تفسير البغوي

100 - تفسير البغوي سورة العاديات

التالي السابق

سورة العاديات

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ( 1 )

( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ) قال ابن عباس، وعطاء ومجاهد، وعكرمة، والحسن، والكلبي، وقتادة، والمقاتلان ، وأبو العالية وغيرهم: هي الخيل العادية في سبيل الله عز وجل تَضْبَحُ، والضَّبْح: صوت أجوافها إذا عَدَتْ.

قال ابن عباس: وليس شيء من الحيوانات تضبح غير الفرس والكلب والثعلب، وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغيَّر حالها من تعب أو فزع، وهو من [ قولهم ] ضَبَحَتْهُ النارُ، إذا غيرَّت لونه.

[ وقوله: « ضبحًا » نصب على المصدر، مجازه: والعاديات تضبح ضبحًا ] .

وقال علي: هي الإبل في الحج، تعدو من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى، وقال إنها نـزلت في وقعة بدر، [ كانت أول غزوة في الإسلام بدرًا ] وما كان معنا إلا فَرَسان، فَرَسٌ للزبير وفرس للمقداد بن الأسود فكيف تكون الخيل العاديات؟ وإلى هذا ذهب ابن مسعود، ومحمد بن كعب، والسُّدي.

وقال بعض من قال: هي الإبل: قوله « ضبحًا » يعني ضباحًا تمد أعناقها في السير .

فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا ( 2 ) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ( 3 ) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ( 4 ) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ( 5 )

( فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا ) قال عكرمة، وعطاء، والضحاك، ومقاتل، والكلبي،:هي الخيل توري النار بحوافرها إذا سارت في الحجارة. يعني: والقادحات قدحًا يقدحن بحوافرهن.

وقال قتادة: هي الخيل تهيج الحربَ ونارَ العداوة بين فرسانها.

وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: هي الخيل تغزو في سبيل الله ثم تأوي بالليل [ إلى مأواها ] فيورون نارهم، ويصنعون طعامهم.

وقال مجاهد، وزيد بن أسلم: هي مكر الرجال، يعني رجال الحرب، والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه: أما والله لأقدحن لك ثم لأوِريَنَّ لك.

وقال محمد بن كعب: هي النيران تجتمع . ( فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ) هي الخيل تغير بفرسانها، على العدو عند الصباح، هذا قول أكثر المفسرين. وقال القرظي: هي الإبل تدفع بركبانها يوم النحر من جَمْع إلى منى، والسُّنَة أن لا تدفع [ بركبانها يوم النحر ] حتى تصبح والإغارة سرعة السير، ومنه قولهم: أشرق ثبير كيما نغير. ( فَأَثَرْنَ بِهِ ) أي هيَّجن بمكان [ سيرهن ] كناية عن غير مذكور، لأن المعنى مفهوم، ( نَقْعًا ) غبارا، والنَّقْع: الغبار. ( فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ) أي دخلن به وسط جمع العدو، وهم الكتيبة يقال: وَسَطْت، القوم بالتخفيف، ووسطتهم، بالتشديد، وتوسَّطهم بالتشديد، كلها بمعنى واحد. قال القرظي: [ هي الإبل توسط بالقوم ] يعني جَمْع منى، [ هذا موضع القسم ] ، أقسم الله بهذه الأشياء.

إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ( 6 ) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ( 7 ) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ( 8 ) أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ( 9 )

( إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: « لكنود » : لكفور جحود لنعم الله تعالى. قال الكلبي: هو بلسان مضر وربيعة الكفور، وبلسان كندة وحضرموت العاصي .

وقال الحسن: هو الذي يعد المصائب وينسى النعم . وقال عطاء: هو الذي لا يعطي في النائبة مع قومه.

وقال أبو عبيدة: هو قليل الخير، والأرض الكنود: التي لا تنبت شيئا.

وقال الفضيل بن عياض: « الكنود » الذي أنْسَتْه الخصلة، الواحدة من الإساءة الخصال الكثيرة من الإحسان، و « الشكور » : الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإحسان الخصال الكثيرة من الإساءة. ( وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ) قال [ أكثر المفسرين ] : وإن الله على كونه كنودًا لشاهد. وقال ابن كيسان: الهاء راجعة إلى الإنسان أي: إنه شاهد على نفسه بما يصنع. ( وَإِنَّه ) يعني الإنسان، ( لِحُبِّ الْخَيْرِ ) أي لحب لمال، ( لَشَدِيدٌ ) أي: لبخيل، أي إنه من أجل حب المال لبخيل. يقال للبخيل: شديد ومتشدد.

وقيل: معناه وإنه لحب الخير لقوي، أي شديد الحب للخير أي المال. ( أَفَلا يَعْلَمُ ) أي : أفلا يعلم هذا الإنسان، ( إِذَا بُعْثِرَ ) أي: أُثِيرَ وأُخْرِج، ( مَا فِي الْقُبُورِ ) [ من الموتى ] .

 

وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ( 10 )

( وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ) أي: مُيّز وأبرز ما فيها من خير أو شر.

إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ( 11 )

( إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ ) ، [ جمع ] الكناية لأن الإنسان اسم لجنس، ( يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ) عالم، قال الزجاج: إن الله خبير بهم في ذلك اليوم وفي غيره، ولكن المعنى أنه يجازيهم على كفرهم في ذلك [ اليوم ] .

 

أعلى