تفسير البغوي

67 - تفسير البغوي سورة الملك

التالي السابق

سورة الملك

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 1 ) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ( 2 )

( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) قال عطاء عن ابن عباس: يريد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة.

وقال قتادة: أراد موت الإنسان وحياته في الدنيا جعل الله الدنيا دار حياة وفناء، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء .

قيل إنما قدم الموت لأنه إلى القهر أقرب: وقيل: قدمه لأنه أقدم لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوهما ثم اعترضت عليها الحياة.

وقال ابن عباس: خلق الموت على صورة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات وخلق الحياة على صورة فرس بلقاء [ انثى ] وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي، وهي التي أخذ السامري قبضة من أثرها فألقى على العجل فحيي.

( لِيَبْلُوَكُمْ ) فيما بين [ الحياة إلى الموت ] ( أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) روي عن ابن عمر مرفوعا: « أحسن عملا » أحسن عقلا وأورع عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله

وقال فضيل بن عياض « أحسن عملا » أخلصه وأصوبه. وقال: العمل لا يقبل حتى يكون خالصًا صوابًا الخالص: إذا كان لله والصواب: إذا كان على السنة.

وقال الحسن: أيكم أزهد في الدنيا وأترك لها.

وقال الفَّراء: لم يوقع البلوى على « أى » [ إلا ] وبينهما إضمار كما تقول بلوتكم لأنظر أيكم أطوع . ومثله: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ ( القلم- 40 ) أي: سلهم وانظر أيهم فـ « أي » : رفع على الابتداء « وأحسن » خبره ( وَهُوَ الْعَزِيزُ ) في انتقامه ممن عصاه ( الْغَفُورُ ) لمن تاب إليه.

الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ( 3 ) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ( 4 )

( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ) طبقًا على طبق بعضها فوق بعض ( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) قرأ حمزة والكسائي: « من تفوت » بتشديد الواو بلا ألف، وقرأ الأخرون بتخفيف الواو وألف قبلها. وهما لغتان كالتَّحَمُّل والتحامل والتطهر والتطاهر. ومعناه: ما ترى يا ابن آدم في خلق الرحمن من اعوجاج واختلاف وتناقض بل هي مستقيمة مستوية. وأصله من « الفوت » وهو أن يفوت بعضها بعضا لقلة استوائها ( فَارْجِعِ الْبَصَرَ ) كرر النظر، معناه: انظر ثم ارجع ( هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) شقوق وصدوع.

( ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) قال ابن عباس: مرة بعد مرة ( يَنْقَلِبْ ) ينصرف ويرجع ( إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا ) صاغرًا ذليلا مبعدًا لم يرَ ما يهوى ( وَهُوَ حَسِيرٌ ) كليل منقطع لم يدرك ما طلب. وروي عن كعب أنه قال: السماء الدنيا موج مكفوف والثانية مرمرة بيضاء والثالثة حديد والرابعة [ صفراء ] وقال: نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء بين [ السماء ] السابعة إلى الحجب السبعة صحارى من نور .

وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ( 5 ) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 6 ) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ( 7 ) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ( 8 ) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ ( 9 ) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ( 10 ) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ ( 11 ) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ( 12 )

( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ) أراد الأدنى من الأرض وهي التي يراها الناس. ( بِمَصَابِيحَ ) [ أي: الكواكب واحدها: مصباح وهو السراج سُمي الكوكب مصباحًا ] لإضاءته ( وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا ) مرامي ( لِلشَّيَاطِينِ ) إذا استرقوا السمع ( وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ ) في الآخرة ( عَذَابِ السَّعِيرِ ) النار الموقدة. ( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا ) وهو أول نهيق الحمار وذلك أقبح الأصوات ( وَهِيَ تَفُورُ ) تغلي بهم كغلي المِرْجل. وقال مجاهد: تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل.

( تَكَادُ تَمَيَّزُ ) تنقطع ( مِنَ الْغَيْظِ ) من تغيظها عليهم، قال ابن قتيبة: تكاد تنشق غيظًا على الكفار ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ ) جماعة منهم ( سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا ) سؤال توبيخ ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ) رسول ينذركم.

( قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا ) للرسل ( مَا نـزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ )

( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ ) من الرسل ما جاءونا به ( أَوْ نَعْقِلُ ) منهم. وقال ابن عباس: لو كنا نسمع الهدى أو نعقله فنعمل به ( مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) قال الزجاج: لو كنا نسمع سمع من يعي ويتفكر أو نعقل عقل من يميز وينظر ما كنا من أهل النار.

( فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا ) بعدًا ( لأصْحَابِ السَّعِيرِ ) قرأ أبو جعفر والكسائي « فسحقا » بضم الحاء، وقرأ الباقون بسكونها وهما لغتان مثل الرُّعُب والرّعْب والسُّحُت والسُّحْت.

 

وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( 13 ) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ( 14 ) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ( 15 ) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ( 16 )

إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ قال ابن عباس: نـزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام بما قالوا فقال بعضهم لبعض: أسروا قولكم كي لا يسمع إله محمد .

فقال الله جل ذكره: ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ) ألا يعلم ما في الصدور مَنْ خلقها ( وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) لطيف علمه في القلوب الخبير بما فيها من الخير والشر والوسوسة. وقيل « مَنْ » يرجع إلى المخلوق، أي ألا يعلم الله مخلوقه؟

( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا ) سهلا لا يمتنع المشي فيها بالحزونة ( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ) قال ابن عباس وقتادة: في جبالها. وقال الضحاك: في آكامها. وقال مجاهد: في طرقها وفجاجها. قال الحسن: في سبلها. وقال الكلبي: في أطرافها. وقال مقاتل: في نواحيها. قال الفراء: في جوانبها والأصل في الكلمة الجانب، ومنه منكب الرجل والريح النكباء وَتنكَّب فلان [ أي جانب ] ( وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ) مما خلقه رزقًا لكم في الأرض. ( وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) أي: وإليه تبعثون من قبوركم. ثم خوَّف الكفار فقال: ( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) قال ابن عباس: أي: عذاب مَنْ في السماء إن عصيتموه ( أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ) قال الحسن: تتحرك بأهلها. وقيل: تهوي بهم. والمعنى: أن الله تعالى يحرِّك الأرض عند الخسف بهم حتى تلقيهم إلى أسفل، تعلو عليهم وتمر فوقهم. يقال: مَارَ يَمُورُ، أي: جاء وذهب.

أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ( 17 ) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ( 18 ) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ( 19 ) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ ( 20 ) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ( 21 ) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 22 )

( أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ) ريحًا ذات حجارة كما فعل بقوم لوط. ( فَسَتَعْلَمُونَ ) في الآخرة وعند الموت ( كَيْفَ نَذِيرِ ) أي إنذاري إذا عاينتم العذاب.

( وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) يعني كفار الأمم الماضية ( فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ) أي إنكاري عليهم بالعذاب.

( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ ) تصف أجنحتها في الهواء ( وَيَقْبِضْنَ ) أجنحتها بعد البسط ( مَا يُمْسِكُهُنَّ ) في حال القبض [ والبسط ] أن يسقطن ( إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ )

( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ ) استفهام إنكار. قال ابن عباس: أي منعة لكم ( يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ) يمنعكم من عذابه ويدفع عنكم ما أراد بكم. ( إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ ) أي في غرور من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينـزل بهم.

( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ) أي من الذي يرزقكم المطر إن أمسك الله [ عنكم ] ( بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ ) تمادٍ في الضلال ( وَنُفُورٍ ) تباعد من الحق. وقال مجاهد: كفور. ثم ضرب مثلا فقال: ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ ) راكبًا رأسه في الضلالة والجهالة أعمى القلب والعين لا يبصر يمينًا ولا شمالا وهو الكافر. قال قتادة: أكبَّ على المعاصي في الدنيا فحشره الله على وجهه يوم القيامة ( أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا ) معتدلا يبصر الطريق وهو ( عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وهو المؤمن. قال قتادة: يمشي يوم القيامة سويًا.

قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ ( 23 ) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 24 ) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 25 ) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ( 26 )

( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ ) قال مقاتل: يعني أنهم لا يشكرون رب هذه النعم. ( قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْم عنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * فَلَمَّا رَأَوْهُ ) يعني: العذاب في الآخرة - على قول أكثر المفسرين - وقال مجاهد: يعني العذاب ببدر

 

فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ( 27 ) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( 28 ) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 29 )

( زُلْفَةً ) أي قريبًا وهو [ اسم يوصف به المصدر يستوي فيه ] المذكر والمؤنث والواحد والاثنان [ والجميع ] ( سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) اسودت وعليها كآبة، والمعنى قبحت وجوههم بالسواد، يقال: ساء الشيء يسوء فهو سيئ إذا قبح، وسيئ يساء إذا قبح ( وَقِيلَ ) لها أي قال الخزنة ( هَذَا ) أي هذا العذاب ( الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ) تفتعلون من الدعاء تدعون وتتمنون أنه يعجِّل لكم، وقرأ يعقوب تدعون بالتخفيف، وهي قراءة قتادة ومعناهما واحد مثل تذكرون وتذكرون.

( قُلْ ) يا محمد لمشركي مكة الذين يتمنون [ هلاكك ] ( أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ ) من المؤمنين ( أَوْ رَحِمَنَا ) فأبقانا وأخَّر آجالنا ( فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) فإنه واقع بهم لا محالة. وقيل: معناه أرأيتم إن أهلكني الله فعذبني ومن معي أو رحمنا فغفر لنا فنحن - مع إيماننا - خائفون أن يهلكنا بذنوبنا لأن حكمه نافذ فينا فمن يجيركم ويمنعكم من عذابه وأنتم كافرون؟ وهذا معنى قول ابن عباس.

( قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ ) الذي نعبده ( آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ ) قرأ الكسائي بالياء، وقرأ الباقون بالتاء. ( مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) أي ستعلمون عند معاينة العذاب من الضال منا نحن أم أنتم؟

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ( 30 )

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا ) غائرًا ذاهبًا في الأرض لا تناله الأيدي والدلاء. قال الكلبي ومقاتل: يعني ماء زمزم ( فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ) ظاهر تراه العيون وتناله [ الأيدي ] والدلاء. وقال عطاء عن ابن عباس: معين أي جار.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني أبو الحسن الفارسي، حدثنا أبو عبد الله محمد بن يزيد، حدثنا أبو يحيى البزاز، حدثنا [ محمد بن يحيى ] حدثنا أبو داود، حدثنا عمران، عن قتادة، عن عباس الجشمي، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل فأخرجته من النار يوم القيامة وأدخلته الجنة، وهي سورة تبارك » .

 

أعلى