تفسير البغوي

82 - تفسير البغوي سورة الانفطار

التالي السابق

سورة الانفطار

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ( 1 ) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ( 2 ) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ( 3 ) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ( 4 ) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ( 5 ) يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ( 6 )

( إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ) انشقت. ( وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ) تساقطت. ( وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ) فُجّر بعضها في بعض واختلط العذب بالملح فصارت بحرًا واحدًا وقال الربيع: « فجرت » فاضت. ( وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ) بحثت وقلب ترابها وبعث ما فيها من الموتى أحياءً يقال: بعثرت الحوض وبحثرتهُ إذا قلبته فجعلت أسفله أعلاه. ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) قيل: « ما قدمت » من عمل صالح أو سيئٍ « وأخرت » من سنة حسنة أو سيئة. وقيل: « ما قدمت » من الصدقات « وأخرت » من التركاتِ على ما ذكرنا في قوله: يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ( القيامة- 13 ) . ( يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) ما خدعك وسوَّل لك الباطل حتى أضعت ما وجب عليك. والمعنى: ماذا أمنك من [ عذابه ] قال عطاء: نـزلت في الوليد بن المغيرة.

وقال الكلبي ومقاتل: نـزلت في الأسود بن شريق ضرب النبي فلم يعاقبه الله عز وجلَّ فأنـزل الله هذه الآية يقول: ما الذي غرك بربك الكريم المتجاوز عنك إذ لم يعاقبك عاجلا بكفرك؟ قال قتادة: غره عدوه المسلط عليه يعني الشيطان قال مقاتل: غره عفو الله حين لم يعاقبه في أول [ مرة ] . وقال السدي: غره رفق الله به.

وقال ابن مسعود: ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة. فيقول: يا ابن آدم ما غرك بي؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما [ علمت ] ؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟.

وقيل للفضيل بن عياض: لو أقامك الله يوم القيامة فقال: ما غرك بربك الكريم؟ ماذا كنت تقول؟ قال: أقول غرني ستورك المرخاة .

وقال يحيى بن معاذ: لو أقامني بين يديه فقال ما غرك بي؟ [ فأقول ] غرني بك بِرُّك بي سالفًا وآنفًا.

وقال أبو بكر الوراق: لو قال لي: ما غرك بربك الكريم؟ لقلت: غرني كرم الكريم.

قال بعض أهل الإشارة: إنما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة حتى يقول: غرني كرم الكريم.

الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ( 7 ) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ( 8 )

( الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ) قرأ أهل الكوفة وأبو جعفر « فَعَدَلك » بالتخفيف أي صرفك وأمالك إلى أي صورة شاء حسنًا وقبيحًا وطويلا وقصيرًا. وقرأ الآخرون بالتشديد أي قومك وجعلك معتدل الخلق والأعضاء. ( فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ) قال مجاهد والكلبي ومقاتل: في أي شبه من أب أو أم أو خال أو عم.

وجاء في الحديث: أن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضر كل عرق بينه وبين آدم ثم قرأ « في أي صورة ما شاء ركبك » . وذكر الفراء قولا آخر: « في أي صورة ما شاء ركبك » إن شاء في صورة إنسان وإن شاء في صورة دابةٍ أو حيوان آخر.

كَلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ( 9 ) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ( 10 ) كِرَامًا كَاتِبِينَ ( 11 ) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ( 12 ) إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ( 13 ) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ( 14 ) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ( 15 ) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ( 16 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ( 17 ) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ( 18 )

( كَلا بَلْ تُكَذِّبُونَ ) قرأ أبو جعفر بالياءِ وقرأ الآخرون بالتاء لقوله: « وإن عليكم لحافظين » ( بِالدِّين ) بالجزاء والحساب. ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ) رقباء من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم. ( كِرَامًا ) على الله ( كَاتِبِين ) يكتبون أقوالكم وأعمالكم. ( يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) من خير أو شر. قوله عز وجل: ( إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ) الأبرار الذين بروا وصدقوا في إيمانهم بأداء فرائض الله عز وجل واجتناب معاصيه. ( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) روي أن سليمان بن عبد الملك قال لأبي حازم المدني: ليت شعري ما لنا عند الله؟ قال: اعرض عملك على كتاب الله فإنك تعلم ما لك عند الله. قال: فأين أجد في كتاب الله؟ قال عند قوله: « إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم » قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال: قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ( الأعراف- 56 ) . قوله عز وجل: ( يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ) يدخلونها يوم القيامة ثم عظَّم ذلك اليومَ فقال: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ) ثم كرر تعجبًا لشأنه فقال ( ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ )

يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ( 19 )

( يَوْمَ لا تَمْلِكُ ) قرأ أهل الكوفة والبصرة: « يوم » برفع الميمِ ردا على اليوم الأولِ وقرأ الآخرون بنصبهَا أي: في يومٍ يعني: هذه الأشياء في يوم لا تملك ( نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا ) قال مقاتل: يعني لنفس كافرة شيئا من المنفعةِ ( وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) أي لم يُملّكِ الله في ذلك اليوم أحدًا شيئًا كما ملكهم في الدنيا.

 

أعلى