تفسير البغوي

43 - تفسير البغوي سورة الزخرف

التالي السابق

سورة الزخرف

 

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

حم ( 1 ) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ( 2 ) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ( 3 ) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ( 4 )

( حم ) ( وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ) أقسم بالكتاب الذي أبان طريق الهدى من طريق الضلالة, وأبان ما تحتاج إليه الأمة من الشريعة.

( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) قوله: « جعلناه » أي: صيرنا قراءة هذا الكتاب عربيا. وقيل: بيناه. وقيل: سميناه. وقيل: وصفناه, يقال: جعل فلان زيدًا أعلم الناس, أي وصفه, هذا كقوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا ( الزخرف- 19 ) وقوله: جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ( الحجر- 91 ) , وقال: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ ( التوبة- 19 ) , كلها بمعنى الوصف والتسمية.

( وَإِنَّهُ ) يعني القرآن, ( فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) في اللوح المحفوظ. قال قتادة: « أم الكتاب » : أصل الكتاب, وأم كل شيء: أصله. قال ابن عباس: أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب بما يريد أن يخلق, فالكتاب عنده, ثم قرأ « وإنه في أم الكتاب لدينا » , فالقرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ كما قال: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ( البروج- 21 ) . ( لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) قال قتادة: يخبر عن منـزلته وشرفه, أي: إن كذبتم بالقرآن يا أهل مكة فإنه عندنا لعلي رفيع شريف محكم من الباطل.

أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ ( 5 ) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ ( 6 ) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 7 ) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ ( 8 ) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ( 9 )

( أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا ) يقال: ضربت عنه وأضربت عنه إذا تركته وأمسكت عنه, و « الصفح » مصدر قولهم صفحت عنه إذا أعرضت عنه, وذلك بأن توليه صفحة وجهك [ وعنقك ] ، والمراد بالذكر القرآن. ومعناه: أفنترك عنكم الوحي ونمسك عن إنـزال القرآن فلا نأمركم [ ولا ننهاكم ] من أجل أنكم أسرفتم في كفركم وتركتم الإيمان؟ استفهام بمعنى الإنكار, أي: لا نفعل ذلك, وهذا قول قتادة وجماعة.

قال قتادة: والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا, ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته, فكرره عليهم عشرين سنة أو ما شاء الله.

وقيل: معناه: أفنضرب عنكم بتذكيرنا إياكم صافحين معرضين.

قال الكسائي: أفنطوي عنكم الذكر طيًا فلا تدعون ولا توعظون. وقال الكلبي: أفنترككم سدى لا نأمركم ولا ننهاكم. وقال مجاهد والسدي: أفنعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم. ( أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ ) قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي: « إن كنتم » بكسر الهمزة, على معنى: إذ كنتم, كقوله: وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( آل عمران- 139 ) , وقرأ الآخرون بالفتح, على معنى: لأن كنتم قومًا مسرفين [ مشركين ] .

( وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِمْ ) أي وما كان يأتيهم, ( مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) كاستهزاء قومك بك, يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم.

( فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا ) أي أقوى من قومك, يعني الأولين الذين أهلكوا بتكذيب الرسل, ( وَمَضَى مَثَلُ الأوَّلِينَ ) أي صفتهم وسنتهم وعقوبتهم, فعاقبة هؤلاء كذلك في الإهلاك.

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ) أي سألت قومك, ( مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ) أقروا بأن الله خالقها, وأقروا بعزه وعلمه ثم عبدوا غيره وأنكروا قدرته على البعث لفرط جهلهم. إلى هاهنا تم الإخبار عنهم.

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( 10 )

ثم ابتدأ دالا على نفسه بصنعه فقال: ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) إلى مقاصدكم في أسفاركم.

 

وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ( 11 ) وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ( 12 ) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ( 13 ) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ( 14 )

( وَالَّذِي نـزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ) أي بقدر حاجتكم إليه لا كما أنـزل على قوم نوح بغير قدر حتى أهلكهم. ( فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ ) أي كما أحيينا هذه البلدة [ الميتة ] بالمطر كذلك, ( تُخْرَجُونَ ) من قبوركم أحياء.

( وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ ) أي الأصناف ( كُلَّهَا ) ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ) في البر والبحر.

( لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ) ذكر الكناية لأنه ردها إلى « ما » . ( ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ) بتسخير المراكب في البر والبحر, ( وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا ) ذلل لنا هذا, ( وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) مطيقين, وقيل: ضابطين.

( وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ) لمنصرفون في المعاد.

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي, أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران, أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار, أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن أبي إسحاق, أخبرني علي بن ربيعة أنه شهد عليًا رضي الله عنه حين ركب فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله, فلما استوى قال: الحمد لله, ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون, ثم حمد ثلاثًا وكبر ثلاثًا, ثم قال: لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت, ثم ضحك, فقال: ما يضحكك يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ما فعلت, وقال مثل ما قلت, ثم ضحك, فقلنا: ما يضحكك يا نبي الله؟ قال: « العبد » , أو قال: « عجبت للعبد إذا قال لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت, يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هو » .

وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ ( 15 ) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ ( 16 ) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ( 17 ) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ( 18 )

قوله عز وجل: ( وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ) أي نصيبًا وبعضًا وهو قولهم: الملائكة بنات الله, ومعنى الجعل- هاهنا- الحكم بالشيء والقول, كما تقول: جعلت زيدًا أفضل الناس, أي وصفته وحكمت به, ( إِنَّ الإنْسَانَ ) يعني الكافر, ( لَكَفُورٌ ) جحود لنعم الله, ( مُبِينٌ ) ظاهر الكفران.

( أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ ) هذا استفهام توبيخ وإنكار, يقول: اتخذ ربكم لنفسه البنات, ( وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ ) ؟ كقوله: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ ( الإسراء- 40 ) .

( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ) بما جعل لله شبهًا, وذلك أن ولد كل شيء يشبهه, يعني إذا بشر أحدهم بالبنات كما ذكر في سورة النحل: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ , ( النحل- 58 ) من الحزن والغيظ.

( أَوَمَنْ يُنَشَّأُ ) قرأ حمزة والكسائي وحفص: « ينشأ » بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين, أي يربى, وقرأ الآخرون بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين, أي ينبت ويكبر, ( فِي الْحِلْيَةِ ) في الزينة يعني النساء, ( وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) في المخاصمة غير مبين للحجة من ضعفهن وسفههن, قال قتادة في هذه الآية: قلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها.

وفي محل « من » ثلاثة أوجه: الرفع على الابتداء, والنصب على الإضمار, مجازه: أو من ينشؤ في الحلية يجعلونه بنات الله, والخفض ردا على قوله: « مما يخلق » , وقوله: « بما ضرب » .

وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ( 19 ) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ ( 20 ) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ( 21 )

( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا ) قرأ أهل الكوفة, وأبو عمرو: « عباد الرحمن » بالباء والألف بعدها ورفع الدال كقوله تعالى: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ( الأنبياء- 26 ) , وقرأ الآخرون: « عند الرحمن » بالنون ونصب الدال على الظرف, وتصديقه قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ ( الأعراف- 206 ) الآية, ( أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ) قرأ أهل المدينة على ما لم يسم فاعله, ولين الهمزة الثانية بعد همزة الاستفهام, أي: أحضروا خلقهم, وقرأ الآخرون بفتح الشين أي أحضروا خلقهم حين خلقوا, وهذا كقوله: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ ( الصافات- 150 ) , ( سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ ) على الملائكة أنهم بنات الله, ( وَيُسْأَلُونَ ) عنها.

قال الكلبي ومقاتل: لما قالوا هذا القول سألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « ما يدريكم أنهم إناث؟ » قالوا: سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا, فقال الله تعالى: « سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ » , عنها في الآخرة.

( وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ) يعني الملائكة, قاله قتادة ومقاتل والكلبي, قال مجاهد: يعني الأوثان, وإنما لم يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياها لرضاه منا بعبادتها. قال الله تعالى: ( مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ ) فيما يقولون ( إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ ) ما هم إلا كاذبون في قولهم: إن الله تعالى رضي منا بعبادتها, وقيل: إن هم إلا يخرصون, في قولهم: إن الملائكة إناث وإنهم بنات الله.

( أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ ) أي من قبل القرآن بأن يعبدوا غير الله, ( فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ) .

بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ( 22 )

( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ) على دين وملة, قال مجاهد: على إمام ( وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) جعلوا أنفسهم باتباع آبائهم مهتدين.

 

وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ( 23 ) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ( 24 ) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ( 25 ) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ( 26 ) إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ( 27 ) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 28 )

( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا ) أغنياؤها ورؤساؤها, ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) بهم.

( قُلْ ) قرأ ابن عامر وحفص: « قال » على الخبر, وقرأ الآخرون « قل » على الأمر, ( أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ ) قرأ أبو جعفر: « جئناكم » على الجمع, والآخرون « جئتكم » على الواحد, ( بِأَهْدَى ) بدين أصوب, ( مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ) قال الزجاج: قل لهم [ يا محمد ] : أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم وإن جئتكم بأهدى منه؟ فأبوا أن يقبلوا, و ( قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ) .

( فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) .

قوله عز وجل: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ ) أي بريء, ولا يثنى البراء ولا يجمع ولا يؤنث لأنه مصدر وضع موضع النعت. ( مِمَّا تَعْبُدُونَ ) . ( إِلا الَّذِي فَطَرَنِي ) خلقني ( فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ) يرشدني لدينه.

( وَجَعَلَهَا ) يعني هذه الكلمة, ( كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال مجاهد وقتادة: يعني كلمة التوحيد, وهي « لا إله إلا الله » كلمة باقية في عقبه في ذريته. قال قتادة: لا يزال في ذريته من يعبد الله ويوحده. وقال القرظي: يعني: وجعل وصية إبراهيم التي أوصى بها بنيه باقية في نسله وذريته, وهو قوله عز وجل: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ( البقرة- 132 ) .

وقال ابن زيد: يعني قوله: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( البقرة- 131 ) , وقرأ: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ( الحج- 78 ) .

( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين ويرجعون عما هم عليه إلى دين إبراهيم. وقال السدي: لعلهم يتوبون ويرجعون إلى طاعة الله عز وجل.

بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ ( 29 ) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ ( 30 ) وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ( 31 ) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ( 32 ) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ( 33 )

( بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ ) يعني: المشركين في الدنيا, ولم أعاجلهم بالعقوبة على الكفر, ( حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ ) يعني القرآن, وقال الضحاك: الإسلام. ( وَرَسُولٌ مُبِينٌ ) يبين لهم الأحكام وهو محمد صلى الله عليه وسلم, وكان من حق هذ الإنعام أن يطيعوه, فلم يفعلوا, وعصوا.

وهو قوله عز وجل: ( وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ ) يعني القرآن, ( قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ ) . ( وَقَالُوا لَوْلا نـزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) يعنون الوليد بن المغيرة من مكة, وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف, قاله قتادة.

وقال مجاهد: عتبة بن ربيعة من مكة, وابن عبد ياليل الثقفي من الطائف.

وقيل: الوليد بن المغيرة من مكة, ومن الطائف: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي. ويروى هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. قال الله تعالى:

( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ) يعني النبوة, قال مقاتل يقول: بأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاؤوا؟ ثم قال:

( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) فجعلنا هذا غنيًا وهذا فقيرًا وهذا ملكًا وهذا مملوكًا, فكما فضلنا بعضهم على بعض في الرزق كما شئنا, كذلك اصطفينا بالرسالة من شئنا.

( وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ) بالغنى والمال, ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) ليستخدم بعضهم بعضًا فيسخر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل, فيكون بعضهم لبعض سبب المعاش, هذا بماله, وهذا بأعماله, فيلتئم قوام أمر العالم. وقال قتادة والضحاك: يملك بعضهم بمالهم بعضًا بالعبودية والملك. ( وَرَحْمَةُ رَبِّكَ ) [ يعني الجنة ] ، ( خَيْرٌ ) للمؤمنين, ( مِمَّا يَجْمَعُونَ ) مما يجمع الكفار من الأموال.

( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) أي: لولا أن يصيروا كلهم كفارًا فيجتمعون على الكفر, ( لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ ) قرأ ابن كثير, وأبو جعفر, وأبو عمرو: « سقفا » بفتح السين وسكون القاف على الواحد, ومعناه الجمع, كقوله تعالى: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ( النحل- 26 ) , وقرأ الباقون بضم السين والقاف على الجمع, وهي جمع « سقف » مثل: رهن ورهن, قال أبو عبيدة: ولا ثالث لهما. وقيل: هو جمع سقيف. وقيل: جمع سقوف جمع الجمع. ( وَمَعَارِجَ ) مصاعد ودرجًا من فضة, ( عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) يعلون ويرتقون, يقال: ظهرت على السطح إذا علوته.

 

وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ( 34 ) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ( 35 )

( وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا ) من فضة, ( وَسُرُرًا ) أي: وجعلنا لهم سررًا من فضة, ( عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ) .

( وَزُخْرُفًا ) أي وجعلنا مع ذلك لهم زخرفًا وهو الذهب, نظيره: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ ( الإسراء- 93 ) , ( وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قرأ حمزة وعاصم: « لما » بالتشديد على معنى: وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا فكان: « لما » بمعنى إلا وخففه الآخرون على معنى: وكل ذلك متاع الحياة الدنيا, فيكون: « إن » للابتداء, و « ما » صلة, يريد: إن هذا كله متاع الحياة الدنيا يزول ويذهب, ( وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ) خاصة يعني الجنة.

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي, أخبرنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني, أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي, أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام, أخبرنا أحمد بن سيار القرشي, حدثنا عبد الرحمن بن يونس أبو مسلم, حدثنا أبو بكر بن منظور, عن أبي حازم, عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها قطرة ماء » .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة, أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث, أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي, أخبرنا عبد الله, أخبرنا محمد بن إبراهيم بن عبد الله الخلال, أخبرنا عبد الله بن المبارك, عن [ مجالد ] بن سعيد, عن قيس بن أبي حازم, عن المستورد ابن شداد أخي بني فهر قال: كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السخلة الميتة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها » ؟ قالوا: من هوانها ألقوها, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها » .

وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ( 36 ) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ( 37 )

قوله عز وجل: ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) أي يعرض عن ذكر الرحمن فلم يخف عقابه, ولم يرج ثوابه, يقال: عشوت إلى النار أعشو عشوًا, إذا قصدتها مهتديًا بها, وعشوت عنها: أعرضت عنها, كما يقول: عدلت إلى فلان, وعدلت عنه, وملت إليه, وملت عنه. قال القرظي : يولي ظهره عن ذكر الرحمن وهو القرآن. قال أبو عبيدة والأخفش: يظلم بصرف بصره عنه. قال الخليل بن أحمد: أصل العشو النظر ببصر ضعيف. وقرأ ابن عباس: « ومن يعش » بفتح الشين أي يعم, يقال عشى يعشى عشًا إذا عمي فهو أعشى, وامرأة عشواء. ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا ) قرأ يعقوب: « يقيض » بالياء, والباقون بالنون, نسبب له شيطانًا ونضمه إليه ونسلطه عليه. ( فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) لا يفارقه, يزين له العمى ويخيل إليه أنه على الهدى.

( وَإِنَّهُمْ ) يعني الشياطين, ( لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) أي ليمنعونهم عن الهدى وجمع الكناية لأن قوله: « ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا » في مذهبٍ جمعٌ وإن كان اللفظ على الواحد, ( وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) ويحسب كفار بني آدم أنهم على الهدى.

حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ( 38 ) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ( 39 ) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 40 ) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ( 41 )

( حَتَّى إِذَا جَاءَنَا ) قرأ أهل العراق غير أبي بكر: « جاءنا » على الواحد يعنون الكافر, وقرأ الآخرون: جاءانا, على التثنية يعنون الكافر وقرينه, جعلا في سلسلة واحدة. ( قَالَ ) الكافر لقرينه الشيطان: ( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ ) أي بعد ما بين المشرق والمغرب فغلب اسم أحدهما على الآخر كما يقال للشمس والقمر: القمران, ولأبي بكر وعمر: العمران. وقيل: أراد بالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء, والأول أصح, ( فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) قال أبو سعيد الخدري: إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير إلى النار.

( وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ ) في الآخرة, ( إِذْ ظَلَمْتُمْ ) أشركتم في الدنيا, ( أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ) يعني لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف الاشتراك عنكم شيئًا من العذاب, لأن لكل واحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب. وقال مقاتل: لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم فأنتم وقرناؤكم اليوم مشتركون في العذاب كما كنتم مشتركين في الدنيا [ في الكفر ] .

( أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) يعني الكافرين الذين حقت عليهم كلمة العذاب لا يؤمنون.

( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ ) بأن نميتك قبل أن نعذبهم, ( فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) بالقتل بعدك.

أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ( 42 ) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 43 ) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ( 44 ) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ( 45 )

( أَوْ نُرِيَنَّكَ ) في حياتك, ( الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ ) من العذاب, ( فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ) قادرون, متى شئنا عذبناهم, وأراد به مشركي مكة انتقم منهم يوم بدر, هذا قول أكثر المفسرين, وقال الحسن وقتادة: عنى به أهل الإسلام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم, وقد كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نقمة شديدة في أمته, فأكرم الله نبيه وذهب به ولم يره في أمته إلا الذي يقر عينه, وأبقى النقمة بعده. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته بعده فما رئي ضاحكًا منبسطًا حتى قبضه الله.

( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .

( وَإِنَّهُ ) يعني القرآن, ( لَذِكْرٌ لَكَ ) لشرف لك, ( وَلِقَوْمِكَ ) من قريش, نظيره: لَقَدْ أَنْـزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ( الأنبياء- 10 ) , أي شرفكم, ( وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) عن حقه وأداء شكره, روى الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك؟ لم يخبر بشيء حتى نـزلت هذه الآية, فكان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا؟ قال: لقريش.

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا عبد الرحمن بن شريح, أخبرنا أبو القاسم البغوي, حدثنا علي بن الجعد, أخبرنا عاصم بن محمد بن زيد, عن أبيه, عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان » .

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا أبو اليمان, أخبرنا شعيب عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين » .

وقال مجاهد: القوم هم العرب, فالقرآن لهم شرف إذ نـزل بلغتهم, ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب, حتى يكون [ الأكثر لقريش ولبني هاشم.

وقيل: « ذكر لك » : شرف لك بما أعطاك من الحكمة, « ولقومك » المؤمنين بما هداهم ] الله به, « وسوف تسئلون » عن القرآن وعما يلزمكم من القيام بحقه.

قوله عز وجل: ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) اختلفوا في هؤلاء المسئولين:

قال عطاء عن ابن عباس: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم بعث الله له آدم وولده من المرسلين, فَأَذَّنَ جبريل ثم أقام, وقال: يا محمد تقدم فصل بهم, فلما فرغ من الصلاة قال له جبريل: سل يا محمد ( من أرسلنا من قبلك من رسلنا ) , الآية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا أسأل فقد اكتفيت » , وهذا قول الزهري وسعيد بن جبير وابن زيد, قالوا: جمع الله له المرسلين ليلة أسري به وأمره أن يسئلهم فلم يشك ولم يسأل.

وقال أكثر المفسرين: سل مؤمني أهل الكتاب الذين أرسلت إليهم الأنبياء هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد؟ وهو قول ابن عباس في سائر الروايات, ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي والحسن والمقاتليين. يدل عليه قراءة عبد الله وأبيّ: « واسئل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا » , ومعنى الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسول ولا كتاب بعبادة غير الله عز وجل.

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 46 ) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ ( 47 )

قوله عز وجل: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ ) استهزاء.

 

وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 48 ) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ( 49 )

( وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا ) قرينتها وصاحبتها التي كانت قبلها, ( وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ ) بالسنين والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس, فكانت هذه دلالات لموسى, وعذابًا لهم, فكانت كل واحدة أكبر من التي قبلها, ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) عن كفرهم.

( وَقَالُوا ) لموسى لما عاينوا العذاب, ( يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ) يا أيها العالم الكامل الحاذق, وإنما قالوا هذا توقيرًا وتعظيمًا له, لأن السحر عندهم كان علمًا عظيمًا وصفة ممدوحة, وقيل: معناه يا أيها الذي غلبنا بسحره. وقال الزجاج: خاطبوه به لما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر. ( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ ) أي بما أخبرتنا من عهده إليك إن آمنا كشف عنا العذاب فاسأله يكشف عنا العذاب, ( إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ) مؤمنون, فدعا موسى فكشف عنهم فلم يؤمنوا, فذلك قوله عز وجل:

فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ( 50 ) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ( 51 ) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ ( 52 ) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ( 53 ) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ( 54 )

( فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ) ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم.

( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ ) أنهار النيل, ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ) من تحت قصوري, وقال قتادة: تجري بين يدي في جناني وبساتيني. وقال الحسن: بأمري. ( أَفَلا تُبْصِرُونَ ) عظمتي وشدة ملكي.

( أَمْ أَنَا خَيْرٌ ) بل أنا خير, « أم » بمعنى « بل » , وليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين, وقال الفراء: الوقف على قوله: « أم » , وفيه إضمار, مجازه: أفلا تبصرون أم [ تبصرون ] ، ثم ابتدأ فقال: أنا خير, ( مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ) ضعيف حقير يعني موسى, قوله: ( وَلا يَكَادُ يُبِينُ ) يفصح بكلامه للثغته التي في لسانه.

( فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ ) إن كان صادقًا، ( أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ) قرأ حفص ويعقوب « أسورة » جمع سوار, وقرأ الآخرون « أساورة » على جمع الأسورة, وهي جمع الجمع. قال مجاهد: كانوا إذا سودوا رجلا سوروه بسوار وطوقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته, فقال فرعون: هلا ألقى رب موسى عليه أسورة من ذهب إن كان سيدًا تجب علينا طاعته. ( أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ) متتابعين يقارن بعضهم بعضًا يشهدون له بصدقه ويعينونه على أمره.

قال الله تعالى: ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ ) أي استخف فرعون قومه القبط, أي وجدهم جهالا. وقيل: حملهم على الخفة والجهل. يقال: استخفه عن رأيه, إذا حمله على الجهل وأزاله عن الصواب, ( فَأَطَاعُوهُ ) على تكذيب موسى, ( إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ) .

فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ( 55 ) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ ( 56 ) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ( 57 ) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ( 58 )

( فَلَمَّا آسَفُونَا ) أغضبونا, ( انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ) . ( فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا ) قرأ حمزة والكسائي « سلفا » بضم السين واللام, قال الفراء: هو جمع سليف من سلف بضم اللام يسلف, أي تقدم, وقرأ الآخرون بفتح السين واللام على جمع السالف, مثل: حارس وحرس وخادم وخدم, وراصد ورصد, وهما جميعًا الماضون المتقدمون من الأمم, يقال: سلف يسلف, إذا تقدم والسلف من تقدم من الآباء, فجعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون. ( وَمَثَلا لِلآخِرِينَ ) عبرة وعظة لمن بقي بعدهم. وقيل: سلفًا لكفار هذه الأمة إلى النار ومثلا لمن يجيء بعدهم.

( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا ) قال ابن عباس وأكثر المفسرين: إن الآية نـزلت في مجادلة عبد الله بن الزبعري مع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى عليه السلام, لما نـزل قوله عز وجل: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ( الأنبياء- 98 ) , وقد ذكرناه في سورة الأنبياء عليهم السلام. ( إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) قرأ أهل المدينة والشام والكسائي: « يصدون » بضم الصاد, أي يعرضون, نظيره قوله تعالى: يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا , ( النساء- 61 ) وقرأ الآخرون بكسر الصاد.

واختلفوا في معناه, قال الكسائي: هما لغتان مثل يعرُشون ويعرِشون, وشد عليه يَشُدُّ ويَشِد, ونمَّ بالحديث يَنُمُّ وَينِمُّ.

وقال ابن عباس: معناه يضجون. وقال سعيد بن المسيب: يصيحون. وقال الضحاك: يعجون. وقال قتادة: يجزعون. وقال القرظي: يضجرون. ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون يقولون ما يريد محمد منا إلا أن نعبده ونتخذه إلهًا كما عبدت النصارى عيسى.

( وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ) قال قتادة: « أم هو » يعنون محمدًا, فنعبده ونطيعه ونترك آلهتنا.

وقال السدي وابن زيد: « أم هو » يعني عيسى, قالوا: يزعم محمد أن كل ما عبد من دون الله في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة في النار, وقال الله تعالى: ( مَا ضَرَبُوهُ ) يعني هذا المثل, ( لَكَ إِلا جَدَلا ) خصومة بالباطل وقد علموا أن المراد من قوله: وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ( الأنبياء- 98 ) , هؤلاء الأصنام. ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي, أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي, أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله الحمشاوي, أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي, حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, حدثني أبي, حدثنا عبد الله بن نمير, حدثنا حجاج بن دينار الواسطي, عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل » , ثم قرأ: « ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون » .

إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ( 59 ) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ ( 60 )

ثم ذكر عيسى فقال: ( إِنْ هُوَ ) ما هو, يعني عيسى عليه السلام, ( إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ) بالنبوة, ( وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا ) آية وعبرة, ( لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ) يعرفون به قدرة الله عز وجل على ما يشاء حيث خلقه من غير أب.

( وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً ) أي ولو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلا منكم ملائكة, ( فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ ) يكونون خلفًا منكم يعمرون الأرض ويعبدونني ويطيعونني. وقيل: يخلف بعضهم بعضًا.

 

وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ( 61 )

( وَإِنَّهُ ) يعني عيسى عليه السلام, ( لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) يعني نـزوله من أشراط الساعة يعلم به قربها, وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة: « وإنه لعلم للساعة » بفتح اللام والعين أي أمارة وعلامة.

وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم: « ليوشكن أن ينـزل فيكم ابن مريم حكمًا عادلا يكسر الصليب, ويقتل الخنـزير ويضع الجزية, وتهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام » .

ويروى: « أنه ينـزل على ثنية بالأرض المقدسة, وعليه ممصرتان ، وشعر رأسه دهين, وبيده حربة وهي التي يقتل بها الدجال, فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر, فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم, ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب, ويخرب البيع والكنائس, ويقتل النصارى إلا من آمن به » .

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا ابن بكير, حدثنا الليث, عن يونس, عن ابن شهاب, عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كيف أنتم إذا نـزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم » ؟

وقال الحسن وجماعة: « وإنه » يعني وإن القرآن لعلم للساعة يعلمكم قيامها, ويخبركم بأحوالها وأهوالها, ( فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا ) فلا تشكن فيها, قال ابن عباس: لا تكذبوا بها, ( وَاتَّبِعُونِ ) على التوحيد, ( هَذَا ) الذي أنا عليه, ( صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) .

وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( 62 ) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( 63 ) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ( 64 ) فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ ( 65 ) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( 66 )

( وَلا يَصُدَّنَّكُمُ ) لا يصرفنكم, ( الشَّيْطَانُ ) عن دين الله, ( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) .

( وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ ) بالنبوة, ( وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) من أحكام التوراة, قال قتادة: يعني اختلاف الفرق الذين تحزبوا على أمر عيسى. قال الزجاج: الذي جاء به عيسى في الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه, وَبَيَّن لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه. ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ) .

( إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ * هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ ) يعني أنها تأتيهم لا محالة فكأنهم ينتظرونها, ( أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ) فجأة, ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) .

الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ ( 67 ) يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ( 68 ) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ( 69 ) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ( 70 ) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 71 )

( الأخِلاءُ ) على المعصية في الدنيا, ( يَوْمَئِذٍ ) يوم القيامة, ( بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ ) إلا المتحابين في الله عز وجل على طاعة الله عز وجل.

أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي, أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي, أخبرني عقيل بن محمد بن أحمد, أن أبا الفرج البغدادي القاضي أخبرهم عن محمد بن جرير, حدثنا ابن عبد الأعلى, عن قتادة, حدثنا أبو ثور عن معمر عن قتادة عن أبي إسحاق أن عليًا قال في هذه الآية: خليلان مؤمنان وخليلان كافران, فمات أحد المؤمنين فقال: يا رب إن فلانًا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك, ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر, ويخبرني أني ملاقيك, يا رب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني, فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما, فيقول: ليثن أحدكما على صاحبه, فيقول: نعم الأخ, ونعم الخليل, ونعم الصاحب, قال: ويموت أحد الكافرين, فيقول: يا رب إن فلانًا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك, ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير, ويخبرني أني غير ملاقيك, فيقول بئس الأخ, وبئس الخليل, وبئس الصاحب .

( يَا عِبَادِ ) أي فيقال لهم: يا عبادي, ( لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ) وروي عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع, فينادي مناد: « يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون » فيرجوها الناس كلهم فيتبعها: ( الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ) فييأس الناس منها غير المسلمين فيقال لهم: ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ) تسرون وتنعمون.

( يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ ) جمع صحفة وهي القصعة الواسعة, ( مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ) جمع كوب وهو إناء مستدير مدور الرأس لا عرى لها, ( وَفِيهَا ) أي في الجنة, ( مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ ) قرأ أهل المدينة والشام وحفص: ( تشتهيه ) , وكذلك في مصاحفهم, وقرأ الآخرون بحذف الهاء. ( وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة, أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي, أخبرنا عبد الله بن محمود, أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال, حدثنا عبد الله بن المبارك, عن سفيان, عن علقمة بن مرثد, عن عبد الرحمن بن سابط قال: قال رجل: يا رسول الله أفي الجنة خيل؟ فإني أحب الخيل, فقال: « إن يدخلك الله الجنة لا تشاء أن تركب فرسًا من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت, إلا فعلت » , فقال أعرابي: يا رسول الله أفي الجنة إبل؟ فقال: « يا أعرابي إن يدخلك الله الجنة أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك » .

وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 72 ) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ( 73 )

( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ) وفي الحديث: « لا ينـزع رجل من الجنة من ثمرة إلا نبت مكانها مثلاها » .

 

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ( 74 ) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ( 75 ) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ( 76 ) وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ( 77 )

( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ ) المشركين, ( فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَامَالِكُ ) . يدعون خازن النار, ( لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) ليمتنا ربك فنستريح فيجيبهم مالك بعد ألف سنة, ( قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) مقيمون في العذاب.

أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة, أخبرنا محمد بن أحمد بن الحارث, أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي, أخبرنا عبد الله بن محمود, أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال, حدثنا عبد الله بن المبارك, عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة يذكره عن أبي أيوب, عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال [ النبي صلى الله عليه وسلم ] : إن أهل النار يدعون مالكًا فلا يجيبهم أربعين عاما, ثم يرد عليهم إنكم ماكثون, قال: هانت - والله- دعوتهم على مالك وعلى رب مالك, ثم يدعون ربهم فيقولون: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ , قال: فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين, ثم يرد عليهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ , قال: فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة, وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم, فشبه أصواتهم بأصوات الحمير, أولها زفير وآخرها شهيق.

لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ( 78 ) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ( 79 ) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ( 80 ) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ( 81 ) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ( 82 ) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ( 83 ) .

( لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ ) يقول أرسلنا إليكم يا معشر قريش رسولنا بالحق, ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) .

( أَمْ أَبْرَمُوا ) أم أحكموا ( أَمْرًا ) في المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم, ( فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ) محكمون أمرًا في مجازاتهم, قال مجاهد: إن كادوا شرا كدتهم مثله.

( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ) ما يسرونه من غيرهم ويتناجون به بينهم, ( بَلَى ) نسمع ذلك ونعلم, ( ورسلنا ) أيضًا من الملائكة يعني الحفظة, ( لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) .

( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) يعني إن كان للرحمن ولد في قولكم وعلى زعمكم, فأنا أول من عبده فإنه واحد لا شريك له ولا ولد. وروي عن ابن عباس: ( إِنْ كَانَ ) أي ما كان للرحمن ولد, فأنا أول العابدين الشاهدين له بذلك, جعل: « إن » بمعنى الجحد.

وقال السدي: معناه لو كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده بذلك, ولكن لا ولد له.

وقيل: « العابدين » بمعنى الآنفين, أي: أنا أول الجاحدين والمنكرين لما قلتم.

ويقال: معناه: أنا أول من غضب للرحمن أن يقال له ولد, يقال: عبد يعبد إذا أنف وغضب.

وقال قوم: قل ما يقال: عبد فهو عابد, إنما يقال: فهو عبد.

ثم نـزه نفسه فقال: ( سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) عما يقولون من الكذب.

( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا ) في باطلهم, ( وَيَلْعَبُوا ) في دنياهم, ( حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) يعني يوم القيامة.

وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ( 84 ) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 85 ) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 86 ) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ( 87 ) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ( 88 ) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ( 89 )

( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ ) [ قال قتادة: يعبد في السماء وفي الأرض لا إله إلا هو ] ، ( وَهُوَ الْحَكِيمُ ) في تدبير خلقه, ( الْعَلِيمُ ) بمصالحهم.

( وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) قرأ ابن كثير والكسائي « يرجعون » بالياء, والآخرون بالتاء.

( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ ) وهم عيسى وعزير والملائكة فإنهم عبدوا من دون الله, ولهم الشفاعة, وعلى هذا يكون « من » في محل الرفع, وقيل: « من » في محل الخفض, وأراد بالذين يدعون عيسى وعزير والملائكة, يعني أنهم لا يملكون الشفاعة إلا من شهد بالحق, والأول أصح, وأراد بشهادة الحق قوله لا إله إلا الله كلمة التوحيد, ( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم.

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) يصرفون عن عبادته.

( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ ) يعني قول محمد صلى الله عليه وسلم شاكيًا إلى ربه: يا رب, ( إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ) قرأ عاصم وحمزة « وقيله » بجر اللام والهاء, على معنى: وعنده علم الساعة وعلم قيله يا رب, وقرأ الآخرون بالنصب, وله وجهان: أحدهما معناه: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله يا رب, والثاني: وقال قيله.

( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ ) أعرض عنهم, ( وَقُلْ سَلامٌ ) معناه: المتاركة, كقوله تعالى: سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ( القصص- 55 ) , ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) قرأ أهل المدينة والشام بالتاء, والباقون بالياء, قال مقاتل: نسختها آية السيف.

 

أعلى