تفسير البغوي

78 - تفسير البغوي سورة النبأ

التالي السابق

سورة النبأ

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ( 1 ) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ( 2 ) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ( 3 ) كَلا سَيَعْلَمُونَ ( 4 ) ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ ( 5 )

( عَمَّ ) أصلَه: « عن ما » فأدغمت النون في الميم وحذفت ألف « ما » [ كقوله ] « فيم » و « بم » ؟ ( يَتَسَاءَلُونَ ) أي: عن أي شيء يتساءلون، هؤلاء المشركون؟ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالبعث بعد الموت، وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون: ماذا جاء به محمد؟ قال الزَّجاج: اللفظ لفظ استفهام ومعناه التفخيم، كما تقول: أي شيء زيد؟ إذا عظمت [ أمره ] وشأنه. ثم ذكر أن تساؤلهم عماذا فقال: ( عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ) قال مجاهد والأكثرون: هو القرآن، دليله: قوله: « قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ » ( ص- 67 ) وقال قتادة: هو البعث. ( الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) فمصدّق ومكذّب ( كَلا سَيَعْلَمُونَ ) « كلا » نفي لقولهم، « سيعلمون » عاقبة تكذيبهم حين تنكشف الأمور. ( ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ ) وعيد لهم على أثر وعيد. وقال الضحاك: « كلا سيعلمون » يعني الكافرين، « ثم كلا سيعلمون » يعني: المؤمنين، ثم ذكر صنعائه ليعلموا توحيده فقال:

أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا ( 6 ) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ( 7 ) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ( 8 ) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ( 9 ) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ( 10 ) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ( 11 ) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ( 12 ) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ( 13 ) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ( 14 )

( أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا ) فراشًا. ( وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) للأرض حتى لا تميد. ( وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ) أصنافًا ذكورًا وإناثًا. ( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ) أي راحة لأبدانكم. قال الزجاج: « السبات » أن ينقطع عن الحركة والروح فيه. وقيل: معناه جعلنا نومكم قطعًا لأعمالكم، لأن أصل السبت: القطع. ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ) غطاء وغشاء يستر كل شيء بظلمته. ( وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ) المعاش: العيش، وكل ما يعاش فيه فهو معاش، أي جعلنا النهار سببًا للمعاش والتصرف في المصالح. قال [ ابن عباس ] يريد: تبتغون فيه من فضل الله، وما قسم لكم من رزقه. ( وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ) يريد سبع سماوات. ( وَجَعَلْنَا سِرَاجًا ) [ يعني الشمس ] ( وَهَّاجًا ) مضيئًا منيرًا. قال الزجاج: الوهاج: الوقاد. قال مقاتل: جعل فيه نورًا وحرارةً، والوهج يجمع النور والحرارة. ( وَأَنـزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ ) قال مجاهد، وقتادة، ومقاتل، والكلبي: يعني الرياح التي تعصر السحاب، وهي رواية العوفي عن ابن عباس.

قال الأزهري: هي الرياح ذوات الأعاصير، فعلى هذا التأويل تكون « من » بمعنى الباء أي بالمعصرات، وذلك أن الريح تستدر المطر.

وقال أبو العالية، والربيع، والضحاك: المعصرات هي السحاب وهي رواية الوالبي عن ابن عباس.

قال الفراء: [ المعصرات السحائب ] [ التي ] تتحلب بالمطر ولا تمطر، كالمرأة المعصر هي التي دنا حيضها ولم تحض .

وقال ابن كيسان: هي المغيثات من قوله : فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ .

وقال الحسن، وسعيد بن جبير، وزيد بن أسلم، ومقاتل بن حيان: « من المعصرات » أي من السماوات.

( مَاءً ثَجَّاجًا ) أي صبابًا، وقال مجاهد: مدرارًا. وقال قتادة: متتابعًا يتلو بعضه بعضًا. وقال ابن زيد: كثيرًا.

لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ( 15 ) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ( 16 ) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ( 17 ) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ( 18 ) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا ( 19 )

( لِنُخْرِجَ بِهِ ) أي بذلك الماء ( حَبًّا ) وهو ما يأكله الناس ( ونباتًا ) ما تنبته الأرض مما تأكله الأنعام. ( وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ) ملتفة بالشجر، واحدها لَفٌ وليف، وقيل: هو جمع الجمع، يقال: جنة لفَّا، وجمعها لُفٌ، بضم اللام، وجمع الجمع ألفاف. ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ ) يوم القضاء بين الخلق ( كَانَ مِيقَاتًا ) لما وعد الله من الثواب والعقاب. ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ) زمرًا [ زمرًا ] من كل مكان للحساب. ( وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ ) قرأ أهل الكوفة: « فُتِحَتِ » بالتخفيف، وقرأ الآخرون بالتشديد، أي شُقَّت لنـزول الملائكة ( فَكَانَتْ أَبْوَابًا ) أي ذات أبواب. وقيل: تنحلّ، وتتناثر حتى تصير فيها أبواب وطرق.

وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ( 20 ) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا ( 21 ) لِلطَّاغِينَ مَآبًا ( 22 ) لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ( 23 )

( وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ ) عن وجه الأرض ( فَكَانَتْ سَرَابًا ) أي هباءً منبثًا لعين الناظر كالسراب. ( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا ) طريقًا وممرًا فلا سبيل لأحد إلى الجنة حتى يقطع النار.

وقيل: « كانت مرصادا » أي: معدة لهم، يقال: أرصدت له [ الشيء ] إذا أعددته له.

وقيل: هو من رصدت الشيء أرصده إذا ترقبته. « والمرصاد » المكان الذي يرصد الراصد فيه العدو. وقوله: « إن جهنم كانت مرصادا » أي ترصد الكفار.

وروى مقسم عن ابن عباس: أن على جسر جهنم سبع محابس يسأل العبد عند أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله، فإن [ أجابها ] تامة جاز إلى الثاني، فيسأل عن الصلاة، فإن [ أجابها ] تامة جاز إلى الثالث، فيسأل عن الزكاة، فإن [ أجابها ] تامة جاز إلى الرابع، فيسأل عن الصوم فإن جاء به تامًا جاز إلى الخامس، فيسأل عن الحج فإن جاء به تاما جاز إلى السادس، فيسأل عن العمرة فإن [ أجابها ] تامة جاز إلى السابع، فيسأل عن المظالم فإن خرج منها وإلا يقال: انظروا فإن كان له تطوع أكمل به أعماله، فإذا فرغ منه انطلق به إلى الجنة. ( لِلطَّاغِين ) للكافرين ( مَآبًا ) مرجعا يرجعون إليه. ( لابِثِينَ ) قرأ حمزة ويعقوب: « لَبِثِينَ » بغير ألف، وقرأ العامة « لابثين » [ بالألف ] وهما لغتان. ( فِيهَا أَحْقَابًا ) جمع حُقب، والحُقب الواحد: ثمانون سنة، كل سنة اثنا عشر شهرًا، كل شهر ثلاثون يوما، كل يوم ألف سنة . روي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وقال مجاهد: « الأحقاب » ثلاثة وأربعون حقبًا كل حقب سبعون خريفًا، كل خريف سبعمائة سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يومًا، كل يوم ألف سنة.

قال الحسن: إن الله لم يجعل لأهل النار مدة، بل قال: « لابثين فيها أحقابا » فوالله ما هو إلا [ إذا ] مضى حقب دخل آخر ثم آخر إلى الأبد، فليس للأحقاب عدة إلا الخلود .

وروى السدي عن مُرَّة عن عبد الله قال: لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا، ولو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا.

وقال مقاتل بن حيان: الحقب الواحد سبع عشرة ألف سنة. قال: وهذه الآية منسوخة نسختها « فَلَنْ نَـزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا » يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل .

لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا ( 24 ) إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ( 25 ) جَزَاءً وِفَاقًا ( 26 ) إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا ( 27 ) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ( 28 ) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ( 29 )

( لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا ) روي عن ابن عباس: أن البرد النوم، ومثله قال الكسائي و [ قال ] أبو عبيدة، تقول العرب: منع البرد البردَ أي أذهب البرد النوم. وقال الحسن وعطاء: « لا يذوقون فيها بردًا » أي: روحًا وراحة. وقال مقاتل: « لا يذوقون فيها بردًا » ينفعهم من حر، « ولا شرابًا » ينفعهم من عطش. ( إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ) قال ابن عباس: « الغساق » الزمهرير يحرقهم ببرده. وقيل: صديد أهل النار، وقد ذكرناه في سورة « ص » ( جَزَاءً وِفَاقًا ) أي جزيناهم جزاء وافق أعمالهم. قال مقاتل: وافق العذاب الذنب، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار. ( إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا ) لا يخافون أن يحاسبوا، والمعنى: أنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا بأنهم محاسبون. ( وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ) أي بما جاءت به الأنبياء ( كِذَّابًا ) تكذيبًا، قال الفراء: هي لغة يمانية فصيحة، يقولون في مصدر التفعيل فِعَّال وقال: قال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني: الحلق أحب إليك أم القِصَّار؟ . ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ) أي وكل شيء من الأعمال بيَّناه في اللوح المحفوظ، كقوله: « وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ » ( يس- 12 ) .

فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا ( 30 )

( فَذُوقُوا ) أي يقال لهم: فذوقوا، ( فَلَنْ نـزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا )

 

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ( 31 ) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ( 32 ) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ( 33 ) وَكَأْسًا دِهَاقًا ( 34 ) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا ( 35 ) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ( 36 ) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ( 37 )

قوله عز وجل: ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ) فوزًا ونجاةً من النار، وقال الضحاك: متنـزها. ( حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ) يريد أشجار الجنة وثمارها. ( وَكَوَاعِب ) جواري نواهد قد تكعبت ثُدِيُّهُن، واحدتها كاعب، ( أَتْرَابًا ) مستويات في السن. ( وَكَأْسًا دِهَاقًا ) قال ابن عباس والحسن وقتادة وابن زيد: مترعة مملوءة. وقال سعيد بن جبير ومجاهد: متتابعة. قال عكرمة: صافية. ( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا ) باطلا من الكلام ( وَلا كِذَّابًا ) تكذيبًا، لا يكذب بعضهم بعضًا. وقرأ الكسائي « كذابا » بالتخفيف مصدر [ كاذب ] كالمكاذبة، وقيل: هو الكذب. وقيل: هو بمعنى التكذيب كالمشدد. ( جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ) أي جازاهم جزاء وأعطاهم عطاء « حسابًا » أي: كافيًا وافيًا، يقال: أحسبت فلانًا، أي أعطيته ما يكفيه حتى قال حسبي. وقال ابن قتيبة: « عطاء حسابا » أي كثيرًا وقيل: هو جزاء بقدر أعمالهم. ( رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ ) قرأ أهل الحجاز، وأبو عمرو: « ربُّ » رفع على الاستئناف و « الرحمن » خبره. وقرأ الآخرون بالجر اتباعًا لقوله: « من ربك » وقرأ ابن عامر، وعاصم، ويعقوب: « الرحمنِ » جرًا اتباعًا لقوله: « رب السماوات » وقرأ الآخرون بالرفع، فحمزة والكسائي يقرآن « ربِّ » بالخفض لقربه من قوله: « جزاءً من ربك » ويقرآن « الرحمنُ » بالرفع لبعده منه على الاستئناف، وقوله: ( لا يَمْلِكُونَ ) في موضع رفع، خبره.

ومعنى ( لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ) قال مقاتل: لا يقدر الخلق على أن يكلموا الرب إلا بإذنه. وقال الكلبي: لا يملكون شفاعة إلا بإذنه.

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ( 38 )

( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ ) أي في ذلك اليوم ( وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا ) واختلفوا في هذا الروح، قال الشعبي والضحاك: هو جبريل.

وقال عطاء عن ابن عباس: « الروح » ملك من الملائكة ما خلق الله مخلوقًا أعظم منه، فإذا كان يوم القيامة قام وحده صفا وقامت الملائكة كلهم صفًا واحدا، فيكون عظم خلقه مثلهم .

وعن ابن مسعود قال: الروح ملك أعظم من السماوات ومن الجبال، ومن الملائكة وهو في السماء الرابعة، يسبح كل يوم اثني عشر [ ألف ] تسبيحة، يُخلق من كل تسبيحة ملك يجيء يوم القيامة صفا وحده .

وقال مجاهد، وقتادة، وأبو صالح: « الروح » خلق على صورة بني آدم ليسوا بناس يقومون صفًا والملائكة صفًا، هؤلاء جند وهؤلاء جند.

وروى مجاهد عن ابن عباس قال: هم خلق على صورة بني آدم وما ينـزل من السماء ملك إلا معه واحد منهم .

وقال الحسن: هم بنو آدم . ورواه قتادة عن ابن عباس، وقال: هذا مما كان يكتمه ابن عباس .

« والملائكة صفا » قال الشعبي: هما سماطا رب العالمين، يوم يقوم سماط من الروح وسماط من الملائكة.

( لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ) في الدنيا، أي حقًا. وقيل: قال: لا إله إلا الله .

ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ( 39 ) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ( 40 )

( ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ) الكائن الواقع يعني يوم القيامة ( فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ) مرجعًا وسبيلا بطاعته، أي: فمن شاء رجع إلى الله بطاعته. ( إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا ) يعني العذاب في الآخرة، وكل ما هو آت قريب. ( يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) أي كل امرئ يرى في ذلك اليوم ما قدم من العمل مثبتًا في صحيفته، ( وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا )

قال عبد الله بن عمرو: إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مدّ الأديم، وحشرت الدواب والبهائم والوحوش، ثم يجعل القصاص بين البهائم حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء تنطحها، فإذا فرغ من القصاص قيل لها: كوني ترابًا، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابًا. ومثله عن مجاهد.

وقال مقاتل: يجمع الله الوحوش والهوام والطير فيقضي بينهم حتى يُقتصَ للجماء من القرناء، ثم يقول لهم: أنا خلقتكم وسخرتكم لبني آدم وكنتم مطيعين إياهم أيام حياتكم، فارجعوا إلى الذي كنتم، كونوا ترابًا، فإذا التفت الكافر إلى شيء صار ترابًا، يتمنى فيقول: يا ليتني كنت في الدنيا في صورة خنـزير، وكنت اليوم ترابًا.

وعن [ أبي الزناد عبد الله بن ذكوان ] قال: إذا قضى الله بين الناس وأمر أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، وقيل لسائر الأمم ولمؤمني الجن عودوا ترابًا فيعودون ترابًا، فحينئذ يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا. وبه قال ليث بن [ أبي ] سليم: مؤمنو الجن يعودون ترابًا

وقيل: إن الكافر هاهنا إبليس وذلك أنه عاب آدم وأنه خلق من التراب وافتخر بأنه خلق من النار، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه المؤمنون من الثواب والرحمة، وما هو فيه من الشدة والعذاب، قال: يا ليتني كنت ترابا. قال أبو هريرة فيقول: التراب لا ولا كرامة لك، من جعلك مثلي؟.

 

أعلى