حدثني أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال: كان أبو عمرو يقرأ: « نَرْتَعْ ونَلْعَبْ » بالنون ، قال: فقلت لأبي عمرو: كيف يقولون « نلعب » ، وهم أنبياء؟ قال: لم يكونوا يومئذٍ أنبياء.

قال أبو جعفر : وأولى القراءة في ذلك عندي بالصواب ، قراءةُ من قرأه في الحرفين كليهما بالياء، وبجزم العين في « يرتع » ، لأن القوم إنما سألوا أباهم إرسال يوسف معهم ، وخدعوه بالخبر عن مسألتهم إياه ذلك، عما ليوسف في إرساله معهم من الفرح والسرور والنشاط بخروجه إلى الصحراء وفسحتها ولعبه هنالك ، لا بالخبر عن أنفسهم .

وبذلك أيضا جاء تأويل أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي ، قال، حدثني عمي ، قال، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ( أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب ) ، يقول: يسعى وينشطُ.

حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال، قال ابن عباس: ( يرتع ويلعب ) قال: يلهو ، وينشط ويسعى.

حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب ) ، قال: ينشط ويلهو.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، بنحوه .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( يرتع ويلعب ) ، قال: يسعى ويلهو.

حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال، حدثني هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قوله: ( يرتع ويلعب ) ، قال: يتلهَّى ويلعب..

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( يرتع ويلعب ) ، قال: يتلهَّى ويلعب.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد قال، حدثنا أسباط ، عن السدي: ( يرتع ويلعب ) قال: ينشط ويلعب.

... قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدى: ( أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب ) يلهو.

قال، حدثنا حسين بن علي ، عن شيبان ، عن قتادة: ( أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ) ، قال: ينشط ويلعب.

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا نعيم بن ضمضم العامري ، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم ، في قوله: ( أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب ) ، قال: يسعى وينشط.

وكأن الذين يقرأون ذلك: « يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ » بكسر العين من يرتع ، يتأوّلونه على الوجه الذي:-

حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال، قال، ابن زيد في قوله: « أرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ » قال: يرعى غنمه ، وينظر ويعقل ، فيعرف ما يعرف الرجُل.

وكان مجاهد يقول في ذلك بما:-

حدثنا الحسن بن محمد ، قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله: « نَرْتَعِ » ، بحفظ بعضنا بعضًا ، نتكالأ نتحارس .

حدثني محمد بن عمرو ، قال: حدثنا أبو عاصم ، قال: حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: « نَرْتَعِ » قال: يحفظ بعضنا بعضًا ، نتكالأ

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد

وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، بنحوه .

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام: أرسله معنَا غدًا نلهو ونلعب وننعم ، وننشط في الصحراء ، ونحن حافظُوه من أن يناله شيء يكرهه أو يؤذيه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ( 13 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لهم: إني ليحزنني أن تذهبوا به معكم إلى الصحراء ، مخافة عليه من الذئب أن يأكله، وأنتم عنه غافلون لا تشعرون .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ ( 14 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف لوالدهم يعقوب: لئن أكل يوسف الذئبُ في الصحراء ، ونحن أحد عشر رجلا معه نحفظه وهم العصبة ( إنا إذًا لخاسرون ) ، يقول: إنا إذًا لعجزة هالكون .

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( 15 )

قال أبو جعفر : وفي الكلام متروكٌ حذف ذكره، اكتفاءً بما ظهر عما ترك ، وهو: أَرْسِلْهُ مَعَنَا ، ( فلما ذهبوا به وأجمعوا ) ، يقول: وأجمع رأيهم، وعزموا على ( أن يجعلوه في « غيابة الجب » ) . كما:-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي ، قوله: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ ، الآية ، قال، قال: لن أرسله معكم ، إني أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ ، فأرسله معهم ، فأخرجوه وبه عليهم كرامة، فلما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة، وجعل أخوه يضربه ، فيستغيث بالآخر فيضربه ، فجعل لا يرى منهم رحيمًا ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه ، فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه! يا يعقوب! لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء ! فلما كادوا يقتلونه، قال يهوذا أليس قد أعطيتموني موثقًا أن لا تقتلوه؟ فانطلقوا به إلى الجبّ ليطرحوه ، فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلّق بشَفير البئر.

فربطوا يديه، ونـزعوا قميصه ، فقال: يا إخوتاه! ردوا عليّ قميصي أتوارى به في الجبّ ! فقالوا: ادعُ الشمسَ والقمرَ والأحد عشر كوكبًا تؤنسك ! قال: إني لم أر شيئًا ، فدلوه في البئر، حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادةَ أن يموت. وكان في البئر ماءٌ فسقط فيه ، ثم أوَى إلى صخرة فيها فقام عليها . قال: فلما ألقوه في البئر، جعل يبكي ، فنادوه ، فظنّ أنها رحمة أدركتهم ، فلبَّاهم ، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه ، فقام يهوذا فمنعهم ، وقال: قد أعطيتموني موثقًا أن لا تقتلوه! وكان يهوذا يأتيه بالطعام.

وقوله: ( فلما ذهبوا به وأجمعوا ) فأدخلت « الواو » في الجواب ، كما قال امرؤ القيس:

فَلَمَّـا أجَزْنَـا سَـاحَةَ الحَـيِّ وانْتَحَـى بِنـا بَطْـنُ خَـبْتٍ ذِي قِفـاف عَقَنْقَل

فأدخل الواو في جواب « لما » ، وإنما الكلام: فلما أجزنا ساحة الحي، انتحى بنا ، وكذلك: ( فلما ذهبوا وأجمعوا ) ، لأن قوله: « أجمعوا » هو الجواب.

وقوله: ( وأوحينا إليه لتنبِّئنهم بأمرهم ) ، يقول: وأوحينا إلى يوسف لتخبرنَّ إخوتك ( بأمرهم هذا ) يقول: بفعلهم هذا الذي فعلوه بك ( وهم لا يشعرون ) يقول: وهم لا . يعلمون ولا يدرُون .

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله عز وجل بقوله: ( وهم لا يشعرون ) .

فقال بعضهم: عنى بذلك: أن الله أوحى إلى يوسف أنّ يوسف سينبئ إخوته بفعلهم به ما فعلوه: من إلقائه في الجب ، وبيعهم إياه ، وسائر ما صنعوا به من صنيعهم ، وإخوته لا يشعرون بوحي الله إليه بذلك .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( وأوحينا إليه ) إلى يوسف.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا ) قال: أوحينا إلى يوسف: لتنبئن إخوتك.

...قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله: ( وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ) قال: أوحى إلى يوسف وهو في الجبّ أنْ سينبئهم بما صنعوا ، وهم لا يشعرون بذلك الوحي

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال مجاهد: ( وأوحينا إليه ) ، قال: إلى يوسف.

وقال آخرون: معنى ذلك: وأوحينا إلى يوسف بما إخوته صانعون به ، وإخوته لا يشعرون بإعلام الله إيّاه بذلك .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ( وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ) ، بما أطلع الله عليه يوسف من أمرهم، وهو في البئر.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال: حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ) ، قال: أوحى الله إلى يوسف وهو في الجب أن ينبئهم بما صنعوا به ، وهم لا يشعرون بذلك الوحي.

حدثني المثنى قال، حدثنا سويد ، قال: أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن قتادة، بنحوه إلا أنه قال: أن سينبئهم .

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن يوسف سينبئهم بصنيعهم به، وهم لا يشعرون أنه يوسف .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله: ( وهم لا يشعرون ) يقول: وهم لا يشعرون أنه يوسف.

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا صدقة بن عبادة الأسدي، عن أبيه، قال: سمعت ابن عباس يقول: لما دخل إخوة يوسف فعرفهم وهم له منكرون ، قال: جيء بالصُّوَاع، فوضعه على يده، ثم نقره فطنَّ، فقال: إنه ليخبرني هذا الجامُ أنه كان لكم أخٌ من أبيكم يقال له يوسف، يدنيه دونكم ، وإنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب! قال: ثم نقره فطنَّ فأتيتم أباكم فقلتم: إن الذئب أكله، وجئتم على قميصه بدَمٍ كذب! قال: فقال بعضهم لبعض: إن هذا الجام ليخبره بخبركم! قال ابن عباس: فلا نرى هذه الآية نـزلت إلا فيهم: ( لتنبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ) .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ( 16 ) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ( 17 )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه: وجاء إخوة يوسف أباهم، بعد ما ألقوا يوسف في غيابة الجبّ عشاء يبكون.

وقيل: إن معنى قوله: ( نستبق ) ننتضل من « السباق » كما:-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد قال، حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال: أقبلوا على أبيهم عشاء يبكون ، فلما سمع أصواتهم فزع وقال: ما لكم يا بنيّ؟ هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا: لا ! قال: فما فعل يوسف؟ قالوا: ( يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب ) ! فبكى الشيخ وصاح بأعلى صوته، وقال: أين القميص؟ فجاءوه بالقميص عليه دمٌ كذب ، فأخذ القميص فطرحه على وجهه ، ثم بكى حتى تخضَّب وجهه من دم القميص.

وقوله: ( وما أنت بمؤمن لنا ) ، يقولون: وما أنت بمصدّقنا على قِيلنا: إن يوسف أكله الذئب، ولو كنا صادقين! كما:-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي: ( وما أنت بمؤمن لنا ) قال: بمصدق لنا!

[ فإن قال قائل : ( ولو كنا صادقين ) وقوله ] : ( ولو كنا صادقين ) ، إما خبرٌ عنهم أنهم غير صادقين ، فذلك تكذيب منهم أنفسَهم أو خبرٌ منهم عن أبيهم أنه لا يصدِّقهم لو صدَقوه، فقد علمت أنهم لو صَدَقوا أباهم الخبرَ صَدَّقهم؟

قيل: ليس معنى ذلك بواحد منهما ، وإنما معنى ذلك: وما أنت بمصدِّق لنا ولو كنا من أهل الصدق الذين لا يُتَّهمون، لسوء ظنك بنا، وتُهمَتك لنا.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ( 18 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ( وجاؤوا على قميصه بدم كذب ) ، وسماه الله « كذبًا » لأن الذين جاؤوا بالقميص وهو فيه، كذَبوا ، فقالوا ليعقوب: « هو دم يوسف » ، ولم يكن دمه، وإنما كان دم سَخْلةٍ، فيما قيل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني أحمد بن عبد الصمد الأنصاري قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، في قوله: ( وجاؤوا على قميصه بدم كذب ) قال: دم سخلة.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ( وجاؤوا على قميصه بدم كذب ) قال: دم سخلة، شاة.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ( بدم كذب ) قال: دم سخلة يعني: شاة .

حدثني المثنى ، قال: حدثنا أبو حذيفة ، قال: حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله: ( بدم كذب ) قال: دم سخلةٍ، شاة.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله: ( بدم كذب ) قال: كان ذلك الدم كذبًا ، لم يكن دمَ يوسف.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين ، قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: ( بدم كذب ) قال: دم سخلة، شاة.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله: ( بدم كذب ) قال: بدم سخلة.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي ، قال: ذبحوا جديًا من الغنم ، ثم لطَّخوا القميص بدمه ، ثم أقبلوا إلى أبيهم ، فقال يعقوب: إن كان هذا الذئبُ لرحيما! كيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه؟ يا بني، يا يوسف ما فعل بك بنو الإماء!

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري، عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس: ( وجاؤوا على قميصه بدم كذب ) قال: لو أكله السبع لخرق القميص.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال، حدثنا أبو خالد ، قال، حدثنا سفيان بإسناده عن ابن عباس، مثله إلا أنه قال: لو أكله الذئب لخرَّق القميص.

حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله: ( وجاؤوا على قميصه بدم كذب ) ، قال: لو كان الذئب أكله لخرَّقه.

حدثني عبيد الله بن أبي زياد قال، حدثنا عثمان بن عمرو قال، حدثنا قرة ، عن الحسن ، قال: جيء بقميص يوسف إلى يعقوب ، فجعل ينظر إليه فيرى أثر الدم، ولا يرى فيه خَرْقًا ، قال: يا بني ما كنت أعهدُ الذئب حليمًا؟

حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري ، قال، حدثنا أبو عامر العقدي ، عن قرة ، قال: سمعت الحسن يقول: لما جاؤوا بقميص يوسف ، فلم ير يعقوب شقًّا ، قال: يا بني ، والله ما عهدت الذئب حليمًا؟

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا حماد بن مسعدة ، عن عمران بن مسلم ، عن الحسن ، قال: لما جاء إخوة يوسف بقميصه إلى أبيهم ، قال: جعل يقلبه فيقول: ما عهدت الذئب حليمًا؟ أكل ابني، وأبقى على قميصه !

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( وجاؤوا على قميصه بدم كذب ) قال: لما أتوا نبيَّ الله يعقوب بقميصه ، قال: ما أرى أثرَ سبع ولا طعْنٍ، ولا خرْق.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( بدم كذب ) الدم الكذب ، لم يكن دم يوسف.

حدثنا القاسم ، قال: حدثنا الحسين ، قال: حدثنا هشيم ، قال: أخبرنا مجالد ، عن الشعبي قال: ذبحوا جديًا ولطخوه من دمه. فلما نظر يعقوب إلى القميص صحيحًا ، عرف أن القوم كذبوه. فقال لهم: إن كان هذا الذئب لحليمًا ، حيث رَحم القميص ولم يرحم ابني ! فعرف أنهم قد كذبوه.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة ، عن سيفان ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس: ( وجاؤوا على قميصه بدم كذب ) قال: لما أتي يعقوب بقميص يوسف ، فلم ير فيه خرقًا ، قال: كذبتم ، لو أكله السبع لخرق قميصه !

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق الأزرق ، ويعلى ، عن زكريا ، عن سماك ، عن عامر قال: كان في قميص يوسف ثلاث آيات :حين جاؤوا على قميصه بدم كذب . قال: وقال يعقوب: لو أكله الذئب لخرقَ قميصه.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال: حدثنا محمد قال، حدثنا زكريا ، عن سماك ، عن عامر قال: إنه كان يقول: في قميص يوسف ثلاث آيات: حين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرًا ، وحين قُدَّ منْ دُبُر ، وحين جاؤوا على قميصه بدم كذب.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عامر قال: كان في قميص يوسف ثلاث آيات: الشقُّ ، والدم ، وألقاه على وجه أبيه فارتدَّ بصيرًا.

حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عامر قال ، حدثنا قرة ، عن الحسن ، قال: لما جيء بقميص يوسف إلى يعقوب ، فرأى الدم ولم ير الشق قال: ما عهدت الذئب حليمًا؟

..... قال، حدثنا حماد بن مسعدة قال، حدثنا قرة ، عن الحسن ، بمثله .

* * * *

فإن قال قائل: كيف قيل: ( بدم كذب ) وقد علمت أنه كان دمًا لا شك فيه ، وإن لم يكن كان دم يوسف؟

قيل: في ذلك من القول وجهان:

أحدهما: أن يكون قيل ( بدم كذب ) لأنه كُذِب فيه كما يقال « : الليلة الهلالُ » ، وكما قيل: فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ [ سورة البقرة 16 ] . وذلك قولٌ كان بعض نحويي البصرة يقوله.

والوجه الآخر: وهو أن يقال: هو مصدر بمعنى « مفعول » . وتأويله: وجاؤوا على قميصه بدم مكذوب كما يقال: « ما له عقل ولا معقول » ، و « لا له جَلَد ولا له مجْلود » . والعرب تفعل ذلك كثيرًا ، تضع « مفعولا » في موضع المصدر ، والمصدر في موضع مفعول ، كما قال الراعي:

حَــتَّى إذَا لــم يَــتْرُكُوا لِعِظَامِـهِ لَحْمًـــا وَلا لِفـــؤادِهِ مَعْقــول

وذلك كان يقوله بعض نحويي الكوفة .

وقوله: ( قال بل سولت لكم أنفسكم أمرًا ) يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه الذين أخبروه أن الذئب أكل يوسف مكذبا لهم في خبرهم ذلك: ما الأمر كما تقولون، ( بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا ) يقول: بل زيَّنت لكم أنفسكم أمرًا في يوسف وحسنته، ففعلتموه كما:-

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: قال ( بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا ) ، قال: يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرًا.

وقوله: ( فصبر جميل ) يقول: فصبري على ما فعلتم بي في أمر يوسف صبرٌ جميل أو فهو صبر جميل.

وقوله ( والله المستعان على ما تصفون ) يقول: واللهَ أستعين على كفايتي شرّ ما تصفون من الكذب .

وقيل « : إن الصبر الجميل » ، هو الصبر الذي لا جزع فيه.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( فصبر جميل ) قال: ليس فيه جزع.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة ، قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم ، قال: حدثنا سفيان ، عن مجاهد: ( فصبر جميل ) في غير جزع.

.... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

..... قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم ، عن عبد الرحمن بن يحيى ، عن حبان بن أبي جبلة ، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: ( فصبر جميل ) قال: صبر لا شكوى فيه. قال: من بثّ فلم يصبر.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى ، عن حبان بن أبي جبلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله: ( فصبر جميل ) قال: صبر لا شكوى فيه.

... قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: ( فصبر جميل ) : ليس فيه جزع.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري ، عن رجل ، عن مجاهد في قوله: ( فصبر جميل ) : قال: في غير جزع.

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن بعض أصحابه قال: يقال: ثلاث من الصبر: أن لا تحدِّث بوجعك ، ولا بمصيبتك ، ولا تزكّي نفسك

قال أخبرنا الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت: أن يعقوب النبيّ صلى الله عليه وسلم كان قد سقط حاجبَاه ، فكان يرفعهما بخرقةٍ ، فقيل له: ما هذا؟ قال: طول الزمان ، وكثرة الأحزان! فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: يا يعقوب، أتشكوني؟ قال: يا رب خطيئة أخطأتها ، فاغفرها لي.

وقوله: ( والله المستعان على ما تصفون ) .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( والله المستعان على ما تصفون ) أي على ما تكذبون.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ( 19 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وجاءت مارَّةُ الطريق من المسافرين ( فأرسلوا واردهم ) وهو الذي يرد المنهل والمنـزل , و « وروده إياه » ، مصيره إليه ودخوله . ( فأدلى دلوه ) يقول: أرسل دلوه في البئر.

يقال: « أدليت الدلو في البئر » إذا أرسلتها فيه , فإذا استقيت فيها قلت: « دلوْتُ أدْلُو دلوًا » .

وفي الكلام محذوف، استغنى بدلالة ما ذكر عليه، فترك , وذلك: ( فأدلى دلوه ) فتعلق به يُوسف، فخرج , فقال المدلي: ( يا بشرى هذا غلام ) .

وبالذي قلنا في ذلك , جاءت الأخبار عن أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: ( وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه ) فتعلق يوسف بالحبل، فخرج , فلما رآه صاحب الحبل نادَى رجلا من أصحابه يقال له « بُشرى » : ( يا بشرى هذا غلامٌ ) .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه ) فتشبث الغلام بالدلو , فلما خرج قال: ( يا بشرى هذا غلام ) .

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( فأرسلوا واردهم ) يقول: أرسلوا رسولهم , فلما أدلى دلوه تشبث بها الغلام ( ( قال يا بشرى هذا غلام ) .

واختلفوا في معنى قوله: ( يا بشرى هذا غلام ) .

فقال بعضهم: ذلك تبشير من المدلي دلوَه أصحابَه، في إصابته يوسف بأنه أصاب عبدًا .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( قال يا بشرى هذا غلام ) تباشروا به حين أخرجوه . وهي بئر بأرض بيت المقدس معلومٌ مكانها

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( يا بشرى هذا غلام ) قال: بشّرهم واردهم حين وجدَ يوسف.

وقال آخرون: بل ذلك اسم رجل من السيَّارة بعينه، ناداه المدلي لما خرج يوسف من البئر متعلِّقًا بالحبل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: ( يا بشرى هذا غلام ) قال: نادى رجلا من أصحابه يقال له « بشرى » , فقال: ( يا بشرى هذا غلام ) .

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا خلف بن هشام , قال: حدثنا يحيى بن آدم , عن قيس بن الربيع , عن السدي , في قوله: ( يا بشرى هذا غلام ) قال: كان اسم صاحبه « بشرى » .

حدثني المثنى , قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد , قال: حدثنا الحكم بن ظهير , عن السدي , في قوله: ( يا بشرى هذا غلام ) قال: اسم الغلام « بشرى » ; قال: « يا بشرى » , كما تقول « : يا زيد » .

واختلفت القراء في قراءة ذلك:

فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة: « يا بُشْرَيَّ » بإثبات ياء الإضافة , غير أنه أدغم الألف في الياء طلبا للكسرة التي تلزم ما قبل ياء الإضافة من المتكلم، في قولهم « : غلامي » و « جاريتي » ، في كل حال , وذلك من لغة طيئ , كما قال أبو ذؤيب:

سَــبَقوا هَــوَيَّ وأَعْنَقُـوا لِهَـوَاهُمُ فَتُخِــرِّمُوا وَلِكُــلِّ جَـنْبٍ مَصْـرَعُ

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: ( يا بُشْرَى ) بإرسال الياء وترك الإضافة .

وإذا قرئ ذلك كذلك احتمل وجهين من التأويل:

أحدهما ما قاله السدي , وهو أن يكون اسم رجل دعاه المستقي باسمه , كما يقال: « يا زيد » , و « يا عمرو » , فيكون « بشرى » في موضع رفع بالنداء.

والآخر: أن يكون أرادَ إضافة البشرى إلى نفسه , فحذف الياء وهو يريدها , فيكون مفردًا وفيه نيَّة الإضافة , كما تفعل العرب في النداء فتقول: « يا نفس اصبري » , و « يا نفسي اصبري » , و « يا بُنَيُّ لا تفعل » , و « يا بُنَيِّ لا تفعل » , فتفرد وترفع، وفيه نية الإضافة. وتضيف أحيانًا فتكسر , كما تقول: « يا غلامِ أقبل » , و « يا غلامي أقبل » .

قال أبو جعفر: وأعجب القراءة في ذلك إليَّ قراءةُ من قرأه بإرسال الياء وتسكينها ; لأنه إن كان اسم رجل بعينِه كان معروفًا فيهم كما قال السدي , فتلك هي القراءة الصحيحة لا شك فيها . وإن كان من التبشير فإنه يحتمل ذلك إذا قرئ كذلك على ما بيَّنت.

وأما التشديد والإضافة في الياء، فقراءة شاذة، لا أرى القراءة بها , وإن كانت لغة معروفة ; لإجماع الحجة من القرأة على خلافها .

وأما قوله: ( وأسروه بضاعة ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.

فقال بعضهم: وأسرَّه الوارد المستقي وأصحابُه من التجار الذين كانوا معهم , وقالوا لهم « : هو بضاعة استبضعناها بعضَ أهل مصر » ; لأنهم خافوا إن علموا أنهم اشتروه بما اشتروه به أن يطلبوا منهم فيه الشركة .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وأسرو بضاعة ) قال: صاحب الدلو ومن معه , قالوا لأصحابهم: « إنما استبضعناه » , خيفةَ أن يشركوهم فيه إن علموا بثمنه. وتبعهم إخوته يقولون للمدلي وأصحابه: استوثق منه لا يأبَقْ ! حتى وَقَفوه بمصر , فقال: من يبتاعني ويُبَشَّر؟ فاشتراه الملك , والملك مُسلم.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد بنحوه غير أنه قال: خيفة أن يستشركوهم إن علموا به , واتبعهم إخوته يقولون للمدلي وأصحابه: استوثقوا منه لا يأبق ! حتى واقفوه بمصر وسائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد

.... قال: وحدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , بنحوه غير أنه قال: خيفة أن يشاركوهم فيه، إن علموا بثمنه .

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , بنحوه إلا أنه قال: خيفة أن يستشركوهم فيه إن علموا ثمنه . وقال أيضًا: حتى أوقفوه بمصر.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: ( وأسروه بضاعة ) قال: لما اشتراه الرجلان فَرَقًا من الرفقة أن يقولوا: « اشتريناه » فيسألونهم الشركة , فقالا إن سألونا ما هذا؟ قلنا بضاعة استبضَعَناه أهل الماء . فذلك قوله: ( وأسروه بضاعة ) بينهم

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأسرّه التجار بعضهم من بعض .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن سفيان , عن رجل , عن مجاهد: ( وأسروه بضاعة ) قال: أسرّه التجار بعضهم من بعض.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو نعيم الفضل , قال: حدثنا سفيان , عن مجاهد: ( وأسروه بضاعة ) قال: أسرّه التجار بعضهم من بعض.

وقال آخرون: معنى ذلك: أسرُّوا بيعَه .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن يحيى , قال: أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا معمر , عن قتادة: ( وأسروه بضاعة ) قال: أسروا بيعه.

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا قيس , عن جابر , عن مجاهد: ( وأسروه بضاعة ) قال: قالوا لأهل الماء: إنما هو بضاعة .

وقال آخرون: إنما عني بقوله: ( وأسروه بضاعة ) إخوة يوسف، أنهم أسرُّوا شأن يوسف أن يكون أخَاهم , قالوا: هو عبدٌ لنا .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله: ( وأسروه بضاعة ) يعني: إخوة يوسف أسرُّوا شأنه وكتموا أن يكون أخاهم , فكتم يوسف شأنه مخافةَ أن تقتله إخوته , واختار البيع . فذكره إخوته لوارد القوم , فنادى أصحابه قال: يا بشرى‍! هذا غلامٌ يباع . فباعه إخوته.

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب: قولُ من قال: « وأسرَّ وارد القوم المدلي دلوَه ومن معه من أصحابه، من رفقته السيارة، أمرَ يوسف أنهم أشتروه، خيفةً منهم أن يستشركوهم , وقالوا لهم: هو بضاعة أبضَعَها معنا أهل الماء وذلك أنه عقيب الخبر عنه , فلأن يكون ما وليه من الخبر خبرًا عنه , أشبهُ من أن يكون خبرًا عمَّن هو بالخبر عنه غيرُ متَّصِل . »

وقوله: ( والله عليم بما يعملون ) يقول تعالى ذكره: والله ذو علم بما يعمله باعَةُ يوسف ومشتروه في أمره، لا يخفى عليه من ذلك شيء , ولكنه ترك تغيير ذلك ليمضي فيه وفيهم حكمه السابق في علمه , وليري إخوة يوسف ويوسف وأباه قدرتَه فيه.

وهذا , وإن كان خبرًا من الله تعالى ذكره عن يوسف نبيّه صلى الله عليه وسلم , فإنه تذكير من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وتسلية منه له عما كان يلقى من أقربائه وأنسبائه المشركين من الأذى فيه , يقول : فاصبر، يا محمد، على ما نالك في الله , فإنّي قادرٌ على تغيير ما ينالك به هؤلاء المشركون , كما كنت قادرًا على تغيير ما لقي يوسف من إخوته في حال ما كانوا يفعلون به ما فعلوا , ولم يكن تركي ذلك لهوان يوسف عليّ، ولكن لماضي علمي فيه وفي إخوته , فكذلك تركي تغييرَ ما ينالك به هؤلاء المشركون لغير هوان بك عليّ , ولكن لسابق علمي فيك وفيهم , ثم يصير أمرُك وأمرهم إلى عُلوّك عليهم، وإذعانهم لك , كما صار أمر إخوة يوسف إلى الإذعان ليوسف بالسؤدد عليهم، وعلوِّ يوسف عليهم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ( 20 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: ( وشروه ) به: وباع إخوة يوسف يوسف.

فأما إذا أراد الخبر عن أنه ابتاعه , قال: « اشتريته » ، ومنه قول ابن مفرّغ الحميري:

وَشَــــرَيْتُ بُـــرْدًا لَيْتَنِـــي مِــنْ قَبْــلِ بُــرْدٍ كـنْتُ هَامَـهْ

يقول: « بعت بردًا » , وهو عبدٌ كان له.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب , قال: حدثنا إبراهيم , قال: حدثنا هشيم , عن مغيرة , عن أبي معشر , عن إبراهيم , أنه كره الشراء والبيع للبدويّ. قال: والعرب تقول: « اشر لي كذا وكذا » ، أي: بع لي كذا وكذا وتلا هذه الآية ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) يقول: باعوه , وكان بيعه حرامًا.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: إخوة يوسف أحد عشر رجلا باعوه حين أخرجَه المدلي بدلوه.

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد بمثله .

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن أبي نجيح , عن مجاهد

وحدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , مثله .

.... قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج ( وشروه ) قال: قال ابن عباس: فبيع بينهم.

حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك , في قوله: ( وشروه بثمن بخس ) قال: باعوه.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك , مثله .

حدثني محمد بن سعد , قال: ثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: فباعه إخوته بثمن بخس.

وقال آخرون: بل عني بقوله: ( وشروه بثمن بخس ) السيارةَ أنهم باعوا يوسف بثمن بخس .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( وشروه بثمن بخس ) وهم السيارة الذين باعوه.

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: تأويل ذلك: وشَرى إخوةُ يوسف يوسف بثمن بخس وذلك أن الله عز وجل قد أخبر عن الذين اشتروه أنهم أسرُّوا شراء يوسف من أصحابهم، خيفة أن يستشركوهم، بادّعائهم أنَّه بضاعة. ولم يقولوا ذلك إلا رغبة فيه أن يخلُص لهم دونهم، واسترخاصًا لثمنه الذي ابتاعوه به , لأنهم ابتاعوه كما قال جل ثناؤه ( بثمن بخس ) . ولو كان مبتاعوه من إخوته فيه من الزاهدين، لم يكن لقيلهم لرفقائهم: « هو بضاعة » ، معنى ولا كان لشرائهم إياه، وهم فيه من الزاهدين وجهٌ , إلا أن يكونوا كانوا مغلوبًا على عقولهم ; لأنه محال أن يشتري صحيح العقل ما هو فيه زاهدٌ من غير إكراهِ مكرِهٍ له عليه , ثم يكذب في أمرِه الناس بأن يقول: « هو بضاعة لم أشتره » ، مع زهده فيه. بل هذا القولُ من قول من هو بسلعته ضنينٌ لنفاستها عنده , ولما يرجُو من نفيس الثَّمن لها وفضلِ الربح.

وأما قوله: ( بخس ) فإنه يعني: نَقْص.

وهو مصدر من قول القائل: « بخست فلانًا حقه » : إذا ظلمته , يعني: ظلمه فنقصه عما يجبُ له من الوفاء: « أبخَسُه بَخْسًا » ، ومنه قوله: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ [ سورة هود: 85 ] ، وإنما أريد: بثمن مبخوس منقوصٍ , فوضع « البخس » وهو مصدر مكان « مفعول » , كما قيل: بِدَمٍ كَذِبٍ وإنما هو « بدم مكذوب فيه » .

واختلف أهل التأويل في معنى ذلك.

فقال بعضهم: قيل ( بثمن بخس ) لأنه كان حرامًا عليهم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا المحاربي , عن جويبر عن الضحاك : ( وشروه بثمن بخس ) قال: « البخس » : الحرام.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا علي بن عاصم , عن جويبر , عن الضحاك: ( وشروه بثمن بخس ) ، قال: حرام.

حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: كان ثمنه بخسًا، حرامًا، لم يحلّ لهم أن يأكلوه .

حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: حدثنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك , في قوله: ( وشروه بثمن بخس ) قال: باعوه بثمن بخس , قال: كان بيعه حرامًا وشراؤه حرامًا.

حدثني القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثنا هشيم , قال: أخبرنا جويبر , عن الضحاك: ( بثمن بخس ) قال: حرام .

حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: ( بثمن بخس ) يقول: لم يحلّ لهم أن يأكلوا ثمنَه.

وقال آخرون: معنى البخس هنا: الظلم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وشروه بثمن بخس ) قال « : البخس » : هو الظلم . وكان بيع يوسف وثمنه حرامًا عليهم

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , قال: قال قتادة: ( وشروه بثمن بخس ) قال: ظلم.

وقال آخرون: عني بالبخس في هذا الموضع: القليل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا يحيى بن آدم , عن قيس , عن جابر , عن عكرمة , قال: « البخس » : القليل.

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا قيس , عن جابر , عن عكرمة , مثله.

قال أبو جعفر: وقد بينا الصحيح من القول في ذلك.

وأما قوله ( دراهم معدودة ) ، فإنه يعني عز وجل أنهم باعوه بدراهم غير موزونة، ناقصة غير وافية، لزهدهم كان فيه.

وقيل: إنما قيل « معدودة » ليعلم بذلك أنها كانت أقلّ من الأربعين , لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقلّ من أربعين درهمًا , لأن أقل أوزانهم وأصغرها كان الأوقية , وكان وزن الأوقية أربعين درهمًا . قالوا: إنما دلَّ بقوله: ( معدودة ) على قلة الدراهم التي باعُوه بها.

فقال بعضهم: كان عشرين درهمًا .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن , عن زهير , عن أبي إسحاق , عن أبي عبيدة , عن عبد الله , قال: إن ما اشتري به يوسف عشرون درهمًا.

حدثني المثنى , قال: حدثنا الحماني , قال: حدثنا شريك , عن أبي إسحاق , عن أبي عبيدة , عن عبد الله: ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) قال: عشرون درهمًا.

حدثنا ابن بشار , قال: حدثنا عبد الرحمن , قال: حدثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن نوف البكالي , في قوله: ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) قال: عشرون درهمًا.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي عن سفيان , عن أبي إسحاق , عن نوف الشاميّ: « بخس دراهم » قال: كانت عشرين درهمًا .

حدثني المثنى , قال: حدثنا الحماني , قال: حدثنا شريك , عن أبي إسحاق , عن نوف , مثله .

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال: قال ابن عباس , في قوله: ( بثمن بخس دراهم معدودة ) قال: عشرون درهمًا .

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: ( دراهم معدودة ) قال: كانت عشرين درهمًا.

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ذكر لنا أنه بيع بعشرين درهمًا ( وكانوا فيه من الزاهدين ) .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة , مثله .

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أبي إدريس , عن عطية , قال: كانت الدراهم عشرين درهمًا، اقتسموها درهمين درهمين.

وقال آخرون: بل كان عددها اثنين وعشرين درهمًا , أخذ كل واحد من إخوة يوسف، وهم أحد عشر رجلا درهمين درهمين منها .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا أسباط , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( دراهم معدودة ) قال: اثنين وعشرين درهمًا.

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قول الله: ( دراهم معدودة ) قال: اثنان وعشرون درهمًا لإخوة يوسف، [ وكان إخوة ] أحد عشر رجلا .

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قول الله: ( دراهم معدودة )

.... قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , بنحوه .

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال:حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , بنحوه.

وقال آخرون: بل كانت أربعين درهمًا .

ذكر من قال ذلك:

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا قيس , عن جابر , عن عكرمة: ( دراهم معدودة ) قال: أربعين درهمًا.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: باعوه ولم يبلغ ثمنه الذي باعوه به أوقية , وذلك أن الناس كانوا يتبايعون في ذلك الزمان بالأواقي , فما قصَّر عن الأوقية فهو عَدد ; يقول الله: ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) أي لم يبلغ الأوقية.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعُوه بدراهم معدودة غير موزونة , ولم يحدَّ مبلغَ ذلك بوزن ولا عدد , ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد يحتمل أن يكون كان عشرين ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين وأن يكون كان أربعين , وأقل من ذلك وأكثر , وأيُّ ذلك كان، فإنها كانت معدودة غير موزونة ; وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في دين، ولا في الجهل به دخول ضرّ فيه . والإيمان بظاهر التنـزيل فرضٌ , وما عَداه فموضوعٌ عنا تكلُّفُ علمه.

وقوله: ( وكانوا فيه من الزاهدين ) يقول تعالى ذكره: وكان إخوة يوسف في يوسف من الزاهدين , لا يعلمون كرامته على الله , ولا يعرفون منـزلته عنده , فهم مع ذلك يحبّون أن يحولوا بينه وبين والده، ليخلو لهم وجهه منه , ويقطعوه عن القرب منه، لتكون المنافع التي كانت مصروفة إلى يوسف دونهم، مصروفةً إليهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أبي مرزوق , عن جويبر , عن الضحاك: ( وكانوا فيه من الزاهدين ) قال: لم يعلموا بنبوّته ومنـزلته من الله.

حدثت عن الحسين بن الفرج , قال: سمعت أبا معاذ , يقول: حدثنا عبيد بن سليمان , قال: سمعت الضحاك , في قوله: وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فنـزلت على الجب , فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فاستقى من الماء فاستخرج يوسف , فاستبشروا بأنهم أصابوا غلامًا لا يعلمون علمه ولا منـزلته من ربه , فزهدوا فيه، فباعوه. وكان بيعه حرامًا , وباعوه بدراهم معدودة.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني هشيم , قال: أخبرنا جويبر , عن الضحاك: ( وكانوا فيه من الزاهدين ) قال إخوته زهدوا , فلم يعلموا منـزلته من الله ونبوته ومكانه.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال: إخوته زهدوا فيه , لم يعلموا منـزلته من الله .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( 21 )

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقال الذي اشترى يوسف من بائعه بمصر .

وذكر أن اسمه: « قطفير » .

حدثني محمد بن سعد , قال:حدثني أبي , قال:حدثني عمي , قال:حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قال: كان اسم الذي اشتراه قطفير.

وقيل: إن اسمه إطفير بن روحيب , وهو العزيز , وكان على خزائن مصر , وكان الملك يومئذ الريَّان بن الوليد , رجل من العماليق، كذلك: -

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق .

وقيل: إن الذي باعه بمصر كان مالك بن ذعر بن بُويب بن عفقان بن مديان بن إبراهيم، كذلك: -

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن محمد بن السائب , عن أبي صالح , عن ابن عباس .

( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته ) ، واسمها فيما ذكر ابن إسحاق: راعيل بنت رعائيل.

حدثنا بذلك ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق.

( أكرمي مثواه ) ، يقول: أكرمي موضع مقامه، وذلك حيث يَثوِي ويُقيم فيه.

يقال: « ثوى فلان بمكان كذا » : إذا أقام فيه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( أكرمي مثواه ) منـزلته , وهي امرأة العزيز .

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال:حدثني حجاج , عن ابن جريج , قوله: ( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه ) ، قال: منـزلته.

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد اشتراه الملك , والملك مسلم.

وقوله: ( عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا ) ذكر أن مشتري يوسف قال هذا القول لامرأته، حين دفعه إليها , لأنه لم يكن له ولد، ولم يأت النساء , فقال لها: أكرميه عسَى أن يكفينا بعض ما نعاني من أمورنا إذا فهم الأمور التي يُكلَّفها وعرفها ( أو نتخذه ولدًا ) ، يقول: أو نتبنَّاه .

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: كان إطفير فيما ذكر لي رجلا لا يأتي النساء، وكانت امرأته راعيل امرأةً حسناء ناعمةً طاعمة، في مُلك ودُنْيا.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن سفيان , عن أبي إسحاق , عن أبي الأحوص , عن عبد الله , قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرّس في يوسف فقال لامرأته: ( أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا ) وأبو بكر حين تفرَّس في عمر والتي قالت: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [ سورة القصص: 26 ] .

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي , قال: انطُلِق بيوسف إلى مصر , فاشتراه العزيز ملك مصر , فانطلق به إلى بيته فقال لامرأته: ( أكرمي مثْواه عسى أن ينفعنا أو نتخذهُ ولدًا ) .

حدثنا أحمد بن إسحاق , قال: حدثنا أبو أحمد , قال: حدثنا إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن أبي عبيدة , عن عبد الله , قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته: ( أكرمي مثواه ) ، والقوم فيه زاهدون وأبو بكر حين تفرَّس في عمر فاستخلفه والمرأة التي قالت: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ .

وقوله: ( وكذلك مكنَّا ليوسف في الأرض ) يقول عز وجل : وكما أنقذنا يوسف من أيدي إخوته وقد هموا بقتله , وأخرجناه من الجبّ بعدَ أن ألقي فيه , فصيرناه إلى الكرامة والمنـزلة الرفيعة عند عزيز مصر , كذلك مكنّا له في الأرض، فجعلناه على خزائنها .

وقوله: ( ولنعلمه من تأويل الأحاديث ) يقول تعالى ذكره: وكي نعلم يوسف من عبارة الرؤيا، مكنا له في الأرض، كما: -

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( من تأويل الأحاديث ) قال: عبارة الرؤيا.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: ( ولنعلمه من تأويل الأحاديث ) قال: تعبير الرؤيا.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبو أسامة , عن شبل , عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: ( ولنعلمه من تأويل الأحاديث ) قال: عبارة الرؤيا.

وقوله: ( والله غالب على أمره ) يقول تعالى ذكره: والله مستولٍ على أمر يوسف، يسوسه ويدبّره ويحوطه.

و « الهاء » في قوله: ( على أمره ) عائدة على يوسف.

وروي عن سعيد بن جبير في معنى « غالب » , ما: -

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا إسرائيل , عن أبي حصين , عن سعيد بن حبير: ( والله غالب على أمره ) قال: فعالٍ.

وقوله ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) يقول: ولكن أكثر الناس الذين زهدوا في يوسف، فباعوه بثمن خسيس , والذين صَار بين أظهرهم من أهل مصر حين بيع فيهم , لا يعلمون ما الله بيوسف صانع، وإليه يوسف من أمره صائرٌ .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 22 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لما بلغ يوسف أشده , يقول: ولما بلغ منتهى شدته وقوته في شبابه وحَدِّه، وذلك فيما بين ثماني عشرة إلى ستين سنة , وقيل إلى أربعين سنة.

يقال منه: « مضت أشُدُّ الرجل » : أي شدته , وهو جمع مثل « الأضُرّ » و « الأشُرّ » ، لم يسمع له بواحد من لفظه. ويجب في القياس أن يكون واحده « شدَّ » , كما واحد « الأضر » « ضر » , وواحد « الأشُر » « شر » , كما قال الشاعر :

هَـلْ غَـيْرُ أَنْ كَـثُرَ الأشُـرُّ وَأَهْلَكَتْ حَــرْبُ المُلُــوكِ أَكَـاثِرَ الأَمْـوَالِ

وقال حُميد:

وَقَــدْ أَتَــى لَـوْ تُعْتِـبُ الْعَـوَاذِلُ بَعْـــدَ الأشُــدّ أَرْبَــعٌ كَــوَامِلُ

وقد اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله به في هذا الموضع من « مبلغ الأشد » .

فقال بعضهم: عني به ثلاث وثلاثون سنة .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع والحسن بن محمد , قالا حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( ولما بلغ أشده ) ، قال: ثلاثًا وثلاثين سنة.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا جرير , عن ليث , عن مجاهد , مثله .

حدثت عن علي بن الهيثم , عن بشر بن المفضل , عن عبد الله بن عثمان بن خثيم , عن مجاهد , قال: سمعت ابن عباس يقول في قوله: ( ولما بلغ أشده ) قال: بضعًا وثلاثين سنة.

وقال آخرون: بل عني به عشرون سنة .

ذكر من قال ذلك:

حدثت عن علي بن المسيب , عن أبي روق , عن الضحاك , في قوله: ( ولما بلغ أشده ) قال: عشرين سنة.

وروي عن ابن عباس من وجه غير مرضيّ أنه قال: ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين . وقد بينت معنى « الأشُدّ » .

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه آتى يوسف لما بلغ أشدهُ حكمًا وعلمًا و « الأشُدّ » : هو انتهاء قوته وشبابه وجائز أن يكون آتاه ذلك وهو ابن ثماني عشرة سنة وجائز أن يكون آتاه وهو ابن عشرين سنة وجائز أن يكون آتاه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ولا دلالة له في كتاب الله، ولا أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في إجماع الأمة، على أيّ ذلك كان . وإذا لم يكن ذلك موجودًا من الوجه الذي ذكرت , فالصوابُ أن يقال فيه كما قال عز وجل , حتى تثبت حجة بصحة ما قيل في ذلك من الوجه الذي يجب التسليم له، فيسلم لها حينئذ .

وقوله: ( آتيناه حكمًا وعلمًا ) يقول تعالى ذكره: أعطيناه حينئذ الفهم والعلم، كما: -

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( حكمًا وعلمًا ) قال: العقل والعلم قبل النبوة.

وقوله: ( وكذلك نجزي المحسنين ) يقول تعالى ذكره: وكما جزيت يوسف فآتيته بطاعته إيّاي الحكمَ والعلمَ , ومكنته في الأرض , واستنقذته من أيدي إخوته الذين أرادوا قتله , كذلك نجزي من أحسن في عمله , فأطاعني في أمري، وانتهى عما نهيته عنه من معاصيّ .

وهذا، وإن كان مخرج ظاهره على كل محسن , فإن المرادَ به محمدٌ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم . يقول له عز وجل : كما فعلت هذا بيوسف من بعد ما لقي من إخوته ما لقي، وقاسى من البلاء ما قاسى , فمكنته في الأرض، ووطَّأتُ له في البلاد , فكذلك أفعل بك فأنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة , وأمكن لك في الأرض، وأوتيك الحكم والعلم , لأنّ ذلك جزائي أهلَ الإحسان في أمري ونهيي.

حدثني المثنى , قال: حدثنا عبد الله بن صالح , قال: ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس: ( وكذلك نجزي المحسنين ) يقول: المهتدين.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ( 23 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وراودت امرأة العزيز، وهي التي كان يوسفُ في بيتها [ يوسفَ ] عن نفسه، أن يواقعها، كما: -

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ولما بلغ أشدَّه، راودته التي هو في بيتها عن نفسه، امرأة العزيز.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ) قال: أحبته.

.... قال: وحدثني أبي , عن إسرائيل , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , قال: قالت: تعالَهْ.

وقوله: ( وغلقت الأبواب ) ، يقول: وغلقت المرأة أبواب البيوت عليها وعلى يوسف، لما أرادت منه وراودته عليه , بابًا بعد باب.

وقوله: ( وقالت هيت لك ) ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة قرأة الكوفة والبصرة: ( هَيْتَ لَكْ ) بفتح , الهاء والتاء , بمعنى: هلمَّ لك، وادن وتقرَّب , كما قال الشاعر لعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه:

أَبْلِــــغْ أَمِــــيرَ الْمُـــؤْمِنِينَ أَخَــــا العِـــرَاقِ إذَا أَتَيْنَـــا

أَنَّ العِــــــرَاقَ وَأَهْلَــــــهُ عُنُـــقٌ إِلَيْـــكَ فَهَيْــتَ هَيْتَــا

يعني: تعال واقرب.

وبنحو الذي قلنا في ذلك تأوّله من قرأه كذلك:

حدثني محمد بن عبد الله المخرمي , قال: حدثنا أبو الجواب , قال: حدثنا عمار بن رزيق , عن الأعمش , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: ( هيت لك ) قال: هلمَّ لك.

حدثني المثنى , قال: حدثنا عبد الله بن صالح , قال: حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله: ( هيت لك ) قال: هلم لك.

حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال:حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قال: ( هيت لك ) تقول: هلمّ لك.

حدثني المثنى , قال: حدثنا حجاج , قال: حدثنا حماد , عن عاصم بن بهدلة , عن زرّ بن حبيش , أنه كان يقرأ هذا الحرف: ( هيتَ لك ) نصبًا، أي: هلم لك.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال:حدثني حجاج , قال: قال ابن جريج , قال ابن عباس , قوله: ( هيت لك ) قال: تقول: هلم لك.

حدثني أحمد بن سهيل الواسطي , قال: حدثنا قرة بن عيسى , قال: حدثنا النضر بن عربيّ الجزري , عن عكرمة , مولى ابن عباس , في قوله: ( هيت لك ) قال: هلم لك قال: هي بالحَوْرانية.

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وقالت هيت لك ) قال الحسن: يقول: هلم لك.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة , عن الحسن: ( هيت لك ) يقول بعضهم: هلم لك.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: ( وقالت هيت لك ) قال: هلم لك وهي بالقبطية.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء , عن عمرو , عن الحسن: ( هيت لك ) قال: كلمة بالسريانية، أي: عليك.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب , عن سعيد , عن قتادة , عن الحسن: ( هيت لك ) قال: هلمَّ لك.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا خلف بن هشام , قال: حدثنا محبوب , عن قتادة , عن الحسن: ( هيت لك ) قال: هلم لك.

... قال: حدثنا عفان , قال: حدثنا حماد , عن عاصم , عن زرّ: ( هيت لك ) ، أي: هلم.

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا الثوري , قال: بلغني في قوله: ( هيت لك ) قال: هلم لك.

حدثنا أحمد بن يوسف , قال: حدثنا أبو عبيد , قال: حدثنا علي بن عاصم , عن خالد الحذاء , عن عكرمة , عن ابن عباس أنه قرأ: ( هيت لك ) وقال: تدعوه إلى نفسها .

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قول الله تعالى: ( هيت لك ) قال: لغة عربية، تدعُوه بها .

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله إلا أنه قال: لغة بالعربية، تدعوه بها إلى نفسها .

حدثنا الحسن , قال: حدثنا شبابة , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثل حديث محمد بن عمرو سواء .

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , مثله .

حدثنا أحمد بن يوسف , قال: حدثنا القاسم , قال: حدثنا هشيم , عن يونس , عن الحسن: ( هيت لك ) بفتح الهاء والتاء , وقال: تقول: هلم لك.

حدثني الحارث قال: قال أبو عبيد: كان الكسائي يحكيها يعني: ( هيت لك ) قال: وقال: وهي لغة لأهل حوران وقعت إلى الحجاز , معناها: « تعال » . قال: وقال أبو عبيدة: سألت شيخًا عالمًا من أهل حوران , فذكر أنها لغتُهم، يعرفها.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( هيت لك ) قال: تعال.

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: ( وقالت هيت لك ) قال: هلمَّ لك، إليَّ.

وقرأ ذلك جماعة من المتقدمين: « وَقَالَتْ هِئْتُ لَكَ » بكسر الهاء، وضم التاء، والهمزة , بمعنى: تهيَّأت لك , من قول القائل: « هئت للأمر أهِيء هَيْئَةً » .

وممن روي ذلك عنه ابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، وجماعة غيرهما .

حدثنا أحمد بن يوسف , قال: حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحجاج , عن هارون , عن أبان العطار , عن قتادة: أن ابن عباس قرأها كذلك، مكسور الهاء، مضمومة التاء . قال أحمد: قال أبو عبيدة: لا أعلمها إلا مهموزة.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب , عن أبان العطار , عن عاصم , عن أبي عبد الرحمن السلمي: « هِئْتُ لَكَ » أي: تهيأت لك.

.... قال: حدثنا عبد الوهاب , عن سعيد , عن قتادة , عن عكرمة , مثله .

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قال: كان عكرمة يقول: تهيأت لك.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة , قال: « هِئْتُ لَكَ » قال عكرمة: تهيأت لك .

حدثني المثنى , قال: حدثنا الحجاج , قال: حدثنا حماد , عن عاصم بن بهدلة , قال: كان أبو وائل يقول: « هِئْتُ لَكَ » : أي تهيأت لك. وكان أبو عمرو بن العلاء والكسائي ينكران هذه القراءة .

حدثت عن علي بن المغيرة , قال: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: شهدت أبا عمرو وسأله أبو أحمد أو أحمد وكان عالما بالقرآن [ وكان لألاء، ثم كبر، فقعد في بيته، فكان يؤخذ عنه القرآن، ويكون مع القضاة، فسأله ] عن قول من قال: « هِئْتُ لَكَ » بكسر الهاء، وهمز الياء. فقال: أبو عمرو: [ سى ] إي: باطل، جعلها , « فعلت » من « تهيأت » , فهذا الخندق، فاستعرض العربَ حتى تنتهي إلى اليمن , هل تعرف أحدًا يقول: « هئت لك » ؟

حدثني الحارث , قال: حدثنا القاسم , قال: لم يكن الكسائي يحكي « هئت لك » عن العرب.

وقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة: « هِيتَ لَكَ » بكسر الهاء، وتسكين الياء، وفتح التاء.

وقرأه بعض المكيين: « هَيْتُ لَكَ » بفتح الهاء، وتسكين الياء، وضم التاء.

وقرأه بعض البصريين , وهو عبد الله بن إسحاق: « هَيْتِ لَكَ » بفتح الهاء، وكسر التاء.

وقد أنشد بعض الرواة بيتًا لطرفة بن العبد في « هيت » بفتح الهاء، وضم التاء , وذلك:

لَيْسَ قَــومِي بِــالأبْعَدِينَ إذَا مَــا قَــالَ دَاعٍ مِــنَ الْعَشِــيرَةِ هَيْـتُ

قال أبو جعفر: وأولى القراءة في ذلك , قراءة من قرأه: ( هَيْتَ لَكَ ) بفتح الهاء والتاء , وتسكين الياء , لأنها اللغة المعروفة في العرب دون غيرها , وأنها فيما ذُكِر قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثنا الحسن بن يحيى , قال: أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا الثوري , عن الأعمش , عن أبي وائل , قال ابن مسعود: قد سمعت القرأة، فسمعتهم متقاربين , فاقرءوا كما عُلِّمتم , وإياكم والتنطع والاختلاف , فإنما هو كقول أحدكم: « هلم » و « تعال » . ثم قرأ عبد الله: ( هَيْتَ لَكَ ) فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إن ناسًا يقرءونها: « هَيْتُ لَكَ » فقال عبد الله: إني أقرؤها كما عُلِّمْت، أحبُّ إليَّ.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا جرير , عن الأعمش , عن أبي وائل , قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقرأ هذه الآية: ( وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ) قال: فقالوا له: ما كنا نقرؤها إلا « هَيْتُ لَكَ » ، فقال عبد الله: إنّي أقرؤها كما عُلِّمت، أحبُّ إليّ.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن عيينة , عن منصور , عن أبي وائل , قال: قال عبد الله: ( هَيْتَ لَكَ ) فقال له مسروق: إن ناسًا يقرءونها: « هَيْتُ لَكَ » فقال: دعوني , فإني أقرأ كما أقرئت أحبُّ إليّ.

حدثني المثنى , قال: حدثنا آدم العسقلاني , قال: حدثنا شعبة , عن الأعمش , عن شقيق , عن ابن مسعود قال: ( هَيْتَ لَكَ ) بنصب الهاء، والتاء، وبلا همز.

وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى: أنَّ العرب لا تثني « هيت » ولا تجمع ولا تؤنث، وأنها تصوره في كل حال،, وإنّما يتبين العدد بما بعد , وكذلك التأنيث والتذكير. وقال: تقول للواحد: « هيت لك » , وللإثنين: « هيت لكما » , وللجمع: « هيت لكم » , وللنساء: « هيت لكن » .

وقوله: ( قال معاذ الله ) يقول جل ثناؤه: قال يوسف إذ دعته المرأة إلى نفسها، وقالت له: « هلم إلي » : أعتصم بالله من الذي تدعوني إليه، واستجير به منه.

وقوله: ( إنه ربي أحسن مثواي ) يقول: إن صاحبك وزوجك سيدي، كما: -

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: ( معاذ الله إنه ربي ) قال: سيدي.

.... قال: حدثنا ابن نمير , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح: ( إنه ربي ) قال: سيدي.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال:حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد: ( قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ) قال: سيدي يعني: زوج المرأة.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( قال معاذ الله إنه ربي ) يعني: إطفير. يقول: إنه سيدي.

وقوله: ( أحسن مثواي ) يقول: أحسن منـزلتي، وأكرمني وائتمنني , فلا أخونه، كما:-

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: ( أحسن مثواي ) أمنني على بيته وأهله.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: ( أحسن مثواي ) فلا أخونه في أهله.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد: ( أحسن مثواي ) قال: يريد يوسف سيدَه زوجَ المرأة.

وقوله: ( إنه لا يفلح الظالمون ) يقول: إنه لا يدرك البقاء , ولا ينجح من ظلم، ففعل ما ليس له فعله. وهذا الذي تدعوني إليه من الفجور، ظلم وخيانة لسيدي الذي ائتمنني على منـزله، كما:-

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( إنه لا يفلح الظالمون ) قال: هذا الذي تدعوني إليه ظلم , ولا يفلح من عمل به.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ( 24 )

قال أبو جعفر: ذكر أنَّ امرأة العزيز لما هَمَّت بيوسف وأرادت مُراودته , جعلت تذكر له محاسنَ نفسه , وتشوّقه إلى نفسها، كما:-

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: ( ولقد همت به وهم بها ) قال: قالت له: يا يوسف، ما أحسن شعرك! قال: هو أوَّل ما ينتثر من جسدي . قالت: يا يوسف، ما أحسن وجهك ! قال: هو للتراب يأكله . فلم تزل حتى أطمعته , فهمَّت به وهم بها، فدخلا البيت , وغلَّقت الأبواب , وذهب ليحلّ سراويله , فإذا هو بصورة يعقوب قائمًا في البيت، قد عضَّ على إصبعه، يقول: « يا يوسف لا تواقعها فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق , ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع إلى الأرض لا يستطع أن يدفع عن نفسه. ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُعمل عليه , ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النَّمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه » ، فربط سراويله , وذهب ليخرج يشتدُّ , فأدركته , فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته، حتى أخرجته منه وسقط , وطرحه يوسف واشتدَّ نحو الباب.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: أكبَّت عليه - يعني المرأة - تُطمعه مرة وتخيفه أخرى , وتدعوه إلى لذّة من حاجة الرجال في جمالها وحسنها وملكها , وهو شاب مستقبل يجد من شَبق الرجال ما يجد الرجل ; حتى رَقَّ لها مما يرى من كَلَفها به , ولم يتخوَّف منها حتى همَّ بها وهمَّت به , حتى خلوا في بعض بُيوته.

ومعنى « الهم بالشيء » ، في كلام العرب: حديث المرء نفسه بمواقعتِه , ما لم يُواقِع .

فأما ما كان من هم يوسف بالمرأة وهمها به , فإن أهل العلم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره , وذلك ما:-

حدثنا أبو كريب وسفيان بن وكيع , وسهل بن موسى الرازي , قالوا: حدثنا ابن عيينة , عن عثمان بن أبي سليمان , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس , سئل عن همّ يوسف ما بلغ؟ قال: حَلّ الهِمْيان , وجلس منها مجلس الخاتن لفظ الحديث لأبي كريب.

حدثنا أبو كريب , وابن وكيع , قالا حدثنا ابن عيينة , قال: سمع عبيد الله بن أبي يزيد ابن عباس في ( ولقد همت به وهم بها ) قال: جلس منها مجلس الخاتن , وحلّ الهميان.

حدثنا زياد بن عبد الله الحسَّاني , وعمرو بن علي , والحسن بن محمد , قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة , عن عبد الله بن أبي يزيد , قال: سمعت ابن عباس سئل: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: حلّ الهميان , وجلس منها مجلس الخاتن.

حدثني زياد بن عبد الله , قال: حدثنا محمد بن أبي عدي , عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , قال: سألت ابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له , وجلس بين رجليها.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا يحيى بن يمان , عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة: ( ولقد همت به وهم بها ) قال: استلقت له , وحلّ ثيابه.

حدثني المثنى , قال: حدثنا قبيصة بن عقبة , قال: حدثنا سفيان , عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس: ( ولقد همت به وهم بها ) ، ما بلغ؟ قال: استلقت له وجلس بين رجليها , وحلّ ثيابه أو ثيابها.

حدثني المثنى , قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا يحيى بن سعيد , عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , قال: سألت ابن عباس ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت على قفاها , وقعد بين رجليها لينـزعَ ثيابه.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن نافع بن عمر , عن ابن أبي مليكة , قال: سئل ابن عباس , عن قوله: ( ولقد همت به وهم بها ) ما بلغ من هم يوسف؟ قال: حل الهميان يعني السَّراويل .

حدثنا أبو كريب وابن وكيع , قالا حدثنا ابن إدريس , قال: سمعت الأعمش , عن مجاهد , في قوله: ( ولقد همت به وهم بها ) قال: حلَّ السراويل حتى أَلْيَتيه واستلقت له.

حدثنا زياد بن عبد الله الحساني , قال: حدثنا مالك بن سعير , قال: حدثنا الأعمش , عن مجاهد , في قوله: ( ولقد همت به وهم بها ) قال: حلّ سراويله , حتى وقع على أَلْيَتيه.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( ولقد همت به وهم بها ) قال: جلس منها مجلس الرجل من امرأته.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , قال: حدثني القاسم بن أبي بزة: ( ولقد همت به وهم بها ) قال: أمّا همّها به , فاستلقت له وأما همُّه بها، فإنه قعد بين رجليها ونـزع ثيابه.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثني حجاج بن محمد , عن ابن جريج , قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة , قال: قلت لابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له , وجلس بين رجليها ينـزع ثيابه.

حدثني المثنى , قال: حدثنا الحماني , قال: حدثنا يحيى بن اليمان , عن سفيان , عن علي بن بذيمة , عن سعيد بن جبير وعكرمة , قالا حلّ السراويل , وجلس منها مجلس الخاتن.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي , عن شريك , عن جابر , عن مجاهد: ( ولقد همت به وهم بها ) قال: استلقت , وحلّ ثيابه حتى بلغ ألياته.

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا قيس , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: ( ولقد همت به وهم بها ) قال: أطلق تِكَّة سراويله.

حدثنا الحسن بن يحيى , قال: أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا ابن عيينة , عن عثمان بن أبي سليمان , عن ابن أبي مليكة , قال: شهدت ابن عباس سئل عن هم يوسف ما بلغ؟ قال: حلّ الهِميان , وجلس منها مجلس الخاتن.

فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا، وهو لله نبيّ؟

قيل: إن أهل العلم اختلفوا في ذلك.

فقال بعضهم: كان من ابتلي من الأنبياء بخطيئة , فإنما ابتلاه الله بها، ليكون من الله عز وجلّ على وَجَلٍ إذا ذكرها , فيجد في طاعته إشفاقًا منها , ولا يتّكل على سعة عفو الله ورحمته.

وقال آخرون: بل ابتلاهم الله بذلك، ليعرّفهم موضع نعمته عليهم , بصفحه عنهم، وتركه عقوبتَه عليه في الآخرة.

وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رَجاء رحمة الله , وترك الإياس من عفوه عنهم إذا تابوا.

وأما آخرون ممن خالف أقوال السلف وتأوَّلوا القرآن بآرائهم , فإنهم قالوا في ذلك أقوالا مختلفة.

فقال بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف , وهمَّ بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمِّها به مما أرادته من المكروه , لولا أنّ يوسف رأى برهان ربه , وكفَّه ذلك عما همّ به من أذاها لا أنها ارتدعت من قِبَل نفسها . قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله: ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ) قالوا: فالسوء هُو ما كان همَّ به من أذاها , وهو غير « الفحشاء » .

وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به، فتناهى الخبرُ عنها. ثم ابتدئ الخبر عن يوسف , فقيل: « وهم بها يوسف لولا أن رأى برهان ربه » . كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلى أنَّ يوسف لم يهمّ بها , وأن الله إنما أخبر أنَّ يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمَّ بها , ولكنه رأى برهان ربه فلم يهمَّ بها , كما قيل: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا ، [ النساء: 83 ] .

قال أبو جعفر: ويفسد هذين القولين: أن العرب لا تقدم جواب « لولا » قبلها , لا تقول: « لقد قمت لولا زيد » , وهي تريد « : لولا زيد لقد قمت » , هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن، الذين عنهم يؤخذ تأويله.

وقال آخرون منهم: بل قد همَّت المرأة بيوسف، وهم يوسف بالمرأة , غير أن همَّهما كان تميِيلا منهما بين الفعل والترك، لا عزمًا ولا إرادة. قالوا: ولا حرج في حديث النفس، ولا في ذكر القلب، إذا لم يكن معهما عزْمٌ ولا فعلٌ.

وأما « البرهان » الذي رآه يوسف، فترك من أجله مواقعة الخطيئة , فإن أهل العلم مختلفون فيه.

فقال بعضهم: نودي بالنهي عن مواقعة الخطيئة .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا ابن عيينة , عن عثمان بن أبي سليمان , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: نودي: يا يوسف، أتزني , فتكون كالطير وَقَع ريشه، فذهب يطير فلا ريش له؟

.... قال: حدثنا ابن عيينة , عن عثمان بن أبي سليمان , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس , قال: لم يُعْطِ على النداء، حتى رأى برهان ربه , قال: تمثالَ صورة وجه أبيه قال سفيان: عاضًّا على أصبعه فقال: يا يوسف، تزني , فتكون كالطير ذهب ريشه؟

حدثني زياد بن عبد الله الحساني , قال:حدثني محمد بن أبي عدي , عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , قال: قال ابن عباس: نُودي: يا ابن يعقوب، لا تكن كالطائر له ريش , فإذا زنى ذهب ريشه، أو قعد لا ريش له. قال: فلم يُعْطِ على النداء، فلم يزد على هذا قال ابن جريج: وحدثني غير واحد , أنه رأى أباه عاضًّا على إصبعه.

حدثني أبو كريب , قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي ، عن نافع بن عمر , عن ابن أبي مليكة , قال: قال ابن عباس: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: نودي فلم يسمع , فقيل له: يا ابن يعقوب، تريد أن تزني، فتكون كالطير نتف فلا ريش له؟

حدثنا ابن حميد . قال: حدثنا سلمة , عن طلحة , عن عمرو الحضرمي , عن ابن أبي مليكة , قال: بلغني أنّ يوسف لما جلس بين رجلي المرأة فهو يحلّ هميانه، نودي: يا يوسف بن يعقوب، لا تزن , فإن الطير إذا زنى تناثر ريشه. فأعرض، ثم نودي فأعرض، فتمثل له يعقوب عاضًّا على إصبعه , فقام.

حدثني المثنى , قال: حدثنا قبيصة بن عقبة , قال: حدثنا سفيان , عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس , قال: نودي: يا ابن يعقوب، لا تكن كالطير إذا زنى ذهب ريشه، وبقي لا ريش له ! فلم يطع على النداء , ففُزِّع.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا حجاج بن محمد , عن ابن جريج , قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة , قال: قال ابن عباس: نودي: يا ابن يعقوب لا تكونَنّ كالطائر له ريش , فإذا زنى ذهب ريشه قال: أو قعد لا ريش له فلم يُعْطِ على النداء شيئًا , حتى رأى برهان ربه , ففَرِق ففرَّ.

حدثنا الحسن بن يحيى , قال: أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا ابن عيينة , عن عثمان بن أبي سليمان , عن ابن أبي مليكة , قال: قال ابن عباس: نودي: يا ابن يعقوب، أتزني، فتكون كالطير وقع ريشه، فذهب يطيرُ فلا ريش له؟

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: أخبرني نافع بن يزيد , عن همام بن يحيى , عن قتادة قال: نودي يوسف فقيل: أنت مكتوب في الأنبياء، تعمل عمل السفهاء؟

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا يحيى بن يمان . عن ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , قال: نودي: يُوسفَ بن يعقوب، تزني , فتكون كالطير نتف فلا ريش له؟

وقال آخرون: « البرهان » الذي رأى يوسف فكفّ عن مواقعة الخطيئة من أجله، صورة يعقوب عليهما السلام يتوعّده .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي , قال: أخبرنا إسرائيل , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس في قوله: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: رأى صورةَ أو: تمثالَ وجهِ يعقوب عاضًّا على إصبعه , فخرجت شهوته من أنامله.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي , عن إسرائيل , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: مَثَل له يعقوب , فضرب في صدره , فخرجت شهوته من أنامله.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا محمد بن بشر , عن مسعر , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: رأى تمثال وجه أبيه، قائلا بكفه هكذا وبسط كفه فخرجت شهوته من أنامله.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي عن سفيان , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: مَثَل له يعقوب عاضًّا على أصابعه , فضرب صدره , فخرجت شهوته من أنامله.

حدثنا يونس بن عبد الأعلى , قال: حدثنا عبد الله بن وهب , قال: أخبرني ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس , في قوله: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: رأى صورة يعقوب واضعًا أنملته على فيه، يتوعَّده , ففرَّ.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا يحيى بن عباد , قال: حدثنا جرير بن حازم , قال سمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث , عن ابن عباس , في قوله: ( ولقد همت به وهم بها ) قال: حين رأى يعقوبَ في سقف البيْت , قال: فنـزعت شهوته التي كان يجدها، حتى خرج يسعى إلى باب البيت , فتبعته المرأة.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي عن قرة بن خالد السدوسي , عن الحسن , قال: زعموا، والله أعلم، أن سقف البيت انفرج , فرأى يعقوبَ عاضًّا على أصابعه.

حدثني يعقوب , قال: حدثنا ابن علية , عن يونس , عن الحسن , في قوله: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: رأى تمثالَ يعقوب عاضًّا على إصبعه يقول: يوسف! يوسف!

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن علية , عن يونس , عن الحسن , نحوه .

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عمرو العنقزي , قال: أخبرنا سفيان الثوري , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: رأى تمثال وجه يعقوب , فخرجت شهوته من أنامله.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا يحيى بن يمان , عن سفيان , عن علي بن بذيمة , عن سعيد بن جبير , قال: رأى صورةً فيها وجه يعقوب عاضًّا على أصابعه , فدفع في صدره , فخرجت شهوته من أنامله . فكلُّ ولد يعقوب وُلِدَ له اثنا عشر رجلا إلا يوسف , فإنه نقص بتلك الشهوة، ولم يولد له غير أحد عشر.

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: أخبرني يونس بن يزيد , عن ابن شهاب , أن حميد بن عبد الرحمن أخبره: أن البرهان الذي رأى يوسف، يعقوبُ.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عيسى بن المنذر , قال: حدثنا أيوب بن سويد , قال: حدثنا يونس بن يزيد الإيلي , عن الزهري , عن حميد بن عبد الرحمن , مثله .

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا جرير , عن منصور , عن مجاهد: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: مَثَل له يعقوب.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا حكام , عن عمرو , عن منصور , عن مجاهد , مثله .

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: يعقوب.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , وحدثنا الحسن بن يحيى , قال: أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا الثوري , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال: مَثَل له يعقوب.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال: جلس منها مجلس الرجل من امرأته، حتى رأى صورةَ يعقوب في الجدُر .

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا جرير , عن منصور , عن مجاهد , في قوله: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: مثل له يعقوب.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن القاسم بن أبي بزة , قال: نودي: يا ابن يعقوب , لا تكونن كالطير له ريش، فإذا زنى قَعَد ليس له ريش. فلم يُعْرِض للنداء وقعد , فرفع رأسه , فرأى وجهَ يعقوب عاضًّا على إصبعه , فقام مرعوبًا استحياء من الله، فذلك قول الله: ( لولا أن رأى برهان ربه ) ، وجهَ يعقوب.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن النضر بن عربي , عن عكرمة , قال: مثل له يعقوب عاضًّا على أصابعه.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن نضر بن عربي , عن عكرمة , مثله .

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا قيس , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , قال: مثل له يعقوب , فدفع في صدره , فخرجت شهوته من أنامله.

.... قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا سفيان , عن علي بن بذيمة , قال: كان يولد لكل رجل منهم اثنا عشر ابنًا، إلا يوسف , ولد له أحد عشر، من أجل ما خرج من شهوته.

حدثني يونس , قال: أخبرنا: ابن وهب , قال: قال أبو شريح: سمعت عبيد الله بن أبي جعفر يقول: بلغ من شهوة يوسف أن خرجت من بَنَانه.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا يعلى بن عبيد , عن محمد الخراساني , قال: سألت محمد بن سيرين , عن قوله: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: مَثَل له يعقوب عاضًّا على أصابعه يقول: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله , اسمك في الأنبياء، وتعمل عمل السفهاء؟

حدثني محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا يزيد بن زريع , عن يونس , عن الحسن , في قوله: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: رأى يعقوب عاضًّا على إصبعه يقول: يوسف !

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال، حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , قال، قال قتادة: رأى صورة يعقوب , فقال: يا يوسف، تعمل عمل الفجَّار , وأنت مكتوب في الأنبياء؟ فاستحيى منه.

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( لولا أن رأى برهان ربه ) رأى آية من آيات ربه , حجزه الله بها عن معصيته. ذكر لنا أنه مثل له يعقوب حتى كلمه , فعصمه الله، ونـزع كل شهوة كانت في مفاصله.

.... قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , عن الحسن: أنه مَثَل له يعقوب وهو عاضٌّ على إصبع من أصابعه.

حدثني يعقوب , قال: حدثنا هشيم , قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم , عن أبي صالح , قال: رأى صورة يعقوب في سقف البيت عاضًّا على إصبعه يقول: يا يوسف! يا يوسف ! يعني قوله: ( لولا أن رأى برهان ربه ) .

حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن منصور ويونس عن الحسن , في قوله: ( لولا أن رأى برهان ربه ) ، قال: رأى صورة يعقوب في سقف البيت، عاضًّا على إصبعه.

حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن إسماعيل بن سالم , عن أبي صالح مثله , وقال عاضًّا على إصبعه يقول: يوسف! يوسف !

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا يعقوب القمي , عن حفص بن حميد , عن شمر بن عطية , قال: نظر يوسف إلى صورة يعقوب عاضًّا على إصبعه يقول: يا يوسف ! فذاك حيث كفَّ , وقام فاندفع.

حدثني المثنى , قال: حدثنا الحماني , قال: حدثنا شريك , عن سالم وأبي حصين , عن سعيد بن جبير: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: رأى صورةً فيها وجه يعقوب عاضًّا على أصابعه , فدفع في صدره، فخرجت شهوته من بين أنامله.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو نعيم , قال: حدثنا مسعر , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: رأى تمثال وجه أبيه , فخرجت الشهوة من أنامله.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا يحيى يعني ابن عباد , قال: حدثنا أبو عوانة , عن إسماعيل بن سالم , عن أبي صالح: ( لولا أن رأى برهان ربه ) ، قال: تمثال صورة يعقوب في سقف البيت.

حدثنا الحسن بن يحيى , قال: أخبرنا جعفر بن سليمان , عن يونس بن عبيد , عن الحسن , قال: رأى يعقوب عاضًّا على يده.

.... قال: أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا الثوري , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , في قوله: ( لولا أن رأى برهان ربه ) ، قال: يعقوب، ضرب بيده على صدره , فخرجت شهوته من أنامله.

حدثت عن الحسين بن الفرج , قال: سمعت أبا معاذ قال: أخبرنا عبيد بن سليمان , قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( لولا أن رأى برهان ربه ) ، آية من ربه ; يزعمون أنه مَثَلَ له يعقوب , فاستحيى منه.

وقال آخرون: بل البرهان الذي رأى يوسف، ما أوعد الله عز وجل على الزنا أهله .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن أبي مودود , قال: سمعت محمد بن كعب القرظي , قال: رفع رأسَه إلى سقف البيت , فإذا كتاب في حائط البيت: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ، [ سورة الإسراء: 32 ] .

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن أبي مودود , عن محمد بن كعب , قال: رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت حين همّ , فرأى كتابًا في حائط البيت: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا .

.... قال: حدثنا زيد بن الحباب , عن أبي معشر , عن محمد بن كعب: ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال: لولا ما رأى في القرآن من تعظيم الزنا.

حدثنا يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: أخبرني نافع بن يزيد , عن أبي صخر , قال: سمعت القرظي يقول في البرهان الذي رأى يوسف: ثلاث آيات من كتاب الله: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ الآية، [ سورة الانفطار: 10 ] , وقوله: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ الآية، [ سورة يونس: 61 ] ، وقوله: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [ سورة الرعد: 33 ] . قال نافع: سمعت أبا هلال يقول مثل قول القرظي , وزاد آية رابعة: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا .

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: أخبرنا أبو معشر , عن محمد بن كعب القرظي: ( لولا أن رأى برهان ربه ) فقال: ما حرَّم الله عليه من الزنا.

وقال آخرون: بل رأى تمثال الملك .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: ( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) يقول: آيات ربه، أُرِيَ تمثالَ الملك.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: كان بعض أهل العلم، فيما بلغني، يقول: البرهان الذي رأى يوسف فصرف عنه السوءَ والفحشاء، يعقوبُ عاضًّا على إصبعه , فلما رآه انكشفَ هاربًا ويقول بعضهم: إنما هو خيال إطفير سيده، حين دَنا من الباب , وذلك أنه لما هرب منها واتبعته، ألفياه لدى الباب.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن همِّ يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه , لولا أن رأى يوسف برهان ربه , وذلك آيةٌ من الله , زجرته عن ركوب ما همَّ به يوسف من الفاحشة وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب وجائز أن تكون صورة الملك - وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا ولا حجة للعذر قاطعة بأيِّ ذلك [ كان ] من أيٍّ . والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى , والإيمان به , وترك ما عدا ذلك إلى عالمه.

وقوله: ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ) ، يقول تعالى ذكره: كما أرينَا يوسف برهاننا على الزجر عمَّا همّ به من الفاحشة , كذلك نسبّب له في كلِّ ما عرض له من همٍّ يهمُّ به فيما لا يرضاه، ما يزجره ويدفعه عنه ; كي نصرف عنه ركوب ما حرَّمنا عليه، وإتيان الزنا , لنطهره من دنس ذلك.

وقوله: ( إنه من عبادنا المخلصين ) اختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قرأة المدينة والكوفة ( إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) بفتح اللام من « المخلصين » , بتأويل: إن يوسف من عبادنا الذين أخلصناهم لأنفسنا، واخترناهم لنبوّتنا ورسالتنا.

وقرأ بعض قرأة البصرة: « إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلِصِينَ » بكسر اللام بمعنى: إن يوسف من عبادنا الذين أخلَصوا توحيدنا وعبادتنا , فلم يشركوا بنا شيئًا , ولم يعبدُوا شيئًا غيرنا.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بهما جماعة كثيرة من القرأة , وهما متفقتا المعنى. وذلك أن من أخلصه الله لنفسه فاختاره , فهو مُخْلِصٌ لله التوحيدَ والعبادة , ومن أخلص توحيدَ الله وعبادته فلم يشرك بالله شيئًا , فهو ممن أخلصه الله , فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصوابِ مصيبٌ.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 25 )

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: واستبق يوسف وامرأة العزيز بابَ البيت، أما يوسف ففرارًا من ركوب الفاحشة لما رأى برهان ربه فزجره عنها، وأما المرأة فطلبها ليوسف لتقضي حاجتها منه التي راودته عليها , فأدركته فتعلقت بقميصه , فجذبته إليها مانعةً له من الخروج من الباب، , فقدَّته من دبر يعني: شقته من خلف لا من قدام، لأن يوسف كان هو الهارب، وكانت هي الطالبة، كما: -

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( واستبقا الباب ) ، قال: استبق هو والمرأة الباب , ( وقدت قميصه من دبر ) .

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: لما رأى برهان ربه , انكشفَ عنها هاربًا , واتبعته , فأخذت قميصه من دبر، فشقَّته عليه.

وقوله: ( وألفيا سيدها لدى الباب ) ، يقول جل ثناؤه: وصادفا سيدها وهو زوج المرأة « لدى الباب » , يعني: عند الباب . كالذي: -

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا الثوري , عن رجل , عن مجاهد: ( وألفيا سيدها ) ، قال: سيدها: زوجها , ( لدى الباب ) ، قال: عند الباب.

حدثني المثنى , قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا يحيى بن سعيد , عن أشعث , عن الحسن , عن زيد بن ثابت , قال « : السيد » ، الزوج.

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وألفيا سيدها لدى الباب ) ، أي: عند الباب.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: ( وألفيا سيدها لدى الباب ) ، قال: جالسًا عند الباب وابن عمّها معه، فلما رأته قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا؟ إنه راودني عن نفسي , فدفعته عن نفسي , فشققت قميصه. قال يوسف: بل هي راودتني عن نفسي , وفررت منها فأدركتني , فشقت قميصي. فقال ابن عمها: تِبْيان هذا في القميص , فإن كان القميص , قدّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين , وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين . فأتي بالقميص , فوجده قدّ من دبر قال: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ .

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( وألفيا سيدها لدى الباب ) ، إطفير، قائمًا على باب البيت، فقالت وهابَتْه: ( ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن أو عذاب أليم ) ولطخته مكانها بالسيئة، فَرَقًا من أن يتهمها صاحبُها على القبيح. فقال هو , وصَدقه الحديث: هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي .

وقوله: ( قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا ) يقول تعالى ذكره: قالت امرأة العزيز لزوجها لما ألفياه عند الباب , فخافت أن يتهمها بالفجور: ما ثواب رجل أرادَ بامرأتك الزنا إلا أن يسجن في السجن، أو إلا عذاب أليم يقول: موجع.

وإنما قال: ( إلا أن يسجن أو عذاب أليم ) ، لأن قوله: ( إلا أن يسجن ) ، بمعنى إلا السجن , فعطف « العذاب » عليه ; وذلك أن « أن » وما عملت فيه بمنـزلة الاسم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( 26 ) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 27 ) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ( 28 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف لما قذفته امرأة العزيز بما قذفته من إرادته الفاحشة منها، مكذِّبًا لها فيما قذفته به ودفعًا لما نسب إليه: ما أنا راودتها عن نفسها , بل هي راودتني عن نفسي.

وقد قيل: إن يوسف لم يرد ذكر ذلك، لو لم تقذفه عند سيدها بما قذفته به.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمارة , قال: حدثنا عبيد الله بن موسى , قال: أخبرنا شيبان , عن أبي إسحاق , عن نوف الشامي , قال: ما كان يوسف يريد أن يذكره، حتى قالت: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا ، الآية , قال: فغضب فقال: ( هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ) .

وأما قوله: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) فإن أهل العلم اختلفوا في صفة الشاهد.

فقال بعضهم: كان صبيًّا في المهد .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا العلاء بن عبد الجبار , عن حماد بن سلمة , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال: تكلم أربعة في المهد وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون , وشاهد يوسف , وصاحب جريج , وعيسى ابن مريم عليه السلام.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن أبي بكر الهذلي , عن شهر بن حوشب , عن أبي هريرة , قال: عيسى , وصاحب يوسف , وصاحب جريج يعني: تكلموا في المهد.

حدثنا ابن بشار , قال: حدثنا عبد الرحمن , قال: حدثنا زائدة , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) ، قال: صبي.

حدثنا ابن بشار , قال: حدثنا عبد الرحمن , قال: حدثنا إسرائيل , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: كان في المهد صبيًّا.

حدثني محمد بن عبيد المحاربي , قال: حدثنا أيوب بن جابر , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , في قوله: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: صبي.

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي , قال: حدثنا أبو بكر بن عياش , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , بمثله .

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن شريك , عن سالم , عن سعيد بن جبير , قال: كان صبيًّا في مهده.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن إدريس , عن حصين , عن هلال بن يساف: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: صبي في المهد.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أبي مرزوق , عن جويبر , عن الضحاك: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) ، قال: صبي أنطقه الله . ويقال: ذو رأي برأيه.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: أخبرنا عفان , قال: حدثنا حماد , قال: أخبرني عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « تكلم أربعة وهم صغار » ، فذكر فيهم شاهد يوسف .

حدثت عن الحسين بن الفرج . قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان , قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) يزعمون أنه كان صبيًّا في الدار.

حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثنا عمي . قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) ، قال: كان صبيًّا في المهد.

وقال آخرون: كان رجلا ذا لحية .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي ، عن إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال: كان ذا لحية.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي ، عن سفيان , عن جابر , عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) ، قال: كان من خاصّة الملك.

.... وبه قال، حدثنا أبي , عن عمران بن حدير , سمع عكرمة يقول: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: ما كان بصبيّ , ولكن كان رجلا حكيمًا.

حدثنا سوّار بن عبد الله , قال، حدثنا عبد الملك بن الصباح , قال: حدثنا عمران بن حدير , عن عكرمة , وذكره عنده: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) فقالوا: كان صبيًّا. فقال: إنه ليس بصبي، ولكنه رجل حكيم .

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن سفيان , عن منصور , عن مجاهد: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: كان رجلا.

حدثنا ابن بشار , قال، حدثنا عبد الرحمن , قال: حدثنا سفيان, عن منصور , عن مجاهد: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: رجل.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا جرير , عن منصور , عن مجاهد , في قوله: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: رجل.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبو بكر بن عياش , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: رجل.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: أخبرنا إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: ذو لحية.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي , قال: ابن عمها كان الشاهدَ من أهلها.

حدثنا الحسن بن يحيى , قال: أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: ذو لحية.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو غسان , قال: حدثنا إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال: ذو لحية.

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا قيس , عن جابر , عن ابن أبي مليكة: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: كان من خاصة الملك.

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: رجل حكيم كان من أهلها.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة , قوله: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: رجل حكيم من أهلها.

حدثنا المثنى , قال: حدثنا أبو نعيم , قال: حدثنا سفيان , عن منصور , عن مجاهد: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: كان رجلا.

حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن بعض أصحابه , عن الحسن , في قوله: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: رجل له رأي أشارَ برأيه.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: يقال: إنما كان الشاهد مشيرًا، رجلا من أهل إطفير، وكان يستعين برأيه إلا أنه قال: أشهد إن كان قميصه قدّ من قبل لقد صدقت وهو من الكاذبين.

وقيل: معنى قوله: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ ) : حكم حاكم.

حدثت بذلك عن الفراء , عن معلي بن هلال , عن أبي يحيى , عن مجاهد.

وقال آخرون: إنما عنى بالشاهد، القميصَ المقدودَ .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قول الله: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) قال: قميصُه مشقوق من دبر , فتلك الشهادة.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) ، قميصُه مشقوق من دبر , فتلك الشهادة.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا المحاربي , عن ليث , عن مجاهد: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) لم يكن من الإنس.

.... قال: حدثنا حفص , عن ليث , عن مجاهد: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) ، قال: كان من أمر الله , ولم يكن إنسيًا.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك , قول من قال: كان صبيًّا في المهد للخبر الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أنه ذكر من تكلم في المهد. فذكر أنَّ أحدهم صاحب يوسف.

فأمّا ما قاله مجاهد من أنه القميص المقدود، فما لا معنى له ; لأن الله تعالى ذكره أخبر عن الشاهد الذي شهد بذلك أنه من أهل المرأة فقال: ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) ، ولا يقال للقميص هو من أهل الرجل ولا المرأة.

وقوله: ( إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) ، لأن المطلوب إذا كان هاربًا فإنما يؤتى من قِبل دبره , فكان معلومًا أن الشق لو كان من قُبُل لم يكن هاربًا مطلوبًا. ولكن كان يكون طالبًا مدفوعًا , وكان يكون ذلك شهادة على كذبه .

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: قال: أشهد إن كان قميصه قُدّ من قُبُل لقد صدقت وهو من الكاذبين. وذلك أن الرجل إنما يريد المرأة مقبلا ( وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) وذلك أن الرجل لا يأتي المرأة من دُبر . وقال: إنه لا ينبغي أن يكون في الحقّ إلا ذاك . فلما رأى إطفير قميصَه قدَّ من دُبر عرف أنه من كيدها , فقال: ( إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم ) .

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: قال يعني: الشاهدُ من أهلها : القميصُ يقضي بينهما، ( إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) .

قال أبو جعفر: وإنما حذفت « أنَّ » التي تتلقَّى بها « الشهادة » لأنه ذهب بالشهادة إلى معنى « القول » , كأنه قال: وقال قائل من أهلها: إن كان قميصه كما قيل: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ [ سورة النساء: 11 ] ، لأنه ذهب بالوصية إلى « القول » .

وقوله: ( فلما رأى قميصه قدّ من دبر ) ، خبر عن زوج المرأة , وهو القائل لها: إن هذا الفعل من كيدكن أي: صنيعكن , يعني من صنيع النساء ( إن كيدكن عظيم ) .

وقيل: إنه خبر عن الشاهد أنه القائلُ ذلك.

 

القول في تأويل قوله تعالى : يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ( 29 )

قال أبو جعفر: وهذا فيما ذكر عن ابن عباس , خبرٌ من الله تعالى ذكره عن قِيل الشاهد أنه قال للمرأة وليوسف.

يعني بقوله: ( يوسف ) يا يوسف ( أعرض عن هذا ) ، يقول: أعرض عن ذكر ما كان منها إليك فيما راودتك عليه، فلا تذكره لأحد، كما:-

حدثنا يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد في قوله: ( يوسف أعرض عن هذا ) ، قال: لا تذكره , ( واستغفري ) أنت زوجك , يقول: سليه أن لا يعاقبك على ذنبك الذي أذنبتِ , وأن يصفح عنه فيستره عليك.

( إنك كنت من الخاطئين ) , يقول: إنك كنت من المذنبين في مراودة يوسف عن نفسه.

يقال منه: « خَطِئ » في الخطيئة « يخطَأ خِطْأً وخَطَأً » كما قال جل ثناؤه: إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [ سورة الإسراء: 31 ] ، و « الخطأ » في الأمر.

وحكي في « الصواب » أيضًا « الصوابُ » ، و « الصَّوْبُ » ، كما قال: الشاعر:

لَعَمْــرُكَ إِنَّمَــا خَـطَئِي وَصَـوْبِي عَــلَيَّ وَإِنَّ مَــا أَهْلَكْــتُ مَــالُ

وينشد بيت أمية:

عِبَــادُكَ يُخْــطِئُونَ وَأَنْــتَ رَبٌّ بِكَـــفَّيْكَ الْمَنَايَـــا وَالْحُـــتُومُ

من خطئ الرجل.

وقيل: ( إنك كنت من الخاطئين ) ، لم يقل: من الخاطئات , لأنه لم يقصد بذلك قصد الخبر عن النساء , وإنما قصد به الخبر عمَّن يفعل ذلك فيخطَأ.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 30 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وتحدث النساء بأمر يوسف وأمر امرأة العزيز في مدينة مصر , وشاع من أمرهما فيها ما كان , فلم ينكتم , وقلن: ( امرأة العزيز تراود فتاها ) ، عبدها ( عن نفسه ) ، كما:-

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: وشاع الحديث في القرية , وتحدث النساء بأمره وأمرها , وقلن: ( امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ) ، أي: عبدها.

وأما « العزيز » فإنه: « الملك » في كلام العرب، ومنه قول أبي دؤاد:

دُرَّةٌ غَـــاصَ عَلَيْهَـــا تَــاجِرٌ جُــلِيَتْ عِنْــدَ عَزِيـزٍ يَـوْمَ طَـلِّ

يعني بالعزيز، الملك , وهو من « العزّة » .

وقوله: ( قد شغفها حبًّا ) ، يقول قد وصل حبُّ يوسف إلى شَغَاف قلبها فدخل تحته، حتى غلب على قلبها.

و « شَغَاف القلب » : حجابه وغلافه الذي هو فيه , وإياه عنى النابغة الذبياني بقوله:

وَقَــدْ حَـالَ هَـمٌّ دُونَ ذَلِـكَ دَاخِـلٌ دُخُــولَ شَـغَافٍ تَبْتَغِيـهِ الأصَـابِعُ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا حجاج بن محمد , عن ابن جريج , قال: أخبرني عمرو بن دينار , أنه سمع عكرمة يقول في قوله: ( شغفها حبًّا ) قال: دخل حبه تحت الشَّغاف.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله: ( قد شغفها حبًّا ) ، قال: دخل حبه في شَغافها.

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( قد شغفها حبًّا ) ، قال: دخل حبه في شَغافها.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( قد شغفها حبًّا ) ، قال: كان حبه في شَغافها.

.... قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثل حديث الحسن بن محمد , عن شبابة .

حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله: ( قد شغفها حبًّا ) ، يقول: عَلَّقها حبًّا.

حدثني المثنى , قال: حدثنا عبد الله بن صالح , قال: حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله: ( قد شغفها حبًّا ) ، قال: غَلَبها.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي عن أبيه عن أيوب بن عائذ الطائي عن الشعبي: ( قد شغفها حبًّا ) ، قال: « المشغوف » : المحب , و « المشعوف » ، المجنون.

.... وبه قال، حدثنا أبي , عن أبي الأشهب , عن أبي رجاء والحسن: ( قد شغفها حبًّا ) ، قال أحدهما: قد بَطَنَها حبًّا. وقال الآخر: قد صَدَقها حبًّا.

حدثني يعقوب , قال: حدثنا ابن علية , عن أبي رجاء , عن الحسن , في قوله: ( قد شغفها حبا ) ، قال: قد بطنَها حبًّا قال يعقوب: قال أبو بشر: أهل المدينة يقولون: « قد بَطَنها حبًّا » .

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن علية , عن أبي رجاء , عن الحسن , قال: سمعته يقول في قوله: ( قد شغفها حبا ) ، قال: بَطنَها حبًّا . وأهل المدينة يقولون ذلك.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب , عن قرة , عن الحسن: ( قد شغفها حبًّا ) ، قال: قد بَطَن بها حبًّا.

حدثنا الحسن , قال: حدثنا أبو قطن , قال: حدثنا أبو الأشهب , عن الحسن: ( قد شغفها حبًّا ) ، قال: بَطَنها حبه.

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة . عن الحسن: ( قد شغفها حبًّا ) ، قال: بطَن بها.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( قد شغفها حبًّا ) ، قال: استبطنها حبها إياه.

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( قد شغفها حبًّا ) ، أي: قد عَلَّقها.

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا إسرائيل , عن أبي يحيى , عن مجاهد: ( قد شغفها حبًّا ) ، قال: قد عَلَّقَها حبًّا.

حدثنا بن وكيع , قال: حدثنا المحاربي , عن جويبر , عن الضحاك , قال: هو الحب اللازق بالقلب.

حدثت عن الحسين , قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد , قال: سمعت الضحاك , في قوله: ( قد شغفها حبًّا ) ، يقول: هلكت عليه حبًّا، و « الشَّغَاف » : شَغَاف القلب.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: ( قد شغفها حبًّا ) ، قال: و « الشَّغاف » : جلدة على القلب يقال لها « : لسان القلب » ، يقول: دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب.

وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قرأة الأمصار بالغين: ( قَدْ شَغَفَهَا ) ، على معنى ما وصفت من التأويل.

وقرأ ذلك أبو رجاء: « قَدْ شَعَفَهَا » بالعين.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا أبو قطن , قال: حدثنا أبو الأشهب , عن أبي رجاء: « قَدْ شَعَفَهَا » .

.... قال: حدثنا خلف , قال: حدثنا هشيم , عن أبي الأشهب , أو عوف عن أبي رجاء: « قَدْ شَعَفَهَا حُبًّا » ، بالعين.

.... قال: حدثنا خلف , قال: حدثنا محبوب , قال: قرأه عوف: « قَدْ شَعَفَهَا » .

.... قال: حدثنا عبد الوهاب , عن هارون , عن أسيد , عن الأعرج: « قَدْ شَعَفَهَا حُبًّا » ، وقال: شَعَفَهَا إذا كان هو يحبها.

ووجَّه هؤلاء معنى الكلام إلى أنَّ الحبَّ قد عمَّها.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: هو من قول القائل: « قد شُعفَ بها » , كأنه ذهب بها كل مَذهب، من « شَعَف الجبال » , وهي رؤوسها.

وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال: « الشغف » ، شغف الحب و « الشعف » ، شعف الدابة حين تذعر .

حدثني بذلك الحارث , عن القاسم , أنه قال: يروى ذلك عن أبي عوانة , عن مغيرة عنه .

قال الحارث: قال القاسم , يذهب إبراهيم إلى أن أصل « الشَّعَف » ، هو الذعر . قال: وكذلك هو كما قال إبراهيم في الأصل , إلا أن العرب ربما استعارت الكلمة فوضعتها في غير موضعها ; قال امرؤ القيس:

أَتَقْتُلُنِــي وَقَــدْ شَــعَفْتُ فُؤَادَهَـا كَمَـا شَـعَفَ المَهْنُـوءَة الرَّجُلُ الطَّالِي

قال: و « شعف المرأة » من الحبّ , و « شعف المهنوءة » من الذعر , فشبه لوعة الحب وجَوَاه بذلك.

وقال ابن زيد في ذلك ما: -

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: ( قد شغفها حبًّا ) قال: إن « الشغف » و « الشعف » ، مختلفان , و « الشعف » ، في البغض و « الشغف » في الحب.

وهذا الذي قاله ابن زيد لا معنى له , لأن « الشعف » في كلام العرب بمعنى عموم الحب، أشهر من أن يجهله ذو علم بكلامهم.

قال أبو جعفر: والصواب في ذلك عندنا من القراءة: ( قَدْ شَغَفَهَا ) ، بالغين، لإجماع الحجة من القرأة عليه.

وقوله: ( إنا لنراها في ضلال مبين ) ، قلن: إنا لنرى امرأة العزيز في مراودتها فتاها عن نفسه، وغلبة حبه عليها، لفي خطأ من الفعل، وجَوْر عن قصد السبيل « مبين » ، لمن تأمله وعلمه أنه ضلال، وخطأ غير صواب ولا سداد. وإنما كان قيلهنّ ما قلن من ذلك، وتحدُّثهن بما تحدَّثن به من شأنها وشأن يوسف، مكرًا منهن، فيما ذكر، لتريَهُنَّ يوسف.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ ( 31 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما سمعت امرأة العزيز بمكر النسوة اللاتي قلن في المدينة ما ذكره الله عز وجل عنهن

وكان مكرهنَّ ما: -

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: ( فلما سمعت بمكرهن ) ، يقول: بقولهن.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: لما أظهر النساء ذلك، من قولهن « : تراود عبدها! » مكرًا بها لتريهن يوسف , وكان يوصف لهن بحُسنه وجماله ; ( فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ ) .

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( فلما سمعت بمكرهن ) : ، أي بحديثهن , ( أرسلت إليهن ) ، يقول: أرسلت إلى النسوة اللاتي تحدثن بشأنها وشأن يوسف.

( وأعتدت ) ، « أفعلت » من العتاد , وهو العدَّة، ومعناه: أعدّت لهن « متكأ » ، يعني: مجلسًا للطعام , وما يتكئن عليه من النمارق والوَسائد:

وهو « مفتعل » من قول القائل: « اتَّكأت » , يقال: « ألق له مُتَّكأ » , يعني: ما يتكئ عليه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا يحيى بن اليمان , عن أشعث , عن جعفر , عن سعيد: ( وأعتدت لهن متكأ ) قال: طعامًا وشرابًا ومتكأ.

.... قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: ( وأعتدت لهن متكأ ) ، قال: يتكئن عليه.

حدثني المثنى , قال: حدثنا عبد الله بن صالح , قال: حدثني معاوية عن علي , عن ابن عباس: ( وأعتدت لهن متكأ ) ، قال: مجلسًا.

.... قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن أبي الأشهب , عن الحسن أنه كان يقرأ: ( مُتَّكَآءً ) ، ويقول: هو المجلس والطعام.

.... قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله بن يزيد: من قرأ: « مُتْكَأً » ، خفيفة , يعني طعامًا. ومن قرأ ( مُتَّكَأً ) ، يعني المتكأ.

فهذا الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه تأويل هذه الكلمة , هو معنى الكلمة، وتأويل « المتكأ » , وأنها أعدّت للنسوة مجلسًا فيه متكأ وطعام وشراب وأترج . ثم فسر بعضهم « المتكأ » بأنه الطعام على وجه الخبر عن الذي أعدّ من أجله المتكأ وبعضهم عن الخبر عن الأترج. إذ كان في الكلام: ( وآتت كل واحدة منهن سكينًا ) ، لأن السكين إنما تعد للأترج وما أشبهه مما يقطع به وبعضهم على البزماورد.

حدثني هارون بن حاتم المقرئ , قال: حدثنا هشيم بن الزبرقان , عن أبي روق , عن الضحاك , في قوله: ( وأعتدت لهن متكأ ) ، قال: البزماورد.

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: « المتكأ » : هو النُّمْرُق يتكأ عليه. وقال: زعم قوم أنه الأترج. قال: وهذا أبطل باطل في الأرض , ولكن عسى أن يكون مع « المتكأ » أترج يأكلونه.

وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام قول أبي عبيدة , ثم قال: والفقهاء أعلم بالتأويل منه . ثم قال: ولعله بعضُ ما ذهب من كلام العرب , فإنّ الكسائي كان يقول: قد ذهب من كلام العرب شيء كثير انقرض أهله.

قال أبو جعفر: والقول في أن الفقهاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة، كما قال أبو عبيد لا شك فيه , غير أن أبا عبيدة لم يُبْعد من الصواب في هذا القول , بل القول كما قال: مِن أن مَن قال للمتكأ: هو الأترج، إنما بيَّن المعدَّ في المجلس الذي فيه المتكأ، والذي من أجله أعطين السكاكين , لأن السكاكين معلومٌ أنها لا تعدُّ للمتكأ إلا لتخريقه! ولم يعطين السكاكين لذلك.

ومما يبين صحة ذلك القول الذي ذكرناه عن ابن عباس , من أن « المتكأ » هو المجلس .

ثم رُوي عن مجاهد عنه، ما: -

حدثني به سليمان بن عبد الجبار , قال، حدثنا محمد بن الصلت , قال: حدثنا أبو كدينة , عن حصين , عن مجاهد , عن ابن عباس: ( وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينًا ) ، قال: أعطتهن أترجًّا , وأعطت كل واحدة منهن سكّينًا.

فبيّن ابن عباس في رواية مجاهد هذه، ما أعطت النسوة , وأعرض عن ذكر بيان معنى « المتكأ » , إذ كان معلومًا معناه.

* ذكر من قال في تأويل « المتكأ » ما ذكرنا:

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي , قال: حدثنا فضيل بن عياض , عن حصين , عن مجاهد , عن ابن عباس: ( وأعتدت لهن متكأ ) ، قال: التُّرُنْج.

حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: حدثنا هشيم , عن عوف , قال: حدثت عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: « مُتْكًا » مخففة , ويقول: هو الأترُجّ.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن إدريس , عن أبيه , عن عطية: « وأعتدت لهن متكأ » ، قال الطعام.

حدثني يعقوب والحسن بن محمد , قالا حدثنا ابن علية , عن أبي رجاء , عن الحسن , في قوله: ( وأعتدت لهن متكأ ) ، قال: طعامًا.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن علية , عن أبي رجاء , عن الحسن , مثله .

حدثنا ابن بشار وابن وكيع , قالا حدثنا غندر , قال: حدثنا شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , في قوله: ( وأعتدت لهن مُتَّكأ ) ، قال: طعامًا.

حدثنا ابن المثنى , قال: حدثنا وهب بن جرير , قال: حدثنا شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير، نحوه .

حدثنا محمد بن بشار , قال: حدثنا عبد الرحمن , قال: حدثنا سفيان , عن منصور , عن مجاهد , قال: من قرأ ( مُتَّكَأ ) فهو الطعام , ومن قرأها « مُتْكًأ » فخففها , فهو الأترجّ.

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قوله: ( متكأ ) ، قال: طعامًا

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد

وحدثني المثنى , قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا أبو خالد القرشي , قال: حدثنا سفيان , عن منصور , عن مجاهد , قال: من قرأ: « مُتْكًا » ، خفيفة , فهو الأترجّ.

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا سفيان , عن منصور , عن مجاهد , بنحوه .

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا جرير , عن ليث , قال سمعت بعضهم يقول: الأترج .

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( وأعتدت لهن متكأ ) : ، أي طعامًا.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة , مثله .

.... قال: حدثنا يزيد , عن أبي رجاء , عن عكرمة , في قوله: ( متكأ ) ، قال: طعامًا.

حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: ( وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتْكًا ) ، يعني الأترج.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( وأعتدت لهن متكأ ) ، والمتكأ، الطعام.

.... قال: حدثنا جرير عن ليث , عن مجاهد: ( وأعتدت لهن متكأ ) ، قال: الطعام.

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: ( وأعتدت لهن متكأ ) ، قال: طعامًا.

حدثت عن الحسين , قال: سمعت أبا معاذ , قال: حدثنا عبيد بن سليمان , قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( مُتَّكَأً ) ، فهو كل شيء يجزّ بالسكين.

قال أبو جعفر: قال الله تعالى ذكره، مخبرًا عن امرأة العزيز والنسوة اللاتي تحدَّثن بشأنها في المدينة: ( وآتت كل واحدة منهن سكينًا ) ، يعني بذلك جل ثناؤه: وأعطت كل واحدة من النسوة اللاتي حضرنها، سكينًا لتقطع به من الطعام ما تقطع به. وذلك ما ذكرت أنَّها آتتهن إما من الأترج , وإما من البزماورد , أو غير ذلك مما يقطع بالسكين، كما:-

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: ( وآتت كل واحدة منهن سكينًا ) ، وأترجًّا يأكلنه.

حدثنا سليمان بن عبد الجبار , قال: حدثنا محمد بن الصلت , قال: حدثنا أبو كدينة , عن حصين , عن مجاهد , عن ابن عباس: ( وآتت كل واحدة منهن سكينًا ) ، قال: أعطتهن أترجًّا , وأعطت كل واحدة منهن سكينًا.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( وآتت كل واحدة منهن سكينًا ) ، ليحتززن به من طعامهنّ.

حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: ( وآتت كل واحدة منهن سكينا ) ، وأعطتهن تُرنجًا وعسلا فكن يحززن الترنج بالسكين , ويأكلن بالعسل.

قال أبو جعفر: وفي هذه الكلمة بيانُ صحة ما قلنا واخترنا في قوله ( وأعتدت لهن متكأ ) . وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن إيتاء امرأة العزيز النسوةَ السكاكينَ , وترك ما لَهُ آتتهن السكاكين , إذ كان معلومًا أن السكاكين لا تدفع إلى من دعي إلى مجلس إلا لقطع ما يؤكل إذا قطع بها. فاستغني بفهم السامع بذكر إيتائها صواحباتها السكاكين، عن ذكر ما له آتتهن ذلك. فكذلك استغني بذكر اعتدادها لهنّ المتكأ، عن ذكر ما يعتدُّ له المتكأ مما يحضر المجالس من الأطعمة والأشربة والفواكه وصنوف الالتهاء ; لفهم السامعين بالمراد من ذلك , ودلالة قوله: ( وأعتدت لهن متكأ ) ، عليه . فأما نفس « المتكأ » فهو ما وصفنا خاصةً دون غيره.

وقوله: ( وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه ) ، يقول تعالى ذكره: وقالت امرأة العزيز ليوسف: ( اخرج عليهن ) ، فخرج عليهن يوسف ( فلما رأينه أكبرنه ) ، يقول جل ثناؤه: فلما رأين يوسف أعظمنه وأجللْنه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد , قال، حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: ( أكبرنه ) ، أعظمنه.

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله .

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح . قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( فلما رأينه أكبرنه ) : ، أي: أعظمنه.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: ( وقالت اخرج عليهن ) ، ليوسف ( فلما رأينه أكبرنه ) : ، عظَّمنه.

حدثنا إسماعيل بن سيف العجلي , قال: حدثنا علي بن عابس , قال: سمعت السدي يقول في قوله: ( فلما رأينه أكبرنه ) ، قال: أعظمنه.

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: ( اخرج عليهن ) ، فخرج، فلما رأينه أعظمنه وبُهِتن.

حدثنا إسماعيل بن سيف . قال: حدثنا عبد الصمد بن علي الهاشمي , عن أبيه , عن جده , في قوله: ( فلما رأينه أكبرنه ) ، قال: حِضْن.

حدثنا علي بن داود , قال: حدثنا عبد الله , قال: حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , في قوله: ( فلما رأينه أكبرنه ) ، يقول: أعظمنه.

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة , عن ابن جريج , عن مجاهد، مثله.

قال أبو جعفر: وهذا القول أعني القول الذي روي عن عبد الصمد , عن أبيه , عن جده , في معنى ( أكبرنه ) ، أنه حِضْن إن لم يكن عَنَى به أنهن حضن من إجلالهن يوسف وإعظامهن لما كان الله قسم له من البهاء والجمال , ولما يجد من مثل ذلك النساءُ عند معاينتهن إياه فقولٌ لا معنى له. لأن تأويل ذلك: فلما رأين يوسف أكبرنه , فالهاء التي في « أكبرنه » ، من ذكر يوسف , ولا شك أن من المحال أن يحضنَ يوسف. ولكن الخبر، إن كان صحيحًا عن ابن عباس على ما روي , فخليقٌ أن يكون كان معناه في ذلك أنهن حضن لِمَا أكبرن من حسن يوسف وجماله في أنفسهن، ووجدن ما يجد النساء من مثل ذلك.

وقد زعم بعض الرواة أن بعض الناس أنشده في « أكبرن » بمعنى حضن , بيتًا لا أحسب أنَّ له أصلا لأنه ليس بالمعروف عند الرواة , وذلك:

نَـأْتِي النِّسَـاءَ عَـلَى أَطْهَـارِهِنَّ وَلا نَــأْتِي النِّسَــاءَ إِذَا أَكْـبَرْنَ إِكْبَـارَا

وزعم أن معناه: إذا حضن .

وقوله: ( وقطعن أيديهن ) ، اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.

فقال بعضهم: معناه: أنهن حَززن بالسكين في أيديهن، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترُجّ .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: ( وقطعن أيديهن ) ، حزًّا حزًّا بالسكين.

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وقطعن أيديهن ) ، قال: حزًّا حزًّا بالسكاكين.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد

.... قال: وحدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وقطعن أيديهن ) ، قال: حزًّا حزًّا بالسكين.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: ( وقطعن أيديهن ) قال: جعل النسوة يحززن أيديهن , يحسبن أنهن يقطعن الأترج.

حدثنا إسماعيل بن سيف , قال: حدثنا علي بن عابس , قال: سمعت السدي يقول: كانت في أيديهن سكاكين مع الأترج , فقطعن أيديهنّ , وسالت الدماء , فقلن: نحن نلومك على حبّ هذا الرجل , ونحن قد قطعنا أيدينا وسالت الدماء !

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد: جعلن يحززن أيديهن بالسكين , ولا يحسبن إلا أنهن يحززن الترنج , قد ذهبت عقولهن مما رأين‍!

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( وقطعن أيديهن ) ، وحززن أيديهن.

حدثني سليمان بن عبد الجبار , قال: حدثنا محمد بن الصلت , قال: حدثنا أبو كدينة , عن حصين , عن مجاهد , عن ابن عباس , قال: جعلن يقطعن أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( وقطعن أيديهن ) ، قال: جعلن يحززن أيديهن , ولا يشعرن بذلك.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: قالت ليوسف: ( اخرج عليهن ) ، فخرج عليهن ( فلما رأينه أكبرنه ) , وغلبت عقولهن عجبًا حين رأينه، فجعلن يقطعن أيديهن بالسكاكين التي معهن، ما يعقلن شيئًا مما يصنعن ( وقلن حاش لله ما هذا بشرًا ) .

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهن قطعن أيديهن حتى أبنَّها، وهن لا يشعرن.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال: قطعن أيديهن حتى ألقينَها.

حدثني المثنى , قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا معمر , عن قتادة , في قوله: ( وقطعن أيديهن ) ، قال: قطعن أيديهن حتى ألقينها.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عنهن أنهن قطَّعن أيديهن وهن لا يشعرن لإعظام يوسف، وجائز أن يكون ذلك قطعًا بإبانة وجائز أن يكون كان قطع حزّ وخدش ولا قول في ذلك أصوب من التسليم لظاهر التنـزيل.

حدثنا محمد بن بشار , قال: حدثنا عبد الرحمن , قال: حدثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن أبي الأحوص , عن عبد الله , قال: أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن.

حدثنا محمد بن المثنى , قال: حدثنا محمد بن جعفر , قال: حدثنا شعبة , عن أبي إسحاق , عن أبي الأحوص , عن عبد الله , مثله .

.... وبه عن أبي الأحوص , عن عبد الله , قال: قسم ليوسف وأمه ثلث الحسن.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن سفيان , عن أبي إسحاق , عن أبي الأحوص , عن عبد الله , قال: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الخلق.

حدثني أحمد بن ثابت , وعبد الله بن محمد الرازيّان , قالا حدثنا عفان , قال: أخبرنا حماد بن سلمة , قال: أخبرنا ثابت , عن أنس , عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال: أعطي يوسف وأمه شَطْرَ الحسن .

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا حكام , عن أبي معاذ , عن يونس , عن الحسن , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطي يوسف وأمه ثلث حُسن أهل الدنيا , وأعطي الناس الثلثين أو قال: أعطي يوسف وأمه الثلثين , وأعطي الناس الثلث.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن سفيان , عن منصور , عن مجاهد , عن ربيعة الجرشي , قال: قسم الحسن نصفين , فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن , والنصف الآخر بين سائر الخلق.

حدثنا ابن بشار , قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري , قال: حدثنا سفيان , عن منصور , عن مجاهد , عن ربيعة الجرشي , قال: قسم الحسن نصفين: فقسم ليوسف وأمه النصف , والنصف لسائر الناس.

حدثنا ابن وكيع وابن حميد , قالا حدثنا جرير , عن منصور , عن مجاهد , عن ربيعة الجرشي , قال: قسم الحسن نصفين , فجعل ليوسف وسارَة النصف , وجعل لسائر الخلق نصف.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا حكام , عن عيسى بن يزيد , عن الحسن: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الدنيا , وأعطي الناس الثلثين.

وقوله: ( وقلن حاش لله ) ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قرأة الكوفيين: ( حَاشَ لِلّهِ ) بفتح الشين وحذف الياء.

وقرأه بعض البصريين بإثبات الياء « حَاشَى لله » .

وفيه لغات لم يقرأ بها: « حَاشَى اللهِ » ، كما قال الشاعر:

حَاشَــى أَبِــي ثَوْبَــانَ إِنَّ بِــهِ ضَنًّــا عَــنِ المَلْحَــاةِ وَالشَّــتْمِ

وذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ بهذه اللغة: « حَشَى اللهَ » ، و « حاشْ اللهَ » ، بتسكين الشين والألف، يجمع بين الساكنين.

وأما القراءة فإنما هي بإحدى اللغتين الأوليين , فمن قرأ: ( حَاشَ لله ) بفتح الشين وإسقاط الياء، فإنه أراد لغة من قال: « حاشى لله » , بإثبات الياء , ولكنه حذف الياء لكثرتها على ألسن العرب , كما حذفت العرب الألف من قولهم: « لا أب لغيرك » , و « لا أب لشانيك » , وهم يعنون: « لا أبا لغيرك » . و « لا أبا لشانيك » .

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يزعم أن لقولهم: « حاشى لله » , موضعين في الكلام:

أحدهما: التنـزيه.

والآخر: الاستثناء. وهو في هذا الموضع عندنا بمعنى التنـزيه لله , كأنه قيل: معاذ الله.

قال أبو جعفر: وأما القول في قراءة ذلك. فإنه يقال: للقارئ الخيار في قراءته بأي القراءتين شاء , إن شاء بقراءة الكوفيين، وإن شاء بقراءة البصريين , وهو: ( حَاشَ لله ) و « حَاشَى لله » ، لأنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان بمعنى واحد , وما عدا ذلك فلغات لا تجوز القراءة بها , لأنا لا نعلم قارئًا قرأ بها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن نمير , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وقلن حاش لله ) ، قال: معاذ الله.

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قوله: ( حاش لله ) ، معاذ الله.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وقلن حاش لله ) : معاذ الله.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: ( حاش لله ) : معاذ الله.

.... قال: حدثنا عبد الوهاب , عن عمرو , عن الحسن: ( حاش لله ) : معاذ الله.

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا يحيى , عن ابن جريج , عن مجاهد , مثله.

وقوله: ( ما هذا بشرًا ) ، يقول: قلن ما هذا بشرًا , لأنهن لم يرين في حسن صورته من البشر أحدًا , فقلن: لو كان من البشر، لكان كبعض ما رأينا من صورة البشر , ولكنه من الملائكة لا من البشر، كما:-

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: ( وقلن حاش لله ما هذا بشرا ) : ما هكذا تكون البشر!

وبهذه القراءة قرأ عامة قرأة الأمصار . وقد: -

حدثت عن يحيى بن زياد الفراء , قال: حدثني دعامة بن رجاء التيمي وكان غَزَّاءً عن أبي الحويرث الحنفي أنه قرأ: « ما هذا بِشِرًى » ، أي ما هذا بمشتري.

يريد بذلك أنهن أنكرن أن يكون مثلُه مستعبدًا يشترى ويُبَاع.

قال أبو جعفر: وهذه القراءة لا أستجيز القراءة بها، لإجماع قرأة الأمصار على خلافها. وقد بينا أن ما أجمعت عليه، فغير جائز خلافُها فيه.

وأما « نصب » البشر , فمن لغة أهل الحجاز إذا أسقطوا « الباء » من الخبر نصبوه , فقالوا: « ما عمرو قائمًا » . وأما أهل نجد , فإن من لغتهم رفعه , يقولون: « ما عمرو قائم » ; ومنه قول بعضهم حيث يقول:

لَشَـتَّانَ مَـا أَنْـوِي وَيَنْـوِي بَنُـو أَبِي جَمِيعًــا , فَمَــا هَـذَانِ مُسْـتَوِيَانِ

تَمَنَّـوْا لِـيَ المَـوْتَ الَّذِي يَشْعَبُ الفَتَى وَكُــلُّ فَتًــى وَالمَــوْتُ يَلْتَقِيَـانِ

وأما القرآن , فجاء بالنصب في كل ذلك , لأنه نـزل بلغة أهل الحجاز.

وقوله: ( إن هذا إلا مَلَك كريمٌ ) ، يقول: قلن ما هذا إلا ملك من الملائكة، كما: -

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( إن هذا إلا ملك كريم ) ، قال: قلن: ملك من الملائكة.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ ( 32 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطعن أيديهن , فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه، وفي نظرة منكن نظرتن إليه ما أصابكن من ذهاب العقل وعُزوب الفهم وَلَهًا، ألِهتُنّ حتى قطعتن أيديكن، هو الذي لمتنني في حبي إياه، وشغف فؤادي به، فقلتنّ: قد شغف امرأة العزيز فتاها حُبًّا، إنا لنراها في ضلال مبين! ثم أقرّت لهن بأنها قد راودته عن نفسه , وأن الذي تحدثن به عنها في أمره حق فقالت: ( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) ، مما راودته عليه من ذلك كما: -

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي , قالت: ( فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) : ، تقول: بعد ما حلّ السراويل استعصى , لا أدري ما بَدَا له.

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( فاستعصم ) ، أي: فاستعصى.

حدثني علي بن داود , قال: حدثنا عبد الله بن صالح , قال: حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله: ( فاستعصم ) ، يقول: فامتنع.

وقوله: ( ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونَن من الصاغرين ) ، تقول: ولئن لم يطاوعني على ما أدعوه إليه من حاجتي إليه ( ليسجنن ) ، تقول: ليحبسن وليكونًا من أهل الصغار والذلة بالحبس والسجن , ولأهينَنَّه

والوقف على قوله: « ليسجنن » ، بالنون، لأنها مشددة , كما قيل: لَيُبَطِّئَنَّ ، [ سورة النساء: 72 ]

وأما قوله: ( وليكونَن ) فإن الوقف عليه بالألف، لأنها النون الخفيفة , وهي شبيهةُ نون الإعراب في الأسماء في قول القائل: « رأيت رجلا عندك » , فإذا وقف على « الرجل » قيل: « رأيتُ رجلا » , فصارت النون ألفًا. فكذلك ذلك في: « وليكونًا » , ومثله قوله: لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ ، [ سورة العلق: 15، 16 ] الوقف عليه بالألف لما ذكرت ; ومنه قول الأعشي:

وَصَـلِّ عَـلَى حَينِ العَشَيَّاتِ والضُّحَى وَلا تَعْبُــدِ الشَّـيْطَانَ وَاللـهَ فَـاعْبُدَا

وإنما هو: « فاعبدن » , ولكن إذا وقف عليه كان الوقف بالألف.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ( 33 )

قال أبو جعفر: وهذا الخبر من الله يدلُّ على أن امرأة العزيز قد عاودت يوسف في المراودة عن نفسه , وتوعَّدته بالسّجن والحبس إن لم يفعل ما دعته إليه , فاختار السجن على ما دعته إليه من ذلك ; لأنها لو لم تكن عاودته وتوعَّدته بذلك , كان محالا أن يقول: ( ربّ السجن أحبُّ إليّ مما يدعونني إليه ) ، وهو لا يدعَى إلى شيء، ولا يخوَّف بحبس.

و « السجن » هو الحبس نفسه , وهو بيت الحَبْس.

وبكسر السين قرأه قرأة الأمصار كلها. والعرب تضع الأماكن المشتقة من الأفعال مواضع الأفعال . فتقول: « طلعت الشمس مطلعًا , وغربت مغربًا » , فيجعلونها، وهي أسماء، خلفًا من المصادر , فكذلك « السجن » , فإذا فتحت السين من « السَّجن » كان مصدرًا صحيحًا.

وقد ذكر عن بعض المتقدمين أنه يقرأه: « السَّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ » ، بفتح السين . ولا أستجيز القراءة بذلك، لإجماع الحجة من القرأة على خلافها.

قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: قال يوسف: يا رب، الحبس في السجن أحبُّ إليَّ مما يدعونني إليه من معصيتك، ويراودنني عليه من الفاحشة، كما: -

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: ( قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه ) : من الزنا.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: قال يوسف، وأضاف إلى ربه، واستغاثه على ما نـزل به ( رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه ) ، أي: السجن أحبّ إليّ من أن آتي ما تكره.

وقوله: ( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن ) ، يقول: وإن لم تدفع عني، يا رب، فعلهن الذي يفعلن بي، في مراودتهن إياي على أنفسهن « أصب إليهن » , يقول: أمِلْ إليهن , وأتابعهن على ما يُرِدن مني ويهوَيْن.

من قول القائل: « صَبا فلان إلى كذا » , ومنه قول الشاعر:

إِلَـــى هِنْـــدٍ صَبَـــا قَلْبِــي وَهِنْــــدٌ مِثْلُهَــــا يُصْبِـــي

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( أصب إليهن ) ، يقول: أتابعهن.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( وإلا تصرف عني كيدهن ) ، أي: ما أتخوَّف منهن ( أصب إليهن ) .

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: ( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ) ، قال: إلا يكن منك أنت العون والمنعة , لا يكن منّي ولا عندي.

وقوله: ( وأكن من الجاهلين ) ، يقول: وأكن بصبوتي إليهن، من الذين جهلوا حقك، وخالفوا أمرك ونهيك، كما: -

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( وأكن من الجاهلين ) ، أي: جاهلا إذا ركبت معصيتك.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 34 )

قال أبو جعفر: إن قال قائل: وما وجه قوله: ( فاستجاب له ربه ) ، ولا مسألةَ تقدَّمت من يوسف لربّه، ولا دعا بصَرْف كيدهنَّ عنه , وإنما أخبر ربه أن السجن أحب إليه من معصيته؟

قيل: إن في إخباره بذلك شكايةً منه إلى ربه مما لقي منهنَّ، وفي قوله: وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ، معنى دعاءٍ ومسألةٍ منه ربَّه صرفَ كيدهِنَّ , ولذلك قال الله تعالى ذكره: ( فاستجاب له ربه ) ، وذلك كقول القائل لآخر: « إن لا تزرني أهنك » , فيجيبه الآخر: « إذن أزورَك » ، لأن في قوله: « إن لا تزرني أهنك » , معنى الأمر بالزيارة.

قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فاستجاب الله ليوسف دعاءه , فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله، كما: -

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ) ، أي: نجاه من أن يركب المعصية فيهن , وقد نـزل به بعض ما حَذر منهنَّ.

وقوله: ( إنه هو السميع ) ، دعاءَ يوسف حين دعاه بصرف كيد النسوة عنه، ودعاءَ كل داع من خلقه ( العليم ) ، بمطلبه وحاجته , وما يصلحه , وبحاجة جميع خلقه وما يُصْلحهم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ( 35 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم بدا للعزيز، زوج المرأة التي راودت يوسف عن نفسه.

وقيل: « بدا لهم » , ، وهو واحد , لأنه لم يذكر باسمه ويقصد بعينه , وذلك نظير قوله: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ، [ سورة آل عمران: 173 ] ، وقيل: إن قائل ذلك كان واحدًا.

وقيل: معنى قوله: ( ثم بدا لهم ) في الرأي الذي كانوا رأوه من ترك يوسف مطلقًا , ورأوا أن يسجنوه ( من بعد ما رأوا الآيات ) ببراءته مما قذفته به امرأة العزيز.

وتلك « الآيات » ، كانت قدَّ القميص من دُبُر , وخمشًا في الوجه , وقَطْعَ أيديهن , كما:-

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن نصر بن عوف , عن عكرمة , عن ابن عباس: ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ) ، قال: كان من الآيات: قدٌّ في القميص، وخمشٌ في الوجه.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي وابن نمير , عن [ نصر ] , عن عكرمة , مثله.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ) ، قال: قدُّ القميص من دبر.

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( من بعد ما رأوا الآيات ) ، قال: قدُّ القميص من دبر.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد

.... قال: وحدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( من بعد ما رأوا الآيات ) ، قال: « الآيات » : حزُّهن أيديهن , وقدُّ القميص.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , قال: قدُّ القميص من دبر.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه ) ، ببراءته مما اتهم به، من شق قميصه من دُبر ( ليسجننه حتى حين ) .

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: ( من بعد ما رأوا الآيات ) ، القميصُ , وقطع الأيدي.

وقوله: ( ليسجننه حتى حين ) ، يقول: ليسجننه إلى الوقت الذي يرون فيه رأيهم.

وجعل الله ذلك الحبس ليوسف، فيما ذكر، عقوبةً له من همِّه بالمرأة، وكفارة لخطيئته .

حدثت عن يحيى بن أبي زائدة , عن إسرائيل , عن خصيف , عن عكرمة , عن ابن عباس: ( ليسجننه حتى حين ) ، عثر يوسف عليه السلام ثلاثَ عثرات: حين همَّ بها فسجن. وحين قال: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ، فلبث في السجن بضع سنين، وأنساه الشيطان ذكر ربه. وقال لهم: إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ، فقالوا: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ .

وذكر أن سبب حبسه في السجن، كان شكوى امرأة العزيز إلى زوجها أمرَه وأمرَها، كما: -

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي: ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ) ، قال: قالت المرأة لزوجها: إن هذا العبدَ العبرانيَّ قد فضحني في الناس، يعتذر إليهم، ويخبرهم أني راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري , فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر , وإما أن تحبسه كما حبستَني. فذلك قول الله تعالى: ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ) .

وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول هذه « اللام » في: ( ليسجننه ) .

فقال بعض البصريين: دخلت ههنا، لأنه موضع يقع فيه « أيّ » , فلما كان حرف الاستفهام يدخل فيه دخلته النون , لأن النون تكون في الاستفهام , تقول: « بدا لهم أيّهم يأخذنّ » ، أي: استبان لهم.

وأنكر ذلك بعض أهل العربية فقال: هذا يمين، وليس قوله: « هل تقومن » بيمين , و « لتقومن » ، لا يكون إلا يمينًا.

وقال بعض نحويي الكوفة: « بدا لهم » , بمعنى « : القول » , و « القول » يأتي بكل الكلام، بالقسم وبالاستفهام , فلذلك جاز: « بدا لهم قام زيد » , و « بدا لهم ليقومن » .

وقيل: إن « الحين » في هذا الموضع معنِيٌّ به سبع سنين.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا المحاربي , عن داود , عن عكرمة: ( ليسجننه حتى حين ) ، قال: سبع سنين.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ( 36 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ودخل مع يوسف السجن فتيان فدل بذلك على متروكٍ قد ترك من الكلام، وهو: ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ، فسجنوه وأدخلوه السجن ودخل معه فتيان , فاستغنَى بدليل قوله: ( ودخل معه السجن فتيان ) ، على إدخالهم يوسف السجن، من ذكره.

وكان الفتيان، فيما ذكر، غلامين من غلمان ملك مصر الأكبر، أحدهما صاحبُ شرابه , والآخر صاحبُ طعامه، كما: -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: فطرح في السجن يعني يوسف ( ودخل معه السجن فتيان ) , غلامان كانا للملك الأكبر الرّيان بن الوليد , كان أحدهما على شرابه , والآخر على بعض أمره , في سَخْطَةٍ سخطها عليهما , اسم أحدهما « مجلث » والآخر « نبو » , و « نبو » الذي كان على الشراب.

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( ودخل معه السجن فتيان ) ، قال: كان أحدهما خبازًا للملك على طعامه , وكان الآخر ساقيه على شرابِه.

وكان سبب حبس الملك الفتيين فيما ذكر، ما: -

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي , قال: إن الملك غضب على خبَّازه , بلغه أنه يريد أن يسمّه , فحبسه وحبس صاحب شرابه , ظنَّ أنه مالأه على ذلك. فحبسهما جميعًا ; فذلك قول الله: ( ودخل معه السجن فتيان ) .

وقوله: ( قال أحدهما إني أراني أعصر خمرًا ) ، ذكر أن يوسف صلوات الله عليه لما أدخل السجن , قال لمن فيه من المحبَّسين , وسألوه عن عمله: إني أعبُرُ الرؤيا: فقال أحد الفتيين اللذين أدخلا معه السجن لصاحبه: تعال فلنجربه، كما: -

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي , قال: لما دخل يوسف السجن قال: أنا أعبُرُ الأحلام . فقال أحد الفتيين لصاحبه: هلمَّ نجرّب هذا العبد العبرانيّ فتراءَيَا له ! فسألاه، من غير أن يكونا رأيا شيئًا . فقال الخباز: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه؟ وقال الآخر: إني أراني أعصر خمرًا؟

حدثنا ابن وكيع وابن حميد , قالا حدثنا جرير , عن عمارة بن القعقاع , عن إبراهيم , عن عبد الله , قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئًا , وإنما كانا تحالما ليجرِّبا علمه.

وقال قوم: إنما سأله الفَتَيان عن رؤيا كانا رأياها على صحةٍ وحقيقةٍ , وعلى تصديق منهما ليوسف لعلمه بتعبيرها .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: لما رأى الفتيان يوسف , قالا والله، يا فتى لقد أحببناك حين رأيناك.

.... قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن عبد الله , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: أن يوسف قال لهم حين قالا له ذلك: أنشدكما الله أن لا تحباني، فوالله ما أحبني أحدٌ قط إلا دخل عليَّ من حبه بلاء، لقد أحبتني عمتي فدخل علي من حبها بلاء , ثم لقد أحبني أبي فدخل عليّ بحبه بلاء , ثم لقد أحبتني زوجةُ صاحبي هذا فدخل عليَّ بحبها إياي بلاء , فلا تحباني بارك الله فيكما ! قال: فأبيا إلا حبه وإلفه حيث كان , وجعلا يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله. وقد كانا رأيا حين أدخلا السجن رؤيا , فرأى « مجلث » أنه يحمل فوق رأسه خبزًا تأكل الطير منه , ورأى « نبو » أنه يعصر خمرًا , فاستفتياه فيها، وقالا له: ( نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ) ، إن فعلت.

وعني بقوله: ( أعصر خمرًا ) ، أي: إني أرى في نومي أني أعصر عنبًا . وكذلك ذلك في قراءة ابن مسعود فيما ذكر عنه .

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن أبي سلمة الصائغ , عن إبراهيم بن بشير الأنصاري , عن محمد بن الحنفية قال في قراءة ابن مسعود: « إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ عِنَبًا. »

وذكر أن ذلك من لغة أهل عمان , وأنهم يسمون العنب خمرًا .

ذكر من قال ذلك:

حدثت عن الحسين , قال: سمعت أبا معاذ , يقول: حدثنا عبيد , قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( إني أراني أعصر خمرًا ) ، يقول: أعصر عنبًا , وهو بلغة أهل عمان، يسمون العنب خمرًا.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع ; وثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي عن سلمة بن نبيط , عن الضحاك: ( إني أراني أعصر خمرًا ) ، قال: عنبًا , أرضُ كذا وكذا يدعُون العنب « خمرًا » .

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: ثني حجاج , عن ابن جريج , قال: قال ابن عباس: ( إني أراني أعصر خمرًا ) ، قال: عنبًا.

حدثت عن المسيب بن شريك , عن أبي حمزة , عن عكرمة , قال: أتاه فقال: رأيت فيما يرى النائم أني غرست حَبَلة من عنب، فنبتت , فخرج فيه عناقيد فعصرتهنّ , ثم سقيتهن الملك، فقال: تمكث في السجن ثلاثة أيام , ثم تخرج فتسقيه خمرًا.

وقوله: ( وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله ) ، يقول تعالى ذكره: وقال الآخر من الفَتيين: إني أراني في منامي أحمل فوق رأسي خبزًا ; يقول: أحمل على رأسي فوضعت « فوق » مكان « على » ( تأكل الطير منه ) ، يعني: من الخبز.

وقوله: ( نبئنا بتأويله ) ، يقول: أخبرنا بما يؤول إليه ما أخبرناك أنَّا رأيناه في منامنا، ويرجع إليه، كما: -

حدثني الحارث , قال: حدثنا القاسم , قال: حدثنا يزيد , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( نبئنا بتأويله ) ، قال: به قال الحارث , قال أبو عبيد: يعني مجاهد أن « تأويل الشيء » ، هو الشيء . قال: ومنه: « تأويل الرؤيا » ، إنما هو الشيء الذي تؤول إليه.

وقوله: ( إنا نراك من المحسنين ) اختلف أهل التأويل في معنى « الإحسان » الذي وصف به الفتيان يوسف.

فقال بعضهم: هو أنه كان يعود مريضهم , ويعزي حزينهم , وإذا احتاج منهم إنسان جَمَع له .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا سعيد بن منصور , قال: حدثنا خلف بن خليفة , عن سلمة بن نبيط , عن الضحاك بن مزاحم , قال: كنت جالسًا معه ببلخ , فسئل عن قوله: ( نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ) ، قال: قيل له: ما كان إحسان يوسف؟ قال: كان إذا مرض إنسان قام عليه , وإذا احتاج جمع له , وإذا ضاق أوْسَع له.

حدثنا إسحاق , عن أبي إسرائيل , قال: حدثنا خلف بن خليفة , عن سلمة بن نبيط , عن الضحاك , قال: سأل رجل الضحاك عن قوله: ( إنا نراك من المحسنين ) ما كان إحسانه؟ قال: كان إذا مرض إنسان في السجن قامَ عليه , وإذا احتاج جمع له , وإذا ضاق عليه المكان وسَّع له.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن أبي بكر بن عبد الله , عن قتادة , قوله: ( إنا نراك من المحسنين ) ، قال: بلغنا أن إحسانه أنه كان يداوي مريضهم , ويعزِّي حزينهم , ويجتهد لربه . وقال: لما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قومًا قد انقطع رجاؤهم، واشتد بلاؤهم , فطال حزنهم , فجعل يقول: أبشروا واصبروا تؤجَروا , إن لهذا أجرًا , إن لهذا ثوابًا. فقالوا: يا فتى، بارك الله فيك، ما أحسن وجهك، وأحسن خلقك , لقد بورك لنا في جوارك , ما نحبُّ أنَّا كنا في غير هذا منذ حبسنا، لما تخبرنا من الأجر والكفَّارة والطَّهارة , فمن أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسف، ابن صفي الله يعقوب، ابن ذبيح الله إسحاق بن إبراهيم خليل الله. وكانت عليه محبَّة. وقال له عامل السجن: يا فتى، والله لو استطعت لخلَّيت سبيلك , ولكن سأحسن جِوارك، وأحسن إسارك , فكن في أيِّ بيوت السجن شئت.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن خلف الأشجعي , عن سلمة بن نبيط , عن الضحاك في: ( إنا نراك من المحسنين ) ، قال: كان يوسع للرجل في مجلسه , ويتعاهد المرضى.

وقال آخرون: معناه: ( إنا نراك من المحسنين ) ، إذا نبأتنا بتأويل رؤيانا هذه.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: استفتياه في رؤياهما , وقالا له: ( نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ) ، إن فعلت.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، القول الذي ذكرناه عن الضحاك وقتادة.

فإن قال قائل: وما وجهُ الكلام إن كان الأمر إذن كما قلت , وقد علمت أن مسألتهما يوسف أن ينبئهما بتأويل رؤياهما، ليست من الخبَر عن صفته بأنه يعود المريض ويقوم عليه، ويحسن إلى من احتاج في شيء , وإنما يقال للرجل: « نبئنا بتأويل هذا فإنك عالم » , وهذا من المواضع التي تحسن بالوصف بالعلم، لا بغيره؟

قيل: إن وجه ذلك أنهما قالا له: نبئنا بتأويل رؤيانا محسنًا إلينا في إخبارك إيانا بذلك , كما نراك تحسن في سائر أفعالك: ( إنا نراك من المحسنين ) .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ( 37 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( قال ) يوسف للفتيين اللذين استعبراه الرؤيا: ( لا يأتيكما ) ، أيها الفتيان في منامكما ( طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله ) ، في يقظتكما ( قبل أن يأتيكما ) .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي , قال: قال يوسف لهما: ( لا يأتيكما طعام ترزقانه ) ، في النوم ( إلا نبأتكما بتأويله ) ، في اليقظة.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: قال يوسف لهما: ( لا يأتيكما طعام ترزقانه ) ، يقول: في نومكما ( إلا نبأتكما بتأويله ) .

ويعنى بقوله ( بتأويله ) : ما يؤول إليه ويصير ما رأيا في منامهما من الطعام الذي رأيا أنه أتاهما فيه.

وقوله: ( ذلكما مما علمني ربي ) ، يقول: هذا الذي أذكر أني أعلمه من تعبير الرؤيا، مما علمني ربى فعلمته ( إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ) وجاء الخبر مبتدأ، أي: تركت ملة قوم , والمعنى: ما ملت، وإنما ابتدأ بذلك، لأن في الابتداء الدليل على معناه.

وقوله: ( إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ) ، يقول: إني برئت من ملة من لا يصدق بالله , ويقرّ بوحدانيته ( وهم بالآخرة هم كافرون ) ، يقول: وهم مع تركهم الإيمان بوحدانية الله ، لا يقرّون بالمعاد والبعث، ولا بثواب ولا عقاب.

وكُررت « هم » مرتين , فقيل: ( وهم بالآخرة هم كافرون ) ، لما دخل بينهما قوله: ( بالآخرة ) ، فصارت « هم » الأولى كالملغاة , وصار الاعتماد على الثانية , كما قيل: وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [ سورة النمل: 3/ سورة لقمان: 4 ] ، وكما قيل: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ [ سورة المؤمنون: 35 ]

فإن قال قائل: ما وجه هذا الخبر ومعناه من يوسف؟ وأين جوابه الفتيين عما سألاه من تعبير رؤياهما، من هذا الكلام؟

قيل له: إن يوسف كره أن يجيبهما عن تأويل رؤياهما، لما علم من مكروه ذلك على أحدهما , فأعرض عن ذكره، وأخذ في غيره، ليعرضا عن مسألته الجوابَ عما سألاه من ذلك.

وبنحو ذلك قال أهل العلم.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , في قوله: إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ، قال: فكره العبارة لهما , وأخبرهما بشيء لم يسألاه عنه ليريهما أن عنده علمًا . وكان الملك إذا أراد قتل إنسان , صنع له طعامًا معلومًا , فأرسل به إليه , فقال يوسف: ( لا يأتيكما طعام ترزقانه ) ، إلى قوله: يَشْكُرُونَ ، فلم يدَعَاه , فعدل بهما , وكره العبارة لهما. فلم يدعاه حتى يعبر لهما , فعدل بهما وقال: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ، إلى قوله: يَعْلَمُونَ ، فلم يدعاه حتى عبر لهما , فقال: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ . قالا ما رأينا شيئًا , إنما كنا نلعب ! قال: قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ .

قال أبو جعفر: وعلى هذا التأويل الذي تأوله ابن جريج، فقوله: ( لا يأتيكما طعام ترزقانه ) ، في اليقظة لا في النوم، . وإنما أعلمهما على هذا القول أنَّ عنده علم ما يؤول إليه أمر الطعام الذي يأتيهما من عند الملك ومن عند غيره , لأنه قد علم النوعَ الذي إذا أتاهما كان علامةً لقتل من أتاه ذلك منهما , والنوع الذي إذا أتاه كان علامة لغير ذلك , فأخبرهما أنه عنده علم ذلك .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ( 38 )

قال أبو جعفر : يعني بقوله: ( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ) ، واتبعت دينهم لا دين أهل الشرك ( ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ) ، يقول: ما جاز لنا أن نجعل لله شريكًا في عبادته وطاعته ، بل الذي علينا إفراده بالألُوهة والعبادة ( ذلك من فضل الله علينا ) ، يقول: اتباعي ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب على الإسلام ، وتركي ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون ، من فضل الله الذي تفضّلَ به علينا ، فأنعم إذ أكرمنا به ( وعلى الناس ) ، يقول: وذلك أيضًا من فضل الله على الناس ، إذ أرسلنا إليهم دعاةً إلى توحيده وطاعته ( ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) ، يقول: ولكن من يكفر بالله لا يشكر ذلك من فضله عليه ، لأنه لا يعلم من أنعم به عليه ولا يعرف المتفضِّل به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني علي قال، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله: ( ذلك من فضل الله علينا ) ، أن جعلنا أنبياء ( وعلى الناس ) ، يقول: أن بعثنا إليهم رسلا.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ) ، ذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول: يا رُبَّ شاكرٍ نعمةِ غيرِ منعم عليه لا يدري، وربّ حامل فقه غيرِ فقيه.

 

القول في تأويل قوله تعالى : يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ( 39 )

قال أبو جعفر : ذكر أن يوسف صلوات الله عليه قال هذا القول للفتيين اللذين دخلا معه السجن ، لأن أحدهما كان مشركًا ، فدعاه بهذا القول إلى الإسلام وترك عبادة الآلهة والأوثان ، فقال: ( يا صاحبي السجن ) ، يعني: يا من هو في السجن، وجعلهما « صاحبيه » لكونهما فيه ، كما قال الله تعالى لسكان الجنة: فَـ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وكذلك قال لأهل النار ، وسماهم « أصحابها » لكونهم فيها .

وقوله: ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) ، يقول: أعبادة أرباب شتى متفرقين وآلهة لا تنفع ولا تضر، خيرٌ أم عبادة المعبود الواحد الذي لا ثاني له في قدرته وسلطانه ، الذي قهر كل شي فذلـله وسخره، فأطاعه طوعًا وكرهًا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون ) إلى قوله: لا يَعْلَمُونَ ، لما عرف نبيُّ الله يوسف أن أحدهما مقتولٌ، دعاهما إلى حظّهما من ربهما، وإلى نصيبهما من آخرتهما.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( يا صاحبي السجن ) يوسفُ يقوله.

... قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: ثم دعاهما إلى الله وإلى الإسلام ، فقال: ( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) ، أي: خيرٌ أن تعبدوا إلهًا واحدًا ، أو آلهة متفرقة لا تغني عنكم شيئا؟

 

القول في تأويل قوله تعالى : مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( 40 )

قال أبو جعفر : يعنى بقوله: ( ما تعبدون من دونه ) ، ما تعبدون من دون الله .

وقال: ( ما تعبدون ) وقد ابتدأ الخطاب بخطاب اثنين فقال: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ لأنه قصد المخاطب به، ومن هو على الشرك بالله مقيمٌ من أهل مصر ، فقال للمخاطَب بذلك: ما تعبد أنتَ ومن هو على مثل ما أنت عليه من عبادة الأوثان ( إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ) ، وذلك تسميتهم أوثانهم آلهة أربابًا ، شركًا منهم، وتشبيهًا لها في أسمائها التي سمَّوها بها بالله ، تعالى عن أن يكون له مثل أو شبيه ( ما أنـزل الله بها من سلطان ) ، يقول: سموها بأسماء لم يأذن لهم بتسميتها ، ولا وضع لهم على أن تلك الأسماء أسماؤها، دلالةً ولا حجةً ، ولكنها اختلاق منهم لها وافتراء .

وقوله: ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ) ، يقول: وهو الذي أمر ألا تعبدوا أنتم وجميعُ خلقه، إلا الله الذي له الألوهة والعبادة خالصةً دون كل ما سواه من الأشياء ، كما:-

حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية ، في قوله: ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا أياه ) ، قال: أسَّسَ الدين على الإخلاص لله وحده لا شريك له.

وقوله: ( ذلك الدين القيم ) ، يقول: هذا الذي دعوتكما إليه من البراءة من عبادة ما سوى الله من الأوثان، وأن تخلصا العبادة لله الواحد القهار ، هو الدِّين القويم الذي لا اعوجاج فيه ، والحقُّ الذي لا شك فيه ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، يقول: ولكن أهل الشرك بالله يجهلون ذلك ، فلا يعلمون حقيقته .

 

القول في تأويل قوله تعالى : يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ( 41 )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه، مخبرًا عن قِيل يوسف للذين دخلا معه السجن: ( يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا ) ، هو الذي رأى أنه يعصر خمرًا ، فيسقي ربَّه يعني سيده، وهو ملكهم « خمرا » ، يقول: يكون صاحب شرابه .

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد ، في قوله: ( فيسقي ربه خمرًا ) ، قال: سيده.

وأما الآخر ، وهو الذي رأى أن على رأسه خبزًا تأكل الطير منه « فيصلب فتأكل الطير من رأسه » ، فذكر أنه لما عبَر ما أخبراه به أنهما رأياه في منامهما ، قالا له: ما رأينا شيئًا ! فقال لهما: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) يقول: فُرغ من الأمر الذي فيه استفتيتما ، ووجب حُكم الله عليكما بالذي أخبرتكما به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل العلم .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن عمارة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال: قال اللذان دخلا السجن على يوسف: ما رأينا شيئًا ! فقال: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) .

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عمارة بن القعقاع ، عن إبراهيم ، عن عبد الله: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) ، قال: لما قالا ما قالا أخبرهما ، فقالا ما رأينا شيئا ! فقال: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن عمارة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله، في الفتيين اللذين أتيا يوسف والرؤيا، إنما كانا تحالما ليجرّباه، فلما أوَّل رؤياهما قالا إنما كنا نلعب ! قال: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن عمارة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئًا ، إنما كانا تحالما ليجرّبا علمه، فقال أحدهما: إني أراني أعصر عنبًا! وقال الآخر: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه؟ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ! قال: ( يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرًا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه ) . فلما عبَّر ، قالا ما رأينا شيئًا! قال: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) ، على ما عبَّر يوسف.

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: قال: لمجلث: أما أنت فتصلب فتأكل الطير من رأسك. وقال لنبو: أما أنت فتردُّ على عملك ، فيرضى عنك صاحبك، ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) أو كما قال.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ،قال ابن جريج........... فيه تستفتيان.

حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال: ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) ، عند قولهما: ما رأينا رؤيا إنما كنا نلعب ! قال: قد وقعت الرؤيا على ما أوَّلتُ.

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله: ( الذي فيه تستفتيان ) ، فذكر مثله.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ( 42 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف للذي علم أنه ناج من صاحبيه اللذين استعبراه الرؤيا: ( اذكرني عند ربك ) يقول: اذكرني عند سيدك ، وأخبره بمظلمتي، وأني محبوس بغير جُرْم ، كما:-

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ،قال يعني لنبو ( اذكرني عند ربك ) : أي اذكر للملك الأعظم مظلمتي وحبسي في غير شيء، قال: أفعل.

حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله: ( اذكرني عند ربك ) قال للذي نجا من صاحبي السجن ، يوسف يقول: اذكرني عند الملك.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن جابر ، عن أسباط: ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ) ، قال: عند ملك الأرض.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( اذكرني عند ربك ) ، يعني بذلك الملك.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ) ، الذي نجا من صاحبي السجن ، يقول يوسف: اذكرني للملك.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن إبراهيم التيمي: أنه لما انتهى به إلى باب السجن، قال له صاحبٌ له: حاجتَك أوصني بحاجتك ! قال: حاجتي أن تذكرني عند ربك سوى الربِّ ، قال يوسف.

وكان قتادة يوجِّه معنى « الظن » في هذا الموضع، إلى « الظنِّ » ، الذي هو خلاف اليقين .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ) ، وإنما عبارة الرؤيا بالظن ، فيحقُّ الله ما يشاءُ ويُبْطِل ما يشاء.

قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله قتادة، من أن عبارة الرؤيا ظن ، فإن ذلك كذلك من غير الأنبياء . فأما الأنبياء فغير جائز منها أن تخبر بخبر عن أمر أنه كائنٌ ثم لا يكون ، أو أنه غير كائن ثم يكون، مع شهادتها على حقيقة ما أخبرت عنه أنه كائن أو غير كائن، لأن ذلك لو جاز عليها في أخبارها، لم يُؤمَن مثل ذلك في كل أخبارها. وإذا لم يؤمن ذلك في أخبارها، سقطت حُجَّتها على من أرسلت إليه . فإذا كان ذلك كذلك، كان غير جائزٍ عليها أن تخبر بخبرٍ إلا وهو حق وصدق . فمعلومٌ، إذ كان الأمر على ما وصفت، أن يوسف لم يقطع الشهادة على ما أخبر الفتيين اللذين استعبراه أنه كائن ، فيقول لأحدهما: أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ ، ثم يؤكد ذلك بقوله: قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ، عند قولهما: ( لم تر شيئا ) ، إلا وهو على يقين أن ما أخبرهما بحدوثه وكونه، أنه كائن لا محالة لا شك فيه. وليقينه بكون ذلك، قال للناجي منهما: ( اذكرني عند ربك ) . فبيِّنٌ إذًا بذلك فسادُ القول الذي قاله قتادة في معنى قوله: ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما ) .

وقوله: ( فأنساه الشيطان ذكر ربه ) وهذا خبرٌ من الله جل ثناؤه عن غفلة عَرَضت ليوسف من قبل الشيطان، نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بما هو فيه خلاصه ، ولكنه زلَّ بها فأطال من أجلها في السجن حبسَه، وأوجع لها عقوبته، كما:-

حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، عن بسطام بن مسلم ، عن مالك بن دينار قال: لما قال يوسف للساقي: ( اذكرني عند ربك ) ، قال: قيل: يا يوسف، اتخذت من دوني وكيلا؟ لأطيلن حبسك! فبكى يوسف وقال: يا ربّ، أنسى قلبي كثرة البلوى ، فقلت كلمة ، فويل لإخوتي.

حدثنا الحسن قال ،أخبرنا عبد الرزاق قال ،أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أنه يعني يوسف قال الكلمة التي قال، ما لبث في السجن طول ما لبث.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية قال ، حدثنا يونس ، عن الحسن قال: قال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: « رحم الله يوسف لولا كلمته ما لبث في السجن طولَ ما لبث يعني قوله: ( اذكرني عند ربك ) ، قال: ثم يبكي الحسن فيقول: نحن إذا نـزل بنا أمرٌ فزعنا إلى الناس . »

حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن في قوله: ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ) ، قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا كلمة يوسُف، ما لبث في السجن طولَ ما لبث .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو لم يقل يوسف يعني الكلمة التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث يعني حيث يبتغي الفرج من عند غير الله.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لم يستعن يوسف على ربّه، ما لبث في السجن طول ما لبث. .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لولا أنّ يوسف استشفع على ربه، ما لبث في السجن طول ما لبث ، ولكن إنما عوقب باستشفاعه على ربّه .

حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال: قال له: ( اذكرني عند ربك ) ، قال: فلم يذكره حتى رأى الملك الرؤيا، وذلك أن يوسف أنساه الشيطان ذكرَ ربه ، وأمره بذكر الملك وابتغاء الفرج من عنده، فلبث في السجن بضع سنين ) بقوله: ( اذكرني عند ربك ) .

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه غير أنه قال: فلبث في السجن بضع سنين، عقوبةً لقوله: ( اذكرني عند ربك ) .

... قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو، سواء .

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثل حديث المثنى ، عن أبي حذيفة .

وكان محمد بن إسحاق يقول: إنما أنسى الشيطانُ الساقي ذكر أمر يوسف لملكهم .

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: لما خرج يعني الذي ظنّ أنه ناج منهما رُدّ على ما كان عليه ، ورضي عنه صاحبه ، فأنساه الشيطان ذكر ذلك للملك الذي أمره يوسف أن يذكره ، فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين . يقول جل ثناؤه: فلبث يوسف في السجن، لقيله للناجي من صاحبي السجن من القيل: « اذكرني عند سيدك » ، بضع سنين ، عقوبةً له من الله بذلك.

واختلف أهل التأويل في قدر « البضع » الذي لبث يوسف في السجن.

فقال بعضهم: هو سبع سنين .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا محمد أبو عثمة قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال: لبث يوسف في السجن سبعَ سنين.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( فلبث في السجن بضع سنين ) ، قال: سبع سنين.

حدثنا الحسن قال ،أخبرنا عبد الرزاق قال ،أخبرنا عمران أبو الهذيل الصنعاني قال: سمعت وهبًا يقول: أصاب أيُّوب البلاء سبع سنين، وترك في السجن يوسف سبع سنين ، وعذب بختنصر، فحُوِّل في السباع سبع سنين.

حدثني المثنى قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال: زعموا أنها يعني « البضع » سبع سنين ، كما لبث يوسف.

وقال آخرون: « البضع » ، ما بين الثلاث إلى التسع .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا سليمان قال ، حدثنا أبو هلال قال: سمعت قتادة يقول: « البضع » ، ما بين الثلاث إلى التسع.

حدثنا وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن مجاهد: ( بضع سنين ) ، قال: ما بين الثلاث إلى التسع.

وقال آخرون: بل هو ما دون العشر .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ،قال ابن جريج ، قال ابن عباس: ( بضع سنين ) ، دون العشرة.

وزعم الفراء أن « البضع » لا يذكر إلا مع « عشر » ، ومع « العشرين » إلى التسعين ، وهو « نَيِّفٌ » ما بين الثلاثة إلى التسعة . وقال: كذلك رأيت العرب تفعل. ولا يقولون: « بضع ومئة » ولا « بضع وألف » ، وإذا كانت للذكران قيل: « بضع » .

قال أبو جعفر :-

والصواب في « البضع » من الثلاث إلى التسع، إلى العشر ، ولا يكون دون الثلاث. وكذلك ما زاد على العقد إلى المئة ، وما زاد على المئة فلا يكون فيه « بضع » .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ( 43 )

قال أبو جعفر : يعني جل ذكره بقوله: وقال ملك مصر: إني أرى في المنام سبع بقرات سمانٍ يأكلهن سبعٌ من البقر عجاف . وقال: « إني أرى » ، ولم يذكر أنه رأى في منامه ولا في غيره ، لتعارف العرب بينها في كلامها إذا قال القائل منهم: « أرى أني أفعل كذا وكذا » ، أنه خبر عن رؤيته ذلك في منامه، وإن لم يذكر النوم . وأخرج الخبر جلّ ثناؤه على ما قد جرى به استعمال العرب ذلك بينهم .

( وسبع سنبلات خضر ) ، يقول: وأرى سبع سُنْبلات خضر في منامي ( وأخر ) يقول: وسبعًا أخر من السنبل ( يابسات يا أيها الملأ ) ، يقول: يا أيها الأشراف من رجالي وأصحابي ( أفتوني في رؤياي ) ، فاعبروها، ( إن كنتم للرؤيا ) عَبَرَةً .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي قال ،إن الله أرى الملك في منامه رؤيا هالته ، فرأى سبع بقرات سمانٍ يأكلهن سبع عجاف ، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فجمع السحرة والكهنة والحُزَاة والقافة ، فقصَّها عليهم ، فقالوا : أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ .

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: ثم إن الملك الريان بن الوليد رأى رؤياه التي رأى فهالته ، وعرف أنها رؤيا واقعة ، ولم يدر ما تأويلها، فقال للملأ حوله من أهل مملكته: ( إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ) إلى قوله: بِعَالِمِينَ .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ ( 44 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: قال الملأ الذين سألهم ملك مصر عن تعبير رؤياه: رؤياك هذه « أضغاث أحلام » ، يعنون أنها أخلاطٌ، رؤيا كاذبةٌ لا حقيقة لها .

وهي جمع « ضغث » ، و « الضغث » أصله الحزمة من الحشيش ، يشبه بها الأحلام المختلطة التي لا تأويل لها و « الأحلام » ، جمع حلم ، وهو ما لم يصدق من الرؤيا ، ومن « الأضْغَاث » قول ابن مقبل:

خَـوْدٌ كَـأَنَّ فِرَاشَـهَا وُضِعَـتْ بِـهِ أضْغَــاثُ رَيْحَــانٍ غَـدَاةَ شَـمَالٍ

ومنه قول الآخر:

يَحْــمِي ذِمَـارَ جَـنِينٍ قَـلَّ مَانِعُـهُ طَـاوٍ كَـضِغْثِ الخَلا فِي البَطْنِ مُكْتَمِن

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله: ( أضغاث أحلام ) يقول: مشتبهة.

حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ( أضغاث أحلام ) ، كاذبة.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال ،لما قصّ الملك رؤياه التي رأى على أصحابه ، قالوا: ( أضغاث أحلام ) ، أي فعل الأحلام.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( أضغاث أحلام ) ، قال: أخلاط أحلام ( وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ) .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي مرزوق ، عن جويبر ، عن الضحاك قال ، « أضغاث أحلام » ، كاذبة.

... قال، حدثني المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك: « قالوا أضغاث » قال : كذب.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال ،سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( أضغاث أحلام ) ، هي الأحلام الكاذبة.

وقوله: ( وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ) ، يقول: وما نحن بما تئول إليه الأحلام الكاذبة بعالمين .

والباء الأولى التي في « التأويل » من صلة « العالمين » ، والتي في « العالمين » « الباء » التي تدخل في الخبر مع « ما » التي بمعنى الجحد ورفع « أضغاث أحلام » ، لأن معنى الكلام: ليس هذه الرؤيا بشيء، إنما هي أضغاث أحلام .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ( 45 ) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ( 46 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وقال الذي نجا من القتل من صاحبي السجن اللذين استعبرا يوسف الرؤيا ( وادّكر ) ، يقول: وتذكر ما كان نسي من أمر يوسف ، وذِكْرَ حاجته للملك التي كان سأله عند تعبيره رؤياه أن يذكرها له بقوله: اذكرني عند ربك ( بعد أمة ) ، يعني بعد حين، كالذي:-

حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس: ( وادّكر بعد أمة ) ، قال: بعد حين .

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى قال ،أخبرنا عبد الرزاق قال ،أخبرنا الثوري ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبو بكر بن عياش: ( وادّكر بعد أمة ) ، بعد حين.

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عمرو بن محمد قال ،أخبرنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين قال: ( وادّكر بعد أمة ) ، قال: بعد حين.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس مثله .

....قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله: ( وادّكر بعد أمة ) ، يقول: بعد حين.

حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس: ( وادّكر بعد أمة ) ، قال: ذكر بعد حين.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن: ( وادكر بعد أمة ) بعد حين.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن ، مثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عفان قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، مثله .

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( وادّكر بعد أمة ) ، بعد حين.

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال ،قال ابن كثير: ( بعد أمة ) : بعد حين قال ابن جريج : وقال ابن عباس: ( بعد أمة ) ، بعد سنين.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي: ( وادّكر بعد أمة ) ، قال: بعد حين.

حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك ، عن سماك ، عن عكرمة: ( وادّكر بعد أمة ) ، أي: بعد حقبة من الدهر.

قال أبو جعفر : وهذا التأويل على قراءة من قرأ: ( بَعْدَ أُمَّةٍ ) بضم الألف وتشديد الميم ، وهي قراءة القرأة في أمصار الإسلام .

وقد روي عن جماعة من المتقدمين أنهم قرءوا ذلك: « بَعْدَ أَمَةٍ » بفتح الألف، وتخفيف الميم وفتحها بمعنى: بعد نسيان .

وذكر بعضهم أن العرب تقول من ذلك: « أمِهَ الرجل يأمَهُ أمَهًا » ، إذا نسي .

وكذلك تأوّله من قرأ ذلك كذلك .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عفان قال ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ: « بَعْدَ أمَهٍ » ويفسّرها، بعد نسيان.

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا بهز بن أسد، عن همام ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قرأ: « بَعْدَ أَمَهٍ » يقول: بعد نسيان.

حدثني أبو غسان مالك بن الخليل اليحمدي قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن أبي هارون الغنوي ، عن عكرمة أنه قرأ: « بَعْدَ أَمَهٍ » ، و « الأمه » : النسيان.

حدثني يعقوب، وابن وكيع ، قالا حدثنا ابن علية، قال، حدثنا أبو هارون الغنوي، عن عكرمة، مثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عبد الوهاب قال، قال هارون، وحدثني أبو هارون الغنوي، عن عكرمة: « بَعْدَ أَمَهٍ » ، بعد نسيان.

... قال، حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عكرمة: « وَادَّكَرَ بَعْدَ أًمَّهٍ » : بعد نسيان.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن ابن عباس: أي بعد نسيان.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: « وادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ » قال: من بعد نسيانه.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو النعمان عارم قال ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عبد الكريم أبي أمية المعلم ، عن مجاهد: أنه قرأ: « وادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ » .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي مرزوق ، عن جويبر ، عن الضحاك: ( وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمَةٍ ) قال: بعد نسيان.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: « وادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ » يقول: بعد نسيان.

وقد ذكر فيها قراءة ثالثة ، وهي ما:-

حدثني به المثنى قال ،أخبرنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن حميد قال ،قرأ مجاهد: « وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمْهٍ » ، مجزومة الميم مخففة.

وكأنّ قارئ ذلك كذلك أراد به المصدرَ من قولهم: « أمه يأمَهُ أمْهًا » ، وتأويل هذه القراءة ، نظير تأويل من فتح الألف والميم .

وقوله: ( أنا أنبئكم بتأويله ) يقول: أنا أخبركم بتأويله ( فأرسلون ) يقول: فأطلقوني، أمضي لآتيكم بتأويله من عند العالم به .

وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره استغناء بما ظهر عما ترك، وذلك: « فأرسلوه، فأتى يوسف ، فقال له » : يا يوسف، يا أيها الصديق، كما:-

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: قال الملك للملأ حوله: إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ، الآية ، وقالوا له ما قال ، وسمع نبو من ذلك ما سمع ومسألته عن تأويلها، ذكر يوسف وما كان عبَرَ له ولصاحبه، وما جاء من ذلك على ما قال من قوله، قال: ( أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون ) يقول الله : ( وادّكر بعد أمة ) ، أي حقبة من الدهر ، فأتاه فقال: يا يوسف، إن الملك قد رأى كذا وكذا ، فقصّ عليه الرؤيا ، فقال فيها يوسف ما ذكر الله لنا في الكتاب، فجاءهم مثلَ فلق الصبح تأويلُها ، فخرج نبوا من عند يوسف بما أفتاهم به من تأويل رؤيا الملك ، وأخبره بما قال.

وقيل: إن الذي نجا منهما إنما قال: « أرسلوني » ، لأن السجن لم يكن في المدينة .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي: ( وقال الذي نجا منهما وادّكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون ) قال ابن عباس: لم يكن السجن في المدينة ، فانطلق الساقي إلى يوسف ، فقال: ( أفتنا في سبع بقرات سمان ) الآيات.

قوله: ( أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ) ، فإن معناه: أفتنا في سبع بقرات سمان رُئين في المنام، يأكلهن سبعٌ منها عجاف وفي سبع سنبلات خضر رئين أيضًا ، وسبع أخر منهن يابسات . فأما « السمان من البقر » ، فإنها السنون المخصبة، كما:-

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ) ، قال: أما السمان فسنون منها مخصبة ، وأما السبع العجاف، فسنون مجدبة لا تنبت شيئًا.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( أفتنا في سبع بقرات سمان ) ، فالسمان المخاصيب ، والبقرات العجاف: هي السنون المحُول الجُدُوب.

قوله: ( وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ) ، أما ( الخضر ) فهن السنون المخاصيب وأما ( اليابسات ) فهن الجدوب المحول.

و « العِجاف » جمع « عَجِف » وهي المهازيل.

وقوله: ( لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون ) ، يقول: كي أرجع إلى الناس فأخبرهم ( لعلهم يعلمون ) يقول: ليعلموا تأويل ما سألتك عنه من الرؤيا .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ ( 47 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف لسائله عن رؤيا الملك: ( تزرعون سبع سنين دأبًا ) يقول: تزرعون هذه السبع السنين ، كما كنتم تزرعون سائر السنين قبلها على عادتكم فيما مضى .

و « الدأب » ، العادة، ومن ذلك قول امرئ القيس:

كَــدَأْبِكَ مِــنْ أُمِّ الحُـوَيْرِثِ قَبْلَهَـا وَجَارَتِهـــا أُمِّ الرَّبَــابِ بِمأْسَــلِ

يعني كعادتك منها .

وقوله: ( فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ) ، وهذا مشورة أشار بها نبي الله صلى الله عليه وسلم على القوم ، ورأيٌ رآه لهم صلاحًا، يأمرهم باستبقاء طعامهم، كما:-

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال: قال لهم نبيّ الله يوسف : ( تزرعون سبع سنين دأبًا ) الآية ، فإنما أراد نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم البقاء.

 

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ ( 48 )

قال أبو جعفر : يقول: ثم يجيء من بعد السنين السبع التي تزرعون فيها دأبًا ، سنون سبع شداد، يقول: جدوب قحطة ( يأكلن ما قدمتم لهن ) ، يقول: يؤكل فيهنّ ما قدمتم في إعداد ما أعددتم لهن في السنين السبعة الخصبة من الطعام والأقوات .

وقال جل ثناؤه: ( يأكلن ) ، فوصف السنين بأنهن ( يأكلهن ) ، وإنما المعنى: أن أهل تلك الناحية يأكلون فيهن ، كما قيل:

نَهَـارُكَ يَـا مَغْـرُورُ سَـهْوٌ وَغَفْلَـةٌ وَلَيْلُــكَ نَــوْمٌ والـرَّدَى لَـكَ لازِمُ

فوصف النهار بالسهو والغفلة، والليل بالنوم ، وإنما يسهى في هذا ويغفل فيه، وينام في هذا ، لمعرفة المخاطبين بمعناه والمراد منه.

( إلا قليلا مما تحصنون ) ، يقول: إلا يسيرًا مما تحرزونه .

والإحصان: التصيير في الحصن، وإنما المراد منه الإحراز .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله: ( يأكلن ما قدمتم لهن ) ، يقول: يأكلن ما كنتم اتخذتم فيهن من القوت ( إلا قليلا مما تحصنون ) .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد ) ، وهنّ الجدوب المحُول ( يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ) .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد ) ، وهن الجدوب ، ( يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ) ، مما تدَّخرون.

حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله: ( إلا قليلا مما تحصنون ) ، يقول: تخزنون.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ،قال ابن عباس: ( تحصنون ) ، تحرزون.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط ، عن السدي: ( يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ) ، قال: مما تَرْفَعون.

قال أبو جعفر : وهذه الأقوال في قوله: ( تحصنون ) ، وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيه ، فإن معانيها متقاربة ، وأصل الكلمة وتأويلها على ما بيَّنت .

 

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ( 49 )

قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من يوسف عليه السلام للقوم عما لم يكن في رؤيا ملكهم ، ولكنه من علم الغيب الذي آتاه الله دلالةً على نبوته وحجة على صدقة، كما:-

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال: ثم زاده الله علم سنة لم يسألوه عنها ، فقال: ( ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) .

ويعني بقوله: ( فيه يغاث الناس ) ، بالمطر والغيث .

وبنحو ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس ) ، قال: فيه يغاثون بالمطر.

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن جويبر ، عن الضحاك: ( فيه يغاث الناس ) ، قال: بالمطر.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ،قال ابن عباس: ( ثم يأتي من بعد ذلك عام ) ، قال: أخبرهم بشيء لم يسألوه عنه ، وكان الله قد علمه إياه، ( عام فيه يغاث الناس ) ، بالمطر.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( فيه يغاث الناس ) ، بالمطر.

وأما قوله: ( وفيه يعصرون ) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.

فقال بعضهم: معناه: وفيه يعصرون العنب والسمسم وما أشبه ذلك .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس: ( وفيه يعصرون ) ، قال: الأعناب والدُّهْن.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ،قال ابن عباس: ( وفيه يعصرون ) ، السمسم دهنًا ، والعنب خمرًا ، والزيتون زيتًا.

حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ( عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) ، يقول: يصيبهم غيث ، فيعصرون فيه العنب ، ويعصرون فيه الزيت ، ويعصرون من كل الثمرات.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( وفيه يعصرون ) ، قال: يعصرون أعنابهم.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي: ( وفيه يعصرون ) ، قال: العنب.

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن جويبر ، عن الضحاك: ( وفيه يعصرون ) ، قال: الزيت.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة: « وفيه يعصرون » قال: كانوا يعصرون الأعناب والثمرات.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( وفيه يعصرون ) ، قال: يعصرون الأعناب والزيتون والثمار من الخصب. هذا علم آتاه الله يوسف لم يُسْأل عنه.

وقال آخرون: معنى قوله: ( وفيه يعصرون ) ، وفيه يَحْلِبون.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني فضالة ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس: ( وفيه يعصرون ) ، قال: فيه يحلبون.

حدثني المثنى قال ،أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال ، حدثنا الفرج بن فضالة ، عن علي بن أبي طلحة قال: كان ابن عباس يقرأ: « وَفِيهِ تَعْصرُونَ » بالتاء ، يعني: تحتلبون.

واختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأه بعض قرأة أهل المدينة والبصرة والكوفة: ( وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ) ، بالياء ، بمعنى ما وصفت، من قول من قال: عصر الأعناب والأدهان .

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: « وَفِيهِ تَعْصِرُونَ » ، بالتاء .

وقرأ بعضهم: « وَفِيهِ يُعْصَرُونَ » ، بمعنى: يمطرون.

وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، لخلافها ما عليه قرأة الأمصار .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك أن لقارئه الخيارَ في قراءته بأي القراءتين الأخريين شاء ، إن شاء بالياء، ردًّا على الخبر به عن « الناس » ، على معنى: فيه يُغاث الناس وفيه يَعْصرون أعنابهم وأدهانهم وإن شاء بالتاء، ردًّا على قوله: ( إلا قليلا مما تحصنون ) ، وخطابًا به لمن خاطبه بقوله: يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ لأنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار باتفاق المعنى ، وإن اختلفت الألفاظ بهما . وذلك أن المخاطبين بذلك كان لا شك أنهم إذا أغيثوا وعَصَروا، أغيث الناس الذين كانوا بناحيتهم وعصروا. وكذلك كانوا إذا أغيث الناس بناحيتهم وعصروا ، أغيث المخاطبون وعَصَروا ، فهما متفقتا المعنى ، وإن اختلفت الألفاظ بقراءة ذلك .

وكان بعض من لا علم له بأقوال السلف من أهل التأويل، ممن يفسر القرآن برأيه على مَذهب كلام العرب، يوجه معنى قوله: ( وفيه يعصرون ) إلى: وفيه ينجون من الجدب والقحط بالغيث ، ويزعم أنه من « العَصَر » و « العُصْرَة » التي بمعنى المنجاة ، من قول أبي زبيد الطائي:

صَادِيًــا يَسْــتَغِيثُ غَــيْرَ مُغَـاثٍ وَلَقَــدْ كَــانَ عُصْــرَةَ المَنْجُـودِ

أي المقهور. ومن قول لبيد:

فَبَـاتَ وَأَسْـرَى الْقَـوْمُ آخِـرَ لَيْلِهِـمْ وَمَــا كَـانَ وقافًـا بِغَـيْرِ مُعَصَّـرِ

وذلك تأويل يكفي من الشهادة على خطئه خلافه قول جميع أهل العلم من الصحابة والتابعين .

وأما القول الذي رَوَى الفرج بن فضالة، عن علي بن أبي طلحة ، فقولٌ لا معنى له ، لأنه خلاف المعروف من كلام العرب، وخلاف ما يعرف من قول ابن عباس.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ( 50 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: فلما رجع الرسول الذي أرسلوه إلى يوسف ، الذي قال: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ فأخبرهم بتأويل رؤيا الملك عن يوسف علم الملك حقيقة ما أفتاه به من تأويل رؤياه وصحة ذلك ، وقال الملك: ائتوني بالذي عبَر رؤياي هذه . كالذي:-

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: فخرج نبو من عند يوسف بما أفتاهم به من تأويل رؤيا الملك حتى أتى الملك ، فأخبره بما قال ، فلما أخبره بما في نفسه كمثل النهار، وعرف أن الذي قال كائن كما قال، قال: « ائتوني به » .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: لما أتى الملك رسوله قال: « ائتوني به » .

وقوله: ( فلما جاءه الرسول ) ، يقول: فلما جاءه رسول الملك يدعوه إلى الملك ( قال ارجع إلى ربك ) ، يقول: قال يوسف للرسول: ارجع إلى سيدك ( فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) ؟ وأبى أن يخرج مع الرسول وإجابةَ الملك، حتى يعرف صحّة أمره عندهم مما كانوا قرفوه به من شأن النساء ، فقال للرسول: سل الملك ما شأن النسوة اللاتي قطعن أيديهن ، والمرأة التي سجنت بسببها ؟ كما:-

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) ، والمرأة التي سجنت بسبب أمرها، عما كان من ذلك.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: لما أتى الملك رسوله فأخبره، قال: ( ائتوني به ) ، فلما أتاه الرسول ودعاه إلى الملك، أبى يوسف الخروجَ معه ( قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) الآية . قال السدي ، قال ابن عباس: لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلمَ الملك بشأنه ، ما زالت في نفس العزيز منه حاجَةٌ ! يقول: هذا الذي راود امرأته.

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن رجل ، عن أبي الزناد ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله يوسف إن كان ذا أناة ! لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إليَّ لخرجت سريعًا ، إن كان لحليمًا ذا أناة!

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن بشر قال ، حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو لبثت في السجن ما لبث يوسف، ثم جاءني الداعي لأجبته ، إذ جاءه الرسول فقال: ( ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) الآية .

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال ،أخبرني سليمان بن بلال ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله .

حدثنا زكريا بن أبان المصريّ قال ، حدثنا سعيد بن تليد قال ، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال ، حدثني بكر بن مضر ، عن عمرو بن الحارث ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي .

حدثني يونس قال ،أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وسعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عفان بن مسلم قال ، حدثنا حماد ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقرأ هذه الآية: ( ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت أنا، لأسرعت الإجابة وما ابتغيت العُذر .

حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ومحمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قرأ: ( ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) ، الآية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو بعث إليَّ لأسرعت في الإجابة، وما ابتغيت العذر.

حدثنا الحسن بن يحيى قال ،أخبرنا عبد الرزاق قال ،أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه ، والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم بشيء حتى أشترط أن يخرجُوني.

ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له حين أتاه الرسول ، ولو كنت مكانه لبادرتهم البابَ ، ولكنه أراد أن يكون له العذر.

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة ) ، أراد نبيُّ الله عليه السلام أن لا يخرج حتى يكون له العذر.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله: ( ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) ، قال: أراد يوسف العذر قبل أن يخرج من السجن.

وقوله: ( إن ربي بكيدهن عليم ) ، يقول: إن الله تعالى ذكره ذو علم بصنيعهن وأفعالهن التي فعلن، بي ويفعلن بغيري من الناس ، لا يخفى عليه ذلك كله ، وهو من ورَاء جزائهن على ذلك .

وقيل: إن معنى ذلك: إن سيدي إطفير العزيز، زوج المرأة التي راودتني عن نفسي، ذو علم ببراءتي مما قرفتني به من السوء.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ( 51 )

قال أبو جعفر : وفي هذا الكلام متروك، قد استغني بدلالة ما ذكر عليه عنه ، وهو: « فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته ، فدعا الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز » فقال لهن: ( ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ) ، كالذي:-

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: فلما جاء الرسول الملك من عند يوسف بما أرسله إليه، جمع النسوة وقال: ( ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ) ؟

ويعني بقوله: ( ما خطبكن ) ، ما كان أمركن ، وما كان شأنكن ( إذ راودتن يوسف عن نفسه ) فأجبنه فقلن: ( حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق ) ، تقول: الآن تبين الحق وانكشف فظهر ، ( أنا راودته عن نفسه ) وإن يوسف لمن الصادقين في قوله: هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي .

وبمثل ما قلنا في معنى: ( الآن حصحص الحق ) ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال، حدثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس: ( الآن حصحص الحق ) ، قال: تبيّن.

حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله: ( الآن حصحص الحق ) ، تبيّن.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( الآن حصحص الحق ) ، الآن تبين الحق.

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى قال ،أخبرنا عبد الرزاق قال ،أخبرنا معمر ، عن قتادة: ( الآن حصحص الحق ) ، قال: تبيّن.

حدثنا الحسن بن محمد قال ،حدثنا عمرو بن محمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: ( الآن حصحص الحق ) قال: تبين.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي ، مثله .

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال ،أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، مثله .

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: قالت راعيل امرأة إطفير العزيز: ( الآن حصحص الحق ) ، أي: الآن برز الحق وتبيَّن ( أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ) ، فيما كان قال يوسف مما ادّعَت عليه.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: قال الملك: ائتوني بهن! فقال: ( ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء ) ، ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنها راودته عن نفسه ، ودخل معها البيت وحلّ سراويله، ثم شدَّه بعد ذلك، ، فلا تدري ما بدا له .

فقالت امرأة العزيز: ( الآن حصحص الحق ) .

حدثني يونس قال ،أخبرنا ابن وهب قال ،قال ابن زيد ، في قوله: ( الآن حصحص الحق ) ، تبين.

وأصل حَصحص: « حصَّ » ، ولكن قيل: « حصحص » ، كما قيل: فَكُبْكِبُوا ، [ سورة الشعراء : 94 ] ، في « كبوا » ، وقيل: « كفكف » في « كف » ، و « ذرذر » في « ذرّ » . وأصل « الحص » : استئصال الشيء ، يقال منه: « حَصَّ شعره » ، إذا استأصله جزًّا . وإنما أريد في هذا الموضع بقوله: ( حصحص الحق ) ، ذهب الباطل والكذب فانقطع ، وتبين الحق فظهر .

 

القول في تأويل قوله تعالى : ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ( 52 )

قال أبو جعفر: يعني بقوله: ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، هذا الفعل الذي فعلتُه، من ردّي رسول الملك إليه ، وتركي إجابته والخروج إليه ، ومسألتي إيّاه أن يسأل النسوة اللاتي قطَّعن أيديهن عن شأنهن إذ قطعن أيديهن ، إنما فعلته ليعلم أني لم أخنه في زوجته « بالغيب » ، يقول: لم أركب منها فاحشةً في حال غيبته عني . وإذا لم يركب ذلك بمغيبه ، فهو في حال مشهده إياه أحرى أن يكون بعيدًا من ركوبه ، كما:-

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ،يقول يوسف: ( ذلك ليعلم ) ، إطفير سيده ( أني لم أخنه بالغيب ) ، أني لم أكن لأخالفه إلى أهله من حيث لا يعلمه.

حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، يوسف يقوله.

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) يوسف يقوله: لم أخن سيِّدي.

....قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، قال يوسف يقوله.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، قال: هذا قول يوسف.

حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، في قوله: ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، قال هو يوسف، لم يخن العزيز في امرأته.

حدِثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : « ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب » ، هو يوسف يقول: لم أخن الملك بالغيب.

وقوله: ( وأنَّ الله لا يهدي كيد الخائنين ) ، يقول: فعلت ذلك ليعلم سيدي أني لم أخنه بالغيب ( وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ) ، يقول: وأن الله لا يسدّد صنيع من خان الأمانات ، ولا يرشد فعالهم في خيانتهموها .

واتصل قوله: ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، بقول امرأة العزيز: أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ، لمعرفة السامعين لمعناه ، كاتصال قول الله: وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ، بقول المرأة: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ، [ سورة النمل : 34 ] وذلك أن قوله: وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ، خبر مبتدأ ، وكذلك قول فرعون لأصحابه في « سورة الأعراف » ، فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ، وهو متصل بقول الملأ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ [ سورة الأعراف : 110 ] .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 53 )

قال أبو جعفر : يقول يوسف صلوات الله عليه: وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل فأزكيها ( إن النفس لأمارة بالسوء ) ، يقول: إن النفوسَ نفوسَ العباد، تأمرهم بما تهواه، وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله ( إلا ما رحم ربي ) يقول: إلا أن يرحم ربي من شاء من خلقه ، فينجيه من اتباع هواها وطاعتها فيما تأمرُه به من السوء ( إن ربي غفور رحيم ) .

و « ما » في قوله: ( إلا ما رحم ربي ) ، في موضع نصب ، وذلك أنه استثناء منقطع عما قبله ، كقوله: وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلا رَحْمَةً مِنَّا [ سورة يس : 43 ، 44 ] بمعنى: إلا أن يرحموا . و « أن » ، إذا كانت في معنى المصدر، تضارع « ما » .

ويعني بقوله: ( إن ربي غفور رحيم ) ، أن الله ذو صفح عن ذنوب من تاب من ذنوبه ، بتركه عقوبته عليها وفضيحته بها « رحيم » ، به بعد توبته، أن يعذبه عليها .

وذُكر أن يوسف قال هذا القول، من أجل أن يوسف لما قال: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ، قال ملك من الملائكة: ولا يومَ هممت بها! فقال يوسفُ حينئذ: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

وقد قيل: إن القائل ليوسف: « ولا يومَ هممت بها، فحللت سراويلك » ! هو امرأة العزيز ، فأجابها يوسف بهذا الجواب .

وقيل: إن يوسف قال ذلك ابتداءً من قبل نفسه .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: لما جمع الملك النسوة فسألهن: هل راودتن يوسف عن نفسه؟ قلن حَاشَ لله، ما علمنا عليه من سوء! قالت امرأة العزيز: الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ الآية . قال يوسف: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ، قال فقال له جبريل: ولا يوم هممت بما هممت! فقال: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: لما جمع الملك النسوة ، قال لهن: أنتن راودتن يوسف عن نفسه؟ ثم ذكر سائر الحديث ، مثل حديث أبي كريب ، عن وكيع.

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عمرو قال ،أخبرنا إسرائيل عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: لما جمع فرعون النسوة، قال: أنتن راودتن يوسف عن نفسه؟ ثم ذكر نحوه غير أنه قال: فغمزه جبريل ، فقال: ولا حين هممت بها! فقال يوسف: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير قال: لما قال يوسف: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ . قال جبريل ، أو مَلَك: ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا وكيع قال ، حدثنا مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير، بنحوه إلا أنه قال: قال له المَلَك: ولا حين هممت بها؟ ولم يقل: « أو جبريل » ، ثم ذكر سائر الحديث مثله.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن بشر، وأحمد بن بشير ، عن مسعر ، عن أبى حصين ، عن سعيد بن جبير: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ، قال فقال له الملك أو: جبريل: ولا حين هممت بها؟ فقال يوسف: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل قال: لما قال يوسف: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ، قال له جبريل: ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، بمثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عمرو قال ،أخبرنا مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، مثل حديث ابن وكيع ، عن محمد بن بشر وأحمد بن بشير سواءً .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا العلاء بن عبد الجبار ، وزيد بن حباب ، عن حماد بن سلمة، عن ثابت ، عن الحسن: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ، قال له جبريل: اذكر همَّك ! فقال: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

حدثنا الحسن قال ، حدثنا عفان قال ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن الحسن: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ قال جبريل: يا يوسف اذكر همك ! قال: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، في قوله: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ، قال: هذا قول يوسف قال: فقال له جبريل: ولا حين حللت سراويلك؟ قال فقال يوسف: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) ، الآية.

حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ،أخبرنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، بنحوه .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ذُكر لنا أن الملك الذي كان مع يوسف ، قال له: اذكر ما هممت به. قال نبي الله: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال: بلغني أن الملك قال له حين قال ما قال: أتذكر همك؟ فقال: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) .

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ، قال الملك ، وطَعَن في جنبه: يا يوسف ، ولا حين هممت؟ قال: فقال: ( وما أبرئ نفسي ) .

*ذكر من قال: قائل ذلك له المرأة.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ، قال: قاله يوسف حين جيء به، ليعلم العزيز أنه لم يخنه بالغيب في أهله، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين. فقالت امرأة العزيز: يا يوسف، ولا يوم حللت سراويلك؟ فقال يوسف: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

* ذكر من قال: قائل ذلك يوسف لنفسه ، من غير تذكير مذكّر ذكره ولكنه تذكّر ما كان سلف منه في ذلك .

حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ، هو قول يوسف لمليكه، حين أراه الله عذره ، فذكر أنه قد همَّ بها وهمت به ، فقال يوسف: ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) ، الآية.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ( 54 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: « وقال الملك » ، يعني ملك مصر الأكبر ، وهو فيما ذكر ابن إسحاق: الوليد بن الرّيان .

حدثنا بذلك ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عنه.

حين تبين عذر يوسف ، وعرف أمانته وعلمه، قال لأصحابه: ( ائتوني به أستخلصه لنفسي ) ، يقول: أجعله من خُلصائي دون غيري.

وقوله: ( فلما كلمه ) ، يقول: فلما كلم الملك يوسفَ ، وعرف براءته وعِظَم أمانته قال له: إنك يا يوسف، « لدينا مكين أمين » ، أي: متمكن مما أردت، وعرض لك من حاجة قبلنا ، لرفعة مكانك ومنـزلتك، لدينا أمين على ما أؤتمنت عليه من شيء .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: لما وجد الملك له عذرًا قال: ( ائتوني به أستخلصه لنفسي ) .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( أستخلصه لنفسي ) ، يقول: أتخذه لنفسي.

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل قال الملك: ( ائتوني به أستخلصه لنفسي ) قال: قال له الملك: إني أريد أن أخلصك لنفسي ، غير أني آنَفُ أن تأكُل معي.

فقال يوسف: أنا أحق أن آنفَ ، أنا ابن إسحاق أو: أنا ابن إسماعيل أبو جعفر شكَّ ، وفي كتابي: ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله.

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثني أبي ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل بنحوه غير أنه قال: أنا ابن إبراهيم خليل الله، ابن إسماعيل ذبيح الله.

حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: قال العزيز ليوسف: ما من شيء إلا وأنا أحبُّ أن تشركني فيه ، إلا أني أحب أن لا تشركني في أهلي ، وأن لا يأكل معي عَبْدي ! قال: أتأنف أن آكل معك؟ فأنا أحق أن آنف منك ، أنا ابن إبراهيم خليل الله ، وابن إسحاق الذبيح ، وابن يعقوب الذي ابيضت عيناه من الحزن.

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا سفيان بن عقبة ، عن حمزة الزيات ، عن ابن إسحاق ، عن أبي ميسرة قال: لما رأى العزيز لَبَقَ يوسف وكيسه وظَرْفه ، دعاه فكان يتغدى ويتعشى معه دون غلمانه. فلما كان بينه وبين المرأة ما كان ، قالت له: تُدْنِي هذا! مُرْهُ فليتغدَّ مع الغلمان. قال له: اذهب فتغدَّ مع الغلمان. فقال له يوسف في وجهه: ترغب أن تأكل معي أو تَنْكَف أنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله ، ابن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ( 55 )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه: قال يوسف للملك: اجعلني على خزائن أرضك.

وهي جمع « خِزَانة » .

و « الألف واللام » دخلتا في « الأرض » خلفًا من الإضافة ، كما قال الشاعر:

والأَحْلامُ غَيْرُ عَوَازِبِ

وهذا من يوسف صلوات الله عليه، مسألة منه للملك أن يولّيه أمر طعام بلده وخراجها ، والقيام بأسباب بلده ، ففعل ذلك الملك به، فيما بلغني، كما:-

حدثني يونس قال ،أخبرنا ابن وهب قال ،قال ابن زيد في قوله: ( اجعلني على خزائن الأرض ) ، قال: كان لفرعون خزائن كثيرة غير الطعام قال: فأسلم سلطانه كُلَّه إليه ، وجعل القضاء إليه ، أمرُه وقضاؤه نافذٌ.

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا إبراهيم بن المختار ، عن شيبة الضبي ، في قوله: ( اجعلني على خزائن الأرض ) ، قال: على حفظ الطعام .

وقوله: ( إني حفيظ عليم ) اختلف أهل التأويل في تأويله.

فقال بعضهم: معنى ذلك: إني حفيظ لما استودعتني، عليم بما وليتني .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( إني حفيظ عليم ) ، إني حافظ لما استودعتني ، عالم بما وليتني . قال: قد فعلت.

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله: ( إني حفيظ عليم ) ، يقول: حفيظ لما وليت ، عليم بأمره.

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا إبراهيم بن المختار ، عن شيبة الضبي في قوله: ( إني حفيظ عليم ) يقول: إني حفيظ لما استودعتني ، عليم بسني المجاعة.

وقال آخرون: إني حافظ للحساب ، عليم بالألسن .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن الأشجعي: ( إني حفيظ عليم ) ، حافظ للحساب ، عليم بالألسن.

قال أبو جعفر : وأولى القولين عندنا بالصواب ، قولُ من قال: معنى ذلك: « إني حافظ لما استودعتني ، عالم بما أوليتني » ، لأن ذلك عقيب قوله: ( اجعلني على خزائن الأرض ) ، ومسألته الملك استكفاءه خزائن الأرض ، فكان إعلامه بأن عنده خبرةً في ذلك وكفايته إياه ، أشبه من إعلامه حفظه الحساب، ومعرفته بالألسن .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ( 56 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وهكذا وطَّأنا ليوسف في الأرض يعني أرض مصر ( يتبوأ منها حيث يشاء ) ، يقول: يتخذ من أرض مصر منـزلا حيث يشاء، بعد الحبس والضيق ( نصيب برحمتنا من نشاء ) ، من خلقنا، كما أصبنا يوسف بها ، فمكنا له في الأرض بعد العبودة والإسار، وبعد الإلقاء في الجبّ ( ولا نضيع أجر المحسنين ) ، يقول: ولا نبطل جزاء عمل من أحسن فأطاع ربه، وعمل بما أمره، وانتهى عما نهاه عنه ، كما لم نبطل جزاء عمل يوسف إذ أحسن فأطاع الله .

وكان تمكين الله ليوسف في الأرض كما:-

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: لما قال يوسف للملك: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ قال الملك: قد فعلت ! فولاه فيما يذكرون عمل إطفير وعزل إطفير عما كان عليه ، يقول الله: ( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء ) ، الآية. قال: فذكر لي، والله أعلم أن إطفير هَلَك في تلك الليالي ، وأن الملك الرَّيان بن الوليد، زوَّج يوسف امرأة إطفير راعيل ، وأنها حين دخلت عليه قال: أليس هذا خيرًا مما كنت تريدين؟ قال: فيزعمون أنها قالت: أيُّها الصديق، لا تلمني ، فإني كنت امرأة كما ترى حسنًا وجمالا ناعمةً في ملك ودنيا ، وكان صاحبي لا يأتي النساء ، وكنتَ كما جعلك الله في حسنك وهيئتك ، فغلبتني نفسي على ما رأيت . فيزعمون أنه وجدَها عذراء ، فأصابها ، فولدت له رجلين: أفرائيم بن يوسف ، وميشا بن يوسف.

حدثني ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي ( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء ) قال: استعمله الملك على مصر ، وكان صاحب أمرها ، وكان يلي البيعَ والتجارة وأمرَها كله ، فذلك قوله: ( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء ) .

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال ،قال ابن زيد في قوله: ( يتبوأ منها حيث يشاء ) قال: ملكناه فيما يكون فيها حيث يشاء من تلك الدنيا ، يصنع فيها ما يشاء ، فُوِّضَتْ إليه . قال: ولو شاء أن يجعَل فرعون من تحت يديه ، ويجعله فوقه لفعل.

حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو قال ،أخبرنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن مجاهد قال: أسلم الملك الذي كان معه يوسف.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ( 57 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولثواب الله في الآخرة ( خير للذين آمنوا ) يقول: للذين صدقوا الله ورسوله، مما أعطى يوسف في الدنيا من تمكينه له في أرض مصر ( وكانوا يتقون ) ، يقول: وكانوا يتقون الله، فيخافون عقابه في خلاف أمره واستحلال محارمه ، فيطيعونه في أمره ونهيه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ( 58 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم ) ، يوسف، ( وهم ) ليوسف ( منكرون ) لا يعرفونه .

وكان سبب مجيئهم يوسفَ ، فيما ذكر لي , كما:-

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: لما اطمأن يوسف في ملكه , وخرج من البلاء الذي كان فيه , وخلت السنون المخصبة التي كان أمرهم بالإعداد فيها للسنين التي أخبرهم بها أنها كائنة , جُهد الناس في كل وجه , وضربوا إلى مصر يلتمسون بها الميرة من كل بلدة . وكان يوسف حين رأى ما أصاب الناس من الجهد , قد آسى بينهم , وكان لا يحمل للرجل إلا بعيرًا واحدًا , ولا يحمل للرجل الواحد بعيرين , تقسيطًا بين الناس , وتوسيعًا عليهم , فقدم إخوته فيمن قدم عليه من الناس , يلتمسون الميرة من مصر , فعرفهم وهم له منكرون , لما أراد الله أن يبلغ ليوسف عليه السلام فيما أراد.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي , قال: أصاب الناس الجوعُ , حتى أصاب بلادَ يعقوب التي هو بها , فبعث بنيه إلى مصر , وأمسك أخا يوسف بنيامين ; فلما دخلوا على يوسف عرفهم وهم له منكرون ; فلما نظر إليهم , قال: أخبروني ما أمركم , فإني أنكر شأنكم ! قالوا: نحن قوم من أرض الشأم . قال: فما جاء بكم قالوا: جئنا نمتار طعامًا . قال: كذبتم , أنتم عيون، كم أنتم؟ قالوا: عشرة . قال: أنتم عشرة آلاف , كل رجل منكم أمير ألف , فأخبروني خبركم. قالوا: إنّا إخوة بنو رجل صِدِّيق , وإنا كنا اثنى عشر , وكان أبونا يحبّ أخًا لنا , وإنه ذهب معنا البرية فهلك منا فيها , وكان أحبَّنا إلى أبينا . قال: فإلى من سكن أبوكم بعده؟ قالوا: إلى أخ لنا أصغر منه . قال: فكيف تخبروني أن أباكم صدِّيق، وهو يحب الصغير منكم دون الكبير؟ ائتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ * قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ، قال: فضعُوا بعضكم رهينة حتى ترجعوا. فوضعوا شمعون.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( وهم له منكرون ) قال: لا يعرفونه.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ( 59 )

قال أبو جعفر: يقول: ولما حمَّل يوسف لإخوته أبا عرهم من الطعام , فأوقر لكل رجل منهم بعيرَه , قال لهم: ( ائتوني بأخ لكم من أبيكم ) كيما أحمل لكم بعيرًا آخر، فتزدادوا به حمل بعير آخر، ( ألا ترون أني أوفي الكيل ) ، فلا أبخسه أحدًا ( وأنا خير المنـزلين ) , وأنا خير من أنـزل ضيفًا على نفسه من الناس بهذه البلدة , فأنا أضيفكم . كما:

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وأنا خير المنـزلين ) ، يوسف يقوله: أنا خيرُ من يُضيف بمصر.

حدثني ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: لما جهز يوسف فيمن جهَّز من الناس , حَمَل لكل رجل منهم بعيرًا بعدّتهم , ثم قال لهم: ( ائتوني بأخ لكم من أبيكم ) ، أجعل لكم بعيرًا آخر , أو كما قال ( ألا ترون أني أوفي الكيل ) ، أي: لا أبخس الناس شيئًا ( وأنا خير المنـزلين ) : ، أي خير لكم من غيري , فإنكم إن أتيتم به أكرمت منـزلتكم وأحسنت إليكم , وازددتم به بعيرًا مع عدّتكم , فإني لا أعطي كلّ رجل منكم إلا بعيرًا فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ ، لا تقربوا بلدي.

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( ائتوني بأخ لكم من أبيكم ) ، يعني بنيامين , وهو أخو يوسف لأبيه وأمه.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ ( 60 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل يوسف لإخوته: ( فإن لم تأتوني به ) ، بأخيكم من أبيكم ( فلا كيل لكم عندي ) ، يقول: فليس لكم عندي طعام أكيله لكم ( ولا تقربون ) ، يقول: ولا تقربوا بلادي .

وقوله: ( ولا تقربون ) ، في موضع جزم بالنهي , و « النون » في موضع نصب , وكسرت لما حذفت ياؤها , والكلام: ولا تقربُوني .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ( 61 ) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 62 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف ليوسف إذ قال لهم: ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ : قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ ، ونسأله أن يخليّه معنا حتى نجيء به إليك وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ يعنون بذلك: وإنا لفاعلون ما قلنا لك إنا نفعله من مراودة أبينا عن أخينا منه ولنجتهدنَّ كما:-

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ، لنجتهدنّ.

وقوله: ( وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم ) ، يقول تعالى ذكره: وقال يوسف « لفتيانه » , وهم غلمانه، كما:-

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وقال لفتيانه ) ، أي: لغلمانه.

( اجعلوا بضاعتهم في رحالهم ) ، يقول: اجعلوا أثمان الطعام التي أخذتموها منهم « في رحالهم » .

و « الرحال » ، جمع « رَحْل » , وذلك جمع الكثير , فأما القليل من الجمع منه فهو: « أرْحُل » , وذلك جمع ما بين الثلاثة إلى العشرة .

وبنحو الذي قلنا في معنى « البضاعة » ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد , قال، حدثنا سعيد , عن قتادة: ( اجعلوا بضاعتهم في رحالهم ) : أي: أوراقهم

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: ثم أمر ببضاعتهم التي أعطاهم بها ما أعطاهم من الطعام , فجعلت في رحالهم وهم لا يعلمون.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي قال: وقال لفتيته وهو يكيل لهم: « اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون » إليّ.

فإن قال قائل: ولأيّةِ علة أمر يوسف فتيانه أن يجعلوا بضاعة إخوته في رحالهم؟

قيل: يحتمل ذلك أوجهًا:

أحدها: أن يكون خَشي أن لا يكون عند أبيه دراهم , إذ كانت السَّنة سنة جَدْب وقَحْط , فيُضِرُّ أخذ ذلك منهم به، وأحبّ أن يرجع إليه .

أو: أرادَ أن يتسع بها أبوه وإخوته، مع [ قلّة ] حاجتهم إليه , فردَّه عليهم من حيث لا يعلمون سبب ردّه ، تكرمًا وتفضُّلا.

والثالث: وهو أن يكون أراد بذلك أن لا يخلفوه الوعد في الرجوع , إذا وجدوا في رحالهم ثمن طعام قد قبضوه وملَكهُ عليهم غيرهم، عوضًا من طعامه , ويتحرّجوا من إمساكهم ثمن طعام قد قبضوه حتى يؤدُّوه على صاحبه , فيكون ذلك أدعى لهم إلى العود إليه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ( 63 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم ( قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل ) ، يقول: منع منا الكيل فوق الكيل الذي كِيلَ لنا , ولم يكل لكل رجُلٍ منّا إلا كيل بعير- ( فأرسل معنا أخانا ) ، بنيامين يكتلَ لنفسه كيلَ بعير آخر زيادة على كيل أباعِرِنا ( وإنا له لحافظون ) ، من أن يناله مكروه في سفره .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا: يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامةَ ما لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته , وإنه ارتهن شمعون , وقال: ائتوني بأخيكم هذا الذي عكف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك , فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي . قال يعقوب: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ؟ قال: فقال لهم يعقوب: إذا أتيتم ملك مصر فاقرءوه مني السلام , وقولوا: إن أبانا يصلِّي عليك , ويدعو لك بما أوليتنا.

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: خرجوا حتى قدموا على أبيهم , وكان منـزلهم، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالعرَبات من أرض فلسطين بِغَوْرِ الشأم وبعض يقول: بالأولاج من ناحية الشّعب، أسفل من حِسْمى وكان صاحب بادية له شاءٌ وإبل , فقالوا: يا أبانا، قدمنا على خير رجُلٍ، أنـزلنا فأكرم منـزلنا، وكال لنا فأوفانا ولم يبخسنا , وقد أمرنا أن نأتِيَه بأخ لنا من أبينا، وقال: إن أنتم لم تفعلوا، فلا تقربُنِّي ولا تدخلُنّ بلدي. فقال لهم يعقوب: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ؟

واختلفت القرأة في قراءة قوله: ( نكتل ) .

فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة، وبعض أهل مكة والكوفة ( نَكْتَلْ ) ، بالنون , بمعنى: نكتل نحن وهو .

وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: « يَكْتَلْ » ، بالياء؛ بمعنى يكتل هو لنفسه، كما نكتال لأنفسنا .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متفقتا المعنى , فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ . وذلك أنهم إنما أخبروا أباهم أنه منع منهم زيادةَ الكيل على عدد رءوسهم , فقالوا: ( يا أبانا مُنع منا الكيل ) ثم سألوه أن يرسل معهم أخاهم ليكتال لنفسه , فهو إذا اكتال لنفسه واكتالوا هم لأنفسهم , فقد دخل « الأخ » في عددهم . فسواءٌ كان الخبر بذلك عن خاصة نفسه , أو عن جميعهم بلفظ الجميع , إذ كان مفهوما معنى الكلام وما أريد به .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ( 64 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال أبوهم يعقوب: هل آمنكم على أخيكم من أبيكم الذي تسألوني أن أرسله معكم إلا كما أمنتكم على أخيه يوسف من قبل؟ يقول: من قَبْلِه .

واختلفت القرأة في قراءة قوله: ( فالله خير حافظا ) .

فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض الكوفيين والبصريين: ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حفِظًا ) ، بمعنى: والله خيركم حفظًا .

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين وبعض أهل مكة: ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ) بالألف على توجيه « الحافظ » إلى أنه تفسير للخير , كما يقال: « هو خير رجلا » , والمعنى: فالله خيركم حافظًا , ثم حذفت « الكاف والميم » .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى قد قرأ بكل واحدة منهما أهل علمٍ بالقرآن، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وذلك أن من وصف الله بأنه خيرهم حفظًا فقد وصفه بأنه خيرهم حافظًا , ومن وصفه بأنه خيرهم حافظًا، فقد وصفه بأنه خيرهم حفظًا

( وهو أرحم الراحمين ) ، يقول: والله أرحم راحمٍ بخلقه , يرحم ضعفي على كبر سنِّي , ووحدتي بفقد ولدي , فلا يضيعه , ولكنه يحفظه حتى يردَّه عليَّ لرحمته .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ( 65 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما فتح إخوة يوسف متاعَهم الذي حملوه من مصر من عند يوسف ( وجدوا بضاعتهم ) , وذلك ثمن الطعام الذي اكتالوه منه رُدّت إليهم، ( قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ) يعني أنهم قالوا لأبيهم: ماذا نبغي؟ هذه بضاعتنا ردت إلينا ! تطييبًا منهم لنفسه بما صُنع بهم في ردِّ بضاعتهم إليهم .

وإذا وُجِّه الكلام إلى هذا المعنى، كانت « ما » استفهامًا في موضع نصب بقوله: ( نبغي ) .

وإلى هذا التأويل كان يوجِّهه قتادة .

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( ما نبغي ) يقول: ما نبغي وراء هذا , إن بضاعتنا ردت إلينا , وقد أوفى لنا الكيل.

وقوله: ( ونمير أهلنا ) ، يقول: ونطلب لأهلنا طعامًا فنشتريه لهم.

يقال منه: « مارَ فلانٌ أهلهَ يميرهم مَيْرًا » , ومنه قول الشاعر:

بَعَثْتُــكَ مَــائِرًا فَمَكَــثْتَ حَـوْلا مَتَــى يَــأْتِي غِيَـاثُكَ مَـنْ تُغِيـثُ

( ونحفظ أخانا ) ، الذي ترسله معنا ( ونـزداد كيل بعير ) ، يقول: ونـزداد على أحمالنا [ من ] الطعام حمل بعير يكال لنا ما حمل بعير آخر من إبلنا ( ذلك كيل يسير ) ، يقول: هذا حمل يسير . كما:-

حدثني الحارث , قال: حدثنا القاسم , قال: حدثنا حجاج , عن ابن جريج: ( ونـزداد كيل بعير ) قال: كان لكل رجل منهم حمل بعير , فقالوا: أرسل معنا أخانا نـزداد حمل بعير وقال ابن جريج: قال مجاهد: ( كيل بعير ) حمل حمار . قال: وهي لغة قال القاسم: يعني مجاهد: أن « الحمار » يقال له في بعض اللغات: « بعير » .

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: ( ونـزداد كيل بعير ) ، يقول: حمل بعير.

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( ونـزداد كيل بعير ) نَعُدّ به بعيرًا مع إبلنا ( ذلك كيل يسير ) .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ( 66 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه: لن أرسل أخاكم معكم إلى ملك مصر ( حتى تؤتون موثقًا من الله ) ، يقول: حتى تعطون موثقًا من الله بمعنى « الميثاق » , وهو ما يوثق به من يمينٍ وعهد ( لتأتنني به ) يقول لتأتنني بأخيكم ( إلا أن يحاط بكم ) ، يقول: إلا أن يُحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه على أن تأتوني به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( فلما آتوه موثقهم ) ، قال: عهدهم.

حدثني المثنى قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله: ( إلا أن يحاط بكم ) : ، إلا أن تهلكوا جميعًا.

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد

قال، وحدثنا إسحاق , قال: أخبرنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق , قال: أخبرنا معمر , عن قتادة: ( إلا أن يحاط بكم ) ، قال: إلا أن تغلَبوا حتى لا تطيقوا ذلك.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قوله: ( إلا أن يحاط بكم ) : ، إلا أن يصيبكم أمرٌ يذهب بكم جميعًا , فيكون ذلك عذرًا لكم عندي.

وقوله: ( فلما آتوه موثقهم ) ، يقول: فلما أعطوه عهودهم « قال » ، يعقوب: ( الله على ما نقول ) ، أنا وأنتم ( وكيل ) ، يقول: هو شهيد علينا بالوفاء بما نقول جميعًا .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ( 67 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه لما أرادُوا الخروج من عنده إلى مصر ليمتاروا الطعام: يا بني لا تدخلوا مصر من طريق واحد , وادخلوا من أبواب متفرقة.

وذكر أنه قال ذلك لهم , لأنهم كانوا رجالا لهم جمال وهيأة , فخاف عليهم العينَ إذا دخلوا جماعة من طريق واحدٍ، وهم ولد رجل واحد , فأمرهم أن يفترقوا في الدخول إليها . كما:-

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا يزيد الواسطي , عن جويبر , عن الضحاك: ( لا تدخلوا من بابٍ واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ) ، قال: خاف عليهم العينَ .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: ( يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد ) خشي نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم العينَ على بنيه، كانوا ذوي صُورة وجَمال.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( وادخلوا من أبواب متفرقة ) ، قال: كانوا قد أوتوا صورةً وجمالا فخشي عليهم أنفُسَ الناس.

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله: ( وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ) ، قال: رهب يعقوب عليه السلام عليهم العينَ.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان , قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( لا تدخلوا من باب واحد ) ، خشي يعقوب على ولده العينَ.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب , عن أبي معشر , عن محمد بن كعب: ( لا تدخلوا من باب واحد ) ، قال: خشي عليهم العين.

... قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي قال: خاف يعقوب صلى الله عليه وسلم على بنيه العين , فقال: ( يا بني لا تدخلوا من باب واحد ) . فيقال: هؤلاء لرجل واحدٍ! ولكن ادخلوا من أبواب متفرقة.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: لما أجمعوا الخروجَ يعني ولد يعقوب قال يعقوب: ( يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ) ، خشي عليهم أعين الناس، لهيأتهم , وأنهم لرجل واحدٍ.

وقوله: ( وما أغني عنكم من الله من شيء ) ، يقول: وما أقدر أن أدفع عنكم من قضاء الله الذي قد قضاه عليكم من شيء صغير ولا كبير , لأن قضاءه نافذ في خلقه ( إن الحكم إلا لله ) ، يقول: ما القضاء والحكم إلا لله دون ما سواه من الأشياء , فإنه يحكم في خلقه بما يشاء , فينفذ فيهم حكمه , ويقضي فيهم، ولا يُرَدّ قضاؤه ( عليه توكلت ) ، يقول: على الله توكلت فوثقت به فيكم وفي حفظكم عليّ، حتى يردكم إليّ وأنتم سالمون معافون , لا على دخولكم مصر إذا دخلتموها من أبواب متفرقة ( وعليه فليتوكل المتوكلون ) ، يقول: وإلى الله فليفوِّض أمورَهم المفوِّضون .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( 68 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب ( من حيث أمرهم أبوهم، وذلك دخولهم مصر من أبواب متفرقة ( ما كان يغني ) ، دخولهم إياها كذلك ( عنهم ) من قضاء الله الذي قضاه فيهم فحتمه , ( من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ) ، إلا أنهم قضوا وطرًا ليعقوب بدخولهم لا من طريق واحد خوفًا من العين عليهم , فاطمأنت نفسه أن يكونوا أوتوا من قبل ذلك أو نالهم من أجله مكروه . كما:-

حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ) ، خيفة العين على بنيه.

حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

... قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن نمير , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ) ، قال: خشية العين عليهم.

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قوله: ( إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ) ، قال: ما تخوَّف على بنيه من أعين الناس لهيأتهم وعِدّتهم.

وقوله: ( وإنه لذو علم لما علمناه ) ، يقولُ تعالى ذكره: وإن يعقوب لذو علم لتعليمنا إياه .

وقيل: معناه وإنه لذو حفظٍ لما استودعنا صدره من العلم .

واختلف عن قتادة في ذلك:

فحدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وإنه لذو علم لما علمناه ) : أي: مما علمناه.

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير , عن سفيان , عن ابن أبي عروبة عن قتادة: ( وإنه لذو علم لما علمناه ) ، قال: إنه لعامل بما عَلم.

... قال: المثنى قال إسحاق قال عبد الله قال سفيان: ( إنه لذو علم ) ، مما علمناه. وقال: من لا يعمل لا يكون عالمًا.

( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، يقول جل ثناؤه: ولكن كثيرًا من الناس غير يعقوب , لا يعلمون ما يعلمه , لأنَّا حَرَمناه ذلك فلم يعلمه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 69 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب على يوسف ( آوى إليه أخاه ) ، يقول: ضم إليه أخاه لأبيه وأمه.

وكان إيواؤه إياه، كما:-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: ( ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه ) ، قال: عرف أخاه , فأنـزلهم منـزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب. فلما كان الليلُ جاءهم بِمُثُل، فقال: لينم كل أخوين منكم على مِثَال. فلما بقي الغلام وحده، قال يوسف: هذا ينام معي على فراشي . فبات معه , فجعل يوسف يشمُّ ريحه , ويضمه إليه حتى أصبح , وجعل روبيل يقول: ما رأيْنا مثل هذا! أريحُونا منه!

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: لما دخلوا يعني ولد يعقوب على يوسف، قالوا: هذا أخونا الذي أمرتَنا أن نأتيك به , قد جئناك به. فذكر لي أنه قال لهم: قد أحسنتم وأصبتم , وستجدون ذلك عندي أو كما قال . ثم قال: إني أراكم رجالا وقد أردت أن أكرمكم. ودعا [ صاحب ] ضيافته. فقال: أنـزل كل رجلين على حدة , ثم أكرمهما، وأحسن ضيافتهما. ثم قال: إني أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثانٍ، فسأضمه إليّ , فيكون منـزله معي . فأنـزلهم رجلين رجلين في منازل شتَّى , وأنـزل أخاه معه , فآواه إليه. فلما خلا به قال إني أنا أخوك، أنا يوسف، فلا تبتئس بشيء فعلوه بنا فيما مضى , فإن الله قد أحسن إلينا , ولا تعلمهم شيئًا مما أعلمتك . يقول الله: ( ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون ) .

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: ( ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه ) ، ضمه إليه، وأنـزله , وهو بنيامين.

حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول وسئل عن قول يوسف: ( ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون ) : كيف أصابه حين أخذ بالصُّواع , وقد كان أخبره [ أنه ] أخوه، وأنتم تزعمون أنه لم يزل متنكرًا لهم يكايدهم حتى رجعوا؟ فقال: إنه لم يعترف له بالنسبة , ولكنه قال: ( أنا أخوك ) مكانَ أخيك الهالك ( فلا تبتئس بما كانوا يعملون ) ، يقول: لا يحزنك مكانهُ.

وقوله: ( فلا تبتئس ) ، يقول: فلا تستكِنْ ولا تحزن.

وهو: « فلا تفتعل » من « البؤس » , يقال منه: « ابتأس يبتئس ابتئاسًا » .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة: ( فلا تبتئس ) ، يقول: فلا تحزن ولا تيأس.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد قال: سمعت وهب بن منبه يقول: ( فلا تبتئس ) ، يقول: لا يحزنك مكانه.

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: ( فلا تبتئس بما كانوا يعملون ) ، يقول: لا تحزن على ما كانوا يعملون.

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: فلا تحزن ولا تستكن لشيء سلف من إخوتك إليك في نفسك، وفي أخيك من أمك , وما كانوا يفعلون قبلَ اليوم بك .

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ( 70 )

قال أبو جعفر: يقول: ولما حمّل يوسف إبل إخوته ما حمّلها من الميرة وقضى حاجتهم , كما:-

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: ( فلما جهزهم بجهازهم ) ، يقول: لما قضى لهم حاجتهم ووفّاهم كيلهم.

وقوله: ( جعل السقاية في رحل أخيه ) ، يقول: جعل الإناء الذي يكيلُ به الطعام في رَحْل أخيه .

و « السقاية » : هي المشربة , وهي الإناء الذي كان يشرب فيه الملك ويكيلُ به الطعام .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عفان قال: حدثنا عبد الواحد , عن يونس , عن الحسن: أنه كان يقول: « الصواع » و « السقاية » ، سواء , هو الإناء الذي يشرب فيه.

... قال: حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: « السقاية » و « الصواع » ، شيء واحد، , كان يشرب فيه يوسف.

... قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال « السقاية » : « الصواع » ، الذي يشرب فيه يوسف.

حدثنا محمد بن الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( جعل السقاية ) ، قال: مشربة الملك.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة: ( السقاية في رحل أخيه ) ، وهو إناء الملك الذي كان يشرب فيه.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله: قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وهي « السقاية » التي كان يشرب فيها الملك يعني مَكُّوكه.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد قوله: ( جعل السقاية ) وقوله: صُوَاعَ الْمَلِكِ ، قال: هما شيء واحد , « السقاية » و « الصواع » شيء واحد، يشرب فيه يوسف.

حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان، قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( جعل السقاية في رحل أخيه ) ، هو الإناء الذي كان يشرب فيه الملك.

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( جعل السقاية في رحل أخيه ) ، قال: « السقاية » هو « الصواع » , وكان كأسًا من ذهب، فيما يذكرون.

قوله: ( في رحل أخيه ) ، فإنه يعني: في متاع أخيه ابن أمه وأبيه وهو بنيامين.

وكذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة: ( في رحل أخيه ) أي: في متاع أخيه.

وقوله: ( ثم أذّن مؤذن ) ، يقول: ثم نادى منادٍ.

وقيل: أعلم معلم.

( أيتها العير ) ، وهي القافلة فيها الأحمال ( إنكم لسارقون ) .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: ( فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ) ، والأخ لا يشعر. فلما ارتحلوا أذّن مؤذن قبل أن ترتحل العير: ( إنكم لسارقون ) .

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال، ثم جهزهم بجهازهم , وأكرمهم وأعطاهم وأوفاهم , وحمَّل لهم بعيرًا بعيرًا , وحمل لأخيه بعيرًا باسمه كما حمل لهم. ثم أمر بسقاية الملك وهو « الصواع » , وزعموا أنها كانت من فضة فجعلت في رحل أخيه بنيامين . ثم أمهلهم حتى إذا انطلقوا وأمعنوا من القرية , أمر بهم فأدركوا , فاحتبسوا , ثم نادى مناد: ( أيتها العير إنكم لسارقون ) ، قفوا. وانتهى إليهم رسوله فقال لهم فيما يذكرون: ألم نكرم ضيافتكم , ونوفِّكم كيلكم , ونحسن منـزلتكم , ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم , وأدخلناكم علينا في بيوتنا ومنازلنا؟ أو كما قال لهم قالوا: بلى , وما ذاك؟ قال: سقاية الملك فقدناها , ولا نتَّهم عليها غيركم . قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ .

وقوله: ( أيتها العير ) ، قد بينا فيما مضى معنى « العير » , وهو جمع لا واحد له من لفظه.

وحكي عن مجاهد أن عير بني يعقوب كانت حميرًا .

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن الزبير , عن سفيان , عن ابن جريح , عن مجاهد: ( أيتها العير ) ، قال: كانت حميرًا.

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان قال: حدثني رجل , عن مجاهد , في قوله: ( أيتها العير إنكم لسارقون ) ، قال: كانت العير حميرًا

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ ( 71 ) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ( 72 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال بنو يعقوب لما نودوا: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ، وأقبلوا على المنادي ومن بحضرتهم يقولون لهم: ( ماذا تفقدون ) ، ما الذي تفقدون؟ ( قالوا نفقد صواع الملك ) ، يقول: فقال لهم القوم: نفقد مشربة الملك .

واختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فذكر عن أبي هريرة أنه قرأه : « صَاعَ المَلِكِ » ، بغير واوٍ , كأنه وجَّهه إلى « الصاع » الذي يكال به الطعام.

وروي عن أبي رجاء أنه قرأه: « صَوْعَ المَلِكِ » .

وروي عن يحيى بن يعمر أنه قرأه: « صَوْغَ المَلِكِ » ، بالغين , كأنه وجَّهه إلى أنه مصدر من قولهم: « صاغ يَصُوغ صوغًا » .

وأما الذي عليه قرأة الأمصار: فَـ ( صُوَاعَ المَلِكِ ) , وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها لإجماع الحجة عليها .

و « الصواع » ، هو الإناء الذي كان يوسف يكيل به الطعام. وكذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس في هذا الحرف: ( صواع الملك ) قال: كهيئة المكُّوك . قال: وكان للعباس مثله في الجاهلية يَشْرَبُ فيه

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي عن شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس في قوله: ( صواع الملك ) ، قال، كان من فضة مثل المكوك . وكان للعباس منها واحدٌ في الجاهلية.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي عن شريك , عن سماك , عن عكرمة في قوله: ( قالوا نفقد صواع الملك ) ، قال: كان من فضة.

حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير: أنه قرأ: ( صواع الملك ) ، قال وكان إناءه الذي يشرب فيه , وكان إلى الطول ما هو.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو , عن أبي عوانة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير: ( صواع الملك ) ، قال، المكوك الفارسي.

حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا أبو عوانة, عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير قال، ( صواع الملك ) ، قال، هو المكوك الفارسيّ الذي يلتقي طرفاه , كانت تشرب فيه الأعاجم.

... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء , عن جويبر , عن الضحاك , في قوله: ( صواع الملك ) ، قال، إناء الملك الذي كان يشرب فيه.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا يحيى يعني ابن عباد قال، حدثنا شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال: ( صواع الملك ) ، مكّوك من فضة يشربون فيه . وكان للعباس واحدٌ في الجاهلية.

حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( صواع الملك ) ، إناء الملك الذي يشرب فيه.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا سعيد بن منصور قال، حدثنا أبو عوانة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , في قوله: ( صواع الملك ) ، قال: هو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد قال، « الصواع » ، كان يشرب فيه يوسف.

حدثنا محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا صدقة بن عباد , عن أبيه عن ابن عباس: ( صواع الملك ) ، قال، كان من نحاس .

وقوله: ( ولمن جاء به حمل بعير ) ، يقول: ولمن جاء بالصواع حمل بعير من الطعام، كما:-

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: ( ولمن جاء به حمل بعير ) ، يقول: وقر بعير.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله تعالى: ( حمل بعير ) ، قال: حمل حمار وهي لغة.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال

وحدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله: ( حمل بعير ) قال: حمل حمار وهي لغة.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد قال، قوله: ( حمل بعير ) قال، حمل حمار.

وقوله، ( وأنا به زعيم ) ، يقول: وأنا بأن أوفيّه حملَ بعير من الطعام إذا جاءني بصواع الملك كفيلٌ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني علي قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله: ( وأنا به زعيم ) ، يقول: كفيل.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله: ( وأنا به زعيم ) ، « الزعيم » ، هو المؤذّن الذي قال: أَيَّتُهَا الْعِيرُ .

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , مثله .

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، وأبو خالد الأحمر , عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد , ثم ذكر نحوه .

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد , عن ورقاء بن إياس , عن سعيد بن جبير: ( وأنا به زعيم ) ، قال: كفيل.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وأنا به زعيم ) : أي: وأنا به كفيلٌ.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( وأنا به زعيم ) ، قال: كفيل.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر , عن جويبر , عن الضحاك: ( وأنا به زعيم ) ، قال: كفيل.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك , فذكر مثله .

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز , عن سفيان , عن رجل , عن مجاهد: ( وأنا به زعيم ) ، قال: كفيل.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: قال لهم الرسول: إنه من جاءنا به فله حمل بعير، وأنا به كفيلٌ بذلك حتى أؤدّيه إليه.

ومن « الزعيم » الذي بمعنى الكفيل، قول الشاعر:

فَلَسْـــتُ بِــآمِرٍ فِيهَــا بِسَــلْمٍ وَلَكِــنِّي عَــلَى نَفْسِــي زَعِيــمُ

وأصل « الزعيم » ، في كلام العرب: القائم بأمر القوم , وكذلك « الكفيل » و « الحميل » . ولذلك قيل: رئيس القوم زعيمهم ومدبِّرهم. يقال منه: « قد زَعُم فلان زعامة وزَعامًا » ، ومنه قول ليلى الأخيلية:

حَــتَّى إذَا بَــرَزَ اللِّــوَاءُ رَأَيْتَـهُ تَحْـتَ اللِّـوَاءِ عَـلَى الخَـمِيسِ زَعِيمَا

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ( 73 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف: ( تالله ) يعني: والله .

وهذه التاء في ( تالله ) ، إنما هي « واو » قلبت « تاء » كما فعل ذلك في « التوراة » وهي من « ورّيت » ، و « التُّراث » ، وهي من « ورثت » , و « التخمة » وهي من « الوخامة » ، قلبت الواو في ذلك كله تاء، و « الواو » في هذه الحروف كلها من الأسماء , وليست كذلك في ( تالله ) ، لأنها إنما هي واو القسم , وإنما جعلت تاء لكثرة ما جرى على ألسن العرب في الأيمان في قولهم: « والله » , فخُصَّت في هذه الكلمة بأن قلبت تاء . ومن قال ذلك في اسم الله فقال: « تالله » . لم يقل « تالرحمن » و « تالرحيم » , ولا مع شيء من أسماء الله , ولا مع شيء مما يقسم به , ولا يقال ذلك إلا في « تالله » وحده .

وقوله: ( لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض ) ، يقول: لقد علمتم ما جئنا لنعصى الله في أرضكم.

كذلك كان يقول جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع بن أنس , في قوله: ( قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض ) ، نقول: ما جئنا لنعصى في الأرض.

فإن قال قائل: وما كان عِلْمُ من قيل له ( لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض ) ، بأنهم لم يجيئوا لذلك، حتى استجاز قائلو ذلك أن يقولوه؟

قيل: استجازوا أن يقولوا ذلك لأنهم فيما ذكر ردُّوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم , فقالوا: لو كنا سُرَّاقًا لم نردَّ عليكم البضاعة التي وجدناها في رحالنا .

وقيل: إنهم كانوا قد عُرِفوا في طريقهم ومسيرهم أنهم لا يظلمون أحدًا ولا يتناولون ما ليس لهم , فقالوا ذلك حين قيل لهم: إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ ( 74 ) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ( 75 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال أصحاب يوسف لإخوته: فما ثواب السَّرَق إن كنتم كاذبين في قولكم مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ؟ ( قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ) . ، يقول جل ثناؤه: وقال إخوة يوسف: ثواب السرق من وجد في متاعه السرق ( فهو جزاؤه ) , يقول: فالذي وجد ذلك في رحله ثوابه بأن يسلم بسَرِقته إلى من سرق منه حتى يستَرِقّه ( كذلك نجزي الظالمين ) ، يقول: كذلك نفعل بمن ظلم ففعل ما ليس له فعله من أخذه مال غيره سَرَقًا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( فهو جزاؤه ) ، أي: سُلِّم به ( كذلك نجزي الظالمين ) ، أي: كذلك نصنع بمن سرقَ منَّا.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق , عن معمر قال، بلغنا في قوله: ( قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ) ، أخبروا يوسف بما يحكم في بلادهم أنه من سرق أخذ عبدًا , فقالوا: ( جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ) .

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: ( قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ) ، تأخذونه فهو لكم.

قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: قالوا: ثوابُ السَّرَق الموجودُ في رحله كأنه قيل: « ثوابه استرقاق الموجود في رحله » ، ثم حذف « استرقاق » , إذ كان معروفًا معناه. ثم ابتدئ الكلام فقيل: ( هو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين ) .

وقد يحتمل وجهًا آخر: أن يكون معناه: قالوا ثوابُ السَّرق، الذي يوجدُ السَّرق في رحله , فالسارق جزاؤه فيكون « جزاؤه » الأول مرفوعًا بجملة الخبر بعده , ويكون مرفوعًا بالعائد من ذكره في « هو » , و « هو » مرافع « جزاؤه » الثاني .

ويحتمل وجهًا ثالثًا: وهو أن تكون « مَنْ » جزاءً وتكون مرفوعة بالعائد من ذكره في « الهاء » التي في « رحله » , و « الجزاء » الأول مرفوعًا بالعائد من ذكره في « وجد » , ويكون جواب الجزاء « الفاء » في « فهو » . و « الجزاء » الثاني مرفوع ب « هو » , فيكون معنى الكلام حينئذ: قالوا: جزاء السَّرق، من وجد السرق في رحله فهو ثوابه، يُستَرَقُّ ويُستعبَد .

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ( 76 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ففتش يوسف أوعيتهم ورحالهم، طالبًا بذلك صواعَ الملك , فبدأ في تفتيشه بأوعية إخوته من أبيه , فجعل يفتشها وعاء وِعاءً قبل وعاء أخيه من أبيه وأمه , فإنه أخّر تفتيشه , ثم فتش آخرها وعاء أخيه , فاستخرج الصُّواع من وعاء أخيه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: ( فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ) ، ذكر لنا أنه كان لا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثمًا مما قذفهم به , حتى بقي أخوه , وكان أصغر القوم، قال: ما أرى هذا أخذ شيئًا!‍ قالوا: بلى فاستبْرِهِ! ألا وقد علموا حيث وضعوا سقايتهم ( ثم استخرجها من وعاء أخيه ) .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة قال: ( فاستخرجها من وعاء أخيه ) ، قال: كان كلما فتح متاعًا استغفر تائبًا مما صنع , حتى بلغ متاعَ الغلام , فقال: ما أظن هذا أخذ شيئًا! قالوا: بلى , فاستَبْره!

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي قال، ( فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ) ، فلما بقي رحل الغلام قال: ما كان هذا الغلام ليأخذه‍! قالوا: والله لا يترك حتى تنظر في رحله , لنذهب وقد طابت نفسك. فأدخلَ يده فاستخرجه من رحله.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: لما قال الرسول لهم: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ، قالوا: ما نعلمه فينَا ولا معنَا . قال: لستم ببارحين حتى أفتّش أمتعتكم، وأعْذِر في طلبها منكم! فبدأ بأوعيتهم وعاء وعاءً يفتشها وينظر ما فيها , حتى مرّ على وعاء أخيه ففتشه , فاستخرجها منه , فأخذ برقبته , فانصرف به إلى يوسف . يقول الله: ( كذلك كدنا ليوسف ) .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج قال: ذُكر لنا أنه كان كلما بَحَث متاع رجل منهم استغفر ربه تأثمًا , قد علم أين موضع الذي يَطْلُب! حتى إذا بقي أخوه، وعلم أن بغيته فيه، قال: لا أرى هذا الغلام أخذه , ولا أبالي أن لا أبحث متاعه ! قال إخوته: إنه أطيبُ لنفسك وأنفسنا أن تستبرئ متاعه أيضًا . فلما فتح متاعه استخرج بغيته منه، قال الله: ( كذلك كدنا ليوسف ) .

واختلف أهل العربية في الهاء والألف اللتين في قوله: ( ثم استخرجها من وعاء أخيه ) .

فقال بعض نحويي البصرة: هي من ذكر « الصواع » , قال: وأنّث وقد قال: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ، لأنه عنى « الصواع » . قال، و « الصواع » ، مذكر , ومنهم من يؤنث « الصواع » ، وعني ههنا « السقاية » , وهي مؤنثة . قال: وهما اسمان لواحد، مثل « الثوب » و « الملحفة » ، مذكر ومؤنث لشيءٍ واحدٍ .

وقال بعض نحويي الكوفة في قوله: ( ثم استخرجها من وعاء أخيه ) ، ذهب إلى تأنيث « السرقة » . قال: وإن يكن « الصواع » في معنى « الصاع » فلعل هذا التأنيث من ذلك . قال، وإن شئت جعلته لتأنيث السقاية . قال: و « الصواع » ذكر , و « الصاع » يؤنث ويذكر , فمن أنثه قال، ثلاث أصوُع , مثل ثلاث أدور , ومن ذكره قال « أصواع » , مثل أبواب .

وقال آخر منهم: إنما أنّث « الصواع » حين أنث لأنه أريدت به « السقاية » ، وذكّر حين ذكّر , لأنه أريد به « الصواع » . قال: وذلك مثل « الخوان » و « المائدة » , و « سنان الرمح » و « عاليته » , وما أشبه ذلك من الشيء الذي يجتمع فيه اسمان: أحدهما مذكر , والآخر مؤنث .

وقوله: ( كذلك كدنا ليوسف ) ، يقول: هكذا صنعنا ليوسف، حتى يخلص أخاه لأبيه وأمه من إخوته لأبيه , بإقرارٍ منهم أن له أن يأخذه منهم ويحتبسه في يديه، ويحول بينه وبينهم. وذلك أنهم قالوا، إذ قيل لهم: ( ما جزاؤه إن كنتم كاذبين ) : جزاءُ من سرق الصُّواع أن من وجد ذلك في رحله فهو مستَرَقٌّ به , وذلك كان حكمهم في دينهم . فكاد الله ليوسف كما وصف لنا حتى أخذ أخاه منهم , فصار عنده بحكمهم وصُنْعِ الله له .

وقوله: ( ما كان ليأخذ أخا في دين الملك إلا أن يشاء الله ) ، يقول: ما كان يوسف ليأخذ أخاه في حكم ملك مصر وقضائه وطاعته منهم , لأنه لم يكن من حكم ذلك الملك وقضائه أن يسترقّ أحد بالسَّرَق , فلم يكن ليوسف أخذ أخيه في حكم ملك أرضه، إلا أن يشاء الله بكيده الذي كاده له , حتى أسلم من وجد في وعائه الصواع إخوتُه ورفقاؤه بحكمهم عليه، وطابت أنفسهم بالتسليم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله: ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) ، إلا فعلة كادها الله له , فاعتلّ بها يوسف.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( كذلك كدنا ليوسف ) كادها الله له , فكانت علَّةً ليوسف.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد: ( ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله ) ، قال: إلا فعلة كادها الله، فاعتلّ بها يوسف قال حدثني حجاج , عن ابن جريج قوله: ( كذلك كدنا ليوسف ) ، قال، صنعنا.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: ( كذلك كدنا ليوسف ) ، يقول: صنعنا ليوسف.

حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( كذلك كدنا ليوسف ) ، يقول: صنعنا ليوسف

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) .

فقال بعضهم: ما كان ليأخذ أخاه في سلطان الملك .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله: ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) ، يقول: في سلطان الملك.

حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ , يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) ، يقول: في سلطان الملك.

وقال آخرون: معنى ذلك: في حكمه وقضائه .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله ) ، يقول: ما كان ذلك في قضاء الملك أن يستعبد رجلا بسرقة.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( في دين الملك ) ، قال: لم يكن ذلك في دين الملك قال: حكمه.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح محمد بن ليث المروزي , عن رجل قد سماه , عن عبد الله بن المبارك , عن أبي مودود المديني قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ( كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) ، قال: دين الملك لا يؤخذ به من سرق أصلا ولكن الله كاد لأخيه , حتى تكلموا ما تكلموا به , فأخذهم بقولهم , وليس في قضاء الملك.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق , عن معمر قال: بلغه في قوله: ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) ، قال: كان حكم الملك أن من سَرَق ضوعف عليه الغُرْم.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدى: ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) ، يقول: في حكم الملك.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) : ، أي: بظلم , ولكن الله كاد ليوسف ليضمّ إليه أخاه .

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد , في قوله: ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) ، قال: ليس في دين الملك أن يؤخذ السارق بسرقته . قال: وكان الحكم عند الأنبياء، يعقوب وبنيه، أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا يسترقّ.

قال أبو جعفر: وهذه الأقوال وإن اختلفت ألفاظ قائليها في معنى « دين الملك » , فمتقاربة المعاني , لأن من أخذه في سلطان الملك عامله بعمله , فبرضاه أخذه إذًا لا بغيره , وذلك منه حكم عليه , وحكمه عليه قضاؤه .

وأصل « الدين » ، الطاعة. وقد بينت ذلك في غير هذا الموضع بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله: ( إلا أن يشاء الله ) كما:-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: ( إلا أن يشاء الله ) ، ولكن صنعنا له، بأنهم قالوا: فَهُوَ جَزَاؤُهُ .

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( إلا أن يشاء الله ) إلا بعلة كادَها الله , فاعتلَّ بها يوسف.

وقوله: ( نرفع درجات من نشاء ) ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأه بعضهم: « نَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ » بإضافة « الدرجات » إلى « من » بمعنى: نرفع منازل من نشاء رفع منازله ومراتبه في الدنيا بالعلم على غيره , كما رفعنا مرتبة يوسف في ذلك ومنـزلته في الدنيا على منازل إخوته ومراتبهم .

وقرأ ذلك آخرون: ( نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ) بتنوين « الدرجات » , بمعني: نرفع من نشاء مراتب ودرجات في العلم على غيره , كما رفعنا يوسف . فـ « مَنْ » على هذه القراءة نصبٌ , وعلى القراءة الأولى خفض . وقد بينا ذلك في « سورة الأنعام » .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريح قوله: ( نرفع درجات من نشاء ) ، يوسف وإخوته، أوتوا علمًا , فرفعنا يوسف فوقهم في العلم.

وقوله: ( وفوق كل ذي علم عليم ) ، يقول تعالى ذكره: وفوق كل عالم من هو أعلم منه، حتى ينتهي ذلك إلى الله . وإنما عنى بذلك أنّ يوسف أعلم إخوته , وأنّ فوق يوسف من هو أعلم من يوسف , حتى ينتهي ذلك إلى الله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عامر العقدي قال، حدثنا سفيان , عن عبد الأعلى الثعلبي , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , أنه حدّث بحديث , فقال رجل عنده: ( وفوق كل ذي علم عليم ) ، فقال ابن عباس: بئسما قلت ! إن الله هو عليم , وهو فوق كل عالم.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي عن سفيان , عن عبد الأعلى , عن سعيد بن جبير قال: حدَّث ابن عباس بحديث , فقال رجل عنده: الحمد لله، ( وفوق كل ذي علم عليم ) ! فقال ابن عباس: العالم الله , وهو فوق كل عالم.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري , عن عبد الأعلى , عن سعيد بن جبير قال: كنا عند ابن عباس , فحدث حديثًا , فتعجب رجل فقال، الحمد لله، ( فوق كل ذي علم عليم ) ! فقال ابن عباس: بئسما قلت: الله العليم , وهو فوق كل عالم.

حدثنا الحسن بن محمد وابن وكيع قالا حدثنا عمرو بن محمد قال، أخبرنا إسرائيل , عن سالم , عن عكرمة , عن ابن عباس: ( وفوق كل ذي علم عليم ) ، قال: يكون هذا أعلم من هذا , وهذا أعلم من هذا , والله فوق كل عالم.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا سعيد بن منصور قال، أخبرنا أبو الأحوص , عن عبد الأعلى , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: ( وفوق كل ذي علم عليم ) ، قال، الله الخبير العليم، فوق كل عالم.

حدثني المثنى قال، حدثنا عبيد الله قال، أخبرنا إسرائيل , عن عبد الأعلى , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: ( وفوق كل ذي علم عليم ) ، قال: الله فوق كل عالم.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي عن أبي معشر , عن محمد بن كعب قال، سأل رجل عليًّا عن مسألة , فقال فيها , فقال الرجل: ليس هكذا ولكن كذا وكذا. قال عليٌّ: أصبتَ وأخطأتُ ، ( وفوق كل ذي علم عليم ) .

حدثني يعقوب، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية , عن خالد , عن عكرمة في قوله: ( وفوق كل ذي علم عليم ) ، قال: علم الله فوق كل أحد.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير , عن نضر , عن عكرمة , عن ابن عباس: ( وفوق كل ذي علم عليم ) ، قال، الله عز وجل.

حدثنا ابن وكيع , حدثنا يعلى بن عبيد , عن سفيان , عن عبد الأعلى , عن سعيد بن جبير: ( وفوق كل ذي علم عليم ) ، قال: الله أعلم من كل أحد.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير , عن ابن شبرمة , عن الحسن , في قوله: ( وفوق كل ذي علم عليم ) ، قال: ليس عالمٌ إلا فوقه عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عاصم قال، حدثنا جويرية , عن بشير الهجيمي قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية يومًا: ( وفوق كل ذي علم عليم ) , ثم وقف فقال: إنه والله ما أمسى على ظهر الأرض عالم إلا فوقه من هو أعلم منه , حتى يعود العلم إلى الذي علَّمه.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا علي , عن جرير , عن ابن شبرمة , عن الحسن: ( وفوق كل ذي علم عليم ) ، قال: فوق كل عالم عالم , حتى ينتهي العلم إلى الله.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وفوق كل ذي علم عليم ) ، حتى ينتهي العلم إلى الله , منه بدئ , وتعلَّمت العلماء , وإليه يعود . في قراءة عبد الله: « وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ عَلِيمٌ » .

قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف جاز ليوسف أن يجعل السقاية في رحل أخيه، ثم يُسَرِّق قومًا أبرياء من السّرَق ويقول: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ؟

قيل: إن قوله: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ، إنما هو خبَرٌ من الله عن مؤذِّن أذَّن به , لا خبر عن يوسف . وجائز أن يكون المؤذِّن أذَّن بذلك إذ فَقَد الصُّواع ولا يعلم بصنيع يوسف . وجائز أن يكون كان أذّن المؤذن بذلك عن أمر يوسف , واستجاز الأمر بالنداء بذلك، لعلمه بهم أنهم قد كانوا سرقوا سَرِقةً في بعض الأحوال , فأمر المؤذن أن يناديهم بوصفهم بالسَّرق , ويوسف يعني ذلك السَّرق لا سَرَقهم الصُّواع . وقد قال بعض أهل التأويل: إن ذلك كان خطأ من فعل يوسف , فعاقبه الله بإجابة القوم إيّاه: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ، وقد ذكرنا الرواية فيما مضى بذلك .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ( 77 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ( قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) ، يعنون أخاه لأبيه وأمه، وهو يوسف، كما:-

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) ، ليوسف.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قوله: ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) ، قال: يعني يوسف.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد: ( فقد سرق أخ له من قبل ) ، قال: يوسف.

وقد اختلف أهل التأويل في « السَّرَق » الذي وصفُوا به يوسف.

فقال بعضهم: كان صنمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاء على الطريق .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال، حدثنا الفيض بن الفضل قال، حدثنا مسعر , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير: ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) ، قال: سرق يوسف صَنَمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاه في الطريق، فكان إخوته يعيبونه بذلك.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( فقد سرق أخ له من قبل ) ذكر أنه سرق صنمًا لجده أبي أمه , فعيَّروه بذلك.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) : أرادوا بذلك عيبَ نبيّ الله يوسف. وسرقته التي عابوه بها، صنم كان لجده أبي أمه , فأخذه , إنما أراد نبيُّ الله بذلك الخير , فعابوه.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج في قوله: ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) ، قال: كانت أمّ يوسف أمرت يوسف يسرق صنمًا لخاله يعبده , وكانت مسلمةً.

وقال آخرون في ذلك ما:-

حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي قال: كان بنو يعقوب على طعام , إذْ نظرَ يوسف إلى عَرْق فخبأه , فعيّروه بذلك ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) .

وقال آخرون في ذلك بما:-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق , عن عبد الله بن أبي نجيح , عن مجاهد أبي الحجاج قال: كان أوّل ما دخل على يوسف من البلاء، فيما بلغني أن عَمَّته ابنة إسحاق , وكانت أكبر ولد إسحاق , وكانت إليها [ صارت ] منطقة إسحاق وكانوا يتوارثونها بالكبر , فكان من اختانها ممن وليها كان له سَلَمًا لا ينازع فيه , يصنع فيه ما شاء . وكان يعقوب حين وُلِد له يوسف , كان قد حضَنه عَمَّتَهُ فكان معها وإليها , فلم يحبَّ أحدٌ شيئًا من الأشياء حُبَّهَا إياه . حتى إذا ترعرع وبلغ سنواتٍ , ووقعت نفس يعقوب عليه , أتاها فقال، يا أخيَّة سلّمي إليّ يوسف , فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة ! قالت: فوالله ما أنا بتاركته , والله ما أقدر أن يغيب عني ساعة ! قال: فوالله ما أنا بتاركه ! قالت: فدعه عندي أيامًا أنظرْ إليه وأسكن عنه , لعل ذلك يسلّيني عنه أو كما قالت . فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى مِنْطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه , ثم قالت: لقد فقدت مِنْطقة إسحاق , فانظروا من أخذها ومن أصابها؟ فالتُمِسَتْ , ثم قالت: كشِّفوا أهل البيت ! فكشفوهم , فوجدوها مع يوسف , فقالت: والله إنه لي لسَلَمٌ، أصنع فيه ما شئت . قال: وأتاها يعقوب فأخبرته الخبر , فقال لها: أنت وذاك إن كان فعل ذلك، فهو سَلَمٌ لك , ما أستطيع غير ذلك . فأمسكته فما قدر عليه حتى ماتت . قال: فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه: ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) .

قال ابن حميد. قال ابن إسحاق: لما رأى بنو يعقوب ما صنع إخْوة يوسف , ولم يشكُّوا أنه سرق، قالوا أسفًا عليه، لما دخل عليهم في أنفسهم تأنيبًا له: ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) . فلما سمعها يوسف قال: ( أنتم شر مكانًا ) ، سِرًّا في نفسه ( ولم يبدها لهم ) ( والله أعلم بما تصفون ) .

وقوله: ( فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون ) ، يعني بقوله: ( فأسرها ) ، فأضمرها.

وقال: ( فأسرها ) فأنث , لأنه عنى بها « الكلمة » , وهي: ( أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون ) . ولو كانت جاءت بالتذكير كان جائزًا , كما قيل: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ [ سورة هود:49 ] ، و ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى ، [ سورة هود:100 ]

وكنى عن « الكلمة » . ولم يجر لها ذكر متقدِّم. والعرب تفعل ذلك كثيرًا , إذا كان مفهومًا المعنى المرادُ عند سامعي الكلام . وذلك نظير قول حاتم الطائي:

أَمَـاوِيَّ مَـا يُغْنِـي الـثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى إِذَا حَشْـرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ

يريد: وضاق بالنفس الصدر فكنى عنها ولم يجر لها ذكر , إذ كان في قوله: « إذا حشرَجَت يومًا » , دلالة لسامع كلامه على مراده بقوله: « وضاق بها » . ومنه قول الله: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [ سورة النحل:110 ] ، فقال: « من بعدها » ، ولم يجر قبل ذلك ذكر لاسم مؤنث .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة: ( فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ) ، أما الذي أسرَّ في نفسه فقوله: ( أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون ) .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون ) ، قال هذا القول.

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله: ( فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ) ، يقول: أسرَّ في نفسه قوله: ( أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون ) .

وقوله: ( والله أعلم بما تصفون ) ، يقول: والله أعلم بما تكذبون فيما تصفون به أخاه بنيامين .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله: ( أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون ) ، يقولون: يوسف يقوله.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة: ( والله أعلم بما تصفون ) ، أي: بما تكذبون.

قال أبو جعفر: فمعنى الكلام إذًا: فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم، قال: أنتم شرّ عند الله منـزلا ممن وصفتموه بأنه سرق , وأخبث مكانًا بما سلف من أفعالكم , والله عالم بكذبكم , وإن جهله كثيرٌ ممن حضرَ من الناس .

وذكر أن الصّواع لما وُجد في رحل أخي يوسف تلاوَمَ القوم بينهم , كما:-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي قال: لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم , وقالوا: يا بني راحيل , ما يزال لنا منكم بلاء‍! متى أخذت هذا الصوع؟ فقال بنيامين: بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء , ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية! وضَع هذا الصواع في رحلي، الذي وضع الدراهم في رحالكم! فقالوا: لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها! فلما دخلوا على يوسف دعا بالصواع فنقرَ فيه , ثم أدناه من أذنه , ثم قال، إن صواعى هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلا وأنكم انطلقتم بأخٍ لكم فبعتموه . فلما سمعها بنيامين , قام فسجد ليوسف , ثم قال، أيها الملك , سل صواعك هذا عن أخي، أحيٌّ هو؟ فنقره , ثم قال، هو حيٌّ , وسوف تراه . قال، فاصنع بي ما شئت , فإنه إن علم بي فسوف يستنقذني . قال، فدخل يوسف فبكى , ثم توضَّأ , ثم خرج فقال بنيامين: أيها الملك إني أريد أن تضرب صُواعك هذا فيخبرك بالحقّ , فسله من سرقه فجعله في رحلي؟ فنقره فقال: إن صواعي هذا غضبان , وهو يقول: كيف تسألني مَنْ صاحبي , وقد رأيتَ مع من كنت؟ قال: وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقُوا , فغضب روبيل , وقال: أيها الملك , والله لتتركنا أو لأصيحنَّ صيحة لا يبقى بمصر امرأةٌ حامل إلا ألقت ما في بطنها ! وقامت كل شعرة في جسد رُوبيل , فخرجت من ثيابه , فقال يوسف لابنه: قم إلى جنب روبيل فمسَّه. وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم فمسَّه الآخر ذهب غضبه , فمر الغلام إلى جنبه فمسَّه , فذهب غضبه , فقال روبيل: مَنْ هذا؟ إن في هذا البلد لبَزْرًا من بَزْر يعقوب! فقال يوسف: من يعقوب؟ فغضب روبيل فقال: يا أيها الملك لا تذكر يعقوب , فإنه سَرِيُّ الله , ابن ذبيح الله , ابن خليل الله . قال يوسف: أنت إذًا كنت صادقًا.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ( 78 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت إخوه يوسف ليوسف: ( يأيها العزيز ) ، يا أيها الملك ( إن له أبًا شيخًا كبيرًا ) كلفًا بحبه , يعنون يعقوب ( فخذ أحدنا مكانه ) ، يعنون فخذ أحدًا منّا بدلا من بنيامين , وخلِّ عنه ( إنا نراك من المحسنين ) ، يقول: إنا نراك من المحسنين في أفعالك .

وقال محمد بن إسحاق في ذلك ما:-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( إنا نراك من المحسنين ) ، إنا نرى ذلك منك إحسانا إن فعلتَ.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ( 79 )

قال أبو جعفر:-

يقول تعالى ذكره: قال يوسف لإخوته: ( معاذ الله ) ، أعوذ بالله .

وكذلك تفعل العرب في كل مصدر وضعته موضع « يفعل » و « تفعل » ، فإنها تنصب ، كقولهم: « حمدًا لله ، وشكرًا له » بمعنى: أحمد الله وأشكره.

والعرب تقول في ذلك: « معاذَ الله » ، و « معاذةَ الله » فتدخل فيه هاء التأنيث. كما يقولون: « ما أحسن معناة هذا الكلام » و « عوذ الله » ، و « عوذة الله » ، و « عياذ الله » . ويقولون: اللهم عائذًا بك ، كأنه قيل: « أعوذ بك عائذا » ، أو أدعوك عائذًا .

( أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ) يقول: أستجير بالله من أن نأخذ بريئًا بسقيم، كما:-

حدثنا ابن حميد ، قال: حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون ) ، يقول: إن أخذنا غير الذي وجدنا متاعنا عنده إنَّا إذًا نفعل ما ليس لنا فعله ونجور على الناس.

حدثنا ابن وكيع ، قال: حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ، قال يوسف: إذا أتيتم أباكم فأقرئوه السلام ، وقولوا له: إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ابنك يوسف ، حتى يعلمَ أنّ في أرض مصر صدِّيقين مثلَه.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ( 80 )

قال أبو جعفر يعني تعالى ذكره: ( فلما استيأسوا منه ) فلما يئسوا منه من أن يخلى يوسف عن بنيامين، ويأخذ منهم واحدًا مكانه، وأن يجيبهم إلى ما سألوه من ذلك.

وقوله ( استيأسوا ) ، « استفعلوا » ، من: « يئس الرجل من كذا ييأس » ، كما:-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( فلما استيأسوا منه ) يئسوا منه، ورأوا شدّته في أمره.

وقوله: ( خلصوا نجيًّا ) ، يقول بعضهم لبعض يتناجون ، لا يختلط بهم غيرهم .

و « النجيّ » ، جماعة القوم المنتجين، يسمى به الواحد والجماعة ، كما يقال: « رجل عدل، ورجال عدل » ، و « قوم زَوْر، وفِطْر » . وهو مصدر من قول القائل: « نجوت فلانا أنجوه نجيًّا » ، جعل صفة ونعتًا . ومن الدليل على أن ذلك كما ذكرنا، قول الله تعالى وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [ سورة مريم : 52 ] فوصف به الواحد ، وقال في هذا الموضع: ( خلصوا نجيًّا ) فوصف به الجماعة ، ويجمع « النجيّ » أنجية ، كما قال لبيد:

وَشَــهِدْتُ أنْجِيَــةَ الأفَاقَـةِ عَاليًـا كَــعْبي وَأَرْدَافُ المُلُــوكِ شُــهُودُ

وقد يقال للجماعة من الرجال: « نَجْوَى » كما قال جل ثناؤه: وَإِذْ هُمْ نَجْوَى [ سورة الإسراء: 47 ] وقال: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ [ سورة المجادلة: 7 ] وهم القوم الذين يتناجون . وتكون « النجوى » أيضا مصدرًا ، كما قال الله: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ [ سورة المجادلة: 10 ] تقول منه « : نجوت أنجو نجوى » فهي في هذا الموضع، المناجاة نفسها ، ومنه قول الشاعر

بُنَــيَّ بَـدَا خِـبُّ نَجْـوَى الرِّجَـالِ فَكُــنْ عِنْــدَ سـرّكَ خَـبَّ النَّجِـيّ

فـ « النجوى » و « النجي » ، في هذا البيت بمعنى واحد ، وهو المناجاة ، وقد جمع بين اللغتين .

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: ( خلصوا نجيًّا ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ( فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا ) وأخلص لهم شمعون ، وقد كان ارتهنه ، خَلَوْا بينهم نجيًّا، يتناجون بينهم .

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( خلصوا نجيًّا ) خلصوا وحدهم نجيًّا.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( خلصوا نجيًّا ) : أي خلا بعضهم ببعض ، ثم قالوا: ماذا ترون؟

وقوله: ( قال كبيرهم ) اختلف أهل العلم في المعنيِّ بذلك.

فقال بعضهم: عنى به كبيرهم في العقل والعلم ، لا في السن ، وهو شمعون. قالوا: وكان روبيل أكبر منه في الميلاد .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله: ( قال كبيرهم ) قال: هو شمعون الذي تخلّف ، وأكبر منهأو: أكبر منهم في الميلاد، روبيل.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( قال كبيرهم ) : ، شمعون الذي تخلّف ، وأكبر منه في الميلاد روبيل.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: ( قال كبيرهم ) ، قال: شمعون الذي تخلف ، وأكبرهم في الميلاد روبيل.

وقال آخرون: بل عنى به كبيرهم في السن، وهو روبيل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( قال كبيرهم ) ، وهو روبيل، أخو يوسف ، وهو ابن خالته ، وهو الذي نهاهم عن قتله.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( قال كبيرهم ) ، قال: روبيل ، وهو الذي أشار عليهم أن لا يقتلوه.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ( قال كبيرهم ) في العلم ( إن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض ) ، الآية ، فأقام روبيل بمصر ، وأقبل التسعة إلى يعقوب، فأخبروه الخبرَ ، فبكى وقال: يا بنيّ ما تذهبون مرَّة إلا نقصتم واحدًا! ذهبتم مرة فنقصتم يوسف ، وذهبتم الثانية فنقصتم شمعون ، وذهبتم الآن فنقصتُم روبيل!

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا ) قال: ماذا ترون؟ فقال روبيل كما ذكر لي ، وكان كبير القوم: ( ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ومن قبل ما فرطتم في يوسف ) ،الآية.

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، قول من قال: عنى بقوله: ( قال كبيرهم ) روبيل، لإجماع جميعهم على أنه كان أكبرهم سنًّا. ولا تفهم العرب في المخاطبة إذا قيل لهم: « فلان كبير القوم » ، مطلقا بغير وصل، إلا أحد معنيين: إما في الرياسة عليهم والسؤدد، وإما في السن. فأما في العقل، فإنهم إذا أرادوا ذلك وصَلوه ، فقالوا: « هو كبيرهم في العقل » . فأما إذا أطلق بغير صلته بذلك، فلا يفهم إلا ما ذكرت.

وقد قال أهل التأويل: لم يكن لشمعون وإن كان قد كان من العلم والعقل بالمكان الذي جعله الله به على إخوته رياسةٌ وسؤدد ، فيعلم بذلك أنه عنى بقوله: ( قال كبيرهم ) فإذا كان ذلك كذلك فلم يبق إلا الوجه الآخر ، وهو الكبر في السن ، وقد قال الذين ذكرنا جميعًا « : روبيل كان أكبر القوم سنًّا » ، فصح بذلك القول الذي اخترناه .

وقوله: ( ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله، ) يقول: ألم تعلموا، أيها القوم؛ أنَّ أباكم يعقوب قد أخذ عليكم عهودَ الله ومواثيقه: لنأتينه به جميعا ، إلا أن يحاط بكم ( ومن قبل ما فرطتم في يوسف ) ، ومن قبل فعلتكم هذه، تفريطكم في يوسف. يقول: أو لم تعلموا من قبل هذا تفريطكم في يوسف؟ وإذا صرف تأويل الكلام إلى هذا الذي قلناه ، كانت « ما » حينئذ في موضع نصب .

وقد يجوز أن يكون قوله: ( ومن قبل ما فرطتم في يوسف ) خبرا مبتدأ ، ويكون قوله: ( ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله ) خبرًا متناهيًا فتكون « ما » حينئذ في موضع رفع ، كأنه قيل: « ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف » فتكون « ما » مرفوعة بـ « من » قبلُ.

هذا ويجوز أن تكون « ما » التي هي صلة في الكلام ، فيكون تأويل الكلام: ومن قبل هذا فرطتم في يوسف .

وقوله: ( فلن أبرح الأرض ) التي أنا بها، وهي مصر فأفارقها ( حتى يأذن لي أبي ) بالخروج منها ، كما:-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( فلن أبرح الأرض ) التي أنا بها اليوم ( حتى يأذن لي أبي ) ، بالخروج منها.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: قال شمعون: ( لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ) .

وقوله: ( أو يحكم الله لي ) ، أو يقضي لي ربي بالخروج منها وترك أخي بنيامين ، وإلا فإني غير خارج ( وهو خير الحاكمين ) ، يقول: والله خير من حكم، وأعدل من فصل بين الناس .

وكان أبو صالح يقول في ذلك بما:-

حدثني الحسين بن يزيد السبيعي قال، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله: ( حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي ، ) قال: بالسيف.

وكأنَّ أبا صالح وجّه تأويل قوله: ( أو يحكم الله لي ) ، إلى: أو يقضي الله لي بحرب من مَنَعَني من الانصراف بأخي بنيامين إلى أبيه يعقوب ، فأحاربه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ( 81 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل روبيل لإخوته، حين أخذ يوسف أخاه بالصواع الذي استخرج من وعائه: ارجعوا، إخوتي، إلى أبيكم يعقوب فقولوا له يا أبانا إن ابنك بنيامين سرق ) .

والقرأة على قراءة هذا الحرف بفتح السين والراء والتخفيف: ( إن ابنك سرق ) .

ورُوي عن ابن عباس: « إنَّ ابْنَكَ سُرِّقَ » بضم السين وتشديد الراء ، على وجه ما لم يسمَّ فاعله، بمعنى: أنه سَرَق ( وما شهدنا إلا بما علمنا ) .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: معناه: وما قلنا إنه سرق إلا بظاهر علمنا بأن ذلك كذلك ، لأن صواع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( ارجعوا إلى أبيكم ) فإني ما كنت راجعًا حتى يأتيني أمرُه ( فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا ) ، أي: قد وجدت السرقة في رحله ، ونحن ننظر لا علم لنا بالغيب ( وما كنا للغيب حافظين ) .

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلا بما علمنا .

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: قال لهم يعقوب عليه السلام: ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلا بقولكم! فقالوا: ( ما شهدنا إلا بما علمنا ) ، لم نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلا وذلك الذي علمنا. قال: وكان الحكم عند الأنبياء، يعقوب وبنيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا فيسترقّ.

وقوله: ( وما كنا للغيب حافظين ) ، يقول: وما كنا نرى أن ابنك يسرق ويصير أمرنا إلى هذا ، وإنما قلنا وَنَحْفَظُ أَخَانَا مما لنا إلى حفظه منه السبيل .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسين بن الحريث أبو عمار المروزي. قال، حدثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرمة: ( وما كنا للغيب حافظين ) . قال: ما كنا نعلم أن ابنك يسرق.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله: ( وما كنا للغيب حافظين ) ، لم نشعر أنه سيسرق.

حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( وما كنا للغيب حافظين ) قال: لم نشعر أنه سيسرق.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( وما كنا للغيب حافظين ) قال: لم نشعر أنه سيسرق.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وأبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة: ( وما كنا للغيب حافظين ) قال: ما كنا نظن ولا نشعر أنه سيسرق.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( وما كنا للغيب حافظين ) قال: ما كنا نرى أنه سيسرق.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى. قال حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( وما كنا للغيب حافظين ) ، قال: ما كنا نظن أن ابنك يسرق.

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب عندنا في قوله: ( وما شهدنا إلا بما علمنا ) قولُ من قال: وما شهدنا بأن ابنك سرق إلا بما علمنا من رؤيتنا للصواع في وعائه لأنه عَقيِب قوله: ( إن ابنك سرق ) ؛ فهو بأن يكون خبرًا عن شهادتهم بذلك، أولى من أن يكون خبرًا عما هو منفصل.

وذكر أن « الغيب » ، في لغة حمير، هو الليل بعينه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ( 82 )

قال أبو جعفر : يقول: وإن كنتَ مُتَّهمًا لنا، لا تصدقنا على ما نقول من أن ابنك سرق: ( فاسأل القرية التي كنا فيها ) ، وهي مصر، يقول: سل من فيها من أهلها ( والعير التي أقبلنا فيها ) ، وهي القافلة التي كنا فيها ، التي أقبلنا منها معها ، عن خبر ابنك وحقيقة ما أخبرناك عنه من سَرَقِهِ ، فإنك تَخْبُر مصداق ذلك ( وإنّا لصادقون ) فيما أخبرناك من خبره .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( واسأل القرية التي كنا فيها ) ، وهي مصر.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: ( واسأل القرية التي كنا فيها ) قال: يعنون مصر.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: قد عرف رُوبيل في رَجْع قوله لإخوته، أنهم أهلُ تُهمةٍ عند أبيهم ، لما كانوا صنعوا في يوسف . وقولهم له: ( اسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها ) ، فقد علموا ما علمنا وشهدوا ما شهدنا، إن كنت لا تصدقنا ( وإنا لصادقون ) .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( 83 )

قال أبو جعفر: في الكلام متروك ، وهو: فرجع إخوة بنيامين إلى أبيهم ، وتخلف روبيل ، فأخبروه خبره ، فلما أخبروه أنه سرق قال ( بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا ) ، يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرًا هممتم به وأردتموه ( فصبر جميل ) ، يقول: فصبري على ما نالني من فقد ولدي، صبرٌ جميل لا جزع فيه ولا شكاية عسى الله أن يأتيني بأولادي جميعًا فيردّهم عليّ ( إنه هو العليم ) ، بوحدتي، وبفقدهم وحزني عليهم، وصِدْقِ ما يقولون من كذبه ( الحكيم ) ، في تدبيره خلقه .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل ) ، يقول: زينت وقوله: ( عسى الله أن يأتيني بهم جميعًا ) يقول: بيوسف وأخيه وروبيل.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: لما جاءوا بذلك إلى يعقوب ، يعني بقول روبيل لهم، اتَّهمهم وظن أن ذلك كفعلتهم بيوسف ، ثم قال: ( بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ) أي: بيوسف وأخيه وروبيل.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ( 84 )

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره، بقوله: ( وتولى عنهم ) ، وأعرض عنهم يعقوب ( وقال يا أسفا على يوسف ) ، يعني: يا حَزَنا عليه .

يقال: إن « الأسف » هو أشدُّ الحزن والتندم. يقال منه « : أسِفْتُ على كذا آسَفُ عليه أسَفًا » .

يقول الله جل ثناؤه: وابيضَّت عينا يعقوب من الحزن ( فهو كظيم ) ، يقول: فهو مكظوم على الحزن ، يعني أنه مملوء منه، مُمْسِك عليه لا يُبينه.

صُرِف « المفعول » منه إلى « فعيل » ، ومنه قوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [ سورة آل عمران: 134 ] ، وقد بينا معناه بشواهده فيما مضى .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله: ( وقال يا أسفا على يوسف ) :

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( وتولى عنهم ) ، أعرض عنهم ، وتتَامَّ حزنه ، وبلغ مجهودَه ، حين لحق بيوسف أخوه، وهيَّج عليه حزنه على يوسف ، فقال: ( يا أسَفَا على يوسف وابيضَّت عيناه من الحزن فهو كظيم ) .

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال،حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ( وتولى عنهم وقال يا أسفَا على يوسف ) ، يقول: يا حزني على يوسف.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله: ( يا أسفا على يوسف ) ، يا حَزَنَا.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( يا أسفا على يوسف ) ، يا جزعاه.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( يا أسفا على يوسف ) ، يا جَزَعاه حزنًا.

حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( يا أسفا على يوسف ) ، يا جَزَعَا.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( يا أسفا على يوسف ) أي: حَزَناه.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( يا أسفَا على يوسف ) ، قال: يا حزناه على يوسف.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن حميد المعمري ، عن معمر ، عن قتادة ، نحوه .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: ( وقال يا أسفا على يوسف ) .....

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي حجيرة ، عن الضحاك: ( يا أسفا على يوسف ) ، قال: يا حَزَنَا على يوسف.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أبي مرزوق ، عن جويبر، عن الضحاك: ( يا أسفَا ) ، يا حَزَنَاه.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: ( يا أسفا ) يا حزنا ( على يوسف ) .

حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن سفيان العصفري ، عن سعيد بن جبير قال: لم يُعْطَ أحدٌ غيرَ هذه الأمة الاسترجاع ، ألا تسمعون إلى قول يعقوب: ( يا أسفَا على يوسف ) ؟

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان ، عن سعيد بن جبير، نحوه .

*ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله: ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) .

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( فهو كظيم ) ، قال: كظيم الحزن.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( فهو كظيم ) ، قال: كظيم الحزن.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( فهو كظيم ) ، قال: الحزن.

حدثني المثنى قال، أخبرنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( فهو كظيم ) ، مكمود.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: ( فهو كظيم ) ، قال: كظيمٌ على الحزن.

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله: ( فهو كظيم ) ، قال: « الكظيم » ، الكميد.

حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله: ( فهو كظيم ) ، قال: كميد.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، في قوله: ( كظيم ) ، قال: كميد.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( وابيضت عيناه من الحرن فهو كظيم ) ، يقول: تردَّدَ حُزْنُه في جوفه، ولم يتكلّم بسوء.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله: ( فهو كظيم ) ، قال: كظيم على الحزن، فلم يقل بأسًا.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا الحسين بن الحسن قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله: ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) قال: كظيم على الحزن فلم يقل إلا خيرًا.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان ، عن يزيد بن زريع ، عن عطاء الخراساني: ( فهو كظيم، ) قال: مكروب.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدى: ( فهو كظيم ) قال: من الغيظ.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد ، في قوله: ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) ، قال: « الكظيم » الذي لا يتكَّلم ، بلغ به الحزن حتى كان لا يكلِّمهم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ( 85 )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره: قال ولد يعقوب الذين انصرفوا إليه من مصر له، حين قال: يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ : تالله لا تزال تذكر يوسف .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو ، قال حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( تفتأ ) تفتر من حبه.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله: ( تفتأ ) ، تفتر من حبه.

قال أبو جعفر:

هكذا قال الحسن في حديثه ، وهو غلط ، إنما هو: تفتر من حبه ، تزال تذكر يوسف.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ) قال: لا تفتر من حبه.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( تفتأ ) : تفتر من حبه.

19679 ....- قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله: ( تالله تفتأ تذكر يوسف ) ، قال: لا تزال تذكر يوسف.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: ( قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ) قال: لا تزال تذكر يوسف. قال، لا تفتر من حبه.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( تفتأ تذكر يوسف ) قال: لا تزال تذكر يوسف.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( تفتأ تذكر يوسف ، ) قال: لا تزال تذكر يوسف.

يقال منه: « ما فَتِئت أقول ذاك » ، « وما فَتَأت » لغة ، « أفْتِئُ وأفْتَأ فَتأً وفُتوُءًا » . وحكي أيضًا: « ما أفتأت به » ، ومنه قول أوس بن حجر:

فَمَــا فَتِئَـتْ حَـتَّى كـأَنَّ غُبَارَهَـا سُــرَادِقُ يَــوْمٍ ذِي رِيَـاحٍ تَـرَفَّعُ

وقوله الآخر

فَمَــا فَتِئَـتْ خَـيْلٌ تَثُـوبَ وَتَـدَّعِي وَيَلْحَــقُ مِنْهَــا لاحِــقٌ وتَقَطَّـعُ

بمعنى: فما زالت.

وحذفت « لا » من قوله: ( تفتأ ) وهي مرادة في الكلام ، لأن اليمين إذا كان ما بعدها خبرًا لم يصحبها الجحد ، ولم تسقط « اللام » التي يجاب بها الأيْمان ، وذلك كقول القائل: « والله لآتينَّك » ، وإذا كان ما بعدها مجحودًا تُلُقِّيت بـ « ما » أو بـ « لا » . فلما عرف موقعها حُذِفت من الكلام، لمعرفة السامع بمعنى الكلام ، ومنه قول امرئ القيس:

فَقُلْــتُ يَمِيــنَ اللـهِ أبْـرَحُ قَـاعِدًا وَلَـوْ قَطَّعُـوا رَأْسِـي لَدَيْكِ وأوْصَالِي

فحذفت « لا » من قوله: « أبرح قاعدًا » ، لما ذكرت من العلة ، كما قال الآخر:

فَـلا وأَبِـي دَهْمَـاءَ زَالَـتْ عَزِيـزَةً عَـلَى قَوْمِهَـا مَـا فَتَّـلَ الزَّنْـدَ قَادِحُ

يريد: لا زالت .

وقوله: ( حتى تكون حرضًا، ) يقول: حتى تكون دَنِفَ الجسم مخبولَ العقل.

وأصل الحرض: الفساد في الجسم والعقل من الحزن أو العشق، ومنه قول العَرْجيّ:

إنِّـي امْـرُؤٌ لَـجّ بي حُبٌّ فأَحْرَضَني حَـتَّى بَلِيـتُ وحَـتّى شَـفَّني السَّـقَمُ

يعني بقوله: « فأحرضني » ، أذابني فتركني مُحْرَضًا. يقال منه: « رجل حَرَضٌ ، وامرأة حَرَضٌ ، وقوم حَرَضٌ ، ورجلان حَرَضٌ » ، على صورة واحدة للمذكر والمؤنث، وفي التثنية والجمع. ومن العرب من يقول للذكر: « حَارِض » ، وللأنثى « حارضة » . فإذا وُصف بهذا اللفظ ثُنِّي وجُمع، وذكِّر وأنث. وَوُحِّد « حَرَض » بكل حال ولم يدخله التأنيث، لأنه مصدر ، فإذا أخرج على « فاعل » على تقدير الأسماء، لزمه ما يلزم الأسماء من التثنية والجمع والتذكير والتأنيث. وذكر بعضهم سماعًا: « رجُل مُحْرَضٌ » ، إذا كان وَجِعًا ، وأنشد في ذلك بيتًا:

طَلَبَتْــهُ الخَــيْلُ يَوْمًــا كَــامِلا وَلَــوَ الْفَتْــهُ لأضْحَـى مُحْرَضَـا

وذكر أنَّ منه قول امرئ القيس:

أَرَى المَـرْءَ ذَا الأذْوَادِ يُصْبِحُ مُحْرَضًا كَـإِحْرَاضِ بَكْـرٍ فـي الدِّيَـارِ مَريضِ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله: ( حتى تكون حرضًا ) يعني: الجَهْدَ في المرض، البالي.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( حتى تكون حرضًا ) قال: دون الموت.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد: ( حتى تكون حرضًا ) قال: الحرض، ما دون الموت.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

...قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( حتى تكون حرضًا ) حتى تبلى أو تهرم.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( حتى تكون حرضًا ) حتى تكون هَرِمًا.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن: ( حتى تكون حرضًا ) قال: هرمًا.

...قال، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال: « الحرض » ، الشيء البالي.

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله: ( حتى تكون حرضًا ) قال: الحرض: الشيء البالي الفاني.

19696....- قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك ، عن أبي معاذ ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك: ( حتى تكون حَرَضًا ) « الحرضُ » البالي.

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك يقول في قوله: ( حتى تكون حرضًا ) : هو البالي المُدْبر.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ( حتى تكون حرضًا ) باليًا.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: لما ذكر يعقوبُ يوسفَ قالوا يعني ولده الذين حضروه في ذلك الوقت، جهلا وظلمًا: ( تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا ، ) أي: تكون فاسدًا لا عقل لك ( أو تكون من الهالكين. )

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد ، في قوله: ( حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين ) ، قال: « الحرض » : الذي قد رُدَّ إلى أرذل العمر حتى لا يعقل ، أو يهلك، فيكون هالكًا قبل ذلك.

وقوله: ( أو تكون من الهالكين ) ، يقول: أو تكون ممن هلك بالموت .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد: ( أو تكون من الهالكين ، ) قال: الموت.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( أو تكون من الهالكين ، ) من الميتين.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك، ( أو تكون من الهالكين ) قال: الميتين.

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن عون ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن: ( أو تكون من الهالكين ) ، قال: الميتين.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( أو تكون من الهالكين ) ، قال: أو تموت.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( أو تكون من الهالكين، ) قال: من الميتين.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ( أو تكون من الهالكين، ) قال: الميتين.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ( 86 )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: قال يعقوب للقائلين له من ولده: تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ : لست إليكم أشكو بثي وحزني ، وإنما أشكو ذلك إلى الله .

ويعني بقوله: ( إنما أشكو بثي ) ، ما أشكو هَمِّي وحزني إلا إلى الله.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج: ( إنما أشكو بثي ) ، قال ابن عباس: « بثي » ، همي.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: قال يعقوب عَنْ عِلْمٍ بالله: ( إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) ، لما رأى من فظاظتهم وغلظتهم وسوء لَفْظهم له: لم أشك ذلك إليكم ( وأعلم من الله ما لا تعلمون ) .

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة ، عن عوف ، عن الحسن: ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) قال: حاجتي وحزني إلى الله.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا هوذة بن خليفة قال، حدثنا عوف ، عن الحسن ، مثله .

وقيل: إن « البثّ » ، أشد الحزن ، وهو عندي من : « بَثّ الحديث » ، وإنما يراد منه: إنما أشكو خبري الذي أنا فيه من الهمِّ ، وأبثُّ حديثي وحزني إلى الله .

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عوف ، عن الحسن، ( إنما أشكو بثي ) ، قال: حزني.

حدثنا ابن بشار قال، حدثني يحيى بن سعيد ، عن عوف ، عن الحسن: ( إنما أشكو بثي وحزني ) ، قال: حاجتي.

وأما قوله ( وأعلم من الله ما لا تعلمون ) فإن ابن عباس كان يقول في ذلك فيما ذكر عنه ما:-

حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله: ( وأعلم من الله ما لا تعلمون ، ) يقول: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة، وأني سأسجد له.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) ، قال: لما أخبروه بدعاء الملك، أحسَّت نفسُ يعقوب وقال: ما يكون في الأرض صِدِّيق إلا نبيّ ! فطمع قال: لعله يوسف.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) الآية ، ذكر لنا أن نبي الله يعقوب لم ينـزل به بلاءٌ قط إلا أتى حُسْنَ ظنّه بالله من ورائه.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام ، عن عيسى بن يزيد ، عن الحسن قال، قيل: ما بلغ وجدُ يعقوب على ابنه؟ قال: وجد سبعين ثكلى! . قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مئة شهيدٍ . قال: وما ساء ظنه بالله ساعةً من ليل ولا نهارٍ.

حدثنا به ابن حميد مرة أخرى قال، حدثنا حكام ، عن أبي معاذ ، عن يونس ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن المبارك بن مجاهد ، عن رجل من الأزد ، عن طلحة بن مصرِّف الإيامي قال، ثلاثة لا تذْكُرْهنّ واجتنب ذكرهُنّ: لا تشك مَرَضَك ، ولا تَشكُّ مصيبتك ، ولا تزكِّ نفسك . قال: وأنبئت أنّ يعقوب بن إسحاق دخل عليه جار له ، فقال له: يا يعقوب ما لي أراك قد انهشمت وفنيتَ، ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك؟ قال: هَشَمني وأفناني ما ابتلاني الله به من همّ يوسف وذكره! فأوحى الله إليه: يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتُها ، فاغفرها لي ! قال: فإني قد غفرت لك . وكان بعد ذلك إذا سئل قال، ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) .

حدثنا عمرو بن علي قال، حدثني مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت قال، بلغني أن يعقوب كبر حتى سقط حاجبَاه على وجنتيه ، فكان يرفعهما بخِرْقَة ، فقال له رجل: ما بلغ بك ما أرى؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان . فأوحى الله إليه: يا يعقوب تشكوني؟ قال: خطيئة فاغفرها.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا ثور بن يزيد قال: دخل يعقوب على فرعون وقد سقط حاجبَاه على عينيه ، فقال: ما بلغ بك هذا يا إبراهيم؟ فقالوا: إنّه يعقوب ، فقال: ما بلغ بك هذا يا يعقوب؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان . فقال الله: يا يعقوب أتشكوني؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتها ، فاغفرها لي.

حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا هشام ، عن ليث بن أبي سليم قال، دخل جبريل على يوسف السجنَ ، فعرفه، فقال: أيها المَلَكُ الحسن وجهه ، الطيبة ريحُه ، الكريمُ على ربه ، ألا تخبرني عن يعقوب أحيٌّ هو؟ قال: نعم . قال: أيها الملك الحسنُ وجههُ ، الطيبة ريحه ، الكريم على ربه ، فما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة . قال: أيها الملك الحسن وجهه ، الطيبة ريحه ، الكريم على ربه ، فهل في ذلك من أجر؟ قال: أجر مئة شهيد.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد قال: حُدّثت أن جبريل أتى يوسف صلى الله عليه وسلم وهو بمصر في صورة رجل، فلما رآه يوسف عرَفه ، فقام إليه: فقال: أيها الملك الطيبُ ريحه ، الطاهرُ ثيابه ، الكريم على ربه ، هل لك بيعقوب من علم؟ قال: نعم! قال: أيها الملك الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، فكيف هو؟ قال: ذهب بصره . قال: أيها الملك الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، وما الذي أذهب بصره؟ قال: الحزنُ عليك . قال: أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، فما أعطي على ذلك؟ قال: أجر سبعين شهيدًا.

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال أبو شريح: سمعت من يحدث أن يوسف سأل جبريل: ما بلغ من حزن يعقوب؟ قال: حزن سبعين ثكلى . قال: فما بلغ أجره؟ قال: أجر سبعين شهيدًا.

... قال: أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني نافع بن يزيد ، عن عبيد الله بن أبي جعفر قال، دخل جبريل على يوسف في البئر أو في السجن ، فقال له يوسف: يا جبريل ، ما بلغ حزن أبي؟ قال: حزن سبعين ثكلى . قال: فما بلغ أجره من الله؟ قال: أجر مئة شهيدٍ.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل قال، سمعت وهب بن منبه يقول: أتى جبريل يوسف بالبشرى وهو في السجن. فقال: هل تعرفني أيها الصِّدِّيق؟ قال: أرى صورة طاهرة ورُوحًا طيبة لا تشبه أرواح الخاطئين . قال: فإني رسول رب العالمين ، وأنا الروح الأمين . قال: فما الذي أدخلك على مُدْخَل المذنبين ، وأنت أطيب الطيبين ، ورأس المقربين ، وأمين رب العالمين؟ قال: ألم تعلم يا يوسف أن الله يطّهر البيوت بطُهْر النبيين ، وأن الأرض التي يدخلونها هي أطهر الأرَضِين ، وأن الله قد طهَّر بك السجن وما حوله يا أطهر الطاهرين وابن المطهَّرين؟ إنما يتطهر بفضل طهرك وطهر آبائك الصالحين المخلَصِين! قال: كيف لي باسم الصّدِّيقين ، وتعدُّني من المخلصين ، وقد أدخلت مُدْخَل المذنبين ، وسميت في الضالين المفسدين؟ قال: لم يُفْتَتَنْ قلبُك ، ولم تطع سيدتك في معصية ربك ، ولذلك سمَّاك الله في الصديقين ، وعدّك من المخلَصين ، وألحقك بآبائك الصالحين . قال: لك علم بيعقوب أيها الروح الأمين؟ قال: نعم ، وهبه الله الصبر الجميل ، وابتلاه بالحزن عليك ، فهو كظيم . قال: فما قَدْرُ حزنه؟ قال: حزن سبعين ثكلى . قال: فماذا له من الأجر يا جبريل؟ قال: قدر مئة شهيدٍ.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير ، عن ليث ، عن ثابت البناني قال، دخل جبريل على يوسف في السجن ، فعرفه يوسف قال، فأتاه فسلم عليه ، فقال: أيها الملك الطيبُ ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل لك من علم بيعقوب؟ قال: نعم . قال: أيها الملك الطيبُ ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل تدري ما فعل؟ قال: ابيضَّت عيناه . قال: أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، ممّ ذاك؟ قال: من الحزن عليك. قال، أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، وما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة . قال: أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل له على ذلك من أجر؟ قال: نعم أجر مئة شهيدٍ.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال، أتى جبرئيل يوسف وهو في السجن فسلّم عليه ، وجاءه في صورة رجلٍ حسن الوجه طيّب الريح نقيّ الثياب ، فقال له يوسف: أيها المَلك الحسن وجهه ، الكريم على ربه ، الطيب ريحه ، حدثني كيف يعقوب؟ قال: حزن عليك حزنًا شديدًا . قال: وما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة . قال: فما بلغ من أجره؟ قال: أجر سبعين أو مئة شهيدٍ . قال يوسف: فإلى من أوَى بعدي؟ قال: إلى أخيك بنيامين . قال: فتراني ألقاه أبدًا؟ قال: نعم . فبكى يوسف لما لقي أبوه بعده ، ثم قال: ما أبالي ما لقيت إنِ اللهُ أرانيه.

... قال: حدثنا عمرو بن محمد ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة قال، أتى جبريل يوسف وهو في السجن ، فسلم عليه ، فقال له يوسف، أيها الملك الكريم على ربه ، الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، هل لك من علم بيعقوب؟ قال: نعم ما أشد حزنه ! قال: أيها الملك الكريم على ربه ، الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، ماذا لَه من الأجر؟ قال: أجر سبعين شهيدًا . قال: أفتراني لاقيه؟ قال: نعم . قال: فطابت نفس يوسف.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير ، عن ليث ، عن سعيد بن جبير قال: لما دخل يعقوب على الملك وحاجباه قد سقطا على عينيه ، قال الملك: ما هذا؟ قال: السنون والأحزان، أو: الهموم والأحزان ، فقال ربه: يا يعقوب لم تشكوني إلى خلقي ، ألم أفعل بك وأفعل؟

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن مسلم بن يسار يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: من بثَّ لم يصبر ثم قرأ: ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) .

حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن الحسن قال، كان منذ خرج يوسف من عند يعقوب إلى يوم رجع ثمانون سنة ، لم يفارق الحزن قلبه ، يبكي حتى ذهبَ بصره . قال الحسن: والله ما على الأرض يومئذ خليقةٌ أكرم على الله من يعقوب صلى الله عليه وسلم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ( 87 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حين طمع يعقوب في يوسف ، قال لبنيه: ( يا بني اذهبوا ) إلى الموضع الذي جئتم منه وخلفتم أخويكم به ( فتحسَّسوا من يوسف ) ، يقول: التمسوا يوسف وتعرَّفوا من خبره .

وأصل « التحسُّس » ، « التفعل » من « الحِسِّ » .

( وأخيه ) يعني بنيامين ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، يقول: ولا تقنطوا من أن يروِّح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرَجٍ من عنده، فيرينيهما ( إنه لا ييأس من روح الله ) يقول: لا يقنط من فرجه ورحمته ويقطع رجاءه منه ( إلا القوم الكافرون ) ، يعني: القوم الذين يجحدون قُدرته على ما شاءَ تكوينه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ) ، بمصر ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، قال: من فرج الله أن يردَّ يوسف.

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله: ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، أي من رحمة الله.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة نحوه .

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال، ثم إن يعقوب قال لبنيه ، وهو على حسن ظنه بربه مع الذي هو فيه من الحزن: ( يا بني اذهبوا ) إلى البلاد التي منها جئتم ( فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله ) : أي من فرجه ( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، يقول: من رحمة الله.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، قال: من فرج الله ، يفرِّج عنكم الغمّ الذي أنتم فيه

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ( 88 )

قال أبو جعفر: وفي الكلام متروك قد استغني بذكر ما ظهر عما حذف ، وذلك: فخرجوا راجعين إلى مصر حتى صاروا إليها ، فدَخلوا على يوسف ( فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر ) ، أي الشدة من الجدب والقحط ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) . كما:-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال، وخرجوا إلى مصر راجعين إليها ( ببضاعة مزجاة ) : أي قليلة ، لا تبلغ ما كانوا يتبايعون به ، إلا أن يتجاوز لهم فيها ، وقد رأوا ما نـزل بأبيهم ، وتتابعَ البلاء عليه في ولده وبصره ، حتى قدموا على يوسف. فلما دخلوا عليه قالوا: ( يا أيها العزيز ) ، رَجَاةَ أن يرحمهم في شأن أخيهم ( مسنا وأهلنا الضر ) .

وعنى بقوله: ( وجئنا ببضاعة مُزْجاة ) بدراهم أو ثمن لا يجوز في ثمن الطعام إلا لمن يتجاوز فيها .

وأصل « الإزجاء » : السوق بالدفع ، كما قال النابغة الذبياني:

وَهَبّـتِ الـرِّيحُ مِـنْ تِلْقَـاءِ ذِي أُرُلٍ تُزْجِـي مَـعَ اللَّيْلِ مِنْ صَرَّادِهَا صِرَمَا

يعني تسوق وتدفع ; ومنه قول أعشى بني ثعلبة:

الــوَاهِبُ المِئــةَ الهِجَـانَ وعَبْدَهَـا عُــوذًا تُزَجِّــي خَلْفَهــا أطْفَالَهـا

وقول حاتم:

لِبَيْـكِ عَـلَى مِلْحَـانَ ضَيْـفٌ مُـدَفَّعٌ وَأَرْمَلَـةٌ تُزْجِـى مَـعَ اللَّيـلِ أَرْمَـلا

يعني أنها تسوقه بين يديها على ضعف منه عن المشي وعجز ; ولذلك قيل: ( ببضاعة مزجاة ) ، لأنها غير نافقة ، وإنما تُجَوَّز تجويزًا على وَضعٍ من آخذيها.

وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك ، وإن كانت معاني بيانهم متقاربة .

*ذكر أقوال أهل التأويل في ذلك:

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: ( ببضاعة مزجاة ) قال: رديَّةٍ زُيُوفٍ لا تنفق حتى يُوضَع منها.

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال: الردِيّة التي لا تنفق حتى يُوضَع منها.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال: خَلَقٍ الغِرَارة والحبلُ والشيء.

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة قال، سمعت ابن عباس ، وسئل عن قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال: رِثَّةُ المتاع، الحبلُ والغرارةُ والشيء.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال: « البضاعة » ، الدراهم ، و « المزجاة » : غير طائل.

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم ، عن ابن أبي زياد ، عمن حدثه ، عن ابن عباس قال، كاسدة غير طائل.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير، وعكرمة،: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال سعيد: ناقصة وقال عكرمة: دراهم فُسُول.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير وعكرمة ، مثله .

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير وعكرمة: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال أحدهما: ناقصة . وقال الآخر: رديَّةٌ.

... وبه قال، حدثنا أبي عن سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث قال، كان سَمْنًا وصُوفًا.

حدثنا الحسن قال، حدثنا علي بن عاصم ، عن يزيد بن أبي زياد قال: سأل رجل عبد الله بن الحارث وأنا عنده عن قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال: قليلةٌ ، متاعُ الأعراب: الصوفُ والسَّمن.

حدثنا إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري ، قال، حدثنا محمد بن إسحاق البلخي ، قال:حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن مروان بن عمرو العذري ، عن أبي إسماعيل ، عن أبي صالح ، في قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال الصنوبر والحبة الخضراء.

حدثنا ابن حميد ، قال:حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن يزيد بن الوليد ، عن إبراهيم ، في قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال:قليلة ، ألا تسمع إلى قوله: « فَأَوْقِرْ رِكَابَنَا » ، وهم يقرءون كذلك.

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال:حدثنا هشيم ، قال، أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، أنه قال: ما أراها إلا القليلة ، لأنها في مصحف عبد الله: « وَأَوْقِرْ رِكَابَنا » ، يعني قوله: « مزجاة » .

حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا جرير ، عن القعقاع بن يزيد ، عن إبراهيم قال، قليلة ، ألم تسمع إلى قوله: « وَأَوْقِرْ رِكَابنَا » ؟

حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي بكر الهذلي ، عن سعيد بن جبير والحسن: بضاعة مزجاة قال سعيد:الرديّة وقال الحسن:القليلة.

حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا ابن إدريس ، عن يزيد ، عن عبد الله بن الحارث قال، متاع الأعراب سمنٌ وصوف.

حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية قال، دراهم ليست بطائل.

حدثني محمد بن عمرو ، قال، حدثنا أبو عاصم ، قال:حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( مزجاة ) ، قال:قليلة.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال:حدثنا شبابة ، قال:حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( مزجاة ) قال:قليلة.

حدثني المثنى ، قال:حدثنا أبو حذيفة ، قال:حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

... قال، حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال، حدثنا سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) قال:شيء من صوف ، وشيء من سمن.

... قال، حدثنا عمرو بن عون ، قال، أخبرنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن قال: قليلة.

حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، عمن حدثه ، عن مجاهد: ( مزجاة ) قال:قليلة.

حدثنا القاسم ، قال:حدثنا الحسين ، قال: حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

... قال:حدثنا الحسين ، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن عكرمة قال: ناقصة وقال سعيد بن جبير: فُسُولٌ.

... قال:حدثنا الحسين ، قال: حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال:رديّة.

حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال: كاسدة لا تنفق .

حدثني المثنى ، قال:حدثنا عمرو بن عون ، قالأخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك قال: كاسدة.

حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا عبدة ، عن جويبر ، عن الضحاك قال: كاسدة غير طائل.

حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال:سمعت أبا معاذ يقول:حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( ببضاعة مزجاة ) ، يقول:كاسدة غير نافقة.

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال:حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قالالناقصة وقال عكرمة: فيها تجوُّزٌ.

... قال، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: الدراهم الرديّة التي لا تجوز إلا بنقصان.

... قال، حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى، عن مجاهد قال: الدراهم الرُّذَال، التي لا تجوز إلا بنقصان.

حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: دراهم فيها جَوازٌ.

حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) :، أي: يسيرة.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا يونس ، قال، أخبرنا ابن وهب ، قال، قال ابن زيد ، في قوله: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) قال: « المزجاة » ، القليلة.

حدثنا ابن حميد ، قال:حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) :، أي قليلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك ، إلا أن تتجاوز لنا فيها.

وقوله: ( فأوف لنا الكيل ) ..... بها وأعطنا بها ما كنت تعطينا قبل بالثمن الجيّد والدراهم الجائزة الوافية التي لا تردّ، كما:-

حدثنا ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( فأوف لنا الكيل ) : ، أي أعطنا ما كنت تعطينا قَبْلُ ، فإن بضاعتنا مزجاة.

حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( فأوف لنا الكيل ) قال:كما كنت تعطينا بالدراهم الجياد.

وقوله: ( وتصدق علينا ) يقول تعالى ذكره: قالوا: وتفضل علينا بما بَيْنَ سعر الجياد والرديّة ، فلا تنقصنا من سعر طَعامك لرديِّ بضاعتنا ( إن الله يجزي المتصدقين ) ، يقول: إن الله يثيب المتفضلين على أهل الحاجة بأموالهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ( وتصدق علينا ) ، قال:تفضل بما بين الجياد والرديّة.

حدثنا القاسم ، قال:حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير: ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ) ، لا تنقصنا من السعر من أجل رديّ دراهمنا.

واختلفوا في الصدقة ، هل كانت حلالا للأنبياء قبل نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أو كانت حرامًا؟

فقال بعضهم:لم تكن حلالا لأحدٍ من الأنبياء عليهم السلام .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم ، قال:حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير قال، ما سأل نبيٌّ قطٌّ الصَّدقَة ، ولكنهم قالوا: ( جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ) ، لا تنقصنا من السعر.

وروي عن ابن عيينة ما:-

حدثني به الحارث ، قال:حدثنا القاسم قال: يحكى عن سفيان بن عيينة أنه سئل:هل حرمت الصدقة على أحدٍ من الأنبياء قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألم تسمع قوله: ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين ) .

قال الحارث: قال القاسم: يذهب ابن عيينة إلى أنهم لم يقولوا ذلك إلا والصدقة لهم حلالٌ ، وهم أنبياء ، فإن الصدقة إنما حُرِّمت على محمد صلى الله عليه وسلم ، وعليهم .

وقال آخرون:إنما عنى بقوله: ( وتصدق علينا ) وتصدق علينا بردّ أخينا إلينا .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله: ( وتصدق علينا ) قال:رُدَّ إلينا أخانا.

قال أبو جعفر: وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن جريج ، وإن كان قولا له وجه، فليس بالقول المختار في تأويل قوله: ( وتصدَّق علينا ) لأن « الصدقة » في متعارف [ العرب ] ، إنما هي إعطاء الرجل ذا حاجةٍ بعض أملاكه ابتغاءَ ثواب الله عليه، وإن كان كلّ معروف صدقةً ، فتوجيه تأويل كلام الله إلى الأغلب من معناه في كلام من نـزل القرآن بلسانه أولى وأحرى .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد .

حدثني الحارث ، قال، حدثنا القاسم ، قال، حدثنا مروان بن معاوية ، عن عثمان بن الأسود ، قال:سمعت مجاهدًا ، وسئل: هل يُكْرَهُ أن يقول الرجل في دعائه: اللهم تصدّق عليّ؟ فقال:نعم ، إنما الصَّدقة لمن يبغي الثوابَ.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ( 89 )

قال أبو جعفر: ذكر أن يوسف صلوات الله عليه لما قال له إخوته: يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ، أدركته الرقّة وباح لهم بما كان يكتمهم من شأنه، كما:-

حدثنا ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال، ذكر لي أنهم لما كلموه بهذا الكلام غلبته نفسه ، فارفضَّ دمعه باكيًا ، ثم باح لهم بالذي يكتم منهم ، فقال: ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) ؟ ولم يعن بذكر أخيه ما صنعه هو فيه حين أخذه ، ولكن للتفريق بينه وبين أخيه ، إذ صنعوا بيوسف ما صنعوا.

حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، قال، حدثنا أسباط ، عن السدي: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ، الآية ، قال:فرحمهم عند ذلك ، فقال لهم: ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) ؟

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام:هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه ، إذ فرقتم بينهما وصنعتم ما صنعتم إذ أنتم جاهلون؟ يعني في حال جهلكم بعاقبة ما تفعلون بيوسف ، وما إليه صائر أمره وأمركم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ( 90 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:قال إخوة يوسف له حين قال لهم ذلك يوسف: ( إنك لأنت يوسف ) ؟ ، فقال:نعم أنا يوسف ( وهذا أخي قد مَنَّ الله علينا ) بأن جمع بيننا بعد ما فرقتم بيننا ( إنه من يتق ويصبر ) ، يقولإنه من يتق الله فيراقبه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ( ويصبر ) ، يقول: ويكفّ نفسه ، فيحبسها عما حرَّم الله عليه من قول أو عمل عند مصيبةٍ نـزلتْ به من الله ( فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) ، يقول:فإن الله لا يُبْطل ثواب إحسانه وجزاء طاعته إيَّاه فيما أمره ونهاه .

وقد اختلف القرأة في قراءة قوله: ( أإنك لأنت يوسف ) .

فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: ( أَإِنّكَ ) ، على الاستفهام .

وذكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب: « أَوَأَنْتَ يُوسُفُ. »

وروي عن ابن محيصن أنه قرأ: « إِنَّكَ لأَنْتَ يُوُسُفُ » ، على الخبر ، لا على الاستفهام .

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءةُ من قرأه بالاستفهام ، لإجماع الحجّة من القرأة عليه .

حدثنا ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال، لما قال لهم ذلك يعني قوله: هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ كشف الغِطاء فعرفوه ، فقالوا: ( أإنك لأنت يوسف ) ، الآية.

حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال، حدثني من سمع عبد الله بن إدريس يذكر ، عن ليث ، عن مجاهد ، قوله: ( إنه من يتق ويصبر ) ، يقول:من يتق معصية الله، ويصبر على السِّجن.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ( 91 )

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف له: تالله لقد فضلك الله علينا، وآثرك بالعلم والحلم والفضل ( وإن كنا لخاطئين ) ، يقول:وما كنا في فعلنا الذي فعلنا بك، في تفريقنا بينك وبين أبيك وأخيك وغير ذلك من صنيعنا الذي صنعنا بك ، إلا خاطئين يعنون: مخطئين.

يقال منه: « خَطِئَ فلان يَخْطَأ خَطَأ وخِطْأً ، وأخطأ يُخْطِئُ إِخْطاءً » ، ومن ذلك قول أمية بن الأسكر:

وَإنَّ مُهَـــــاجِرَيْنِ تَكَنَّفَـــــاهُ لَعَمْــرُ اللــهِ قَــدْ خَطِئـا وحَابَـا

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: لما قال لهم يوسف: أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي اعتذروا إليه وقالوا: ( تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين ) فيما كنا صنعنا بك.

حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( تالله لقد آثرك الله علينا ) وذلك بعد ما عرَّفهم أنفسهم ، يقول:جعلك الله رجلا حليمًا.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ( 92 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:قال يوسف لإخوته: ( لا تثريب ) يقول:لا تعيير عليكم ولا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحقّ الأخوة ، ولكن لكم عندي الصفح والعفو .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله: ( لا تثريب عليكم ) ، لم يثرِّب عليهم أعمالهم.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق ، قال، حدثنا عبد الله بن الزبير ، قوله: ( لا تثريب عليكم اليوم ) ، قال:قال سفيان:لا تعيير عليكم.

حدثنا ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( قال لا تثريب عليكم اليوم ) :، أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم.

وحدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال، اعتذروا إلى يوسف فقال: ( لا تثريب عليكم اليوم، ) يقول:لا أذكر لكم ذنبكم.

وقوله: ( يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) ، وهذا دعاء من يوسف لإخوته بأن يغفر الله لهم ذنبهم فيما أتوا إليه وركبوا منه من الظلم ، يقول:عفا الله لكم عن ذنبكم وظلمكم ، فستره عليكم ( وهو أرحم الراحمين ) ، يقول:والله أرحم الراحمين لمن تاب من ذنبه، وأناب إلى طاعته بالتوبة من معصيته . كما:-

حدثنا ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( يغفر الله وهو أرحم الراحمين ) حين اعترفوا بذنبهم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ( 93 )

قال أبو جعفر:ذكر أن يوسف صلى الله عليه وسلم لما عرّف نفسه إخوته ، سألهم عن أبيهم ، فقالوا: ذهب بصره من الحزن! ‍ فعند ذلك أعطاهم قميصَه وقال لهم: ( اذهبوا بقميصي هذا ) .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: قال لهم يوسف:ما فعل أبي بعدي؟ قالوا:لما فاته بنيامين عمي من الحزن. قال: ( اذهبوا بقميصي هذا فألقوا على وجه أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين ) .

وقوله: ( يأت بصيرًا ) يقول:يَعُدْ بصيرًا ( وأتوني بأهلكم أجمعين ) ، يقول: وجيئوني بجميع أهلكم .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ ( 94 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:ولما فصلت عير بني يعقوب من عند يوسف متوجهة إلى يعقوب ، قال أبوهم يعقوب: ( إني لأجد ريح يوسف ) . ذُكر أن الريح استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير ، فأذن لها ، فأتته بها .

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس ، قالأخبرنا ابن وهب ، قال:حدثني أبو شريح ، عن أبي أيوب الهوزني حَدّثه قال، استأذنت الريح أن تأتي يعقوب بريح يوسف حين بعث بالقميص إلى أبيه قبل أن يأتيه البشير ، ففعل. قال يعقوب: ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) .

حدثنا أبو كريب ، قال، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، في قوله: ( ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) ، قال:هاجت ريح ، فجاءت بريح يوسف من مسيرة ثمان ليالٍ ، فقال: ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) .

حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس: ( ولما فصلت العير ) قال:هاجت ريح ، فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال.

حدثني أبو السائب ، قال:حدثنا ابن فضيل ، عن ضرار ، عن ابن أبي الهذيل قال، سمعت ابن عباس يقول: وجد يعقوب ريح يوسف ، وهو منه على مسيرة ثمان ليال.

حدثنا ابن وكيع والحسن بن محمد ، قالا حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل قال، كنت إلى جنب ابن عباس ، فسئل:من كم وجد يعقوب ريح القميص؟ قال:من مسيرة سبع ليالٍ أو ثمان ليال.

حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا جرير ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل قال: قال لي أصحابي:إنك تأتي ابن عباس ، فسله لنا. قال: فقلت:ما أسأله عن شيء ، ولكن أجلس خلف السرير، فيأتيه الكوفيون فيسألون عن حاجتهم وحاجتي ، فسمعته يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال ، قال ابن أبي الهذيل: فقلت: ذاك كمكان البصرة من الكوفة.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال:حدثنا علي بن عاصم ، عن ضرار بن مرة ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال:سمعت ابن عباس يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال . قال:فقلت في نفسي:هذا كمكان البصرة من الكوفة

حدثنا أبو كريب ، قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، في قوله: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال:وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال . قال:قلت له:ذاك كما بين البصرة إلى الكوفة . واللفظ لحديث أبي كريب.

حدثنا الحسين بن محمد ، قال، حدثنا عاصم وعلي ، قالا أخبرنا شعبة قال، أخبرني أبو سنان ، قال، سمعت عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس في هذه الآية: ( إني لأجد ريح يوسف ) ، قال:وجد ريحه من مسيرة ما بين البصرة إلى الكوفة.

حدثني المثنى ، قال:حدثنا آدم العسقلاني ، قال، حدثنا شعبة ، قال:حدثنا أبو سنان ، قال:سمعت عبد الله بن أبي الهذيل يحدث عن ابن عباس ، مثله .

... قال: حدثنا أبو نعيم ، قال:حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال: كنا عند ابن عباس فقال: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال: وجد ريح قميصه من مسيرة ثمان ليال.

حدثنا الحسن بن يحيى ، قالأخبرنا عبد الرزاق ، قالأخبرنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال:سمعت ابن عباس يقول: ( ولما فصلت العير ) قال:لما خرجت العير، هاجت ريح فجاءت يعقوبَ بريح قميص يوسف ، فقال: ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) قال:فوجد ريحه من مسيرة ثمان ليال.

حدثنا بشر ، قال:حدثنا يزيد ، قال:حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن: ذكر لنا أنه كان بينهما يومئذ ثمانون فرسخًا ، يوسف بأرض مصر ويعقوب بأرض كنعان ، وقد أتى لذلك زمان طويل.

حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال: بلغنا أنه كان بينهم يومئذ ثمانون فرسخًا ، وقال: ( إني لأجد ريح يوسف ) وكان قد فارقه قبل ذلك سبعًا وسبعين سنة.

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال، حدثنا أبو أحمد ، قال، حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، في قوله: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال:وجد ريح القميص من مسيرة ثمانية أيام.

... قال:حدثنا أبو أحمد ، قال:حدثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، قوله: ( ولما فصلت العير ) قال:فلما خرجت العير هبت ريح ، فذهبت بريح قميص يوسف إلى يعقوب ، فقال: ( إني لأجد ريح يوسف ) قال:ووجد ريح قميصه من مسيرة ثمانية أيام.

حدثنا ابن حميد ، قال:حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: لما فصلت العير من مصر استروَح يعقوب ريح يوسف ، فقال لمن عنده من ولده: ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون ) .

وأما قوله: ( لولا أن تفندون ) ، فإنه يعني: لولا أن تعنّفوني ، وتعجّزوني ، وتلوموني ، وتكذبوني.

ومنه قول الشاعر:

يَـا صَـاحِبَيَّ دَعَـا لَـوْمِي وَتَفْنِيـدِي فَلَيْسَ مَـا فَـاتَ مِـنْ أَمْـرِي بمَرْدُودِ

ويقال: « أفند فلانًا الدهر » ، وذلك إذا أفسده، ومنه قول ابن مقبل:

دَعِ الدَّهْــرَ يَفْعَــلْ مَـا أَرَادَ فإنَّـهُ إِذا كُــلِّفَ الإفْنَــاد بالنِّـاسِ أَفْنَـدا

واختلف أهل التأويل في معناه.

فقال بعضهم: معناه:لولا أن تسفهوني.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا ابن عيينة ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس: ( لولا أن تفندون ) قال:تسفّهون.

حدثنا أبو كريب ، قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن ابن عباس ، مثله .

... وبه قال، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد: ( لولا أن تفندون ) قال:تسفّهون.

حدثني المثنى وعلي بن داود قالا حدثنا عبد الله ، قال: حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله: ( لولا أن تفندون ) يقول:تجهِّلون.

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال، حدثنا أبو أحمد ، قال، حدثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن ابن عباس: ( لولا أن تفندون ) ، قال:لولا أن تسفهون.

حدثنا أحمد ، قال، حدثنا أبو أحمد وحدثني المثنى ، قال، حدثنا أبو نعيم قالا جميعًا:حدثنا سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد: ( لولا أن تفندون ) ، قال:لولا أن تسفهون.

حدثني المثنى ، قال، حدثنا الحماني ، قال:حدثنا شريك ، عن أبي سنان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وسالم عن سعيد: ( لولا أن تفندون ) ، قال أحدهما: تسفهون وقال الآخر: تكذبون.

حدثني يعقوب ، قال، حدثنا هشيم ، قال، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء: ( لولا أن تفندون ) ، قال:لولا أن تكذبون ، لولا أن تسفّهون.

حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا يزيد بن هارون ، عن عبد الملك ، عن عطاء قال، تسفهون.

حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( لولا أن تفندون ) ، يقول: لولا أن تسفهون.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال: حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( لولا أن تفندون ) ، يقول: لولا أن تسفهون.

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال: سمعت ابن عباس يقول: ( لولا أن تفندون ) ، يقول:تسفهّون.

حدثنا الحسن بن محمد ، قال:حدثنا شبابة ، قال:حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله: ( لولا أن تفندون ) ، قال:ذهبَ عقله!

حدثني محمد بن عمرو ، قال، حدثنا أبو عاصم ، قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( تفندون ) ، قال:قد ذهبَ عقله!

حدثني المثنى ، قال، حدثنا أبو حذيفة ، قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد

وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق ، قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( لولا أن تفندون ) ، قال: قد ذهب عقله!

حدثنا القاسم ، قال:حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: ( لولا أن تفندون ) قال:لولا أن تقولوا:ذهب عقلك!

حدثنا ابن حميد ، قال:حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( لولا أن تفندون ) ، يقول: لولا أن تضعِّفوني.

حدثني يونس ، قال، أخبرنا ابن وهب ، قال، قال ابن زيد ، في قوله: ( لولا أن تفندون ) ، قالالذي ليس له عقل ذلك « المفنّد » ، يقول: لا يعقل.

وقال آخرون:معناه:لولا أن تكذبون .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا سويد بن عمرو الكلبي ، عن شريك ، عن سالم عن سعيد: ( لولا أن تفندون ) قال:تكذبون.

... قال:حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال: لولا أن تهرِّمون وتكذبون.

... قال: حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال:بلغني عن مجاهد قال: تكذبون.

... قال:حدثنا عبدة، وأبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك قال: لولا أن تكذبون.

حدثت عن الحسين ، قال، سمعت أبا معاذ ، يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( لولا أن تفندون ) تكذبون.

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال، أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء في قوله: ( لولا أن تفندون ) قال: تسفهون أو تكذبون.

حدثني محمد بن سعد ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثني عمي ، قال: حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ( لولا أن تفندون ) ، يقول:تكذبون .

وقال آخرون: معناه تهرِّمون.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال، حدثنا أبو أحمد ، قال، حدثنا إسرائيل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( لولا أن تفندون ) ، قال: لولا أن تهرِّمون.

حدثنا ابن وكيع ، قال، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد ، قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال: تهرِّمون.

حدثني يعقوب ، قال، حدثنا هشيم ، قال، أخبرنا أبو الأشهب ، عن الحسن: ( لولا أن تفندون ) ، قال:تهرِّمون.

حدثني المثنى ، قال، حدثنا عمرو بن عون ، قال، أخبرنا هشيم ، عن أبي الأشهب وغيره ، عن الحسن ، مثله .

قال أبو جعفر: وقد بينا أن أصل « التفنيد » :الإفساد . وإذا كان ذلك كذلك فالضعف والهرم والكذب وذهاب العقل وكل معاني الإفساد تدخل في التفنيد ، لأن أصل ذلك كله الفساد والفساد في الجسم:الهرمُ وذهاب العقل والضعف وفي الفعل: الكذب واللوم بالباطل ، ولذلك قال جرير بن عطية:

يـا عَـاذِليَّ دَعَـا المَـلامَ وأَقْصِـرَا طَــالَ الهَــوَى وأَطَلْتُمـا التَّفْنيـدا

يعني: الملامة فقد تبيّن، إذ كان الأمر على ما وصفنا، أنّ الأقوال التي قالها من ذكرنا قولَه في قوله: ( لولا أن تفندون ) على اختلاف عباراتهم عن تأويله ، متقاربةُ المعاني ، محتملٌ جميعَها ظاهرُ التنـزيل ، إذ لم يكن في الآية دليلٌ على أنه معنيٌّ به بعض ذلك دون بعض .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ( 95 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الذين قال لهم يعقوب من ولده إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ : تالله، أيها الرجل ، إنك من حبّ يوسف وذكره لفي خطئك وزللك القديم لا تنساه ، ولا تتسلى عنه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله: ( إنك لفي ضلالك القديم ) ، يقول: خطائك القديم.

حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ) أي :من حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه. قالوا لوالدهم كلمةً غليظة، لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم، ولا لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم.

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي: ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال: في شأن يوسف.

حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد ، قال، قال سفيان: ( تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال:من حبك ليوسف.

حدثنا ابن وكيع. قال، حدثنا عمرو ، عن سفيان ، نحوه .

حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال:حدثني حجاج ، عن ابن جريج: ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال:في حبك القديم.

حدثنا ابن حميد ، قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، أي إنك لمن ذكر يوسف في الباطل الذي أنت عليه.

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب ، قال، قال ابن زيد في قوله: ( تالله إنك لفي ضلالك القديم ) ، قال:يعنون:حزنه القديم على يوسف « وفي ضلالك القديم » : لفي خطائك القديم.

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ( 96 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما أن جاء يعقوبَ البشيرُ من عند ابنه يوسف ، وهو المبشّر برسالة يوسف ، وذلك بريدٌ، فيما ذكر، كان يوسف أبردَهُ إليه.

وكان البريد فيما ذكر، والبشير: يهوذا بن يعقوب، أخا يوسف لأبيه .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد ، قال: حدثني أبي ، قال:حدثني عمي ، قال:حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ( فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه ) ، يقول: « البشير » : البريدُ.

حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال، حدثنا هشيم ، قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: ( فلما أن جاء البشير ) قال: البريد .

حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن جويبر ، عن الضحاك: ( فلما أن جاء البشير ) ، قال: البريد.

... قال، حدثنا شبابة ، قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله: ( فلما أن جاء البشير ) ، قال:يهوذا بن يعقوب.

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( البشير ) قال:يهوذا بن يعقوب.

حدثني المثنى ، قال، حدثنا أبو حذيفة ، قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال: يهوذا بن يعقوب.

... قال:حدثنا إسحاق ، قال، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال: هو يهوذا بن يعقوب.

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين ، قال: حدثني حجاج ، عن ابن جريج: ( فلما أن جاء البشير ) ، قال:يهوذا بن يعقوب، كان البشير.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: ( فلما أن جاء البشير ) ، قال:هو يهوذا بن يعقوب.

قال سفيان: وكان ابن مسعود يقرأ: « وَجَاءَ البَشِيرُ مِنْ بَيْنِ يَدَي العِيرِ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال:حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك: ( فلما أن جاء البشير ) ، قال: البريد، هو يهوذا بن يعقوب.

... قال:حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال، قال يوسف: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ، قال يهوذا:أنا ذهبتُ بالقميص ، ملطخًا بالدم إلى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب ، وأنا أذهب اليوم بالقميص وأخبره أنه حيٌّ فأفرحه كما أحزنته . فهو كان البشير.

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال:حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك: ( فلما أن جاء البشير ) ، قال: البريد.

قال أبو جعفر: وكان بعضُ أهل العربيّة من أهل الكوفة يقول: « أنْ » في قوله: ( فلما أن جاء البشير ) وسقوطُها، بمعنى واحدٍ ، وكان يقول هذا في: « لما » و « حتى » خاصّة ، ويذكر أن العرب تدخلها فيهما أحيانًا وتسقطها أحيانًا ، كما قال جل ثناؤه: وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا [ سورة العنكبوت:33 ] ، وقال في موضع آخر: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا [ سورة هود:77 ] ، وقال:هي صلة، لا موضع لها في هذين الموضعين. يقال: « حتى كان كذا وكذا » ، أو « حتى أن كان كذا وكذا » .

وقوله: ( ألقاه على وجهه ) ، يقول: ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب، كما:-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: فلما أن جاء البشير ألقى القميص على وجهه.

وقوله: ( فارتد بصيرًا ) ، يقول:رجع وعادَ مبصرًا بعينيه، بعد ما قد عمي ( قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ) ، يقول جل وعز وجل: قال يعقوب لمن كان بحضرته حينئذ من ولده:ألم أقل لكم يا بني إني أعلم من الله أنه سيردّ عليَّ يوسف ، ويجمع بيني وبينه ، وكنتم لا تعلمون أنتم من ذلك ما كنت أعلمه ، لأن رؤيا يوسف كانت صادقة ، وكان الله قد قضى أن أخِرَّ أنا وأنتم له سجودًا ، فكنت مُوقنًا بقضائه .

 

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ( 97 ) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 98 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال ولد يعقوبَ الذين كانوا فرَّقوا بينه وبين يوسف: يا أبانا سل لنا ربك يعفُ عنَّا، ويستر علينا ذنوبنا التي أذنبناها فيك وفي يوسف، فلا يعاقبنا بها في القيامة ( إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) ، فيما فعلنا به , فقد اعترفنا بذنوبنا ( قال سوف أستغفر لكم ربي ) ، يقول جل ثناؤه: قال يعقوب: سوف أسأل ربي أن يعفو عنكم ذنوبكم التي أذنبتموها فيّ وفى يوسف.

ثم اختلف أهل العلم، في الوقت الذي أخَّر الدعاء إليه يعقوبُ لولده بالاستغفار لهم من ذنبهم.

فقال بعضهم: أخَّر ذلك إلى السَّحَر .

ذكر من قال ذلك:

حدثني أبو السائب , قال: حدثنا ابن إدريس , قال: سمعت عبد الرحمن بن إسحاق , يذكر , عن محارب بن دثار , قال: كان عمٌّ لي يأتي المسجدَ , فسمع إنسانًا يقول « : اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت , وهذا سَحَرٌ , فاغفر لي » قال: فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود. فسأل عبد الله عن ذلك , فقال: إن يعقوب أخَّر بنيه إلى السحر بقوله: ( سوف أستغفر لكم ربي ) .

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن فضيل , عن عبد الرحمن بن إسحاق , عن محارب بن دثار , عن عبد الله بن مسعود: ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، قال: أخَّرهم إلى السَّحر.

.... قال: حدثنا أبو سفيان الحميري , عن العوام , عن إبراهيم التيميّ في قول يعقوب لبنيه: ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، قال: أخّرهم إلى السحر.

.... قال: حدثنا عمرو , عن خلاد الصفار , عن عمرو بن قيس: ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، قال: في صلاة الليل.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج: ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، قال: أخَّر ذلك إلى السَّحر.

وقال آخرون: أخَّر ذلك إلى ليلة الجمعة .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى , قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقي , قال: حدثنا الوليد , قال: أخبرنا ابن جريج , عن عطاء وعكرمة , عن ابن عباس , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة . وهو قول , أخي يعقوب لبنيه.

حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي , قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي , قال: حدثنا الوليد بن مسلم , قال: أخبرنا ابن جريج , عن عطاء وعكرمة مولى ابن عباس , عن ابن عباس , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد قال أخي يعقوب: ( سوف أستغفر لكم ربي ) , يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة.

وقوله: ( إنه هو الغفور الرحيم ) ، يقول: إن ربي هو الساتر على ذنوب التائبين إليه من ذنوبهم « الرحيم » ، بهم أن يعذبهم بعد توبتهم منها .

 

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ( 99 ) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( 100 )

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: فلما دخل يعقوب وولده وأهلوهم على يوسف ( آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ) ، يقول: ضم إليه أبويه فقال لهم: ( ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) .

فإن قال قائل: وكيف قال لهم يوسف: ( ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) ، بعد ما دخلوها , وقد أخبر الله عز وجل عنهم أنهم لما دخلوها على يوسف وضَمّ إليه أبويه، قال لهم هذا القول؟

قيل: قد اختلف أهل التأويل في ذلك.

فقال بعضهم: إن يعقوب إنما دخل على يوسف هو وولده , وآوى يوسف أبويه إليه قبل دخول مصر. قالوا: وذلك أن يوسف تلقَّى أباه تكرمةً له قبل أن يدخل مصر , فآواه إليه , ثم قال له ولمن معه: ( ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) ، بها قبل الدخول .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: فحملوا إليه أهلهم وعيالهم , فلما بلغوا مصر، كلَّم يوسف الملك الذي فوقه , فخرج هو والملوك يتلقَّونهم , فلما بلغوا مصر قال: ( ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ) .

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا جعفر بن سليمان , عن فرقد السبخي , قال: لما ألقي القميص على وجهه ارتد بصيرًا , وقال: ( أتوني بأهلكم أجمعين ) ، فحمل يعقوب وإخوة يوسف، فلما دنا أخبر يوسف أنه قد دنا منه , فخرج يتلقاه. قال: وركب معه أهلُ مصر , وكانوا يعظمونه. فلما دنا أحدهما من صاحبه , وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على رجل من ولده يقال له يهوذا. قال: فنظر يعقوب إلى الخيل والناس , فقال: يا يهوذا، هذا فرعون مصر؟ قال: لا هذا ابنك! قال: فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه , فذهب يوسف يبدؤه بالسلام , فمنع من ذلك , وكان يعقوب أحقّ بذلك منه وأفضل , فقال: السلام عليك يا ذاهب الأحزان عني هكذا قال: « يا ذاهب الأحزان عني » .

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: قال حجاج: بلغني أن يوسف والملك خرجا في أربعة آلاف يستقبلون يعقوب وبنيه.

قال: وحدثني من سمع جعفر بن سليمان يحكي , عن فرقد السبخي , قال: خرج يوسف يتلقى يعقوب، وركب أهل مصر مع يوسف ثم ذكر بقية الحديث , نحو حديث الحارث , عن عبد العزيز.

وقال آخرون: بل قوله: ( إن شاء الله ) ، استثناءٌ من قول يعقوب لبنيه: أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي . قال: وهو من المؤخر الذي معناه التقديم. قالوا: وإنما معنى الكلام: قال: أستغفر لكم ربي إن شاء الله إنه هو الغفور الرحيم . فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه، وقال ادخلوا مصر، ورفع أبويه .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج: قال سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله آمنين وبَيْن ذلك ما بينه من تقديم القرآن.

قال أبو جعفر: يعني ابن جريج: « وبين ذلك ما بينه من تقديم القرآن » ، أنه قد دخل بين قوله: ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، وبين قوله: ( إن شاء الله ) ، من الكلام ما قد دخل، وموضعه عنده أن يكون عَقِيب قوله: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله السدي, وهو أن يوسف قال ذلك لأبويه ومن معهما من أولادهما وأهاليهم قبل دخولهم مصر حين تلقَّاهم، لأن ذلك في ظاهر التنـزيل كذلك , فلا دلالة تدل على صحة ما قال ابن جريج , ولا وجه لتقديم شيء من كتاب الله عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلا بحجّة واضحةٍ .

وقيل: عُنِي بقوله: ( آوى إليه أبويه ) : ، أبوه وخالتُه. وقال الذين قالوا هذا القول: كانت أم يوسف قد ماتت قبلُ، وإنما كانت عند يعقوب يومئذ خالتُه أخت أمه , كان نكحها بعد أمِّه.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: ( فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه ) ، قال: أبوه وخالته.

وقال آخرون: بل كان أباه وأمه .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: ( فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه ) ، قال: أباه وأمه.

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن إسحاق ; لأن ذلك هو الأغلب في استعمال الناس والمتعارف بينهم في « أبوين » , إلا أن يصح ما يقال من أنّ أم يوسف كانت قد ماتت قبل ذلك بحُجة يجب التسليم لها , فيسلّم حينئذ لها.

وقوله: ( وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) ، مما كنتم فيه في باديتكم من الجدب والقحط.

وقوله: ( ورفع أبويه على العرش ) ، يعني: على السرير، كما: -

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: ( ورفع أبويه على العرش ) ، قال: السرير.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي , عن جويبر , عن الضحاك , قال: « العرش » ، السرير.

.... قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: ( ورفع أبويه على العرش ) ، قال: السرير.

حدثنا محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثني المثنى , قال: أخبرنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد

وحدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله .

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , مثله .

حدثني المثنى , قال: أخبرنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد

وحدثني المثنى , قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , مثله .

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( ورفع أبويه على العرش ) ، قال: سريره.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( على العرش ) ، قال: على السرير.

حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: ( ورفع أبويه على العرش ) ، يقول: رفع أبويه على السرير.

حدثنا أحمد بن إسحاق , قال: حدثنا أبو أحمد , قال: قال سفيان: ( ورفع أبويه على العرش ) ، قال: على السرير.

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: ( ورفع أبويه على العرش ) ، قال: مجلسه.

حدثني ابن عبد الرحيم البرقي , قال:حدثنا عمرو بن أبي سلمة , قال: سألت زيد بن أسلم , عن قول الله تعالى: ( ورفع أبويه على العرش ) ، فقلت: أبلغك أنها خالته؟ قال: قال ذلك بعض أهل العلم , يقولون: إن أمّه ماتت قبل ذلك، وإن هذه خالته.

وقوله: ( وخرّوا له سجدًا ) ، يقول: وخرّ يعقوب وولده وأمّه ليوسف سجّدًا.

حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: ( وخرُّوا له سجدًا ) ، يقول: رفع أبويه على السرير , وسجدا له , وسجد له إخوته.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: تحمّل يعني يعقوب بأهله حتى قدموا على يوسف، فلما اجتمع إلى يعقوب بنوه، دخلوا على يوسف، فلما رأوه وقعوا له سجودًا، وكانت تلك تحية الملوك في ذلك الزمان أبوه وأمه وإخوته.

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( وخروا له سجّدًا ) وكانت تحية من قبلكم , كان بها يحيِّي بعضهم بعضًا , فأعطى الله هذه الأمة السلام، تحية أهل الجنة، كرامةً من الله تبارك وتعالى عجّلها لهم، ونعمة منه.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( وخروا له سجدًا ) ، قال: وكانت تحية الناس يومئذ أن يسجد بعضهم لبعض.

حدثنا أحمد بن إسحاق , قال: حدثنا أبو إسحاق , قال: قال سفيان: ( وخرّوا له سجدًا ) ، قال: كانت تحيةً فيهم.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج: ( وخروا له سجدًا ) ، أبواه وإخوته، كانت تلك تحيّتهم، كما تصنع ناسٌ اليومَ.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا المحاربي , عن جويبر , عن الضحاك: ( وخروا له سجدًا ) قال: تحيةٌ بينهم.

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد في قوله: ( وخرُّوا له سجدًا ) ، قال: قال: ذلك السجود لشرَفه , كما سجدت الملائكة لآدم لشرفه، ليس بسجود عبادةٍ.

وإنما عنى من ذكر بقوله: « إن السجود كان تحية بينهم » ، أن ذلك كان منهم على الخُلُق، لا على وجه العبادة من بعضهم لبعض. ومما يدل على أن ذلك لم يزل من أخلاق الناس قديمًا قبل الإسلام على غير وجه العبادة من بعضهم لبعض، قول أعشى بني ثعلبة:

فَلَمَّـــا أَتَانَـــا بُعَيْــدَ الكَــرَى سَــجَدْنَا لَــهُ وَرَفَعْنَــا عَمَــارَا

وقوله: ( يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقًّا ) ، يقول جل ثناؤه: قال يوسف لأبيه: يا أبت، هذا السجود الذي سجدتَ أنت وأمّي وإخوتي لي ( تأويل رؤياي من قبل ) ، يقول: ما آلت إليه رؤياي التي كنت رأيتها، وهي رؤياه التي كان رآها قبل صنيع إخوته به ما صنعوا: أنَّ أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر له ساجدون ( قد جعلها ربي حقًّا ) ، يقول: قد حقّقها ربي، لمجيء تأويلها على الصحَّة.

وقد اختلف أهل العلم في قدر المدة التي كانت بين رؤيا يوسف وبين تأويلها.

فقال بعضهم: كانت مدّةُ ذلك أربعين سنة .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا المعتمر , عن أبيه , قال: حدثنا أبو عثمان , عن سلمان الفارسي , قال: كان بين رؤيا يوسف إلى أن رأى تأويلها أربعون سنة.

حدثني يعقوب بن برهان ويعقوب بن إبراهيم , قالا حدثنا ابن علية قال: حدثنا سليمان التيمي , عن أبي عثمان النهدي , قال: قال عثمان: كانت بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويله. قال: فذكر أربعين سنة.

حدثنا ابن وكيع , قال:حدثنا ابن علية , عن التيمي , عن أبي عثمان , عن سلمان , قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو نعيم , قال: حدثنا سفيان , عن أبي سنان , عن عبد الله بن شداد , قال: رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عامًا.

.... قال: حدثنا سفيان , عن سليمان التيمي , عن أبي عثمان , عن سلمان , مثله .

حدثني أبو السائب , قال: حدثنا ابن فضيل , عن ضرار , عن عبد الله بن شداد أنه سمع قومًا يتنازعون في رؤيا رآها بعضهم وهو يصلي , فلما انصرف سألهم عنها , فكتموه، فقال: أما إنه جاء تأويل رؤيا يوسف بعد أربعين عامًا.

حدثنا أبو كريب , قال، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي عن إسرائيل , عن ضرار بن مرة أبي سنان , عن عبد الله بن شداد , قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن فضيل وجرير , عن أبي سنان , قال: سمع عبد الله بن شداد قومًا يتنازعون في رؤيا , فذكر نحو حديث أبي السائب , عن ابن فضيل .

حدثنا أحمد , قال: حدثنا أبو أحمد , قال: حدثنا سفيان , عن سليمان التيمي , عن أبي عثمان , عن سلمان , قال: رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عامًا.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: أخبرنا ابن عيينة , عن أبي سنان , عن عبد الله بن شداد , قال: وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة , وإليها ينتهي أقصى الرؤيا.

.... قال: حدثنا معاذ بن معاذ , قال: حدثنا سليمان التيمي , عن أبي عثمان , عن سلمان , قال: كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.

.... قال، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء , عن سليمان التيمي , عن أبي عثمان , عن سلمان , قال: كان بين رؤيا يوسف وبين عبارتها أربعون سنة.

.... قال، حدثنا سعيد بن سليمان , قال: حدثنا هشيم , عن سليمان التيمي , عن أبي عثمان , عن سلمان , قال: كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.

.... قال، حدثنا سعيد بن سليمان , قال: حدثنا هشيم , عن سليمان التيمي , عن أبي عثمان , عن سلمان , قال: كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.

.... قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي , قال: حدثنا إسرائيل , عن أبي سنان , عن عبد الله بن شداد , قال: كان بين رؤيا يوسف وبين تعبيرها أربعون سنة.

وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمانين سنة .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا عمرو بن علي , قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي , قال: حدثنا هشام , عن الحسن , قال: كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا، ثمانون سنة، لم يفارق الحزن قلبه , ودموعه تجري على خديه , وما على وجه الأرض يومئذ عبدٌ أحبَّ إلى الله من يعقوب.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن أبي جعفر جسر بن فرقد , قال: كان بين أن فقد يعقوب يوسف إلى يوم رد عليه ثمانون سنة.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا حسن بن علي , عن فضيل بن عياض , قال: سمعت أنه كان بين فراق يوسف حجر يعقوب إلى أن التقيا، ثمانون سنة.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا داود بن مهران , قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد , عن يونس , عن الحسن , قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان بين ذلك وبين لقائه يعقوب ثمانون سنة , وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة , ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة.

.... قال: حدثنا سعيد بن سليمان , قال: حدثنا هشيم , عن يونس , عن الحسن , نحوه غير أنه قال: ثلاث وثمانون سنة .

قال: حدثنا داود بن مهران , قال: حدثنا ابن علية , عن يونس , عن الحسن , قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة , وكان في العبوديّة وفي السجن وفي الملك ثمانين سنة , ثم جمع الله عز وجل شمله، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة.

حدثني الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا مبارك بن فضالة , عن الحسن , قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة، فغاب عن أبيه ثمانين سنة , ثم عاش بعدما جمع الله له شمله ورأى تأويل رؤياه ثلاثًا وعشرين سنة، فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة.

حدثنا مجاهد , قال: حدثنا يزيد , قال: أخبرنا هشيم , عن الحسن , قال: غاب يوسف عن أبيه في الجب وفي السجن حتى التقيا ثمانين عامًا , فما جفَّت عينا يعقوب , وما على الأرض أحد أكرمَ على الله من يعقوب.

وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمان عشرة سنة .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: ذكر لي، والله أعلم، أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثمان عشرة سنة. قال: وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها , وأنّ يعقوب بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة , ثم قبضه الله إليه.

وقوله: ( وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو ) ، يقول جل ثناؤه، مخبرًا عن قيل يوسف: وقد أحسن الله بي في إخراجه إياي من السجن الذي كنت فيه محبوسًا , وفي مجيئه بكم من البدو . وذلك أن مسكن يعقوب وولده، فيما ذكر، كان ببادية فلسطين، كذلك: -

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: كان منـزل يعقوب وولده، فيما ذكر لي بعض أهل العلم، بالعَرَبات من أرض فلسطين، ثغور الشأم. وبعضٌ يقول بالأولاج من ناحية الشِّعْب , وكان صاحب بادية، له إبلٌ وشاء.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدنا عمرو , قال: أخبرنا شيخ لنا أن يعقوب كان ببادية فلسطين.

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو ) ، وكان يعقوب وبنوه بأرض كنعان، أهل مواشٍ وبرّية.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج: ( وجاء بكم من البدو ) ، قال: كانوا أهل بادية وماشية.

و « الَبْدوُ » مصدر من قول القائل : « بدا فلان » : إذا صار بالبادية، « يَبْدُو بَدْوًا » .

وذكر أن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهاليهم وأبنائهم يوم دخلوها، وهم أقلّ من مائة. وخرجوا منها يوم خرجوا منها وهم زيادة على ست مائة ألف.

* ذكر الرواية بذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا زيد بن الحباب وعمرو بن محمد , عن موسى بن عبيدة , عن محمد بن كعب القرظي , عن عبد الله بن شداد , قال: اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم ستة وثمانون إنسانًا , صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم. وخرجوا من مصر يوم أخرجهم فرعون وهم ست مائة ألف ونَيّف.

.... قال: حدثنا عمرو , عن إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن أبي عبيدة , عن عبد الله , قال: خرج أهل يوسف من مصر وهم ست مائة ألف وسبعون ألفًا , فقال فرعون: إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ [ سورة الشعراء: 54 ] .

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن إسرائيل والمسعودي , عن أبي إسحاق , عن أبي عبيدة , عن ابن مسعود , قال: دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاث وستون إنسانًا , وخرجوا منها وهم ست مائة ألف قال إسرائيل في حديثه: ست مائة ألف وسبعون ألفًا.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن مسروق , قال: دخل أهل يوسف مصر وهم ثلاث مائة وتسعون من بين رجل وامرأة.

وقوله: ( من بعد أن نـزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ) ، يعني: من بعد أن أفسد ما بيني وبينهم، وجَهِل بعضنا على بعض.

يقال منه « : نـزغ الشيطان بين فلان وفلان , يَنـزغ نـزغًا و نـزوغًا. »

وقوله: ( إن ربي لطيف لما يشاء ) ، يقول: إن ربي ذو لطف وصنع لما يشاء، ومن لطفه وصنعه أنه أخرجني من السجن، وجاء بأهلي من البَدْوِ بعد الذي كان بيني وبينهم من بُعد الدار، وبعد ما كنت فيه من العُبُودة والرِّق والإسار، كالذي: -

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( إن ربي لطيف لما يشاء ) ، لطف بيوسف وصنع له حتى أخرجه من السجن , وجاء بأهله من البدو , ونـزع من قلبه نـزغ الشيطان، وتحريشه على إخوته.

وقوله: ( إنه هو العليم ) ، بمصالح خلقه وغير ذلك، لا يخفى عليه مبادي الأمور وعواقبها ( الحكيم ) ، في تدبيره.

 

القول في تأويل قوله تعالى : رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ( 101 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف بعد ما جمع الله له أبويه وإخوته , وبسط عليه من الدنيا ما بسط من الكرامة , ومكنه في الأرض , متشوِّقًا إلى لقاء آبائه الصالحين: ( رب قد آتيتني من الملك ) ، يعني: من ملك مصر ( وعلمتني من تأويل الأحاديث ) ، يعني من عبارة الرؤيا، تعديدًا لنعم الله عليه، وشكرًا له عليها ( فاطر السماوات والأرض ) ، يقول: يا فاطر السموات والأرض، يا خالقها وبارئها ( أنت وليي في الدنيا والآخرة ) ، يقول: أنت وليي في دنياي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك , وتغذوني فيها بنعمتك , وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك . ( توفني مسلمًا ) ، يقول: اقبضني إليك مسلمًا . ( وألحقني بالصالحين ) ، يقول: وألحقني بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك .

وقيل: إنه لم يتمن أحدٌ من الأنبياء الموتَ قبل يوسف .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , قال: حدثنا أسباط , عن السدي: ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث ) ، الآية , كان ابن عباس يقول: أول نبي سأل الله الموت يوسف.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال: قال ابن عباس , قوله: ( رب قد آتيتني من الملك ) ... ، الآية , قال: اشتاق إلى لقاء ربه , وأحبَّ أن يلحق به وبآبائه , فدعا الله أن يتوفَّاه ويُلْحِقه بهم. ولم يسأل نبيّ قطّ الموتَ غير يوسف , فقال: ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث ) ، الآية قال ابن جريج: في بعض القرآن من الأنبياء : « توفني »

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين ) ، لما جَمَع شمله , وأقرَّ عينه , وهو يومئذ مغموس في نَبْت الدنيا وملكها وغَضَارتها، فاشتاق إلى الصالحين قبله . وكان ابن عباس يقول: ما تمنى نبي قطّ الموت قبل يوسف.

حدثني المثنى , قال: أخبرنا إسحاق , قال: أخبرنا عبد الله بن الزبير , عن سفيان , عن ابن أبي عروبة , عن قتادة , قال: لما جمع ليوسف شمله , وتكاملت عليه النعم سأل لقاء ربّه فقال: ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلمًا وألحقني بالصالحين ) قال قتادة: ولم يتمنَّ الموت أحد قطُّ، نبي ولا غيره إلا يوسف.

حدثني المثنى , قال: حدثنا هشام , قال: حدثنا الوليد بن مسلم , قال: حدثني غير واحد , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: أن يوسف النبي صلى الله عليه وسلم، لما جمع بينه وبين أبيه وإخوته , وهو يومئذ ملك مصر , اشتاق إلى الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق، فقال: ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين )

حدثني المثنى , قال: أخبرنا إسحاق , قال: حدثنا هشام , عن مسلم بن خالد , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله: ( وعلمتني من تأويل الأحاديث ) ، قال: العِبَارة.

حدثت عن الحسين , قال: سمعت أبا معاذ , يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان , قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين ) ، يقول: توفني على طاعتك , واغفر لي إذا توفَّيتني.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله عليه وعلى أهل بيته حين جمع الله له شمله , وردَّه على والده , وجمع بينه وبينه فيما هو فيه من الملك والبهجة: يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ، إلى قوله: إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . ثم ارعوى يوسف، وذكر أنّ ما هو فيه من الدنيا بائد وذاهب , فقال: ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلمًا وألحقني بالصالحين ) .

وذُكِر أن بَني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا , استغفر لهم أبوهم , فتاب الله عليهم وعفا عنهم وغفر لهم ذنبهم

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن صالح المريّ , عن يزيد الرقاشي , عن أنس بن مالك , قال: إن الله تبارك وتعالى لما جمع ليعقوب شمله , وأقر عينه , خَلا ولده نَجِيًّا , فقال بعضهم لبعض: ألستم قد علمتم ما صنعتم، وما لقي منكم الشيخ، وما لقي منكم يوسف؟ قالوا: بلى! قال: فيغرُّكم عفوهما عنكم , فكيف لكم بربكم؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه , ويوسف إلى جنب أبيه قاعدٌ , قالوا: يا أبانا، أتيناك في أمر لم نأتك في أمرٍ مثله قط، ونـزل بنا أمر لم ينـزل بنا مثله! حتى حرّكوه , والأنبياء أرحم البرية , فقال: مالكم يا بَني؟ قالوا: ألستَ قد علمت ما كان منا إليك، وما كان منا إلى أخينا يوسف؟ قال: بلى! قالوا: أفلستما قد عفوتُما؟ قالا بلى! قالوا: فإن عفوكما لا يغني عنّا شيئًا إن كان الله لم يعفُ عنا! قال: فما تريدون يا بني؟ قالوا: نريد أن تدعو الله لنا , فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفا عمّا صنعنا، قرّت أعيننا، واطمأنت قلوبنا , وإلا فلا قرّةَ عَين في الدنيا لنا أبدًا . قال: فقام الشيخ واستقبل القبلة , وقام يوسف خلف أبيه , وقاموا خلفهما أذلةً خاشعين . قال: فدعا وأمَّن يوسف، , فلم يُجَبْ فيهم عشرين سنة قال صالح المرِّي: يخيفهم. قال: حتى إذا كان رأس العشرين، نـزل جبريل صلى الله عليه وسلم على يعقوب عليه السلام , فقال: إن الله تبارك وتعالى بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك , وأنه قد عفا عما صنعوا , وأنه قد اعتَقَد مواثيقهم من بعدك على النبوّة.

حدثني المثنى , قال: حدثنا الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا جعفر بن سليمان , عن أبي عمران الجوني , قال: والله لو كان قتلُ يوسف مضى لأدخلهم الله النارَ كُلَّهم , ولكن الله جل ثناؤه أمسك نفس يوسف ليبلغ فيه أمره، ورحمة لهم . ثم يقول: والله ما قصَّ الله نبأهم يُعيّرهم بذلك إنهم لأنبياء من أهل الجنة , ولكن الله قصَّ علينا نبأهم لئلا يقنط عبده.

وذكر أن يعقوب توفي قبل يوسف , وأوصى إلى يوسف وأمره أن يدفنه عند قبر أبيه إسحاق .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي , قال: لما حضر الموتُ يعقوبَ , أوصى إلى يوسف أن يدفنه عند إبراهيم وإسحاق , فلما مات، نُفِخ فيه المُرّ وحمل إلى الشأم. قال: فلما بلغوا إلى ذلك المكان أقبل عيصا أخو يعقوب فقال: غلبني على الدعوة , فوالله لا يغلبني على القبر! فأبى أن يتركهم أن يدفنوه . فلما احتبسوا، قال هشام بن دان بن يعقوب وكان هشامٌ أصمَّ لبعض إخوته: ما لجدّي لا يدفن! قالوا: هذا عمك يمنعه! قال: أرونيه أين هو؟ فلما رآه , رفع هشام يده فوجأ بها رأس العيص وَجْأَةً سقطت عيناه على فخذ يعقوب، فدفنا في قبر واحد.

 

القول في تأويل قوله تعالى : ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ( 102 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هذا الخبر الذي أخبرتك به من خبر يوسف ووالده يعقوب وإخوته وسائر ما في هذه السورة ( من أنباء الغيب ) ، يقول: من أخبار الغيب الذي لم تشاهده , ولم تعاينه، ولكنا نوحيه إليك ونعرّفكه , لنثبِّت به فؤادك , ونشجع به قلبك , وتصبر على ما نالك من الأذى من قومك في ذات الله , وتعلم أن من قبلك من رسل الله إذ صبروا على ما نالهم فيه , وأخذوا بالعفو , وأمروا بالعُرف , وأعرضوا عن الجاهلين فازوا بالظفر , وأيِّدوا بالنصر , ومُكِّنوا في البلاد , وغلبوا من قَصَدوا من أعدائهم وأعداء دين الله . يقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فبهم، يا محمد، فتأسَّ , وآثارهم فقُصَّ ( وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ) ، يقول: وما كنت حاضرًا عند إخوة يوسف , إذ أجمعوا واتفقت آراؤهم، وصحت عزائمهم، على أن يلقوا يوسف في غيابة الجب. وذلك كان مكرهم الذي قال الله عز وجل: ( وهم يمكرون ) ، كما:-

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وما كنت لديهم ) ، يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم , يقول: ما كنت لديهم وهم يلقونه في غيابة الجب ( وهم يمكرون ) ، أي: بيوسف.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن عطاء الخراساني , عن ابن عباس: ( وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ) ، الآية , قال: هم بنو يعقوب.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ( 103 )

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وما أكثر مشركي قومك، يا محمد، ولو حرصت على أن يؤمنوا بك فيصدّقوك , ويتبعوا ما جئتهم به من عند ربك، بمصدِّقيك ولا مُتَّبِعيك .

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ( 104 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم: وما تسأل، يا محمد، هؤلاء الذين ينكرون نبوتك، ويمتنعون من تصديقك والإقرار بما جئتهم به من عند ربك، على ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة لربك، وهجر عبادة الأوثان وطاعةِ الرحمن ( من أجر ) ، يعني: من ثواب وجزاء منهم، بل إنما ثوابك وأجر عملك على الله. يقول: ما تسألهم على ذلك ثوابًا , فيقولوا لك: إنما تريد بدعائك إيّانا إلى اتباعك لننـزلَ لك عن أموالنا إذا سألتنا ذلك. وإذ كنت لا تسألهم ذلك، فقد كان حقًّا عليهم أن يعلموا أنك إنما تدعوهم إلى ما تدعوهم إليه، اتباعًا منك لأمر ربك، ونصيحةً منك لهم , وأن لا يستغشُّوك.

وقوله: ( إن هو إلا ذكر للعالمين ) ، يقول تعالى ذكره: ما هذا الذي أرسلك به ربك، يا محمد، من النبوة والرسالة ( إلا ذكر ) ، يقول: إلا عظة وتذكير للعالمين , ليتعظوا ويتذكَّروا به.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ( 105 )

قال أبو جعفر: يقول جل وعز: وكم من آية في السموات والأرض لله , وعبرةٍ وحجةٍ، وذلك كالشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك من آيات السموات، وكالجبال والبحار والنبات والأشجار وغير ذلك من آيات الأرض ( يمرُّون عليها ) ، يقول: يعاينونها فيمرُّون بها معرضين عنها، لا يعتبرون بها، ولا يفكرون فيها وفيما دلت عليه من توحيد ربِّها , وأن الألوهةَ لا تنبغي إلا للواحد القهَّار الذي خلقها وخلق كلَّ شيء، فدبَّرها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها ) ، وهي في مصحف عبد الله: « يَمْشُونَ عَلَيْهَا » ، السماء والأرض آيتان عظيمتان.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ( 106 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما يُقِرُّ أكثر هؤلاء الذين وصَفَ عز وجل صفتهم بقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء ( إلا وهم مشركون ) ، في عبادتهم الأوثان والأصنام , واتخاذهم من دونه أربابًا , وزعمهم أنَّ له ولدًا , تعالى الله عما يقولون.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمران بن عيينة , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية , قال: من إيمانهم، إذا قيل لهم: مَن خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله . وهم مشركون.

حدثنا هناد , قال: حدثنا أبو الأحوص , عن سماك , عن عكرمة , في قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال: تسألهم: مَن خلقهم؟ ومن خلق السماوات والأرض , فيقولون: الله . فذلك إيمانهم بالله , وهم يعبدون غيره.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن إسرائيل , عن جابر , عن عامر، وعكرمة: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية , قالا يعلمون أنه ربُّهم , وأنه خلقهم , وهم يشركون به.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن إسرائيل , عن جابر , عن عامر، وعكرمة، بنحوه.

.... قال: حدثنا ابن نمير , عن نضر , عن عكرمة: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال: من إيمانهم إذا قيل لهم: من خلق السماوات؟ قالوا: الله. وإذا سئلوا: من خلقهم؟ قالوا: الله. وهم يشركون به بَعْدُ.

.... قال: حدثنا أبو نعيم , عن الفضل بن يزيد الثمالي , عن عكرمة , قال: هو قول الله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [ سورة لقمان: 25/ سورة الزمر:38 ] . فإذا سئلوا عن الله وعن صفته , وصفوه بغير صفته، وجعلوا له ولدًا، وأشركوا به.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، إيمانهم قولهم: الله خالقُنا، ويرزقنا ويميتنا.

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، فإيمانهم قولُهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا.

حدثني المثنى , قال: أخبرنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، إيمانُهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا. , فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيرَه.

.... قال، حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) قال: إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا هانئ بن سعيد وأبو معاوية , عن حجاج , عن القاسم , عن مجاهد , قال: يقولون: « الله ربنا , وهو يرزقنا » ، وهم يشركون به بعدُ.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , قال: إيمانهم قولُهم: الله خالقنا، ويرزقنا ويميتنا.

.... قال: حدثنا الحسين , قال: حدثنا أبو تميلة , عن أبي حمزة , عن جابر , عن عكرمة، ومجاهد، وعامر: أنهم قالوا في هذه الآية: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال: ليس أحد إلا وهو يعلم أن الله خلقه وخلق السموات والأرض، فهذا إيمانهم , ويكفرون بما سوى ذلك.

حدثنا بشر , قال، حدثنا يزيد , قال حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، في إيمانهم هذا. إنك لست تلقى أحدًا منهم إلا أنبأك أن الله ربه، وهو الذي خلقه ورزقه , وهو مشرك في عبادته.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال:حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية , قال: لا تسأل أحدًا من المشركين: مَنْ رَبُّك؟ إلا قال: ربِّيَ الله! وهو يشرك في ذلك.

حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي عن أبيه , عن ابن عباس , قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، يعني النصارى، يقول: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ، [ سورة لقمان: 25/ سورة الزمر:38 ] ، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [ سورة الزخرف: 87 ] ، ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض؟ ليقولن: الله . وهم مع ذلك يشركون به ويعبدون غيره، ويسجدون للأنداد دونه.؟

حدثني المثنى , قال: أخبرنا عمرو بن عون , قال، أخبرنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك , قال: كانوا يشركون به في تلبيتهم.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن نمير , عن عبد الملك , عن عطاء: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) ، الآية , قال: يعلمون أن الله ربهم , وهم يشركون به بعدُ.

حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن عبد الملك , عن عطاء , في قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال: يعلمون أن الله خالقهم ورازقهم , وهم يشركون به.

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال: سمعت ابن زيد يقول: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) ، الآية , قال: ليس أحدٌ يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله , ويعرف أن الله ربه , وأن الله خالقه ورازقه , وهو يشرك به. ألا ترى كيف قال إبراهيم: أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ [ سورة الشعراء: 75- 77 ] ؟ قد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون. قال: فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به. ألا ترى كيف كانت العرب تلبِّي تقول: « لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك , إلا شريك هو لك , تملكه وما ملك » ؟ المشركون كانوا يقولون هذا.

 

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( 107 )

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: أفأمن هؤلاء الذين لا يقرُّون بأن الله ربَّهم إلا وهم مشركون في عبادتهم إياه غيرَه ( أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ) ، تغشاهم من عقوبة الله وعذابه , على شركهم بالله أو تأتيهم القيامة فجأةً وهم مقيمون على شركهم وكفرهم بربِّهم فيخلدهم الله عز وجل في ناره، وهم لا يدرون بمجيئها وقيامها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ) ، قال: تغشاهم.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: ( غاشية من عذاب الله ) ، قال: تغشاهم.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

.... قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , مثله .

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ) ، أي: عقوبة من عذاب الله.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( غاشية من عذاب الله ) ، قال: « غاشية » ، وقيعة تغشاهم من عذاب الله.

 

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( 108 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، هذه الدعوة التي أدعو إليها , والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته، وترك معصيته ( سبيلي ) ، وطريقتي ودعوتي، ( أدعو إلى الله ) وحده لا شريك له ( على بصيرة ) ، بذلك , ويقينِ عليمٍ منّي به أنا، ويدعو إليه على بصيرة أيضًا من اتبعني وصدقني وآمن بي ( وسبحان الله ) ، يقول له تعالى ذكره: وقل، تنـزيهًا لله ، وتعظيمًا له من أن يكون له شريك في ملكه، أو معبود سواه في سلطانه: ( وما أنا من المشركين ) ، يقول: وأنا بريءٌ من أهل الشرك به , لست منهم ولا هم منّي.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى , قال: أخبرنا إسحاق , قال: حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع بن أنس , في قوله: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) ، يقول: هذه دعوتي .

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) ، قال: « هذه سبيلي » , هذا أمري وسنّتي ومنهاجي ( أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) ، قال: وحقٌّ والله على من اتّبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه , ويذكِّر بالقرآن والموعظة , ويَنْهَى عن معاصي الله.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن أبي جعفر , عن الربيع بن أنس , قوله: ( قل هذه سبيلي ) : ، هذه دعوتي.

حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا حكام , عن أبي جعفر , عن الربيع: ( قل هذه سبيلي ) ، قال: هذه دعوتي.

 

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ ( 109 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا، يا محمد، من قبلك إلا رجالا لا نساءً ولا ملائكة ( نوحي إليهم ) آياتنا، بالدعاء إلى طاعتنا وإفراد العبادة لنا ( من أهل القرى ) ، يعني: من أهل الأمصار , دون أهل البوادي، كما:-

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) ، لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل العَمُود .

وقوله: ( أفلم يسيروا في الأرض ) ، يقول تعالى ذكره: أفلم يسر هؤلاء المشركون الذين يكذبونك، يا محمد، ويجحدون نبوّتك , وينكرون ما جئتهم به من توحيد الله وإخلاص الطاعة والعبادة له ( في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) ، إذ كذبوا رسُلنا؟ ألم نُحِلّ بهم عقوبتنا , فنهلكهم بها , وننج منها رسلنا وأتباعنا , فيتفكروا في ذلك ويعتبروا؟

ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , قال: قال ابن جريج: قوله: ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ) ، قال: إنهم قالوا: مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [ سورة الأنعام: 91 ] ، قال: وقوله: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ * وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [ سورة يوسف: 103، 104 ] ، وقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا [ سورة يوسف: 105 ] ، وقوله: أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ [ سورة يوسف: 107 ] ، وقوله: ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا ) ، من أهلكنا؟ قال: فكل ذلك قال لقريش: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا في آثارهم، فيعتبروا ويتفكروا؟

وقوله: ( ولدار الآخرة خير ) ، يقول تعالى ذكره: هذا فِعْلُنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا , أَنّ عقوبتنا إذا نـزلت بأهل معاصينا والشرك بنا، أنجيناهم منها , وما في الدار الآخرة لهم خير.

وترك ذكر ما ذكرنا، اكتفاء بدلالة قوله: ( ولدار الآخرة خير للذين اتقوا ) ، عليه , وأضيفت « الدار » إلى « الآخرة » , وهي « الآخرة » , لاختلاف لفظهما , كما قيل: إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ، [ سورة الواقعة: 95 ] ، وكما قيل: « أتيتك عام الأوَّل , وبارحة الأولى , وليلة الأولى , ويوم الخميس » ، وكما قال: الشاعر:

أَتَمْــدَحُ فَقْعَسًــا وَتَــذُمُّ عَبْسًــا أَلا للـــهِ أُمُّــكَ مِــنْ هَجِــينِ

وَلَــوْ أَقْــوَتْ عَلَيْـكَ دِيَـارُ عَبْسٍ عَــرَفْتَ الــذُّلَّ عِرْفَــانَ اليَقِيـنِ

يعني: عرفانًا له يقينًا .

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: وللدار الآخرة خير للذين اتقوا الله، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه .

وقوله: ( أفلا تعقلون ) ، يقول: أفلا يعقل هؤلاء المشركون بالله حقيقةَ ما نقول لهم ونخبرهم به، من سوء عاقبة الكفر , وغِبّ ما يصير إليه حال أهله، مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا مما حلّ بمن قبلهم من الأمم الكافرة المكذبةِ رسلَ ربّها؟

 

القول في تأويل قوله تعالى : حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ( 110 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى , فدعوْا من أرسلنا إليهم , فكذبوهم , وردُّوا ما أتوا به من عند الله ( حتى إذا استيئسَ الرسل ) ، الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله، ويصدِّقوهم فيما أتوهم به من عند الله وظن الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذِّبة أن الرسل الذين أرسلناهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله، من وَعده إياهم نصرَهم عليهم ( جاءهم نصرنا ) .

وذلك قول جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة , قال: حدثنا أبو معاوية , عن الأعمش , عن مسلم , عن ابن عباس , في قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال: لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومُهم , وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذَبَوهم , جاءهم النصر على ذلك , فننجّي من نشاء.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا أبو معاوية الضرير, قال: حدثنا الأعمش , عن مسلم , عن ابن عباس، بنحوه غير أنه قال في حديثه، قال: « أيست الرسل » , ولم يقل: « لما أيست » .

حدثنا محمد بن بشار , قال: حدثنا مؤمل , قال: حدثنا سفيان , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، أن يسلم قومهم , وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبُوا جاءهم نصرنا.

حدثنا ابن بشار , قال: حدثنا مؤمل , قال: حدثنا سفيان , عن الأعمش , عن أبي الضحى , عن ابن عباس , مثله .

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمران بن عيينة , عن عطاء , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، قال: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم , وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا , ( جاءهم نصرنا ) .

حدثنا ابن بشار , قال: حدثنا عبد الرحمن , قال: حدثنا سفيان , عن حصين , عن عمران السلمي , عن ابن عباس: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، أيس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم , وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم.

حدثنا عمرو بن عبد الحميد , قال: حدثنا جرير, عن حصين , عن عمران بن الحارث السلمي , عن عبد الله بن عباس , في قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، قال: استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال: ظن قومهم أنهم جاؤوهم بالكذب.

حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا ابن إدريس , قال: سمعت حصينًا , عن عمران بن الحارث , عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل من أن يستجيب لهم قومهم , وظنَّ قومهم أن قد كذبوهم ( جاءهم نصرنا ) .

حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس , قال: حدثنا عبثر , قال: حدثنا حصين , عن عمران بن الحارث , عن ابن عباس , في هذه الآية: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، قال: استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا , وظنَّ قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم فيما وعدوا وكذبوا ( جاءهم نصرنا ) .

حدثنا محمد بن المثنى , قال: حدثنا ابن أبي عدي , عن شعبة , عن حصين , عن عمران بن الحارث , عن ابن عباس , قال: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من نصر قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، ظن قومهم أنهم قد كَذَبوهم.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا محمد بن الصباح , قال: حدثنا هشيم , قال: أخبرنا حصين , عن عمران بن الحارث , عن ابن عباس , في قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، قال : من قومهم أن يؤمنوا بهم , وأن يستجيبوا لهم , وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ( جاءهم نصرنا ) ، يعني الرسلَ.

حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن حصين , عن عمران بن الحارث , عن ابن عباس، بمثله سواء .

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء , عن هارون , عن عباد القرشي , عن عبد الرحمن بن معاوية , عن ابن عباس: ( وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) خفيفة , وتأويلها عنده: وظن القومُ أن الرسل قد كذبوا.

حدثنا أبو بكر , قال: حدثنا طلق بن غنام , عن زائدة , عن الأعمش , عن مسلم , عن ابن عباس , قال: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من قومهم أن يصدِّقوهم , وظن قومُهم أن قد كذبتهم رُسُلهم ( جاءهم نصرنا ) .

حدثني المثنى , قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، يعني: أيس الرسل من أن يتّبعهم قومهم , وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوا , فينصر الله الرسل , ويبعثُ العذابَ.

حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ) ، حتى إذا استيأس الرسلُ من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم , وظنَّ قومُهم أن رسلهم كذبوهم ( جاءهم نصرنا ) .

حدثني المثنى , قال: حدثنا إسحاق , قال: حدثنا محمد بن فضيل , عن حصين , عن عمران بن الحارث , عن ابن عباس: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال: فما أبطأ عليهم إلا من ظن أنهم قد كَذَبوا.

.... قال: حدثنا آدم العسقلاني , قال: حدثنا شعبة , قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن , عن عمران بن الحارث قال: سمعت ابن عباس يقول: ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) خفيفةً . وقال ابن عباس: ظن القومُ أنّ الرسل قد كَذَبوهم، خفيفةً.

حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا جرير , عن عطاء , عن سعيد بن جبير , في قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من قومهم , وظنّ قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم .

.... قال: حدثنا محمد بن فضيل , عن خصيف , قال: سألت سعيد بن جبير , عن قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من قومهم , وظن الكفار أنهم هم كَذَبوا.

حدثني يعقوب والحسن بن محمد , قالا حدثنا إسماعيل بن علية . قال: حدثنا كلثوم بن جبر , عن سعيد بن جبير , قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من قومهم أن يؤمنوا , وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبتهم.

حدثني المثنى , قال: حدثنا عارم أبو النعمان , قال: حدثنا حماد بن زيد , قال: حدثنا شعيب , قال: حدثني إبراهيم بن أبي حرة الجزري , قال: سأل فتى من قريش سعيد بن جبير , فقال له: يا أبا عبد الله، كيف تقرأ هذا الحرف، فإني إذا أتيت عليه تمنَّيت أن لا أقرأ هذه السورة: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ؟ قال: نعم , حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم , وظن المرسَلُ إليهم أن الرُّسُل كَذَبوا . قال: فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكَّأ!! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا!

حدثني المثنى , قال: حدثنا الحجاج , قال: حدثنا ربيعة بن كلثوم , قال: حدثني أبي , أن مسلم بن يسار , سأل سعيد بن جبير ; فقال: يا أبا عبد الله , آية بلغت مني كل مبلغ: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، فهذا الموتُ , أن تظنّ الرسل أنهم قد كُذِبوا , أو نظنّ أنهم قد كَذَبوا، مخففة! قال: فقال سعيد بن جبير: يا أبا عبد الرحمن , حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم , وظن قومُهم أن الرسل كذبتهم ( جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) . قال: فقام مسلم إلى سعيد , فاعتنقه وقال: فرّج الله عنك كما فرّجت عني

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا يحيى بن عباد , قال: حدثنا وهيب , قال: حدثنا أبو المعلى العطار , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم ; وظنَّ قومهم أن الرسل قد كَذَبوهم , ما كانوا يخبرونهم ويبلِّغونهم.

.... قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله ; ( حتى إذا استيئس الرسل ) أن يصدقهم قومهم , وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا , جاء الرسل نَصرُنا.

حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثني المثنى: قال: حدثنا الحجاج , قال: حدثنا حماد , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , في هذه الآية: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبت.

.... قال: حدثنا حماد , عن كلثوم بن جبر , قال: قال لي سعيد بن جبير: سألني سيد من ساداتكم عن هذه الآية فقلت: استيأس الرسل من قومهم , وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذبت.

حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال: استيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم , وظنَّ قومهم المشركون أن الرسل قد كَذَبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم عليهم، وأخْلِفُوا، وقرأ: ( جاءهم نصرنا ) ، قال: جاء الرسلَ النصرُ حينئذ. قال: وكان أبيّ يقرؤها: « كُذِبُوا » .

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء , عن سعيد , عن أبي المتوكل , عن أيوب ابن أبي صفوان , عن عبد الله بن الحارث , أنه قال: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، من إيمان قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، وظن القوم أنهم قد كذبوهم فيما جاءوهم به.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عبد الوهاب , عن جويبر , عن الضحاك , قال: ظن قومهم أن رسلهم قد كَذَبوهم فيما وعدوهم به.

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثنا محمد بن فضيل , عن جحش بن زياد الضبي , عن تميم بن حذلم , قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية: « حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا » ، قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم , وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كَذَبوا بالتخفيف.

حدثنا أبو المثنى , قال: حدثنا محمد بن جعفر , قال: حدثنا شعبة , عن أبي المعلى , عن سعيد بن جبير , في قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، قال: استيأس الرسل من نصر قومهم , وظنّ قومُ الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم.

حدثنا أحمد بن إسحاق , قال: حدثنا أبو أحمد , قال: حدثنا عمرو بن ثابت , عن أبيه , عن سعيد بن جبير: حتى إذا استيأس الرسل أن يصدِّقوهم , وظن قومُهم أن الرسل قد كذبوهم.

.... قال: حدثنا أبو أحمد , قال: حدثنا إسرائيل , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل أن يصدّقهم قومهم , وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم.

حدثت عن الحسين بن الفرج , قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان , قال: سمعت الضحاك في قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، يقول: استيأسوا من قومهم أن يجيبوهم , ويؤمنوا بهم « وظنوا » ، يقول: وظن قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم الموعد.

قال أبو جعفر: والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله: ( كُذِبُوا ) بضم الكاف وتخفيف الذال. وذلك أيضًا قراءة بعض قرأة أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة .

وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة , لأن ذلك عقيب قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فكان ذلك دليلا على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذين أهلكوا , وأن المضمر في قوله: ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، إنما هو من ذكر الذين من قبلهم من الأمم الهالكة , وزاد ذلك وضوحًا أيضًا، إتباعُ الله في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله: ( فنجي من نشاء ) ، إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا ان الرسل قد كذبتهم، فكَذَّبوهم ظنًّا منهم أنهم قد كَذَبوهم.

وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءة، إلى غير التأويل الذي اخترنا , ووجّهوا معناه إلى: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم , وظنَّتِ الرسل أنهم قد كُذِبوا فيما وُعِدُوا من النصر .

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عثمان بن عمر , قال: حدثنا ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , قال: قرأ ابن عباس: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، قال: كانوا بشرًا ضَعفُوا ويَئِسوا.

.... قال: حدثنا حجاج بن محمد , عن ابن جريج , قال: أخبرني ابن أبي مليكة , عن ابن عباس , قرأ: ( وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، خفيفة، قال ابن جريج: أقول كما يقول: أخْلِفوا. قال عبد الله: قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا. وتلا ابن عباس: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [ سورة البقرة: 214 ] قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: ذهب بها إلى أنهم ضَعُفوا فظنوا أنهم أخْلِفوا.

حدثنا ابن بشار , قال: حدثنا مؤمل , قال: حدثنا سفيان , عن الأعمش , عن أبي الضحى , عن مسروق , عن عبد الله , أنه قرأ: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، مخففة. قال عبد الله: هو الذي تَكْرَه.

.... قال: حدثنا أبو عامر , قال: حدثنا سفيان , عن سليمان , عن أبي الضحى , عن مسروق , أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال: هو الذي تكره مخففةً.

.... قال: حدثنا محمد بن جعفر , قال: حدثنا شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , أنه قال في هذه الآية: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قلت: « كُذِبوا » ! قال: نعم ألم يكونوا بشرًا؟

حدثنا الحارث , قال: حدثنا عبد العزيز , قال: حدثنا إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس , في قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، قال: كانوا بشرًا، قد ظنُّوا.

قال أبو جعفر: وهذا تأويلٌ وقولٌ , غيرُه من التأويل أولى عندي بالصواب، وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء، والرسل إن جاز أن يرتابوا بوعدِ الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره، مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسَل إليهم فيعذروا في ذلك، فإن المرسَلَ إليهم لأوْلى في ذلك منهم بالعذر. وذلك قول إن قاله قائلٌ لا يخفى أمره.

وقد ذُكِر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرًا عن ابن عباس لعائشة , فأنكرته أشد النُكرة فيما ذكر لنا.

* ذكر الرواية بذلك عنها، رضوانُ الله عليها:

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا عثمان بن عمر , قال: حدثنا ابن جريج , عن ابن أبي مليكة , قال: قرأ ابن عباس: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، فقال: كانوا بشرًا، ضعفوا ويئسوا قال ابن أبي مليكة: فذكرت ذلك لعروة , فقال: قالت عائشة: معاذ الله! ما حدَّث الله رسوله شيئًا قطُّ إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت , ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى ظن الأنبياء أن من تبعهم قد كذّبوهم . فكانت تقرؤها: « قَدْ كُذِّبُوا » ، تثقلها.

.... قال: حدثنا حجاج , عن ابن جريج , قال: أخبرني ابن أبي مليكة , أن ابن عباس قرأ: ( وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، خفيفة، قال عبد الله: ثم قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا وتلا ابن عباس: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [ سورة البقرة: 214 ] قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: يذهب بها إلى أنهم ضَعُفوا , فظنوا أنهم أُخْلِفوا . قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: وأخبرني عروة عن عائشة , أنها خالفت ذلك وأبته , وقالت: ما وعد الله محمدًا صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وقد علم أنه سيكون حتى مات , ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أنَّ من معهم من المؤمنين قد كذَّبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة: كانت عائشة تقرؤها: « وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا » مثقَّله , للتكذيب.

.... قال: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي , قال: حدثنا إبراهيم بن سعد , قال: حدثني صالح بن كيسان , عن ابن شهاب , عن عروة , عن عائشة قال: قلت لها قوله: ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا ) ، قال: قالت عائشة: لقد استيقنوا أنهم قد كُذِّبوا . قلت: « كُذِبوا » . قالت: معاذ الله , لم تكن الرُّسل تظُنُّ بربها، إنما هم أتباع الرُّسُل، لما استأخر عنهم الوحيُ، واشتد عليهم البلاء، ظنت الرسل أن أتباعهم قد كذَّبوهم ( جاءهم نصرنا ) .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن الزهري , عن عروة , عن عائشة , قالت: حتى إذا استيأس الرجل ممن كذبهم من قومهم أن يصدّقوهم , وظنَّت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كَذَّبوهم , جاءهم نصر الله عند ذلك.

قال أبو جعفر: فهذا ما روي في ذلك عن عائشة , غير أنها كانت تقرأ: « كُذِّبُوا » ، بالتشديد وضم الكاف , بمعنى ما ذكرنا عنها: من أن الرسل ظنَّت بأتباعها الذين قد آمنوا بهم، أنهم قد كذَّبوهم , فارتدُّوا عن دينهم , استبطاءً منهم للنصر .

وقد بيّنا أن الذي نختار من القراءة في ذلك والتأويل غيرَه في هذا الحرف خاصّةً.

وقال آخرون ممن قرأ قوله: « كُذِّبُوا » بضم الكاف وتشديد الذال , معنى ذلك: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدِّقوهم , وظنَّت الرسل، بمعنى: واستيقنت، أنهم قد كذّبهم أممهم، جاءَتِ الرُّسل نُصْرَتنا . وقالوا: « الظن » في هذا بمعنى العلم، من قول الشاعر:

فَظُنُّــوا بِــأَلْفَيْ فَــارِسٍ مُتَلَبِّـبٍ سَــرَاتُهُمْ فِــي الفَارِسِـيّ المُسَـرَّدِ

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة , عن الحسن وهو قول قتادة : « حتى إذا استيئس الرسل من إيمان قومهم , وظنوا أنهم قد كُذِّبوا » ، أي: استيقنوا أنه لا خير عند قومهم , ولا إيمان ( جاءهم نصرنا ) .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( حتى إذا استيئس الرسل ) ، قال: من قومهم ( وظنوا أنهم قد كذِّبوا ) ، قال: وعلموا أنهم قد كذبوا ( جاءهم نصرنا ) .

قال أبو جعفر: وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرأة المدينة والبصرة والشأم , أعني بتشديد الذال من « كُذِّبُوا » وضم كافها.

وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن وقتادة في ذلك، إذا قرئ بتشديد الذال وضم الكاف، خلافٌ لما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة , لأنه لم يوجه « الظن » في هذا الموضع منهم أحدٌ إلى معنى العلم واليقين , مع أن « الظنّ » إنما استعمله العرب في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهده والمعاينة. فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة، فإنها لا تستعمل فيه « الظن » , لا تكاد تقول: « أظنني حيًّا، وأظنني إنسانًا » , بمعنى: أعلمني إنسانًا، وأعلمني حيًا . والرسل الذين كذبتهم أممهم , لا شك أنها كانت لأممها شاهدة، ولتكذيبها إياها منها سامعة , فيقال فيها: ظنّت بأممها أنها كَذَّبتها.

وروي عن مجاهد في ذلك قولٌ هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الماضين الذين سَمَّينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم، وتأويلٌ خلاف تأويلهم، وقراءةٌ غير قراءة جميعهم , وهو أنه، فيما ذُكِر عنه، كان يقرأ: « وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا » بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال.

* ذكر الرواية عنه بذلك:

حدثني أحمد بن يوسف , قال: حدثنا أبو عبيد , قال: حدثنا حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , أنه قرأها: « كَذَبُوا » بفتح الكاف بالتخفيف.

وكان يتأوّله كما: -

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال:حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد: استيأس الرجل أن يُعَذَّبَ قومهم , وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا ( جاءهم نصرنا ) , قال: جاء الرسلَ نصرنا . قال مجاهد: قال في « المؤمن » فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ، قال: قولهم: « نحن أعلم منهم ولن نعذّب » . وقوله: وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ، [ سورة غافر: 83 ] ، قال: حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق.

قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار على خلافها. ولو جازت القراءة بذلك، لاحتمل وجهًا من التأويل، وهو أحسن مما تأوله مجاهد , وهو: حتى إذا استيأس الرسل من عذاب الله قومَها المكَذِّبة بها , وظنَّت الرسل أن قومها قد كَذَبوا وافتروا على الله بكفرهم بها ويكون « الظن » موجِّهًا حينئذ إلى معنى العلم , على ما تأوَّله الحسن وقتادة.

وأما قوله: ( فنجي من نشاء ) فإن القرأة اختلفت في قراءته.

فقرأه عامة قرأة أهل المدينة ومكة والعراق: « فَنُنْجِي مَنْ نَشَاء » ، مخفّفة بنونين، بمعنى: فننجي نحنُ من نشاء من رسلنا والمؤمنين بنا , دون الكافرين الذين كَذَّبوا رُسلنا، إذا جاء الرسلَ نصرُنا.

واعتلّ الذين قرءوا ذلك كذلك، أنه إنما كتب في المصحف بنون واحدة، وحكمه أن يكون بنونين , لأن إحدى النونين حرف من أصل الكلمة , من: « أنجى ينجي » , والأخرى « النون » التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال , من فعل جماعةٍ مخبرةٍ عن أنفسها، لأنهما حرفان، أعني النونين، من جنس واحدٍ يخفى الثاني منهما عن الإظهار في الكلام , فحذفت من الخط، واجتزئ بالمثبتة من المحذوفة , كما يفعل ذلك في الحرفين اللذين يُدْغم أحدهما في صاحبه.

وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى , غير أنه أدغم النون الثانية وشدّد الجيم.

وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء، على معنى فعل ذلك به من: « نجَّيته أنجّيه » .

وقرأ ذلك بعض المكيين: « فَنَجَا مَنْ نَشَاءُ » بفتح النون والتخفيف , من: « نجا ينجو » .

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأه: « فَنُنْجِي مَنْ نَشَاءُ » بنونين , لأن ذلك هو القراءة التي عليها القرأة في الأمصار , وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها، فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من القرأة. وغير جائز خلاف ما كان مستفيضًا بالقراءة في قرأة الأمصار.

قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فننجي الرسلَ ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا، كما: -

حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال حدثني عمي: قال: حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس: « فننجي من نشاء » ، فننجي الرسل ومن نشاء ( ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين ) ، وذلك أن الله تبارك وتعالى بَعَث الرسل , فدعوا قومهم، وأخبروهم أنه من أطاع نجا، ومن عصاه عُذِّب وغَوَى.

وقوله ( ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين ) ، يقول: ولا تردُّ عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا وعن القوم الذين أجرموا , فكفروا بالله، وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده.

 

القول في تأويل قوله تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( 111 )

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لقد كان في قصص يوسف وإخوته عبرة لأهل الحجا والعقول يعتبرون بها، وموعظة يتّعظون بها. وذلك أن الله جل ثناؤه بعد أن ألقي يوسف في الجبّ ليهلك، ثم بِيع بَيْع العبيد بالخسيس من الثمن , وبعد الإسار والحبس الطويل، ملّكه مصر، ومكّن له في الأرض، وأعلاه على من بغاه سوءًا من إخوته , وجمع بينه وبين والديه وإخوته بقدرته، بعد المدة الطويلة , وجاء بهم إليه من الشُّقّة النائية البعيدة، فقال جل ثناؤه للمشركين من قريش من قوم نبيّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: لقد كان لكم، أيها القوم، في قصصهم عبرةٌ لو اعتبرتم به , أن الذي فعل ذلك بيوسف وإخوته، لا يتعذَّر عليه فعلُ مثله بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيخرجه من بين أظهُرِكم، ثم يظهره عليكم، ويمكن له في البلاد، ويؤيده بالجند والرجال من الأتباع والأصحاب، وإن مرَّت به شدائد، وأتت دونه الأيام والليالي والدهور والأزمان.

وكان مجاهد يقول: معنى ذلك: لقد كان في قصصهم عبرة ليوسف وإخوته.

* ذكر الرواية بذلك:

حدثنا محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قوله: ( لقد كان في قصصهم عبرة ) ، ليوسف وإخوته.

حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: عبرة ليوسف وإخوته.

حدثني المثنى , قال: حدثنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .

حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , قوله: ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ) ، قال: يوسف وإخوته.

قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله مجاهد، وإن كان له وجه يحتمله التأويل، فإن الذي قلنا في ذلك أولى به ; لأنّ ذلك عَقِيب الخبر عن نبينا صلى الله عليه وسلم وعن قومه من المشركين، وعَقِيب تهديدهم ووعيدهم على الكفر بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته , ومع ذلك أنه خبرٌ عام عن جميع ذوي الألباب , أنَّ قصصهم لهم عبرة , وغير مخصوص بعض به دون بعض. فإذا كان الأمر على ما وصفنا في ذلك , فهو بأن يكون خبرًا عن أنه عبرة لغيرهم أشبه. والرواية التي ذكرناها عن مجاهد [ من ] رواية ابن جريج أشبه به أن تكون من قوله ; لأن ذلك موافقٌ القولَ الذي قلناه في ذلك.

وقوله: ( ما كان حديثًا يفترى ) ، يقول تعالى ذكره: ما كان هذا القول حديثًا يختلق ويُتَكذَّب ويُتَخَرَّص، كما:-

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( ما كان حديثًا يفترى ) ، و « الفرية » : الكذب.

( ولكن تصديق الذي بين يديه ) ، يقول: ولكنه تصديق الذي بين يديه من كتب الله التي أنـزلها قبله على أنبيائه , كالتوراة والإنجيل والزبور , يصدِّق ذلك كله ويشهد عليه أنّ جميعه حق من عند الله، كما:-

حدثنا بشر , قال: حدثنا يزيد , قال: حدثنا سعيد , عن قتادة: ( ولكن تصديق الذي بين يديه ) ، والفرقان تصديق الكتب التي قبله , ويشهد عليها.

وقوله: ( وتفصيل كل شيء ) ، يقول تعالى ذكره: وهو أيضًا تفصيل كل ما بالعباد إليه حاجة من بيان أمر الله ونهيه، وحلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته.

وقوله: ( وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) ، يقول تعالى ذكره: وهو بيان أمره , ورشاده لمن جهل سبيل الحق فعمي عنه، إذا اتبعه فاهتدى به من ضلالته « ورحمة » لمن آمن به وعمل بما فيه , ينقذه من سخط الله وأليم عذابه , ويورِّثه في الآخرة جنانه، والخلودَ في النعيم المقيم ( لقوم يؤمنون ) ، يقول: لقوم يصدِّقون بالقرآن وبما فيه من وعد الله ووعيده، وأمره ونهيه , فيعملون بما فيه من أمره، وينتهون عما فيه من نهيه .

آخر تفسير سورة يوسف

صلَّى الله عليه وسلم

 

أعلى