تفسير البغوي

86 - تفسير البغوي سورة الطارق

التالي السابق

سورة الطارق

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ( 1 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ( 2 ) النَّجْمُ الثَّاقِبُ ( 3 ) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ( 4 )

( وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ) قال الكلبي: نـزلت في أبي طالب، وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأتحفه بخبز ولبن، فبينما هو جالس يأكل إذا انحط نجم فامتلأ ماءً ثم نارًا، ففزع أبو طالب وقال: أي شيء هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا نجم رُمي به، وهو آية من آيات الله عز وجل فعجب أبو طالب فأنـزل الله عز وجل: « والسماء والطارق » وهذا قسم، و « الطارق » النجم يظهر بالليل، وما أتاك ليلا فهو طارق.

( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ) ثم فسَّره فقال ( النَّجْمُ الثَّاقِبُ ) أي المضيء المنير، قال مجاهد: المتوهج، قال ابن زيد: أراد به الثريا، والعرب تسميه النجم. وقيل: هو زُحَل، سُمي بذلك لارتفاعه، تقول العرب للطائر إذا لحق ببطن السماء ارتفاعًا: قد ثقب.

( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ ) جواب القسم ( لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ) قرأ أبو جعفر، وابن عامر، وعاصم، وحمزة: « لما » بالتشديد، يعنون: ما كل نفس إلا عليها حافظ، وهي لغة هذيل يجعلون « لما » بمعنى « إلا » يقولون: نشدتك الله لما قمت، أي إلا قمت.

وقرأ الآخرون بالتخفيف، جعلوا « ما » صلة، مجازه: إن كل نفس لعليها حافظ [ من ربها ] [ وتأويل الآية: كل نفس عليها حافظ من ربها ] يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكتسب من خير وشر.

قال ابن عباس: هم الحفظة من الملائكة. قال الكلبي: حافظ من الله يحفظها ويحفظ قولها وفعلها حتى يدفعها ويسلمها إلى المقادير، ثم يخلي عنها.

فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ( 5 ) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ( 6 ) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ( 7 ) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ( 8 ) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ( 9 )

( فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ) أي من أي شيء خلقه ربه، أي فلينظر نظر المتفكر.

ثم بين فقال: ( خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ) مدفوق أي مصبوب في الرحم، وهو المني، فاعل بمعنى مفعول كقوله: عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ( الحاقة- 21 ) أي مرضية، والدفق: الصب، وأراد ماء الرجل وماء المرأة، لأن الولد مخلوق منهما، وجعله واحدًا لامتزاجهما.

( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ) يعني صلب الرجل وترائب المرأة، و « الترائب » جمع التربية، وهي عظام الصدر والنحر. قال ابن عباس: هي موضع القلادة من الصدر. وروى الوالبي عنه: بين ثديي المرأة. وقال قتادة: النحر. وقال ابن زيد: الصدر.

( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال مجاهد: على رد النطفة في الإحليل. وقال عكرمة: على رد الماء في الصلب الذي خرج منه. وقال الضحاك: إنه على رد الإنسان ماءً كما كان من قبل لقادر. وقال مقاتل بن حيان: [ إن شاء رده ] من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة، وقال ابن زيد: إنه على حبس ذلك الماء لقادر حتى لا يخرج وقال قتادة: إن الله تعالى على بعث الإنسان وإعادته قادر وهذا أولى الأقاويل لقوله: ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ )

( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) وذلك يوم القيامة تبلى السرائر، تظهر الخفايا قال قتادة ومقاتل: تختبر [ الأعمال ] قال عطاء بن أبي رباح: السرائر فرائض الأعمال، كالصوم والصلاة [ والوضوء ] والاغتسال من الجنابة، فإنها سرائر بين الله تعالى وبين العبد، فلو شاء العبد لقال: صمت ولم يصم، وصليت، ولم يصل، واغتسلت ولم يغتسل، فيختبر حتى يظهر من أداها ممن ضيعها.

قال ابن عمر: بيدي الله عز وجل يوم القيامة كل سر، فيكون زينًا في وجوه وشينًا في وجوه، يعني: من أداها كان وجهه مشرقًا، ومن ضيعها كان وجهه أغبر.

فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ ( 10 ) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ( 11 ) وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ( 12 ) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ( 13 ) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ( 14 ) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ( 15 ) وَأَكِيدُ كَيْدًا ( 16 ) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ( 17 )

( فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ ) أي ما لهذا الإنسان المنكر للبعث من قوة يمتنع بها من عذاب الله ولا ناصر ينصره من الله.

ثم ذكر قَسَمًا آخر فقال: ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ) أي ذات المطر لأنه يرجع كل عام ويتكرر. وقال ابن عباس: هو السحاب يرجع بالمطر.

( وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ) أي تتصدع وتنشَّق عن النبات والأشجار والأنهار.

وجواب القسم قوله: ( إِنَّه ) يعني القرآن ( لَقَوْلٌ فَصْلٌ ) حق وجدُّ يفصل بين الحق والباطل.

( وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ) باللعب والباطل.

ثم أخبر عن مشركي مكة فقال: ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ) يخافون النبي صلى الله عليه وسلم ويظهرون ما هم على خلافه.

( وَأَكِيدُ كَيْدًا ) وكيد الله استدراجه إياهم من حيث لا يعلمون.

( فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ ) قال ابن عباس: هذا وعيد من الله عز وجل لهم ( أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ) قليلا ومعنى مهِّل وأمهل: أنظر ولا تعجل، فأخذهم الله يوم بدر، ونسخ الإمهال بآية السيف.

 

أعلى