فهرس تفسير بن كثير للسور

101 - تفسير بن كثير سورة القارعة

التالي السابق

 

تفسير سورة القارعة

 

وهي مكية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الْقَارِعَةُ ( 1 ) مَا الْقَارِعَةُ ( 2 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ( 3 ) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ( 4 ) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ( 5 ) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ( 6 ) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ( 7 ) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ( 8 ) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ( 9 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ( 10 ) نَارٌ حَامِيَةٌ ( 11 )

( الْقَارِعَةُ ) من أسماء يوم القيامة، كالحاقة، والطامة، والصاخة، والغاشية، وغير ذلك.

ثم قال معظمًا أمرها ومهولا لشأنها: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ) ؟ ثم فسر ذلك بقوله: ( يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ) أي:في انتشارهم وتفرقهم، وذهابهم ومجيئهم، من حيرتهم مما هم فيه، كأنهم فراش مبثوث كما قال في الآية الأخرى: كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ

وقوله: ( وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ) يعني:قد صارت كأنها الصوف المنفوش، الذي قد شَرَع في الذهاب والتمزق.

قال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، وعطاء الخراساني، والضحاك، والسدي: « الْعِهْنِ » الصوف.

ثم أخبر تعالى عما يئول إليه عمل العاملين، وما يصيرون إليه من الكرامة أو الإهانة، بحسب أعمالهم، فقال: ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ) أي:رجحت حسناته على سيئاته، ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ) يعني:في الجنة. ( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ) أي:رجحت سيئاته على حسناته.

وقوله: ( فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ) قيل:معناه:فهو ساقط هاو بأم رأسه في نار جهنم. وعَبَّر عنه بأمه- يعني دماغه- روي نحو هذا عن ابن عباس، وعكرمة، وأبي صالح، وقتادة - قال قتادة:يهوي في النار على رأسه وكذا قال أبو صالح:يهوون في النار على رءوسهم.

وقيل:معناه: ( فَأُمُّهُ ) التي يرجع إليها، ويصير في المعاد إليها ( هَاوِيَةٌ ) وهي اسم من أسماء النار.

قال ابن جرير:وإنما قيل:للهاوية أمه؛ لأنه لا مأوى له غيرها .

وقال ابن زيد:الهاوية:النار، هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ويأوي إليها، وقرأ: وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ [ آل عمران:151 ] .

قال ابن أبي حاتم:وروي عن قتادة أنه قال:هي النار، وهي مأواهم. ولهذا قال تعالى مفسرا للهاوية: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ )

قال ابن جرير:حدثنا ابن عبد الأعلى:حدثنا ابن ثور، عن مَعْمَر، عن الأشعث بن عبد الله الأعمى قال:إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين، فيقولون:رَوِّحُوا أخاكم، فإنه كان في غَمّ الدنيا. قال:ويسألونه:وما فعل فلان ؟ فيقول:مات، أو ما جاءكم؟ فيقولون:ذهب به إلى أمه الهاوية

وقد رواه ابن مَرْدَويّه من طريق أنس بن مالك مرفوعًا، بأبسط من هذا. وقد أوردناه في كتاب صفة النار، أجارنا الله منها بمنه وكرمه .

وقوله: ( نَارٌ حَامِيَةٌ ) أي:حارة شديدة الحر، قوية اللهيب والسعير.

قال أبو مصعب، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة:أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « نار بني آدم التي تُوقدون جزء من سبعين جزء من نار جهنم » . قالوا:يا رسول الله، إن كانت لكافية. فقال: « إنها فُضِّلَت عليها بتسعة وستين جُزءًا » .

ورواه البخاري، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك. ورواه مسلم عن قُتيبة، عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزِّناد، به وفي بعض ألفاظه: « أنها فُضلت عليها بتسعة وستين جزءا، كلهن مثل حرّها » .

وقال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرحمن، حدثنا حماد - وهو ابن سلمة- عن محمد بن زياد- سمع أبا هريرة يقول:سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: « نار بني آدم التي توقدون، جزء من سبعين جزءا من نار جهنم » . فقال رجل:إن كانت لكافية. فقال: « لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا حَرًّا فحرا » .

تفرد به أحمد من هذا الوجه، وهو على شرط مسلم.

وقال الإمام أحمد أيضًا:حدثنا سفيان، عن أبي الزياد عن الأعرج، عن أبي هُرَيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم - وعمرو، عن يحيى بن جَعْدة- : « إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم، وضربت بالبحر مرتين، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد » .

وهذا على شرط الصحة ولم يخرجوه من هذا الوجه، وقد رواه مسلم في صحيحه من طريق [ ابن أبي الزناد ] .

ورواه البزار من حديث عبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري: « ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا » .

وقد قال الإمام أحمد:حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز - هو ابن محمد الدراوردي- عن سُهَيل عن أبيه، عن أبي هُريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم » .

تفرد به أيضا من هذا الوجه، وهو على شرط مسلم أيضا.

وقال أبو القاسم الطبراني:حدثنا أحمد بن عمرو الخلال، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثنا مَعْن بن عيسى القزاز، عن مالك، عن عَمّه أبي سُهَيل، عن أبيه، عن أبي هُريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم؟ لهي أشد سوادًا من دخان ناركم هذه بسبعين ضعفًا » .

وقد رواه أبو مصعب، عن مالك، ولم يرفعه. وروى الترمذي وابن ماجه، عن عباس الدَّوريّ، عن يحيى بن أبي بُكَيْر:حدثنا شريك، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة » .

وقد روي هذا من حديث أنس وعمر بن الخطاب .

وجاء في الحديث - عند الإمام أحمد- من طريق أبي عثمان النَّهدي، عن أنس - وأبي نضرة العَبْديّ، عن أبي سعيد وعَجْلان مولى المُشْمَعّل، عن أبي هريرة - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان يغلي منهما دماغه » .

وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « اشتكت النار إلى ربها فقالت:يا رب، أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنَفَسين:نفس في الشتاء، ونفس في الصيف. فأشد ما تجدون في الشتاء من بردها، وأشد ما تجدون في الصيف من حرها » .

وفي الصحيحين: « إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فَيح جَهَنم » .

آخر تفسير سورة « القارعة »

 

أعلى