فهرس السور

63 - تفسير البغوي سورة المنافقون

التالي السابق

سورة المنافقون

مدنية

بسم الله الرحمن الرحيم

إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ( 1 ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 2 ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ( 3 ) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ( 4 )

( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ) يعني عبدَ الله بن أبي ابن سلول وأصحابَه, ( قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) لأنهم أضمروا خلاف ما أظهروا. ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ) سترة, ( فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) منعوا الناس عن الجهاد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.

( إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ) أقروا باللسان إذا رأوا المؤمنين, ( ثُمَّ كَفَرُوا ) إذا خلوا إلى المشركين, ( فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) بالكفر, ( فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ) الإيمان. ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ) يعني أن لهم أجسامًا ومناظر, ( وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) فتحسب أنه صدق, قال عبد الله بن عباس: كان عبد الله بن أبي جسيمًا فصيحًا ذلق اللسان, فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله. ( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام. قرأ أبو عمرو والكسائي: « خُشْب » بسكون الشين, وقرأ الباقون بضمها.

( مُسَنَّدَةٌ ) ممالة إلى جدار, من قولهم: أسندت الشيء, إذا أَمَلْتُه, والتثقيل للتكثير, وأراد أنها ليست بأشجار تثمر, ولكنها خشب مسندة إلى حائط, ( يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ) أي لا يسمعون صوتًا في العسكر بأن نادى منادٍ أو انفلتت دابة وأنشدت ضالة, إلا ظنوا - من جبنهم وسوء ظنهم - أنهم يرادون بذلك, وظنوا أنهم قد أتوا, لما في قلوبهم من الرعب.

وقيل: ذلك لكونهم على وجل من أن ينـزل الله فيهم أمرا يهتك أستارهم ويبيح دماءهم ثم قال: ( هُمُ الْعَدُوُّ ) وهذا ابتداء وخبره, ( فَاحْذَرْهُمْ ) ولا تأمنهم, ( قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ) لعنهم الله ( أَنَّى يؤْفَكُونَ ) يصرفون عن الحق.

 

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ( 5 ) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ( 6 )

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ ) أي عطفوا وأعرضُوا بوجوههم رغبة عن الاستغفار. قرأ نافع ويعقوب « لَووَا » بالتخفيف, وقرأ الآخرون بالتشديد, لأنهم فعلوه مرة بعد مرة.

( وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ ) يعرضون عما دُعُوا إليه, ( وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) متكبرون عن استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم. ( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُم ) يا محمد, ( أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ذكر محمد بن إسحاق وغيره عن جماعة, من أصحاب السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَلَغُه: أن بني المصطلق يجتمعون لحربه وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو [ جويرة ] زوج النبي صلى الله عليه وسلم, فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المُرَيْسيع من ناحية قُدَيْد إلى الساحل, فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق, وقتل من قتل منهم, ونقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءها [ عليهم ] فبينما الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار, يقال له جهجاه بن سعيد الغفاري يقود له فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبرة الجهني, حليف بني عوف بن الخزرج, على [ ذلك ] الماء فاقتتلا فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار! وصرخ الغفاري: يا معشر المهاجرين ! وأعان جهجاهًا الغفاريَّ رجلٌ من المهاجرين يقال له جُعال, وكان فقيرًا, فغضب عبدُ الله بن أبيٍّ ابنُ سلولَ وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم, غلام حديث السن, فقال ابن أُبيّ: أفعَلوها؟ فقد نافرونا وكاثرونا في بلادنا, والله ما مَثَلُنا ومثلُهم إلا كما قال القائل: سِّمن كلبك يأكلك, أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذَّل. يعني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أقبل على من حضره من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم, أحللتموهم بلادكم, وقاسمتموهم أموالكم, أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم, ولتحولوا إلى غير بلادكم, فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضُّوا من حول محمد, فقال زيد بن أرقم: أنت - والله - الذليل القليل المبغض في قومك, محمد صلى الله عليه وسلم في عزّ من الرحمن ومودة من المسلمين, فقال عبد الله بن أبي: اسكت, فإنما كنت ألعب. قال: فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وذلك ] بعد فراغه من الغدو, فأخبره الخبر, وعنده عمر بن الخطاب, فقال: دعني أضرب عنقه يا رسول الله قال: كيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟ ولكن أذّن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس.

وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبيٍّ فأتاه فقال: أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني؟ فقال عبد الله: والذي أنـزل عليك الكتاب ما قلت شيئًا من ذلك, وإن زيدًا لكاذبٌ, وكان عبد الله في قومه شريفًا عظيمًا, فقال من حضر من الأنصار من أصحابه: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قاله. فَعَذَره النبي صلى الله عليه وسلم وفَشَتِ المَلامةُ في الأنصار لزيد, وكذَّبوه, وقال له عمه [ وكان زيد معه ] ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم, والناسُ مَقَتُوك, وكان زيد يساير النبي صلى الله عليه وسلم فاستحيا بعد ذلك أن يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم.

فلما استقلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه, ثم قال: يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوما بلغك ما قال صاحبكم عبد الله بن أبي؟ قال: وما قال؟ قال: زعم إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل. فقال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت, هو والله الذليل وأنت العزيز, ثم قال: يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاء الله بك, وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكًا.

وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي, لما بلغك عنه, فإن كنت فاعلا فَمُرْني به, فأنا أحمل إليك رأسه, فوالله لقد علمتِ الخزرج ما كان بها رجلٌ أبرَّ بوالديه مني, وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله, فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله, فأقتل مؤمنًا بكافر, فأدخل النار.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا.

قالوا: وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يومهم ذلك حتى أمسى, وليلتهم حتى أصبح, وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس, [ ثم نـزل بالناس ] فلم يكن إلا أن وجدوا مسّ الأرض فوقعوا نيامًا. وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي.

ثم راح بالناس حتى نـزل [ على ماء بِـ ] الحجاز فُوَيْقَ النَّقِيع, يقال له نقعًا فهاجت ريح شديدة آذتهم وتخوَّفوها وضلت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك ليلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تخافوا فإنما هبَّتْ لموت عظيم من عظماء الكفار توفي بالمدينة, قيل: من هو, قال: رفاعة بن زيد بن التابوت, فقال رجل من المنافقين: كيف يزعم أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته؟ ألا يخبره الذي يأتيه بالوحي! فأتاه جبريل فأخبره بقول المنافق وبمكان الناقة, وأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه, وقال: ما أزعم أني أعلم الغيب وما أعلمه, ولكن الله أخبرني بقول المنافق وبمكان ناقتي, هي في الشِّعب قد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا يسعَوْن قِبَل الشعب فإذا هي كما قال, فجاءوا بها وآمن ذلك المنافق.

فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت قد مات ذلك اليوم, وكان من عظماء اليهود وكهفًا للمنافقين, فلما وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, قال زيد بن أرقم: جلست في البيت لما بي من الهمِّ والحياء, فأنـزل الله تعالى سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله. فلما نـزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد وقال: « يا زيد إن الله صدقك وأوفى بأذنك » .

وكان عبد الله بن أُبيّ بقرب المدينة, فلما أراد أن يدخلها جاءه ابنه عبد الله بن عبد الله حتى أناخ على مجامع طرق المدينة, فلما جاء عبد الله بن أبي قال: [ وراءك، قال: ] مالك ويلك؟ قال: لا والله لا تدخلها أبدًا إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولتعلمن اليوم من الأعز من الأذل, فشكا عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع ابنه, فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خلِّ عنه حتى يدخل, فقال: أما إذا جاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنعم, فدخل فلم يلبث إلا أيامًا قلائل حتى اشتكى ومات.

قالوا: فلما نـزلت الآية وبان كذب عبد الله بن أبي قيل له: يا أبا حباب إنه قد نـزل فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك, فلوى رأسه ثم قال: أمرتموني أن أؤمن فآمنت, وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت فما بقي إلا أن أسجد لمحمد فأنـزل الله تعالى: « وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم » الآية. ونـزل:

هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ( 7 ) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ( 8 )

( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ) يتفرقوا, ( وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) فلا يعطي أحد أحدًا شيئًا إلا بإذنه ولا يمنعه إلا بمشيئته, ( وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ) أن أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون. ( يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ ) من غزوة بني المصطلق, ( لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) فعزة الله: قهره من دونه, وعزة رسوله: إظهار دينه على الأديان كلها, وعزة المؤمنين: نصر الله إياهم على أعدائهم. ( وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ) , ذلك ولو علموا ما قالوا هذه المقالة.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( 9 ) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ( 10 )

قوله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ ) , لا تشغلكم ( أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) , قال المفسرون يعني الصلوات الخمس, نظيره قوله: لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ( النور - 37 ) ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ) , أي من شغله ماله وولده عن ذكر الله ( فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) . ( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُم ) , قال ابن عباس: يريد زكاة الأموال, ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) , فيسأل الرجعة, ( فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي ) , هلا أخرتني أمهلتني. وقيل: « لا » صلة, فيكون الكلام بمعنى التَّمني, أي: لو أخرتني, ( إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ ) , فأتصدق وأزكي مالي, ( وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ) , أي من المؤمنين.

نظيره قوله تعالى: وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ ( الرعد - 23 ) ( غافر - 8 ) , هذا قول مقاتل وجماعة. وقالوا: نـزلت الآية في المنافقين. وقيل: [ نـزلت ] الآية في المؤمنين.

والمراد بالصلاح هنا: الحج. وروى الضحاك, وعطية عن ابن عباس قال: ما من أحد يموت وكان له مال لم يؤد زكاته وأطاق الحج فلم يحج إلا سأل الرجعة عند الموت. وقرأ هذه الآية وقال: « وأكن من الصالحين » قرأ أبو عمرو « وأكونَ » بالواو ونصب النون على جواب التمني وعلى لفظ فأصدق, قال: إنما حذفت الواو من المصحف اختصارا.

وقرأ الآخرون: « وأكنْ » بالجزم عطفًا على قوله « فأصدَّق » لو لم يكن فيه الفاء, لأنه لو لم يكن فيه فاء كان جزمًا. يعني: إن أخرتني أصدق وأكن, ولأنه مكتوب في المصحف بحذف الواو.

وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 11 )

( وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) قرأ أبو بكر: « يعملون » بالياء وقرأ الآخرون بالتاء.

 

أعلى